جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
ستاذي الطاهر وشؤون أخرى
06/10/2012 12:00 صباحا
صادق الطريحي نعم، إنه أستاذي، وإن لم يكن لي شرف التلمذة عليه في غرفة الصف، وإن لم يقرأ لي أو يعرف اسمي أو ملامح وجهي، لكنه أستاذي، أقولها بصيغة المفرد، والحق أن أقولها بصيغة الجمع، كما قال هو عن أستاذه البصير، فلا يعترض أحد. هو أستاذي كما كان طه حسين أستاذه في كتبه ومقالاته. في العطلة الربيعية وأنا في الأول المتوسط تعرفت إليه، كنت أبحث عن ديوان الجواهري، بل عن قصيدة (أخي جعفر) فأرشدوني إلى مكتبة ابن ادريس في الحسينية المسماة بهذا الاسم في الحلة، ذهبت مباشرة إلى أمين المكتبة طالبا منه الديوان، دون ورقة استعارة، وقبل البحث في الفهرست عن القصيدة قرأت مقدمة الكتاب دون أن أعرف كاتبها، فإذا هي بحلاوة القصيدة، وعبثا بحثت عن (أخي جعفر) وقد انتهى وقت المكتبة دون أن أعرف أن الديوان يتكون من عدة أجزاء، وأن ما معي هو الجزء الأول فقط. وكان يجب إن تمر سنوات عديدة حتى أعرف أن كاتب المقدمة هو على جواد الطاهر! فكان إنني عرفت أن للنثر جمالاً كجمال الشعر وربما أكثر. شاء الطاهر أن يكون تلميذاً باراً بأساتذته فكان! وشاء أن يكون أستاذاً فكان! وشاء جمع من الطلبة أن يكونوا تلامذته فكانوا! وشاءت الظروف القلقة أن يكون له بعض الخصوم فكانوا!. يسميه بعض طلبته بالقديس وآخرون بالنبي، بالمعلم، بالأب، بالأستاذ حتى اقترح الدكتور سلمان الواسطي وهو يناقش تلميذ الطاهر (قيس حمزة الخفاجي) في اطروحته للدكتوراه أن يرفع عنه لقب الدكتور؛ كما رفع عن طه حسين ... ـ كأنك تضع حوله هالة من التقديس في زمن لا مقدس فيه غير المعرفة وتتغير فيه المناهج والأدوات النقدية، فلا يستطيع اللحاق بها! ـ أجل، أنا أرى هالة عليه، سمها ما شئت، هالة جعلت أحد تلامذته (سعيد الزبيدي) يبكي ـ وقد بكيت وآخرون معه ـ وهو يتذكر أمامنا اللقاء الأول بالطاهر، وكيف دله على طريق البحث العلمي. لكنك لا تعلم أن هذه الهالة ليست من أجل تجربته الفكرية في النقد ... أو التحقيق ... أو الأدب، أو تجربته الابداعية في فن المقالة، مع أنه يستحقها بجدارة، بل من أجل تجربته الأكاديمية، تدريساً وتأليفاً وتأثيراً وتأثراً، وأنتَ لا تحسنها مثله، وليست لديك مؤلفات كعدد مؤلفاته، وليست لديك الشجاعة لتقول أني تأثرت بتلامذتي فلان وفلان، ولن تستطيع أن تسمي أحد تلامذتك بفتى النقد.. وربما لم تكن الغزارة في الإنتاج دليلا على نجاح شخص ما، لكنها عند الطاهر كذلك. فليس كل من جلس على كرسي التدريس صار أستاذاً، الأستاذ علم وأدب وسلوك وشخصية ... ليس كما يقول هو ـ وما أسهل القول ـ ولكن كما طبقه عملياً مذ تخرج في دار المعلمين العالية (1945) وأصبح مدرساً في الحلة، ثم في الجامعة، حتى وفاته رحمه الله (1996). وشاءت الظروف الجميلة بكلية التربية/ جامعة بابل أن أتتلمذ على يدي تلامذة الطاهر فإذا هم هو، تأثيراً، ومناقشة بيننا وتذكيراً بأعماله وأسئلته. وفي درس طرائق التدريس في الماجستير يكون الدكتور عمران جاسم الجبوري قد اختار لنا كتاب (أصول تدريس اللغة العربية) كمقرر للفصل الثاني، وهو كتاب أتعرف إليه للمرة الأولى، فما كنت أعرف أن للطاهر مساهمة في هذا الفرع من العلم، وهو فرع يأبى أن يعترف به بعض أساتذة الأدب والنحو. ولن أتحدث عن جديد الكتاب وعلميته؛ لأنه أمر مفروغ منه عند تلامذة الطاهر ومن تابعه بإحسان، وهم من العدد ما يفوق جهدك في إحصائهم، وليست العبرة في عدد الطلبة، ولكنها عند الطاهر كذلك، لكنني سأتحدث عن خبير الكتاب ـ خصم الكتاب ـ وكأنه تحول إلى ذئب يحاول التهام الكتاب، نشر الطاهر في الكتاب تقرير الخبير دون تسميته ثم نشر رده على الخبير، وكنت وأنا أقرأ في تقرير الخبير لا أشك في أن هذا الكتاب لن ينشر، لكن الطاهر استطاع أن يرد عليه علمياً، مع أن الخبير حاول أن يستعدي عليه لجنة التعضيد بشؤون خارجة عن العلم! ـ لكن الطاهر انتقده من هو في عمره، ومثله في التحقيق والأدب، وهو من خارج الوسط الأكاديمي والأدبي في العراق ... وفضلا عن ذلك فهو ليس من دعاة البنيوية!. ـ أجل، أنت تقصد الشيخ محمود محمد شاكر محقق (طبقات فحول الشعراء) والحق أقول لك إني أتفق مع حجج الشيخ في قراءة الكتاب والإضافات القليلة عليه، وعبثاً بحثت عن رد للطاهر! حتى عرفت بعد حين أن الطاهر تركه مترفعاً عن أسلوبه البدوي في النقاش! أكان الشيخ يعلم شيئاً عن إثرة الطاهر لطه حسين! أم أن غريزته (الصعيدية) قد دفعته للكتابة بتشنج وتحامل ضده، بحيث أضاع حقه كما أرى، وجعلنا نقف طوعاً مع الطاهر من خلال أسلوب الرسالة التي أرسلها له، وقد نشرها الشيخ بخط الطاهر نفسه. والشيخ ليس من البنيويين طبعاً، ولم يقرأ البنيوية بالفرنسية كما قرأ كتاب مرجليوث بالانكليزية! . لكن الطاهر قرأ البنيوية بالعربية والفرنسية قبلها، وقد رآى فيها ما رآى! إنها أعلى مراحل السوء في ترف نظرية الفن للفن .. ـ وكيف تدخل الاستعمار في النظريات الأدبية؟ الأدب علم له أنظمته المعرفية، وفي كل العلوم ثمة نظريات ينجح بعضها في تفسير ظاهرة ما ويخفق البعض الآخر. أما أنا فاستطيع أن أقول إن الطاهر لم يستطع إن يقول صراحة في 8/12/ 1985 ما قاله محمد غازي الأخرس في (خريف المثقف العراقي، 2011) متسائلا: " لمَ تم الترويج للمنهج البنيوي الشكلاني إبان حرب الخليج الأولى! لماذا عمدت المؤسسة الرسمية إلى رعاية ذلك المنهج والتبشير به حتى إن دار الشؤون الثقافية طبعت أعدادا لا باس بها من أشهر كتب اللسانيات التخصصية في وقت أوقفت صحف رسمية مثل ... صفحاتها الثقافية لنشر دراسات ذات طابع بنيوي وكان نقاد مثل ... لا يتوقفون عن نشر تطبيقات شكلانية مغرقة في الغموض والتعقيد " (ص52) أليست الدكتاتورية هي الاستعمار! ـ الطاهر لم يطور أدواته النقدية... حقاً تعتقد أنت ذلك؟ أقرأت البنيوية كما قرأها؟ أعرف إنك قلت بالأمس إن الطاهر مازال يكتب في مناهج تحتضر! وأنت تعيب عليه المنهج الانطباعي ... وقد تحدثت مع أستاذي، تلميذ الطاهر، الدكتور سعيد عدنان، عن ذلك الحوار التلفزيوني... فسألني عن المنهج الذي كتب به الدكتور إحسان عباس؟ الانطباعية ... حسنا فلم يكرم الدكتور احسان عباس ويمنح الجوائز عن جهوده الانطباعية، ونحاول نحن أن نقلل من شأن من تعلمنا منهم!. والآن لا أريد أن أحيلك إلى ما كتبه تلامذة الطاهر ... الدكتورة نادية العزاوي، أو الدكتور قيس حمزة الخفاجي عن المنهج الانطباعي عند الطاهر، لكنني أود أن أسألك عن سبب الاضطراب المنهجي في بعض مقالاتك النقدية؟ أرأيت مثله عند الطاهر!.
|
|
ساحة النقاش