مجلة جماعة الإبداع الجميل

مجلة مختصة بأخبار الثقافة والادب وتبنى المواهب فى كافة مناحى الحياة

 

قصة نجاح فارسة من حرائر ريفنا الفلسطيني , السيدة ام انس , والتي لا تختلف كثيرا في ظروفها عن أي امرأة في أي ريف من ارياف وطننا العربي , فالريف هو الريف , والظروف نفس الظروف , مع فوارق بسيطة كالاحتلال مثلا , لكن النساء يتمايزن بعض الشيء , وام انس امرأة ريفية مكافحة وقفت الى جانب زوجها وتكاتفه في الايام العصيبة , بصبر وقوة وعزيمة وثبات , حتى تركت بصمة واضحة في حياة اسرتها ومحيطها . سنترك المجال لام انس تروي قصتها بنفسها فهي ادق في الرواية , واصدق في التعبير . فتقول وعمر القارئين يطول : 
ما عشت في الريف يوما , ولا اعرف عن حياة اهله شيئا , ولكنني وجدت نفسي فجأة قرينة شاب ريفي , اضطرته ظروف الحياة ان يترك المدرسة مبكرا , وينزل الى سوق العمل بغير سلاح , بعد أن فقدت اسرته معيلها الوحيد , فأجبرته الحاجة للقبول باي عمل متوفر , فتجده يوما يعمل في قطف الثمار مع المزارعين , وآخر في البناء , وثالث على بسطة لبيع منتجات الريف . ومما زاد الطين بلة انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثانية ( انتفاضة الاقصى المبارك ) ــ والتي دامت خمس سنوات عجاف ــ مع تشديد الحصار علينا من قبل دولة الاحتلال , حتى كان يمر علينا اليوم واليومان والعشرة ولا يدخل بيتنا قرش واحد , لشدة الحصار ومنع التجوال , واغلاق الطرق المؤدية الى القرى والمدن الفلسطينية . 
كنت اسكن في غرفة في بيت عائلة زوجي المكون من ثلاث غرف تتبعه حاكورة صغيرة , والحاكورة لمن لا يعرفها قطعة ارض فارغة تابعة للبيت الريفي , تحوي بعض اشجار الفاكهة . فكان لابد والحالة هذه ان لا اقف مكتوفة اليدين , اتفرج على بيت يكاد ينهار , وعائلة تبيت على الطوى , فقد تعلمت من والدي صلابة الموقف , وعزة النفس والاعتماد على الذات , ومن والدتي كيف اكون ربة بيت ناجحة . زوجي رجل طيب يحبني واحبه , فلا بد من الوقوف معه , اما كيف سأقول لكم : تخليت عن بعض ذهبي لشراء شاتين حلابتين , ودجاجات وزوج من الارانب , من الفصائل التى تصلح للتربية في بلادنا . وكان عندنا جحيش صغير , اخذ زوجي يمتطي صهوته كل صباح لإحضار العشب للماشية , والحطب لحاجات البيت المختلفة ؛ من طبخ وخبيز وتسخين الماء وللتدفئة في الشتاء , فنحن نادرا من نستعمل المحروقات في بيتنا , تعلمت العجين والخبز في فرنية الحطب . ثم تعاونّا ــ انا وزوجي ــ على نكش الحاكورة , واخذنا نزرعها بأصناف الخضار التي يحتاجها البيت . كنت احس في عينيه نظرة الاعتذار عن التعب الذي اكابده معه , وانه كان يحلم لي بحياة افضل لولا الظروف , فابتسم واشعره بالرضى وبالسعادة طالما انني الى جواره . نكافح معا من اجل بيتنا الذي سنبنيه سوية , واولادنا الذين سنشرف على تربيتهم وتعليمهم . 
وسارت عجلة الحياة على تلك الحال , وما استفقت الا وقد اصبح لدي خمسة ابناء اخرهم دخل المدرسة هذا العام , مع تميّز اخوته وتفوقهم في دراستهم , وحصولهم على المراكز الاولي في صفوفهم , اضافة الى تفوّقهم في النشاطات اللامنهجية . واصبحت الشاتان شليّة اغنام , ولا ابالغ اذا قلت لكم اننا وصلنا درجة الاكتفاء الذاتي في المأكل والمشرب , واستطعنا شراء قطعة ارض مناسبة وبنينا فوقها بيتا جميلا , وزيناه بأشجار الزيتون والفاكهة . ونعيش اليوم في سعادة ويسر وبحبوحة , نحمد الله عليها ونتمنى دوامها , وزوال الاحتلال عنا . 
اما برنامجي اليومي فيبدا مع الفجر , فبعد الصلاة اعجن الدقيق واتركه حتى يخمر على مهل , ثم اذهب فاحلب المواشي واجمع البيض من قن الدجاج . اغلي الحليب , اخذ حاجة الاولاد الصباحية , واصنع من الباقي الجبن او الزبادي حسب حاجة العائلة والسوق . اجهز الافطار واوقظ الاولاد واباهم . يفطرون وعادة ما يكون الافطار بيتي التكوين ؛ من زيت وقطع من الجبن او اللبنة والزعتر او البيض , وكوبا من الحليب الطازج . ثم يغادر كلٌ الى وجهته . عند ذلك يكون العجين قد اختمر , احمله واذهب به الى الفرنية الموجودة في احدى زوايا الحوش , اوقد النار فيها واخبز واعود معرّجة على حجرة عمتي والدة زوجي , لنتناول معا وجبة الافطار بالخبز الساخن . اذهب بعد ذلك لأجهز الغداء , قبيل حضور الاولاد وابيهم . على الغداء تجتمع الاسرة بكامل افرادها , ثم يأخذ كل منا قسطا من الراحة . بعد العصر يبدا برنامج التدريس , حيث اتابع مع الاولاد دروسهم الواحد تلو الاخر , اسال اشرح واوضح واوجّه وأُمْلي واناقش واحاسب . بعد المغرب يلزم الاطفال غرفهم , يمارسون هواياتهم المفضلة , بينما نستعد نحن لاستقبال الزائرين , او زيارة الاقارب والاصدقاء والجيران . او التسوق . هذا هو ديدن حياتنا اليومي , تغمرنا البهجة ودفء الاسرة , وترفرف على بيتنا فراشات المحبة والسعادة والامل , نحلم بغد مشرق لأبنائنا يجنبهم المعاناة التي كابدناها اول حياتنا . 
هذا نموذج لام مثالية من امهاتنا الفاضلات , وريفنا الاشم مليء بمثل هذه النماذج , فلتتعلم بناتنا بارك الله بهن من تجربة هذه الام , ولا يستعجلن بحبوحة العيش , فما اطيب اللقمة المغموسة بعرق الجبين , وما اجمل تكاتف وتعاضد الزوجين لبناء اسرة سعيدة . طبتم وطابت اوقاتكم

samirahmedelkot

جماعة الابداع الجميل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 53 مشاهدة
نشرت فى 11 ديسمبر 2015 بواسطة samirahmedelkot

مجلة جماعة الابداع الجميل لشعراء القمر والنيل

samirahmedelkot
جماعة الابداع الجميل واحة لكل ابداع اصيل معاً نرحب بالمبدعين في كافة فروع الابداع (موسيقى - شعر - غناء -فنون تشكيلية - انشاد دينى - ابتهالات - ثقافة - صحافة - تمثيل - اخراج ...الخ ) ...نرحب بكل صاحب موهبة وكل ابداع حقيقى يقف على الطريق لنأخذ بيده ..نقيم انتاجه »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

101,806