انا ايها السادة الكرام رجل متقاعد, يعني لا شغلة ولا مشغلة , لكن يومي يبدأ بعد صلاة الفجر بقراءة ما تيسر من كتاب الله , ثم اجلس الى هذا الجهاز المحبب الى قلبي ( الكمبيوتر) , اكتب او ادون او اتصفح او اعلق , الى ما قبل صلاة الظهر , قد اتجول ــ في وقت مستقطع ــ في ساحة المنزل , اصلي الظهر فتبدأ فترة القيلولة التي تستمر الى العصر . ساعة العصاري اجلس في ساحة المنزل , أحمص عظامي على دفء شمس الربيع , بين الماء والخصراء وشيطنة الأحفاد ومشاكساتهم ومشاكلهم التي لا تنتهي , فاجد نفسي وقد نُصّبت قاضيا بينهم رغما عن انفي ؛ استمع لمرافعات ودفاع وشهود , واحيانا قد يتطلب الامر مخبرين , في مشهد هو الذ على مسامعي من ناي جبران وعود فريد الاطرش وسمفونية بتهوفن الشهيرة . بعد المغرب اذا لم اكن زائرا او مزورا اجلس الى العائلة اسمع واناقش واسال واستفسر. ولا بد من المرور قبيل النوم على جهازي الحبيب واتفقد الفيس . اما ان يصل الامر الى المنام فهذا كثير !! كيف سأقول بعد ان تصلوا على طه الرسول:
رأيت قبل يومين فيما براه النائم ان احد اصدقائي على الفيسبوك صمم ايقونة على شكل جراب طويل , تنقر عليها وتدون فيها ما يحلو لك , نقرت عليها فوجدت احدهم دون بيتا من الشعر واخر حكمة وثالثا مثلا واخر خاطرة , ولا ادري لم خطر ببالى المثل( يا ما في الجراب يا حاوي) فكتبته وافقت من النوم وانا اضحك , افاقت ام العيال على ضحكاتي قائلة: بسم الله , اسم الله عليك يا زلمة , مالك؟ فاخبرتها عن الحلم , فضحكت وقالت ( احنا مش خالصين من الفيس طول النهار حتى يلحقنا في الليل لغرفة النوم ) . في النهار سألت بعض أولادي ’ وسالوا أصدقاءهم عن معنى الكلمتين الجراب والحاوي , فلم اقع منهم على تفسير مريح , قلت اذن هي فرصة , ساخوض في هذا المضمار وامسك الذيب من ذيله , لأوضح معنى هاتين الكلمتين , ومتى يطلق هذا المثل فاقول: الجراب ـــ ايها الافاضل ـــ كيس من القماش السميك او الصوف , والحاوي هو الذي يصطاد الافاعي ويروضها لترقص على انغام مزماره في الاحتفالات والأعياد . وبالمناسبة فالافاعي لا تيسمع , ولكنها ترقص على حركات الحاوي . تطور الأمر فأصبح يطلق على الساحر الذي يقف امام الناس فيخرج من جرابه اشياء ثم يحولها الى اشياء غريبة , يخرج مثلا منديلا فيحوله الى عصا , أوبيضة فيخفيها بين يديه لتخرج حمامة , وقد تتحول الحمامة الى ارنب يقفز على المسرح , وهكذا . ثم اصبح المثل يطلق على من ياتي بعدة اخبار عجيبة لا تكاد تصدق ثم يقول : ( ويا ما في الجراب يا حاوي ) اي مازال عندي الكثير من الأخبار العجيبة . مثلا : تدخل مجلسا فتري شخصا يكاد يتميز من الغيظ يحتاج نكشة خفيفة لينفجر بالكلام فتكون انت هذه النكشة , فتقول له : هونها يا رجل نص الالف خمسمية فينفجر بالكلام : شو بدو يهونها ؟ تصور يا رجل ! الحكومة امس رفعت سعر المحروقات نصف بالمئة , فتقول له : الامر بسيط لا يكاد يذكر, فيقول : اصطبحنا بالكنترول ( الذي يجمع الاجرة من الركاب في الحافلات) يقف كالشبح : تري يا اخوان الديزل ارتفع , والاجرة ارتفعت من 45 الى 49قرشا , لذلك ما تحرجونا وكل واحد لو سمحتوا يحضر 49 , انا ما معي صرافة ارجع قرش لمن يعطيني نصف دينار . يعني ببساطة سياخذ الى جيبه عن كل راكب طوال النهار قرشا واحدا , وكذلك استفاد السائق وصاحب الحافلة , والخاسر الوحيد هو المواطن المضطر لركوب الحافلة يوميا والذهاب الى عمله , وقد يحتاج الامر الى مواصلتين اوكثر يعني بحسبة بسيطة سيخسر يوميا عشرين قرشا . هو الراتب كله كم عشرين فيه ؟ فيرد عليه اخر: والله قضيتك بسيطة مع قضية ابني الذي يبحث عن شقة للإيجار فاصطدم بالاسعار العالية , والشروط التي يضعها المالكون : يجب ان يكون عندك ولد واحد فقط فان اصبحا اثنين فابحث لك عن بيت غيره , لا احب كثرة الزيارات , ثم تدفع اجرة نصف سنة مقدما , ثم شيك تامين لحين اخلاء الماجور , حيث يخصم منه ثمن ما فسد كالحنفيات او الدهان او مفاتيح الكهرباء او النوافذ . ينبري ثالث ليقول : تصوروا ان جارنا فسخ خطبته لان امكاناته بسيطة , والخطيبة راسها والف ..... ان تقام حفلة العرس في فندق او صالة خمسة نجوم , يقول رابع : كل هذا بسيط بجانب ما سأحدثكم به , تصوروا ان يجد حيا بكامله نفسه بين عشية وضحاها مشردا في مهب الريح , بسبب حمامة . حمامة ؟ معقول ؟؟ نعم معقول , غلام احمق يربي حمام على السطح يمارس هواية الكش ؛ حيث يدرب حمامة على الدخول في سرب حمام طائر , فتعمل بعض الحركات التي تلفت نظر السرب اليها , ثم يصفر لها فتهوي ويهوي معها السرب كله فيحبسه . يقضي الغلام النهار فوق السطح المطل على الجيران , ظن الجار العجوز ان الغلام يصفر لابنته ويغازلها , فذهب اليه ليتفاهم معه , وتصوروا حوارا بين غلام غرّ وكهل , تطور الحوار الى شجار وسباب , فما كان من الغلام الا ان انطلق فاحضر سكينا وطعن الرحل فكانت القاضية . تدخلت الحكومة وفصلت بين العائلتين واخذت الجاني الى دار الاحداث . وهنا ياتي دور العُرف ؛ الذي يقضي بان يجلو اهل القاتل واخوته وابناء عمومته وعائلاتهم عن ديارهم الى محافظة اخرى حتى يتم الصلح , وربما تمر اشهر وسنوات وربما يكون في الصلح شرط عدم عودة عائلة القاتل نهائيا الى الحي , فيخسروا بيوتهم واراضيهم بسبب حماقة غلام في لحظة طيش شيطانية . (وياما في الجراب يا حاوي ) . اقول : الى هنا ايها السادة انتهت وقائع الجلسة العلنية , يرجى من الاعلاميين اغلاق الميكرفونات ومغادرة القاعة , لتبدا وقائع الجلسة السرية فنتحدث فيها على راحتنا بلا رقيب او حسيب . وياما في الجراب يا حاوي . طبتم وطابت اوقاتكم