استسلم لمشاهدة التلفزيون... اليوم إجازة... كان من عادته أن يخرج في مثل هذا اليوم؛ يتحرر من أسر العمل؛ ويلهو مع أصدقائه حتى فجر اليوم التالي.... دعا بالويل على برد الشتاء العجيب – هذا العام -.... يشعر أن أطرافه تتجمد؛ بمجرد انفلاتها من تحت الأغطية المتراكمة فوقه؛ ولكنه مضطر لإخراجها أحياناً لتناول كوب الشاي أو فنجان القهوة... لا يكف عن التعبير عن شعوره بالضجر... لا شيء جديد أو مثير للاهتمام... اعتادت يده التي تمسك "الريموت كنترول" على البرد... أو ربما تجاهل معاناتها... فهو ينتقل بين القنوات بسرعة (3ق/ث).... شاهد كل الأفلام المذاعة في دور السينما قبل عرضها هنا.... ولا يتعلق عادة بالمسلسلات.... لا جديد على قنوات الأخبار يلفت النظر.... إنها الأمور المعتادة والمكررة؛ سياسيون "يلبسون العمة" للشعوب.... لم يتوقف كثيراً أمام تضاهي كلماتهم المتلاعبة عن "شعب عظيم"،... توقف ولكن ليس كثيراً... فقط سأل: فجأة أصبحت كل الشعوب عظيمة؟!.... ما علينا... هه.... أقلب؛ يووه نفس الكلام الفارغ عن التكفير والعمالة والمؤامرات.... أقلب، لم يتوقف أصلاً أمام مشاهد القتل التي أصبحت تنقلها القنوات "مباشرة وحصرياً" من ميادين القتال.... ما الجديد؟!..... أف، لهذه الدرجة هذا الجهاز ممل؟! كيف يتعايش معه الناس ويجلسون أمامه لساعات طويلة دون أن يفكروا في الانتحار؛ لا لشيء إلا هروباً من الملل؟!!.... تواتر على سمعه كلمة "داعش" على ثلاث قنوات متتالية.... خفف من وتيرة سرعة الريموت.... فشاهد قطعاً للرؤوس، وحرقاً لرجل حي.... لم يكترث!!...
تمر ساعات النهار مملة وهو أسير الفراش، مكبل أمام جهاز التلفاز اللعين.... لا شيء مثير؛ حتى فقرات الإعلانات التي كانت تثير انتباهه ساهمت في إملاله....
هرب إلى قناة وثائقية، فاستفزه جداً قطة تتغذى على فأر.... ما هذه الدموية؟ ملعون أبو القطط!! أليس لها قلب حتى تنهش بكل قسوة وغل هذا المخلوق الصغير الضعيف؟!....
تجاوز استفزازه مجرد الكلام؛ خرج من تحت أغطيته الكثيفة.... فتح جهاز الحاسوب ودخل على كل مواقع التواصل الاجتماعي التي له حسابات فيها، بحث على "جوجل" عن الفيلم الوثائقي الذي استفزه.... "شيره" لكل أصدقائه.... وجد صدى كبيراً وتعاطفاً واسعاً مع "الفأر" ضد القطة!!..... انتشر "الشير" مع أصدقاء الأصدقاء، ودشن بعضهم صفحات تندد بتوحش القطة.... وآخرون أنشأوا صفحات و"جروبات": "هانجيب حق الفار" أو في معناها!!.... حازت الصفحات مئات آلاف "اللايكات".... وانضم مثلهم للجروبات!!
- تمت –
القاهرة في 5/2/2015