أمّي الّتي تحبّك
كنت أنتظر دوري .. وهربت من الهواء البارد المندفع من المكيّف الهوائيّ المكلّف دائما أبدا بلسع الأجساد الملتحفة بالحرارة والعرق .. وإذا بي أجلس أمامها ..كانت في كرسي متنقّل وقد حطّت التّعاسة على وجهها بكلّ ثقلها ..... سمعتها تئنّ وتتأوّه من الألم ... كلّما أرادت أن تتحرّك يصدر منها أنين يمزّق قلبي .... وتستنجد بمرافقتها لطلب الماء ..و تعجز عن الشّرب ..فكانت المرأة المصاحبة لها تملأ غطاء القارورة و تحاول المريضة أن تشرب فلا تستطيع ...لقد تمزّقت روحي أمام هذا المشهد الحزين وبكيت وأنا أسمعها تقول : يا ربّي ...كانت تردّدها بصوت كتمه الضّعف والعذاب.. كانت تقول كلاما غير مفهوم ليس له ترجمة سوى العذاب والعذاب والعذاب
طال مكوثي أمامها ..نسيت ألمي أمام سياط آلامها الّتي تجلد روحي عبر أنينها و من خلال آهاتها... لا أدري ماذا يجب عليّ أن أفعل غير عذابي معها ومن أجلها ...وهل من المعقول أن أقف أمام كلّ هذا الكمّ الهائل من العذاب لأشاهد وأبكي فقط ؟؟؟ وفعلا لم أجد ما أقدّم لها سوى كلمات .. أواسيها بها .. أدعو لها ..أرجوها أن تثق في الله لكي يشفيها ........ كنت أدعو لها في سرّي ...وكم أرجو أن أقدّم لها حقّا وفعلا ما يخفّف عنها ....لكنّي كنت عاجزة إلى حدّ العذاب ..العذاب من أجلها ومن أجل روحي الّتي ذابت اليوم مرارا وتكرارا ..ذوّبها مرض هذه المرأة ..
وحان وقت المغادرة ..توجّهت إليها ...ابتسمت من وراء ألمي ... قبّلت جبينها... أخرجت من حقيبتي زجاجة عطري الصّغيرة جدّا والّتي لا تتجاوز طول الإصبع ..جعلت أرشّها بالعطر وأقول لها مازحة : هذا لكي تذكريني ..تهلّل وجه المرأة وأشرق عن ابتسامة نكرة حطّت صدفة على وجه تعيس ...نظرت إلى القارورة وقالت بصعوبة : هل لديك غيرها ؟ ... فهمت أنّها تريدها ..قلت لها هي لك ..لي غيرها كثير ..ولم يكن لي غيرها..وكنت أناولها القارورة حين أحسست بيد قاسية تدفع يدي بإصرار وصوت غاضب يقول في رفض شديد..لا لا لا ...لا تعطيها لديها منها ..نظرت إلى صاحب اليد كان شابّا قد تجاوز تقريبا الثّلاثين من عمره .... على وجهه إصرار وموقف معاد لي وكأنّنا على معرفة سابقة وعداوة شديدة ....و عرفت من لهجته أنّه من بلد شقيق .... وجعل الشّاب يده حاجزا مانعا بيني وبين المرأة ..حتّى لا تأخذ منّي القارورة ..تفاجأت بسلوكه الشّرس ..وعناده في فرض كلمته عليّ وعلى المرأة ... كانت تعابير وجهه وهو ينهرني بقسوة شديدة تقول أنّي أرتكب خطأ فادحا .... لم أوجّه له كلمة واحدة اكتفيت بما سمعت منه وما رأيت على وحهه من تعابير قاسية ... قبّلت المرأة من خدّها ودعوت لها بالشّفاء و قلت إلى الّلقاء وانصرفت ..
آلمني موقف ذلك الشّاب وقسوته على المرأة المريضة ... لست أدري كيف ظهر فجأة ليتّخذ ذلك الموقف ولا هو من يكون بالنّسبة للمرأة الّتي ابتسمت وأنا أكلّمها ...كانت ابتسامة مفاجئة في لحظة عابرة لحظة هروب من الألم قد لا يجود الزّمن بمثلها ثانية... لكنّ الشّاب القاسي لم يرحم الابتسامة اليتيمة ..
اعترضت ابني في الباب وقد جاء ليصطحبني ..ولا حظ ارتباكي وحزني سألني ...أخبرته بالأمر
قال في إصرار وغضب : هات القارروة سأعود لأسلّمها لها
ويا ويله لو هو اتّخذ معي نفس الموقف
خفت كثيرا من أن يصطدم ابني مع الشّاب وتسوء العاقبة
لكنّه لم يجده فسلّم لها القارورة قائلا لها ..... هذه من أمّي الّتي تحبّك

نسيمة الهادي اللجمي
صفاقس ...تونس

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 44 مشاهدة
نشرت فى 26 يوليو 2015 بواسطة saherelliall44

عدد زيارات الموقع

37,107