محاضرة عناصر الإيقاع الداخلي في الشعر

شرح أ.د: صبري فوري أبو حسين.
صياغة الباحثة إسراء رمضان،

مقرر (موسيقى الشعر)، الفرقة : الثانية، تخصص  الأدب والنقد، مقر المحاضرة كلية القرآن الكريم بطنطا .

،  من كتاب موسيقى الشعر بين الثبات والتطور، للدكتور صاير عبد الدايم .

————————

 

بعد البسملة وحمد الله تعالى، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، نقول:

كيف ندرس موسيقى شعر شاعر شعره بيتيًّ؟ 

 هذا السؤال يستوقفنا كثيرًا -كباحثين وباحثات في تخصص الأدب والنقد- عند دراسة موسيقى شعر شاعر ما في أي بحث علمي. وللإجابة عن هذا السؤال علينا أن نفهم جيدًا عناصر موسيقى الشعر الخارجية والداخلية، ويعبر عنها في النقد الحداثي بتعبير(البنية الإيقاعية)، ولنبدأ بعناصر الإيقاع  الداخلي، على النحو الآتي:

بدءًا نقول: إن تعبير (القيم الصوتية) يرادف تعبير( الموسيقى الداخلية)، وتعبير (الإيقاع الداخلي)،  عند كثير من الباحثين، فكلها بمعنى واحد تقريبًا عندهم! مع تفريقهم بين الموسيقى والإيقاع، وجعلهم الإيقاع جزءًا من الموسيقى.

 إن الموسيقى الداخلية ركن أساس في بناء الشعر، مثلها مثل الموسيقى الخارجية؛ وفي تراثنا العربية ما يدل على قيمة هذين العنصرين سواء على مستوى الإبداع أو على مستوى تنظير علماء العربية الأسلاف.

 ففي مجال الإيداع الشعري يرى القارئ نتاج  الشعراء القدامى أنهم قد حرصوا على توفير الموسيقى الداخلية لأشعارهم؛ فعندما تتذوق –كما يقول الدكتور صابر عبدالدايم-معلقة عنترة تجد أن سرعة الإيقاع الداخلي فيها تناسب سرعة الأحداث الموجودة في المعلقة نتيجة عنصري الفروسية والحرب المهيمنين عليها فنجد من الأصوات والألفاظ ما يدل  على هذه السرعة!  كما أننا عندما تقرأ شعر عمر بن أبي ربيعة الشاعر  الأموي العظيم تحس كأنك تسمع مُعنيًا وليس شاعرًا؛ بسبب ما في شعره من إيقاع  داخلي خفي؛ ولأنه شاعر غزل نحس في شعره الرقة الإيقاعية، فهو أيضا  شاعر يوفر لشعره بقوة الموسيقى الداخلية قبل الخارجية، وكذلك (أبو نواس) الذي الشاعر الشهواني المنطلق المتقلِّب المتحوِّل، الذي جاءت إيقاعات سهلة لذيذة سريعة مثل فكره ورؤيته! . و (أبو تمام) عندما تقرأ شعره نجد إيقاعًا داخليًّا فخمًا جزلًا يُناسب الأغراض الفخمة التي يتناولها في شعره ، من مدح وهجاء ووصف للحرب، وهو-كما يقول الدكتور صبري- كذلك شاعر مجاهد عالم رصين، فجاءت إيقاعاته مثل فكره وعاطفته وشخصيته. 

وعلى مستوى التنظير اللغوي نرى عبقري العربية الإمام "ابن جني يقرر وجود مناسبة بين الحروف  وصوت الحدث كـ(قضم) التي تستعمل في أكل اليابس، و(خضم) التي تستعمل في

   أكل الرطب، فهناك صلة بين الصوت والمعنى، وذلك .. يُعطي للقيم الصوتية

   دورًا تأسيسيًّا في بناء التجربة الكلامية والشعرية،  بمعنى: أن العلماء العرب أدركوا العلاقة بين الصوت والمعنى ،وأكبر الذين  أدركوا أن هناك تناسبًا بين الحروف والأحداث أو المعاني هوابن جني؛ فهم يسمونه عبقريُّ اللغة العربية في كتابه الخصائص. يقول ابن جني في موضوع علاقة الصوت بالمعنى [في كتابه الخصائص ج٢/١٥٧]:" فأما مقابلة الألفاظ بما يشاكل أصواتها من الأحداث فباب عظيم وواسع .. ذلك أنهم كثيرًا ما يجعلون أصوات الحروف على سَمْت الأحداث المعبر بها عنها فيعدلونها بها ويحتذونها عليها .. من ذلك قولهم (خضم ،قضم) ، فالخضم لأكل الرطب .. والقضم للصلب اليابس .. فاختاروا الهاء لرخاوتها للرطب ، والقاف لصلابتها لليابس ، حذْوًا لمسموع الأصوات على محسوس الأحداث " .

  وعبارة ابن جني هذه أول إدراك للقدماء للعلاقة بين الصوت والمعنى. والتي تمثل-مع مقولة الخليل بن أحمد في سبب تسمية البحور العروضية- البداية في النظر إلى العلاقة بين الإيقاع الداخلي والأغراض، الذي سيتعمق عند حازم القرطاجني في كتابه منهاج البلغاء!

 

تقنيات الإيقاع الداخلي في النص:

 هي العناصر والأدوات التي يحققها المبدع في نصه؛ لتُكسب النص الأدبي بُعدًا تأثيريًّا ، وتشد إليه السامع والقارئ، وعلينا أن ببحث عنها في النص الشعري والنثري؛ لكي نستنبط من خلالها الإيقاع الداخلي، وتتمثل-كما يرى الدكتور صبري- في الآتي:

   ١-استنباط الإيقاع الصوتي (الحرفي):

 وذلك عن طريق دراسة الأصوات في النص من خلال علمي (علم الأصوات، والتجويد) ، أي أنه بإتقان الباحث لعلم الأصوات بفرعيْه: (مخارج الحروف(الأصوات) وصفات الحروف(الأصوات))، فعلى الباحث أن يستنبط ما في النص من إيقاع داخلي صوتي كإحصاء حروف المد في النص، والحروف(الأصوات) المهموسة والمجهورة ، وكتكرار الحروف . وقد نَوَّهَ العقاد بالقيمة الموسيقية للحروف في اللغة العربية حيث قال : إن اللغة العربية تتميز عن بقية اللغات بأن حروفها بأنها ذات حساسية موسيقية.

وينبغي أن نلاحظ هنا: استخدام الدكتور صابر كلمة(الحرف) في قوله موسيقى الحرف،    والأفضل في مجال الأدب هو استخدام كلمة (الصوت) بدلا من (الحرف)؛ لأن مصطلح الحرف هو مصطلح نحوي، كما أن الدكتور صابر حين عرّف موسيقى الحرف لاحظ ذلك، وقال: إنه يقصد بها النغم الصوتي الذي يُحدثه الحرف . 

 

 

   ٢-استنباط الإيقاع اللفظي(المعجمي):

 ويطلق على دراسة المعجم أي (الألفاظ المفردة) العتمد على تطبيق قواعد علم الصرف) ، فدراسة المعجم ستكون بدراسة علم الصرف في المقام الأول، وتطبيقه مثل المضعف الرباعي في (يقضقض) المناسبة لحالة الجوع وعلم الصرف إنما يكون بدراسة الصيغ ودلالاتهاكصيغة اسم الفاعل واسم المفعول، وصيغة الصفة المشبهة، وصيغة جموع الكثرة، وصيغة جموع القلة وجموع الكثرة، وأيضًا يكون بدراسة سبب تكرار الأفعال بأنواعها كالفعل الماضي والفعل المضارع والفعل المنفي، وهكذا، ومن ثم فإنه بإتقان الباحث دراسة علم الصرف المتمثل في صيغ الأسماء والأفعال ودلالتها، فإنه يستطيع استنباط الإيقاع الداخلي اللفظي في النص .

   ٣-استنباط الإيقاع (التركيبي) الأسلوبي:

 ويطلق على دراسة التعابير والأساليب في النص الشعري وخاصة (المحسنات البديعية اللفظية)، فبإتقان الباحث لدراسة المحسنات البديعية اللفظية من جناس وترصيع وتصريع ورد العجز على الصدر وغيرها، فإن الباحث يستطيع استنباط الإيقاع الداخلي الأسلوبي في النص .

 

و(الدكتور صابر) يشير في كتابه إلى تقنية رابعة، وهي : الإيقاع بالإنشاد الدالّ  أو المُعَبِّر، عُلُوًّا وانخفاضًا، جهرًا وهمسًا، نطقًا وجهرًا ، وهذه التقنية -كما يعلق الدكتور صبري- تُدرس  ويطبقها من يدرس شاعرًا له تسجيلات صوتية أو أي شاعر أشير إلى طريقة نطقه الشعر أو وصفت طريقته الصوتية في إلقاء الشعر وإنشاده؛ انطلاقًا من البيت الشعر القديم المنسوب إلى سيدنا حسان بن ثابت رضي الله عنه:

تغن بالشعر إما كنت قائله    إن الغناء لهذا الشعر مضمارُ

وما أجمل قول الجاحظ:" العرب تقطع الألحان الموزونة على الأشعار الموزونة، والعجم تمطط الألفاظ فتقبض وتبسط حتى تدخل في وزن اللحن فتضع موزوناً على غير موزون"؛ فـ"الغناء حلّة الشعر، إن لم يلبسها طُويت." (العمدة، لابن رشيق: 1/39)، و"الصناعة الشعرية هي رئيسة الهيئة الموسيقية..." (كتاب الموسيقى الكبير، لأبي نصر الفارابي: 3/1093).

 أنموذج تطبيقي للإيقاع الداخلي في النص:

ولنعش الآن مع نموذج للإيقاع اللفظي -من شعر البحتري في وصفه للذئب- تتجلى فيه

     القيمة الصوتية النغمية التي تؤكد العلاقة بين الصوت والمعنى أو بين الإيقاع

     الداخلي والأغراض، فنراه يقول:

طواه الطوى حتـــى استمرّ مريرُه    فما فيه إلا العظم الروح والجلدُ

يُقضقض عُصْلًا في أسِرَّتِهَا الرَّدى   كقضقضة المقرور أرعده البردُ

 

•من خلال تحليل د.صابر لهذين البيتين نعرف كيف نستخرج الإيقاع الداخلي من النص الشعري حيث يقول في تحليله لهذه الأبيات:

      "فالبحتري استخدم الفعل المضعف من الفعل الرباعي المجرد ، وهو ما كان

       ثالثه ورابعه كأوله وثانيه، (يقصد كلمة يُقضقض)، ومن الواضح أن المضعف يُقصد به الترجيع والتكثير ، والملاحظ على هذا النوع :

    ١- أنه يدل على أصوات مُرجَّعه كالجعجعة والقهقهة ، والسقسقة .

    ٢-كما يدل على حركات ممتدة كالتعتعة ، وهي الحركة العنيفة .

    ٣-والبحتري في هذا قد حقق لنا صورة سمعية عن صرير الأسنان؛ لأن الشاعر

        يصفه بأنه يصوت بأصوات صلبة معوجة ، ومن ثم جاء الإيقاع الصوتي

        للفعل الرباعي (يُقضقض) مُصورًا للمعنى الذي أراده الشاعر".

فنحن نجد أن الإيقاع الداخلي في أبيات البحتري يتمثل في الآتي:

      ١-من تحليل د.صابر لبيتيْ البحتري نجد البحتري قد ربط بين البناء الصوتي

         لهذه اللفظة (يُقضقض) وبين الغرض (وصف الذئب بالنحول لشدة جوعه).

      ٢- ويقول الدكتور صبري أبوحسين : لكننا لو أمعنّا النظر في هذه الأبيات لوجدنا أيضًا أن البحتري قد لجأ إلى تكرار حرف الطاء في(طواه الطوى) والقاف والضاد في (يقضقض كقضقضة)، والدال في (الجلد/ البرد/ الردى/ أرعده) والراء في (استمر/ مريره/

         الروح/ أرعده/ البرد/ المقرور/ أسرتها) ، ومن ثم فإن كثرة استخدام هذه

         الأحرف وتكرارها يُناسب أولاً : أن هذه القصيدة خاصة بذئب، ويناسب

         ثانيًا : حالة الهياج التي فيها هذا الذئب بسبب الجوع .

      ونحن في هذين البيتين أمام نموذج للإيقاع الداخلي بالصوت واللفظ، فضلاً عن الوزن، والقافية  .

 

المقصود بها : النغم الصوتي الذي يُحدثه الحرف ، وعلاقة هذا النغم بالتيار الشعوري والنفسي في مسار النص الشعري ، بمعنى:(أنه عند  دراسة الموسيقى يمكننا أن ندرس علاقة الموسيقى بالعاطفة، فالعاطفة الحزينة لها إيقاع حزين ، والعاطفة المندفعة لها إيقاع مُندفع ،وهكذا ، فالدكتور صابر يقول: إن هناك علاقة بين الأصوات التي تكون النص الشعري وبين العاطفة فيه وبين نفسيَّة الشاعر فيه) ، ومن المعروف أن لكل حرف مخرجًا صوتيًّا،     ولكل حرف صفات، ومخارج الحروف وصفاتها لها صلة بدلالة الكلمات.

   أنواع الأصوات (الحروف) حسب مخرجها وواقعها اللغوي، وهي خمسة :

١-الصوت المجهور: وهو الذي يهتز معه الوتران الصوتيان ، وهذه الأصوات هي

   كل الحروف عدا الحروف المهموسة الموجودة في قولهم (سكت فحثَّهُ شخص) .

٢-الصوت المهموس: وهو الذي لا يهتز معه الوتران الصوتيان أي صمت الوتران

   الصوتيان ، وحروفه هي المجموعة في قولهم (سكت فحثه شخص) .

٣-الصوت الشديد أو الانفجاري : هو الحرف الذي ينحبس معه الهواء عند مخرج

   كل منها انحباسًا لا يسمح بمروره حتى ينفصل العضوان فجأة ويحدث النفس

   صوتًا انفجاريا ، وحروف هذا النوع هي المجموعة في قولهم (أجد قط بكت ).

٤-الصوت الرخو: عكس الشديد ، وهي كل الحروف عدا الحروف الشديدة .

٥-الأصوات الساكنة وأصوات اللين ودلالتها :

(أ)الأصوات الساكنة: غالبا ما تدل على سرعة وحزم في الحدث.          

   (ب)أصوات اللين: تدل على رقة وهدوء لأن صوت اللين أطول من الصوت

      الساكن ، وحروفها هي (الألف والواو والياء).

   • نموذج لتوظيف الحروف الساكنة : نلاحظ هذا في مطلع قصيدة أبو تمام في

     فتح عمورية حيث يقول :

       السيف أصدق أنباءًا من الكتب   في حدِّه الحدُّ بين الجد واللعب

   التحليل :

يلاحظ في هذا البيت الآتي:

   ١-استخدام حروف ساكنة بكثرة:

 حيث إنك لا تجد إلا حرف لين واحد وهو(الألف)، لكن ما عدا ذلك حروف صامتة وساكنة مناسبة لمعنى المطلع حيث أن المعنى هنا معنى حازم وصارم وجاد وسريع ومباشر فهي حكمة لا تحتاج إلى أحرف طويلة كحروف اللين .

   ٢-استخدام الشاعر قافية بائية :

 حيث أنه حرف شديد ومجهور من حروف القلقلة مناسب لطبيعة التجربة القوية الشديدة حيث يتحدث عن حرب وانتصار وفتح، فيناسب قافيته حرف الباء .

  نموذج للإيقاع الداخلي بتكرار حرف النون:

 لأبي تمام يمدح محمد بن حسان الضبي، في لهجة صادقة النبرة ،جياشة العاطفة،أتى فيه بقافية النون حيث  يقول :

      ما اليوم أول توديع ولا الثاني   البيـن أكثــر من شوقـي وأحزاني

      دع الفراق فإن الدهر ساعدني   فصار أملك من روحي وجسماني

 

التحليل :

يلاحظ في هذين البيتين الآتي:

     ١-نلاحظ كثرة حروف المد، مثلا : كلمة (الثاني) فيها حرفين مد وهما الألف

        والياء ، وكلمة (شوقي) حرف مد الياء ، (أحزاني) حرفين مد ، (فراق)

        حرف مد ، (ساعدني) حرفين مد ، (صار) حرف مد ، (روحي) حرفين مد،

       (جسماني)حرفين مد، فحروف المد جاءت بكثرة هنا، وهذه الملاحظة الأولى.

         ٢-تكرار حرف النون بكثرة في داخل النص وفي قافية النص ، مثلا في الكلمات

      (الثاني ، بين ، من ، أحزاني ، فإن ، ساعدني ، من ، جسماني) ، وهذه

      الملاحظة الثانية .

      وقد ربط  دكتور صابر بين حرف النون هذا وبين حرف العلة أو حروف المد    ،وبين الغرض وهو غرض المدح ، حيث يقول : "فحرف النون وهو صوت أسناني أنفي مجهور يتفق مع طبيعة تجربة الشاعر التي تدور حول الترحل  والبين " ، ولأنه تحدث عن البين فالعاطفة حزينة يناسبها حرف النون، وكثرة حروف العلة أو المد .

• نموذج لتوظيف حروف المد:

قصيدة أبي تمام "في وداع صديقه" علي بن الجهم، حيث يقول :

       لا تبْعَدَن أبدًا ولا تبعُد فما    أخلاقك الخُضر الربا بأباعدِ

 

التحليل:

يلاحظ الآتي:

    ١-كثرة استخدام حروف المد ؛ فحرف المد المتواجد في أغلب كلمات البيت

       يُعطي لإيقاع البيت هدوءًا وبطئًا، وكأن الشاعر بهذا الإيقاع البطيء يطلب

       من صديقه عدم السفر .

    ٢-ونراه في القافية قد استخدم حرف المد الألف ؛ ليزيد الإيقاع بطئًا يومِئ إلى

       حالة الحزن المترسبة في ذاته .

    ٣-واختار الدال المكسورة رويا للقافية ؛ لأن الكسرة توحي بالانكسار وهي تناسب حالة الشاعر من ألم الوداع .

      نموذج آخر:

في مطلع قصيدة أبي تمام السابقة " في وداع صديقه" علي بن الجهم ، يقول فيه :

   هي فُرقَةٌ من صاحبٍ لكَ  ماجدِ      فغدًا   إذابة    كل   دمعٍ   جامدِ

   فافزع إلى ذُخرِ الشؤون وغرْبِه     فالدمع يُذهبُ بعض جَهْدِ الجاهدِ

   وإذا  فقدت  أخًا  ولـم  تفقِد  لهُ     دَمعًــا ولـا صبْــرًا فلسـت بفاقِــدِ

   أعَلِيَّ يا بـن الجْهمِ إنَّك دُفْـتَ لِي     سُمًّا وخمرًا في  الزلازل  الباردِ

   لا  تَبْعَدَنْ  أبدًا  ولا  تَبْعُــد  فما      أخلاقـك  الخضـر الربـا بأبـاعــدِ

 

   ثانيا: تحليل الأبيات باستخراج الموسيقى الداخلية والخارجية الموجودة في

        الأبيات:

عندما يطلب منا أن نطبق الموسيقى الداخلية والخارجية على النص الشعري السابق نرى الآتي:

    (١)الموسيقى الخارجية :

     ١-الوزن :

       •استخدم الشاعر بحر الكامل التام (متفاعلن متفاعلن متفاعلن)، وقد جاءت

       عروضه صحيحة وضربه صحيحًا، ودخل الإضمار في عروضه وضربه

       وهو دخول حسن .

    ٢-القافية :

      •جاءت مطلقة بالكسر، مكونة من الدال رويًّا، والياء بعدها وصلاً، والألف

       قبلها تأسيسًا.

      •وجاء روي القافية الدال مكسورًا مناسبًا لحالة الشاعر النفسية ومناسبًا لغرض

       الشاعر (حالة الفقد) ، فكما يقول دكتور صابر الإيقاع له علاقة بعاطفة

       الشاعر وفكر الشاعر ونفسية الشاعر . 

(٢)الموسيقى الداخلية : اجتمع ف الأبيات أنواع الموسيقى الداخلية جميعها:

 ١- إيقاع صوتي يتمثل في :

  •استخدام الأصوات الشديدة والمجهورة بكثرة مثل (ص، ق، ب ،غ ،ع ، ن ،

       ج، د، م)، حيث الصخب الإيقاعي المناسب لغرض القصيدة (وداع صديقه) .

  •تكرار بعض الحروف كتكرار الدال بكثرة حيث إنه حرف مجهور يُومئ

       إلى هزة الشوق ورعشة الفراق كما قال علماء الأصوات: وهذا يتفق مع

       غرض الشاعر وتجربته (ألم الوداع).

 •استخدام الحروف المنونة مثل ( الباء في صاحبٍ، والخاء في أخًا، والعين في

       دمعًا ،والدال في غدًا، والراء في صبرًا وخمرًا ) وغيرها .

 •استخدام الحروف المشددة مثل ( اللام في كُلِّ ، والشين في الشُّؤون،

       والدال في الدّمع ، والياء في أعليَّ ، والسين في سُمًّا ، والراء في الرّبا ).

 ٢- إيقاع لفظي يتمثل في :

 •تكرار بعض الألفاظ بعينها مثل كلمة (فقدت تفقد فاقد) وكلمة (تبعدن تبعد

      أباعد وما يرادفها وهي كلمة فرقة ) وكلمة ( دمع الدمع دمعًا وما يرادفها وهي

       كلمة شؤون ) ، وكلمة (جهد الجاهد ) وهذا التكرار مناسب لشدة الحزن الذي

       يبدوا على الشاعر بسبب فراق صديقه .

 •الاكثار من جموع التكسير مثل (الزلازل،أخلاق، خُضر،رُبا، أباعد، الشؤون).

 •الاكثار من صيغة اسم الفاعل مثل (صاحب ،جامد ، بارد، ماجد، فاقد، جاهد).

 •تكرار الفعل المضارع المنفي في كلمتي (لا تبعدن ولا تبعد) فهو إيحاء يعبرعن

      محاولاته الكثيرة في منع صديقه من الذهاب مما يدل على عدم تحمّله مرارة

      فراقه ".

 

    ٣- إيقاع أسلوبي يتمثل في :

         •الاكثار من استخدام المحسنات البديعية اللفظية : كالجناس الناقص بين (جهد

       والجاهد ، تفقد وفاقد) والجناس المقلوب بين (ماجد وجامد) ، واستخدام

       التصريع حيث تشابه العروض مع الضرب في البيت الأول من مطلع

       القصيدة.

 

 

 

—————————

ثانيًا: موسيقى الكلمة (الإيقاع اللفظي أو الجرس اللفظي) :

 

١-في موسيقى الكلمة نستعين بعلم الصرف، فنجد العقاد يستخدم مصطلحات

     صرفية فيقول : "ومن العلامات الموسيقية في بنية الكلمة أننا نميز بين الحركة

     والحرف .." ، ولكن قول العقاد هذا ينطبق على موسيقى الصوت وليس

     موسيقى الكلمة .

٢-أما الذي ينطبق على موسيقى الكلمة هو القول الثاني للعقاد، حيث يقول:

  "فالكلمات نفسها موزونة في اللغة العربية ، والمشتقات كلها تجري على صِيغ

   محدودة بالأوزان المرسومة .. وأفعال اللغة مقسومة إلى أوزان مميزة في

   الماضي والمضارع والأمر، وفي الأسماء والصفات التي تشتق منها ..".

٣-ومن دلائل موسيقى الكلمة :

(١)أن العرب تُقارب حروف الألفاظ متى تقاربت معانيها (وهي نظرية ابن جني

    التي تقول تصاقب (تقارب) اللفظ لتصاقب المعاني ) .

(٢)أن العرب يُصوّرون اللفظ على هيئة المعنى (وهي نفس نظرية ابن جني ،حيث

    أن هذا مذهب نبَّه عليه الخليل وسيبويه وابن جني ، فقال الخليل "كأنهم توهَّموا

    في صوت الجُندب استطالة فقالوا في العبارة عنه "صرّ" ، وقال سيبويه في

    المصادر التي تأتي على فعلان "بثلاث حركات" إنها تأتي للاضطراب والحركة

    ، في الأفعال ، ( والذي يهمنا في القصيدة هي أي كلمة على وزن فَعَلان

    فنستخرجها ونقول أنها تدل على حركة واضطراب ويوجد في النص وفي نفسية

    الشاعر حركة واضطراب ،  فالكلمة مناسبة لغرض النص ) ، وقال ابن جني

    معقبًا على سيبويه والخليل "أن المصادر الرباعية المضعفة تأتي للتكرار

    والزعزعة كالقلقلة ، وأن الفعلى من المصادر والصفات تأتي للسرعة مثل

    الجمزى ووقلى .

(٣)مقابلة الألفاظ بما يُشاكل أصواتها من الأحداث ، مثل قولهم خضم لاكل الرطب

    ، وقضم لأكل اليابس ، فاختاروا الخاء من أجل رخاوتها للرطب ، والقاف من

    أجل صلابتها لليابس . (وقد سبق تناولنا لهذا العنصر).

نلاحظ أن : الثلاثة دلائل على موسيقى الكلمة كلها بمعنى واحد اختلاف أمثلة فقط ،         فهو يريد أن يقول أن علماء الأصوات وفقه اللغة العرب القدامى لاحظوا : أن العرب يربطون بين الصوت المُكوِّن للفظ  وبين الدلالة التي يدل عليها هذا اللفظ .

(٤)تشبيه أصوات حروف الكلمة بالأحداث المعبر عنها وتقديم الحرف المضاهي (المشابه) لأول الحدث ، وتأخير الحرف المضاهي لآخر الحدث  ؛ وذلك سوقًا  للحروف في الكلمة على سَمْت المعنى المقصود ، كقولهم: شد الحبل ، فالشين  لما فيها من التفشِّي تُشَبَّه بصوت أول انجذاب الحبل ، ثَم يليها إحكام الشد والجذب فيُعبَّر بالدال التي هي أقوى من الشين لا سيما وهي مدغمة.

(٥)اشتقاق اللفظ من نفس الصوت القائم بمعناه على جهة الحكاية ، مثل قول الشاعر: "جرت الخيل فقالت حبطقطق" .

فالظواهر السابقة تُركز على عنصر الإيقاع في الكلمة، وهذا مطلب ضروري على نظم الشعر ، وقد ذكرنا في المحاضرة الأولى ثلاثة أركان للشعر ليُسمى شعرا، كان من ضمنها الإيقاع الداخلي في النص وهذه الأركان قد ذكرها دكتور إبراهيم أنيس في كتابه ص٢٠ ، كما ذكرها دكتور صابر ص٢٠.

ثم يُحدِّثنا د.صابر في كتابه عما ذكره دكتور إبراهيم أنيس من قبل وهو: أيهما أفضل ، بناء الكلمة من ألفاظ متباعدة المخارج  أم من ألفاظ متقاربة المخارج ؟!

وقد ذكر دكتور إبراهيم أنيس ضوابط معينة في فصاحة الكلمة العربية وخلوها من تنافر الحروف، تتمثل هذه الضوابط فيما يأتي :

١-ألا تتلاقي أصوات الحلق بعضها مع بعض ، إذْ لابد من الفصل بين أي حرفيْ

   حلق متواليين .

٢-ندرة تلاقي الحروف القريبة المخرج أو الصفة مثل :

  (أ)ندرة تلاقي اللام والراء والنون بعضها ببعض .

  (ب)ندرة تلاقي الميم والفاء والباء بعضها ببعض.

  (ج)ندرة التقاء صوتين من أصوات الصفير أو الرخوة .

  (د)ندرة التقاء حرفين من أحرف الإطباق أو حرف مطبق مع حرف غير مطبق.

  (هـ)ندرة التقاء أصوات أقصى الحنك وهي ( القاف والكاف والجيم القاهرية).

  (و)ندرة التقاء أحرف وسط اللسان مثل الجيم "المعطشة" ، والشين .

                          _____________

ثم يقول دكتور صابر : إن ابن سنان الخفاجي حين أراد أن يكشف عن سر

    فصاحة الكلمة في كتابه "سر الفصاحة"- ذلك الكتاب المهم الذي حققه علامتنا الأزهر الدكتور النبوي شعلان - حدد ثمانية أشياء لمقياس فصاحة الكلمة ، ومن هذه المقاييس ما يتعلق بموسيقية اللفظ ، وحسن إيقاعه في النص، والسؤال المهم هنا هو :

ما  رأي ابن سنان الخفاجي في الإيقاع الحسن باللفظة أو بالكلمة ؟!

والجواب في الآتي:

 ١-أن تكون اللفظة مكونة من حروف متباعدة المخارج ،مثل الإيقاع باللون ومن ثم فإن الجمع بين الحروف المتباعدة حسن، كالجمع بين البياض مع السواد .

      ٢-أن تكون اللفظة في تأليف يُظهر حُسنها على غيرها، وإن تساويا في التأليف من

         الحروف المتباعدة (السياق هو الذي يُحدد جمال إيقاع الكلمة أو عدم جمالها)،

         مثل : قول المتنبي : -إذا سارت الأحداج فوق نباته   تفاوح مسك الغانيات ورندُه

 

       الشاهد : فيقول ابن سنان معلقًا: إن «تفاوح» كلمة في غاية من الحسن ، وتفاوح :بمعنى تناثر، واستخدام تفاوح هنا أكثر حسنًا لمناسبتها السياق .

    ٣-أن تكون الكلمة غير متوعرة وحشية ( متوعرة بمعنى غير مستعملة)،

       مثل١ : قول أبي تمام :

 بنداك يوسي كل جرح يعتلي  رأب الأساة بدردبيس قنطلِ

       

       الشاهد :  فكلمة «دردبيس» هنا كلمة وعرة وحشية، غير مستعملة .    

وكذلك الأبيات التي فيها ألفاظ مثل : (جؤشوش، صهصلق) أما لفظة (حيزبون) فيراها الدكتور صبري مقبولة فكريًّا وصوتيًّا وأنه لا وعورة فيها ولا وحشية.

      الشاهد : كلها ألفاظ وعرة وحشية.

      مثل ٣: -ألم ترني عرفت وعيد رب    أقلَّ تكلمي وأطال ضمزي

             -ومن لي أن أفِرَّ على طِمرٍّ     من الدنيا الخبيئة أو دِلمْزِ

      الشاهد: أن دكتور صابر أتى ببيتين لأبي العلاء فيهما لفظتين متباعدتين في          الحروف وهما ( ضمزى و دلمز) لكنهما وعرتان، ورغم أنهما وعرتان، إلا أن السياق هنا يقبلهما؛  حيث إنه إذا احتكمنا إلى طبيعة التجربة في هذه القصيدة ، وجدناها تدور حول معنى أن الإنسان مجبر على أن يتقبل الأشياء لا أن يُعارضها. ولما أراد أبو العلاء أن يُصور ثقلًا واقعًا عليه ، استخدم كلمة (ضمزى)، والكلمة هنا كأنها صخرة تضغط عليه ، وبالتالي فالكلمة جاءت ملائمة للمعنى وللسياق ، وكذلك كلمة «دِلمز» ، مما جعل الأذن تتلقاهما بقبول .

س/ علقي فنيًّا على هذين البيتين بما يكشف عن الإيقاع اللفظي فيهما .

ملاحظات مهمة :

يرى الدكتور صبري أبوحسين الآتي:

   ١-إذًا يوجد لدينا مقياس وهو أن الكلمات الوعرة كلها ليست رديئة الإيقاع ، والذي

      يجعلها رديئة الإيقاع هو السياق وموقعها في البيت الشعري. ولنستشهد هنا بقول ناقدنا العتيق قدامة بن جعفر في نعته للفظ الشعري المناسب:"أن يكون سمحًا ، سهل

   مخارج الحروف من مواضعها ، عليه روْنق الفصاحة مع الخلو من البشاعة ".

   ٢-أهمية ابن سنان الخفاجي تكمن في كون الإمام عبد القاهر الجرجاني متأثر به.

   ٣-الذي يُهم الباحث في دراسة الإيقاع الصوتي أن يقوم باحصاء عدد الحروف

     المهموسة والمجهورة ، ويرى أيها أكثر ، ومن ثم الإجابة عن السؤال لماذا

     عمد الشاعر إلى الأصوات المجهورة أكثر من المهموسة أو العكس .

  ٤-إذًا ملحوظة مهمة عند دراسة موسيقى الشعر لابد من الإحصاء .

  ٥-من العلوم الضرورية في دراسة الموسيقى الداخلية للشعر:

     أولا : دراسة علم العروض.

     ثانيا : دراسة علم الأصوات.

     ثالثًا : دراسة علم الصرف.

    رابعًا : دراسة علم البديع وخاصة المحسنات البديعية اللفظية .

خامسًا: علم الإحصاء ضرورة علمية عند دراسة الإيقاع في النص الأدبي، بدونه لا تكون الدراسة مقنعة أو ذات نتائج حقيقية.

ملاحظة :

  ١-من ضمن متطلبات المنهج التاريخي أنه عندما تتحدث عن علماء وآراء علماء : أن تُراعي تاريخ الوفاة ، فمثلا ابن قدامة (ت:٣٣٧) ، وابن سنان (ت: ٤٦٦) ، فتأتي برأي قدامة قبل رأي ابن سنان .

  ٢- السبب في إتيان دكتور صابر برأي ابن سنان قبل رأي ابن جعفر ؛ ذلك لأن ابن سنان مفصِّل ومستشهد ومحلّل، بينما قدامة أتى بعبارة إنشائية فحسب، ويكاد يكون قد لخص كلام ابن سنان ، وتبقى له شيء واحد فقط لم يذكره من كلام ابن سنان  وهو :"أن تكون الكلمة متباعدة الحروف " .

ثالثا : موسيقى النظم والأسلوب:

 والذي يهمنا هنا في موسيقى الأسلوب: هو أن عبد القاهر حين أراد أن يُطبِّق ذكر لنا مجموعة من الأبيات فيها نوع من المحسنات البديعية اللفظية ، وأخذ يُحلِّل ذلك ، ومن المحسنات البديعية اللفظية التي تُحقق موسيقى الأسلوب، مايأتي :

أولا : الجناس :

   مثال ١: -يعشى عن المجد الغبي ولن ترى    في  سُؤددٍ  أربا  لغيـــر  أريب

    الشاهد:

نجد الشاعر قد أتى بموسيقى أسلوبية وهي استخدامه لمحسن بديعي لفظي يتمثل في الجناس الناقص في قوله (أرب ، أريب ) .

  مثال ٢ : -وقد أصبحت أغلب تغلبيًّا     على أيدي العشيرة والقلوبِ

  الشاهد :

 نجد الموسيقى الداخلية الأسلوبية في الجناس الناقص الواقع بين (أغلب، تغلبيا)

   مثال ٣ : -ما مات من كرم الزمان فإنه    يحيَى لدى يحيى بن عبد الله

  الشاهد :

استخدام الشاعر الجناس التام المستوفى حيث جاء نوع اللفظين مختلفين  اسم وفعل. وهما (يحيى الأولى "فعل" يحيى الثانية "اسم" ) .

  مثال ٤: -قيل للقلب ما دهاك أجِبني    قال لي بائع الفراني فراني

            -ناظراه  فيما  جنى ناظراه    أو دعاني أمت بما أودعاني

    الشاهد  :هو استخدام الجناس المرفو (أو دعاني "الأولى مركبة " ، أودعاني"الثانية مفردة") .

 ومثال٥ : (قواضٍ قواضمِ ، صوادٍ صوادف »؛ ففيهما جناس مطرف ناقص ).

ثانيًا :الترصيع : الترصيع في الشعر هو السجع في النثر .

مثال١ : - كبداء مقبلة وركاء مدبرة    قوداء فيها إذا استعرضتها خضع

الشاهد :

استخدام الترصيع في الكلمتين (كبداء ، وركاء) ، وفي الكلمتين (مقبلة ،مدبرة)، يقول قدامة بن جعفر: " فأتى بفعلاء مفعلة تجنيسًا للحروف بالأوزان".

مثال٢ : -هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة      لا يُشتكى قِصرٌ منها ولا طولُ

فالشاهد : أن الترصيع جاء بين العبارتين هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة، حيث الاتفاق في بداية ونهاية كل عبارة، فالبداية( هيفاء ، عجزاء) والنهاية (مقبلة ، ومدبرة). والترصيع في الشعر هو السجع في النثر، وكلاهما خاص بالجمل وليس الألفاظ.

مثال٣ : نموذج في الإكثار من الترصيع ، وقد جاء حسن الإيقاع ،حيث أشاد قدامة بن جعفر بقصيدة لأبي صخر الهذلي ، أكثر فيها من الترصيع، فيقول:

      -وتــلك هيكلة  خَوْدٌ  مبتلــةٌ          صفراء رعبلة  في  منصب  سنِمِ

      -عذب مقبلها جذل مُخلخلُهـا         كالدِّعصِ أسفلها مخضوضة القدم

      -سُودٌ ذَوائِبُها بـيضٌ ترائبها         محضٌ ضرائبها صيغت على الكرم

      -عبْلٌ مُقيَّدُها حــالٌ مُقلَّــدُهَـا         بــضٌ مُجرّدهــا  لَفَّــاء  فـي عَمَــمِ

      -سمحٌ خلائقها درْمٌ مـرافِقُها         يُروى مُعَانِقُهَـا من بـــارِد الشَّبِــمِ

الشاهد :

استخدام الترصيع بكثرة ، كل ثلاث جمل في البيت بينها ترصيع ويظهر هذا في :

          ١- الكلمات ( هيكلة ، متبلة ، رعبلة). 

          ٢-وفي الكلمات ( مقبَّلُها، مخلخلُها، أسفلها).

          ٣-وفي الكلمات ( ذوائبها ، ترائبها ، ضرائبها).

          ٤-وفي الكلمات ( مقيَّدُها ، مقلدها ، مُجردها).

          ٥-في الكلمات (خلائقها ، مرافقها ، معانقها).

        

        والشاهد هنا: هو أن قدامة بن جعفر قد قال: يُستحسن ألا يُكثر منه

         (الترصيع) الشاعر في القصيدة ، لكنه عاد وقال: إن قصيدة أبي صخر

          الهذلي قد أكثر فيها من هذا اللون البديعي ، وكان مقبولًا مستحنًا .

 مثال٤ أن جماعة الشعر الحر قد استخدموا الترصيع في الشعر الحر كما قال

       د.صابر ، مثل قول فاروق شوشة :

 

                             -يفْجَؤُنا وجه مدينتا

                             -فيحيل ليالينا ندمٌـَــا

                             -يقهرنا وجه مدينتنا

                             -فيحيل أمانينا سأمـا

التحليل : • نجد الأسطر الشعرية مقسمة تقسيمات بينها توازي ، وتشابها حيث نجد

            هذا في الكلمات : (يفجؤُنا و يقهرُنا ، ليالينا و أمانينا، يحيل و يحيل ،

            وجه و وجه ، ندما و سأما)، وبالتالي كثر الترصيع .

•التحريك الإيقاعي يتم من خلال تماثل كامل بين السطر الأول والثالث، وبين الثاني والرابع ، ثم يتصل هذا التماثل بالناحية الدلالية ؛ ليجعل من كل سطرين حقلا دلاليا رائعا .

  استخدام الشاعر لمصطلحين وهما (التماثل ، والتخالف) كالآتي:

١-التماثل :بين السطر الأول والثالث يتم على مستوى اختيار المفردات.

٢-التخالف: ثم يحدث تخالفًا واحدا بين الفعلين "يفجؤنا - يقهرنا "، وهو تخالف يُؤول إلى توافق على معنى أن القهر كان ناتجًا لهذه المفاجأة . ثم يزداد التخالف وضوحًا بين السطرين الثاني والرابع ،حيث يتم  التوافق بين مفردتين "يحيل – يحيل" ، ومع ذلك يُؤول التخالف إلى

توافق على مستوى الحقل الدلالي ،إذ الأسطر الأربعة معناها واحد وهو الحزن والكآبة.

التحريك التعبيري في الأسطر الأربعة ، ينتمي إلى ذات جماعية واحدة وهي (نا) المتكلمين ، تزرع دوالها في شكل منتظم ، حيث يتكرر ضمير  المتكلمين مرتين في السطر الأول (يفجؤنا ،مدينتنا) ، ثَم مرة في السطر  الثاني (ليالينا)، ثم يعود للثنائية في الثالث، ليعتدل إلى الإفراد في الرابع.

  ونلاحظ في الأبيات إيقاع باللفظ يتمثل في:

   ١-في تكرار لفظة (يُحيل ، يُحيل)، ( وجه ،وجه) ، (مدينتنا ،مدينتنا).

  ٢-تكرار صيغة المضارع أربع مرات (يفجؤنا ،يحيل، يقهرنا، يحيل).

  ونخلص من هذا التحليل إلى أن :

      (١)بنية الترصيع ذات فعالية بالغة على المستوى السطحي ، والمستوى

          الباطني .

      (٢)التحليل هنا قد ربط بين الألفاظ وبين العبارات ، وبين المعنى وبين

         النفسية .

 

ثالثًا: التصريع:

  (١)تعريفه : ظاهرة إيقاعية صوتية خاصة بالمطلع الشعري (البيت الأول) ، ويعرفه

علماء العروض بأنه  إلحاق العروض بالضرب وزنًا وتقفية سواء بزيادة أو بنقصان .

(٢) وقد أشاد قدامة بن جعفر بظاهرة التصريع ، فقال في نعت القوافي:

     ١-أن تكون عذبة الحرف.

     ٢-أن تكون سلسة المخرج .

     ٣-وأن تعمد إلى تغيير قافية العروض الأول في البيت الأول من القصيدة مثل

        قافيتها، فالتصريع في الأساس يُستخدم في البيت الأول من القصيدة.

     ٤-لكن أحيانًا يلجأون إلى تصريع أبيات أخرى من القصيدة ، كما في معلقة امرئ

       القيس :- ألا أيها الليل الطويل ألا انْجلِ    بصبح وما الإصباح منك بأمثل

(٣)بعض الكتب الأخرى تفرق بين مصطلحي (التصريع) و(التقفية) :

     ١-التقفية : أن يتشابه العروض مع الضرب بلا تغيير في العروض ، كما في

        معلقة امرئ القيس ، فيقول امرئ القيس:

               -قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل   بسقط اللوى بين الدخول فحومل

        فـالعروض هنا مقبوضة في الأصل ولم يعترِها تغيير

     ٢-التصريع : أن يتشابه العروض مع الضرب مع تغيير في العروض ليُشبه

       الضرب ، كما في معلقة بردة كعب بن زهير ، يقول كعب :

             -بانت سعاد فقلبي اليوم متبول   متيّمٌ من إثرها لم يُفد مقبول

      فـالعروض هنا ألحقت بالضرب فأصبحت مقطوعة لتشبهه ، بينما تأتي في بقية أبيات القصيد مخبونة.

 (٤)يقول د. صابر :أن التصريع يرِد الشعر الحر أيضًا :

     نموذج : ففي قصيدة أمل دنقل "شيء في قلبي يحترق" نلاحظ ظاهرة التصريع

    

شيءٌ في قلبي يحترقُ

إذا يمضي الوقت فنفترقُ

وتَمُدُّ الأيديَ فيجمعها حبٌّ

وتفرقُهـــــا طُـــــرُقُ

 

 

س/ هل التصريع من القافية الداخلية أم من القافية الخارجية ؟!

جـ / ١- بعض الباحثين يرونه من القافية الخارجية :فيقولون أن الموسيقى الخارجية

         تدرس الوزن والقافية والتصريع  .

     ٢-لكن د.صابر درسه في كتابه على أنه من الموسيقى الداخلية الأسلوبية.

 

 

 

التحميلات المرفقة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 167 مشاهدة

الأستاذ الدكتور صبري فوزي عبدالله أبوحسين

sabryfatma
موقع لنشر بحوثي ومقالاتي وخواطري، وتوجيه الباحثين في بحوثهم في حدود الطاقة والمتاح. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

282,602