ليس بالضرورة أن ينمو العنف والإرهاب في بلدان فقيرة تسودها الأمية والتخلف، فقد انتشرت ثقافة النازية والفاشية، وعقلية «الكاميكاز» في بلدان ذات دساتير ونظم وانتخابات حرة، وفي ظل العقلية القومية التي ترى نفسها متطورة عرقياً عن الأجناس الأخرى كانت سبباً لقيام الحروب الكبرى وما تلاها من أزمات..
الآن، وفي المنطقة العربية غربها وشرقها، تنشأ حروب صغيرة ولكنها أخذت الاتجاه الأممي باستقطابها عناصر من وسط بيئة الدول الديمقراطية في أوروبا وأمريكا، وكذلك الدول الإسلامية وغيرها، لكن ما هي مغريات شاب أوروبي أو شابة يعيش حياة مستقرة للذهاب إلى مراكز الحروب والانتظام مع داعش وقبلها القاعدة، وما هي المخاطر من أن يتحول أولئك الأفراد إلى جماعات إرهابية في داخل تلك الدول، ونواة لتطرفٍ بدوافع ذاتية أو ظروف الفوارق التي تقسم أو تفصل بين المواطن الأصلي، والآخر الذي حصل على الجنسية ولكنه لم يندمج في وطن الغربة؟
المراهق من الجنسين، ومن تستهويهم المغامرة والبطولة، هما مركز الاستقطاب لهذه الفئات لانعدام الشعور بالخوف، وليس بالضرورة أن يكونوا مقتنعين بالفكر التكفيري والإرهابي، لكن عملية أن نرى من داخل العمليات التي تجري على الأرض نحر من يقبضون عليهم من أوروبيين وأمريكيين بدعوى التجسس للعدو، أو الكفر، في حين تنخرط عناصر أخرى من نفس تلك البلدان، إن لم تقم بجز الرؤوس وإظهارها مصورة، فهي تقوم بأدوار مماثلة، وربما ليس بأعمار المراهقين وإنما هم محترفو حرب وقتال قيل إنهم تدربوا في بلدانهم، وحالات استقطاب العناصر المتطرفة التي جرت في أفغانستان، ثم العراق وسورية، أيضاً جذبت قوى مماثلة للصومال، و«بوكوحرام» في نيجيريا والشيشان وغيرها، فهل البيئة العالمية بمختلف نزعاتها ونظمها لديها قابليات نشوء أو الانخراط في تلك التنظيمات؟
قاتلت شعوب كثيرة من أجل استقلالها أو دفع الاحتلال عنها، ولكننا لا نجد التماثل الحقيقي بين حرب فيتنام التي تعد من الحروب الكبرى في صد أكبر جيش عالمي، وما جرى في أفغانستان، فالأولى تعد حرب تحرير، والأخرى حرباً مقدسة رغم أن البلدين هزما أكبر قوتين في ذلك التاريخ، لكن النتائج مختلفة..
فالفيتناميون تفرغوا لبناء وطنهم بعيداً عن تعميم ثورتهم أو نقلها للخارج في حين أن الأفغان أكدوها حرب أديان وكفر وإيمان، وظهر تعميم فكر طالبان والقاعدة اللذين ولدّا تنظيمات إرهابية أخرى اقتحمت معظم الدول الإسلامية وانتقلت لغيرها، والاستثناء بين التطرف الديني، وغيره، أن ثورة كوبا هي الوحيدة التي حاولت نقل تجربتها لبلدان أمريكا الجنوبية وأفريقيا، وتدخل ضمن استراتيجيات صراع القوتين في توسيع نفوذهما العالمي..
الشيوعيون أقاموا قاعدة الصراع على تفاوت الطبقات ومظالمها، والرأسماليون يعتبرونها خيار الحرية في أن تنشأ هذه الرأسمالية، ووسطهما ولدت التطورات الجديدة التي حددت الصراعات، ولكن في بيئات خارج المعسكرين..