آفــــــــــــــاق

الموقع خاص بالكاتب ويتضمن إنتاجه الأدبى المنشور

صــديق حمـــيم

 

       تابعني بابتسامة عريضة وعينين ضاحكتين منذ أن اقتربت منه وحتي خلفته ورائي .. وقد تملكني الخجل لعدم معرفتي به .. ترددت كثيراً .. هل ألقي عليه السلام أم لا .. وعندما تجاوزته ولم أفعل تملكني شعور بالندم .. أحسست أنني خذلته .. بل وأسأت إليه ..

لا أدري لِمَ لَمْ أتقبل يده الممدودة لي .. لا شك أنه يبحث عن صديق .. أيكون غريباً مثلي ، وأدرك أنني غريب فأراد أن يجمعنا رباط ما نواجه به إحساس الغربة .. ؟ ربما .. وربما هو يحب أن يجمع حوله الأصدقاء ، مثلي تماماً .. لكم كانت ابتسامته عريضة وعذبة .. وكم كان ذلك البريق المنبعث من عينيه جميلاً ورائقاً ، وباعثاًعلي الحب والتآلف ..

   لقد أخطأت في حقه .. وفي حق نفسي .. إنني أحتاج إلي صديق مثله .. بيننا أوجه تشابه كثيرة .. إنه تقريباً في مثل سنّي ، وإن كنت أنا أكثر نحافة ، وهذا ليس مهماً علي الإطلاق .. قدأكون أكبر منه بعام .. أو قد أصغره بعام ، لا يهم .. لا يهم .. المهم أننا أبناء جيل واحد .. يهتم بنفس الأشياء .. يسمع نفس الأغاني .. يقرأ نفس الكتب .. يلبس نفس الطراز.. صحيح أنا أهتم بالقراءة أكثر من معظم أصدقائي .. لكن .. ربما كان هو كذلك .. سوف يكون هذا من دواعي سروري .. وسوف نصبح صديقين حميمين .. نتبادل الكتب ، كما نتبادل الأفكاروالآراء .. ربما نختلف أحياناً .. لكن الإختلاف في الرأي لن يفسد قضية الود بيننا .. بل سيقوي علاقتنا ويبعث فيها الحيوية والحرارة ..  أكاد أجزم أننا سوف نتفق في الكثير من آراءنا .. نعم .. وستكون لنا أمسيات رائعة، علي المقاهي وفي شوارع المدينة ودروبها ، فأنا أحب المشي ليلاً ، ولا شك أنه كذلك ..

   وإذن .. فلي الحق أن ألوم نفسي لأنني لم أبادله ابتسامته ولو بتحية مقتضبة .. مجرد إشارة يفهم منها أنني تقبلت صداقته .. وأنني أرحب بها ، بل وأسعد بها وأتمناها .. حقاً ..  لقد أخطأت في حقه  وحق نفسي ، فلو ضاعت هذه الفرصة مني .. ربما لا تصادفني مثلها ثانية .. إنني كثيراً ما أضعت فرصاً في حياتي .. لكنني – وأقسم علي ذلك – لن أترك هذه الفرصة تضيع من يدي .. أنا غريب وأحتاج لصديق يهون علي غربتي .. وهو يمد لي يده .. لن أردها .. في الغد .. نعم في الصباح سوف أبتسم له أنا أيضاً .. لا .. لا.. لن أكتفي بذلك .. سوف أصافحه .. نعم .. أصافحه يداً بيد .. وربما .. ربما قبلته .. لمَ لا .. أليس صديقاً لي .. قد نتكلف بعض الشيء في البداية، لكنني سأحاول أن أذيب جليد التكلف سريعاً .. بل إنني سوف أطلب منه ذلك .. سأقول له : " لنكن صديقين حميمين من أول يوم.. لا داعي للتكلف " ..

   في الغد .. سوف أدعوه لتناول الشاي معي في غرفتي .. وربما دعوته للغذاء .. وإذا ما فعل هو .. سوف ألبي دعوته فوراً دون أن أتمنع ، فنحن صديقين حميمين .. لا فرق بيننا علي الإطلاق ..

استرحت إلي خواطري .. فنمت ..

   في الصباح .. استيقظت نشيطاً مستبشراً.. ارتديت أفضل ثيابي .. وانطلقت إلي عملي .. تفحصت مكان وقوفه بالأمس ، وتخيلت ابتسامته العريضة ، وبريق عينيه الأخاذ .. ابتسمت في داخلي .. لكنه لم يكن هناك .. قلت في نفسي .. " ربما ذهب إلي عمله " ، تمنيت أن يكون مكان عمله قريب من مكان عملي .. ستكون صحبة ممتعة بلا شك .. وأخذت أثناء العمل أستعجل مرور الوقت ..

   عند العودة .. أحسست أن الطريق طويل فأسرعت الخطا .. وأخيراً انعطفت إلي الشارع الذي أسكن في نهايته .. ولمحته عن بعد .. كان هناك .. اضطرب قلبي قليلاً وأسرعت أكثر .. لكنه لم يكن وحده .. كان هناك في مكانه الذي رأيته فيه بالأمس وحوله حلقة من الصغار يعابثونه ويعابثهم - انا ايضاً أحب الأطفال – لكن .. لكنهم كانوا يضربونه .. والتقطت أذني كلماتهم له ..

لم أصدق ما أري .. مررت من أمامه ، فمه مفتوح علي الدوام ولعابه يسيل علي جانبيه .. وبريق عينيه كما رأيته بالأمس ، لكنه كان أشبه ببريق الدموع .. تجا وزته دون أن يلتفت إليٍّ أو حتي يلحظ وجودي.. بعد أن تجاوزته بمسافة ، التفت خلفي رغماً عني .. كان يتابعني بإبتسامة بلهاء .. وعينين لامعتين ..

   دفعت باب حجرتي .. ألقيت بنفسي علي الفراش وظللت ساكناً .. صامتاً .. حزيناً .. ورحت أراجع أوجه التشابه التي تجمع بيني وبينه ...

 

 

samibatta

أهلاً ومرحباً بك عزيزى القارئ .. أرجو ألاّ تندم على وقتك الذى تقضيه معى ، كما أرجو أن تتواصل معى وتفيدنى بآرائك ومناقشاتك وانتقاداتك ..

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 197 مشاهدة
نشرت فى 26 ديسمبر 2010 بواسطة samibatta

ساحة النقاش

سامى عبد الوهاب بطة

samibatta
أهلاً ومرحباً بك عزيزى القارئ .. أرجو ألاّ تندم على وقتك الذى تقضيه معى على صفحات هذا الموقع .. كما أرجو أن تتواصل معى بالقراءة والنقد والمناقشة بلا قيود ولا حدود .. ولكل زائر تحياتى وتقديرى .. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

89,611