شهادة الأستاذ الدكتور وجيه يعقوب السيد – أستاذ النقد الأدبي والأدب الحديث بكلية الألسن – جامعة عين شمس

(الأزهر بين الجلال والجمال):

تبدى لي الأزهر دائمًا في هيئة شيخ جليل مهيب جليل القدر عظيم الحكمة، إنْ تكلم نطق بالحكمة فتُصغِي له الدنيا بأسرها، وحين يصمت يتطلع الجميع إليه، وينتظرون بيانه القاطع والحاسم في أدق المسائل والأمور، وفي ظل هذه الحملة النكراء والتطاول المتجدد على الأزهر الشريف ورموزه، كثيرًا ما أطرح هذا السؤال على نفسي وعلى المحيطين بي: ما الذي كان يمكن أن يحدث لو لم يكن الأزهر موجودًا، أو كان دوره مهمشًا ومغيَّبًا كما يريد بعض الغلاة؟ ولا نحتاج إلى جهد كبير للإجابة عن هذا السؤال؛ فغياب الأزهر أو تقزيم دوره كارثة بكل ما تعنيه الكلمة؛ فالأزهر بمناهجه الأصيلة، واتساع رؤيته، ودراسته لمختلف المذاهب الفقهية، يمثل أكبر ضمانة للاعتدال ونبذ العنف والتطرف، فهو ضابط إيقاع المجتمع بما يمثله من مرجعية دينية معتبرة عند جموع المسلمين، لا في مصر فحسب بل في كثير من أقطار العالم الإسلامي.

إن الأزهر – ناهيك عن دوره التاريخي الذي لا ينكره إلا جاحد – يمثل أكبر قوة ناعمة لمصر في الخارج، بفضل ما يقوم به من دور في تعليم أبناء الجاليات الإسلامية من شتى بقاع الأرض، حيث يصبح هؤلاء سفراء ودعاة وهمزة وصل بين الأزهر ومصر وبلدانهم، وهذه قوة لا يستهان بها أبدا. حين أنظر في تاريخ مصر المعاصر، وأراجع حركات الإصلاح والتنوير، أجد أن أكثرهم كانوا من المنتمين إلى هذه المؤسسة العريقة: رفاعة الطهطاوي، محمد عبده، مصطفى عبد الرازق، طه حسين، أحمد أمين، الشيخ المراغي وآخرين، ولا يزال الأزهر يجود بعطائه في مختلف الميادين؛ فيقوم بالرد على المتشددين والمتطرفين ودعاة الإلحاد والانفلات، ويمد المجتمع بالدعاة والعلماء والمفكرين، وعماده في ذلك كله، الإقناع بالحجة والمنطق، والاحتكام إلى القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية، وأرجح الآراء الفقهية المعتمدة. ولا يعجبني الهجوم المتواصل على الأزهر الشريف بسبب وبدون سبب، لاسيما حين يكون التطاول من غير متخصصين ولا دارسين ولا مطلعين على حقائق الأمور، لست ضد النقد لأمور بعينها، وتعقب الأفكار محل الخلاف ومحاولة تصويبها، على أن يقوم بذلك أهل العلم والبصيرة، لا أن يهرف كل أحد بما لا يعرف، وأن يكون الهدف من النقد هو تصحيح المسار، لا الرغبة في التشهير والانتقاص، وتقزيم دور تلك المؤسسة العريقة، ولو أفلح هؤلاء في حملتهم – لا قدر الله – فسيدفع المجتمع كله ثمن ذلك؛ فوضى، وغلو، وتناحر، وصراعات لا تنتهي. حمى الله الأزهر الشريف، ومصر العروبة والإسلام من كل سوء.

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 97 مشاهدة
نشرت فى 7 يوليو 2020 بواسطة sabryfatma

الأستاذ الدكتور صبري فوزي عبدالله أبوحسين

sabryfatma
موقع لنشر بحوثي ومقالاتي وخواطري، وتوجيه الباحثين في بحوثهم في حدود الطاقة والمتاح. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

284,559