سامحيه يا هديل بقلم علي الشافعي
على مقعد حجري أمام مبنى مكتبة إحدى أعرق جامعاتنا الرسمية , يجلس شاب وسيم قسيم جسيم , وتجلس الى جانبه فتاة ـــ صغيرة الحجم نحيلة نحيفة اذا نظرت اليها لا تكاد تراها ـــ يتبادلان معسول الكلام . يمر بهما شاب فتقف الفتاة وتحادثه . ينتظر الشاب الأول دقيقة دقيقتين ثم : يالله يا هديل بكفي تأخرنا , لكن الهديل لم تلتفت اليه وتكمل . ينتظر فترة اخرى يالله يا هديل , ولا مجيب . يشتد غضبه ويرغي ويزبد ثم يثور ويفور , فيخلع ساعته وخاتمه اللذين هما اصلا هدية منها , ويلقي بهما على الارض بعصبية جعلت الشاب الثاني يستأذن ويذهب . وهنا تنظر اليه الفتاة بغضب ملؤه الانفعال الصوتي : يعني لازم تحرجني قدام زميلي ؟ انت انسان جاهل متخلف متعصب وانا ما بشرفني ارتبط بهيك اشكال , تتركه وتتجه نحو بوابة الجامعة . يلتقط الفتى انفاسه , ويشعر بجسامة الخطأ الذي ارتكبه فيتناول الساعة والخاتم ويجري خلفها وهو يصيح : هديل ! انا اسف سامحيني . لكن هديل لم ترد وبقيت تسر بسرعة , وهو خلفها ينادي . قطعا باب الجامعة ليجدا نفسيهما في اكثر شوارع العاصمة ازدحما بالسيارات , فأخذت تقفز بينها وهو يقفز خلفها , وليس على لسانه سوى (سامحيني يا هديل , انا اسف يا هديل).الامر الذي اربك حركة المرور ,وادى الى ازمة سير خانقة . اطل الركاب من نوافذ السيارات يستطلعون الامر , وسمعوا الشاب يردد العبارة الانفة , فاخذوا يرددون ويتندرون بصوت عال , مع شوية زوامير لمن راقه الامر : سامحيه يا هديل سامحيه خلينا نتيسر . وطل رجل عجوز من فتحة سقف سيارة ــ الظاهر بصلته محروقة مثلي ــ وانه على عجلة من امره رافعا عكازه في الهواء : سامحيه يا عمي يا هديل , سامحيه , ثم يكمل ( الله لا يسامحه , الله يكسر جاهه , الله لا يكسْبه , الله ينتقم منه اللي سمح لأول بنت تدخل الجامعة ). المهم قطع الاثنان الشارع سالمين بس مع شوية كدمات وخدوش , وكثير من الشتائم والتندر . استقلت الفتاة اول سيارة واجهتها , وبقي المسكين واجما عابسا عاقد الحاجبين مقطب الجبين .
والان فاني داع فأمنوا: اللهم يا رحيم يا رحمن يا حنان يا منان : ارحم ضعفه وانكساره ودموعه آناء الليل واطراف النهار , اللهم يا مقلب القلوب ومفرج الكروب وغفار الذنوب : فرج كربته وامّن روعته وسكّن لوعته , يا مقيل عثرات الرجال اما النساء اقل عثرته ,اللهم يا من زينت مهندا في عيني نور , ومرادا في عيني لميس : زين هذا المسكين في عيني هديل , واجعل كلامه بردا وسلاما على اذنيها . اللهم رقق قلبها واجعلها تلين لتوسلاته و تفجّعاته و توجّعاته وتأوهاته . واجعلها تصفو وتصفح وترق وتسمح , ولزلته هذه تمحو وتمسح . انك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير . التعليق لكم وطابت اوقاتكم .
