شهادة الأستاذ محمد موافي، كبير الإعلاميين بماسبيرو:
تاريخ التاريخ

لم يترك لنا أمير الشعراء أحمد شوقي من عباءة المدح طرفًا نشمه أو نمسك به، ذلك الذي جلس على لسان الدنيا وقام في فمها، ولوّح بيد شعره الساحر، فوجّه التحية للأزهر الشريف تاريخًا وحاضرًا ولغة وطلبةً وشيوخًا.. أولئك الذين:

كانوا أجل من الملوك مهابةً        وأعزّ سلطانًا وأفخم مظهرا

نزل الوحي على من لا ينطق عن الهوى، عليه الصلاة والسلام، بمكة، وانتشر في كل الدنيا، ولمعت علومه بكل مكان، وتبدل التاريخ وتحكمت الجغرافية، واستقرت نسخة خالصة منسابة كالنهر في دلتا النهر الطيب وصعيده: دين أمة وسطى، عاصمتها الأزهر الشريف. من يوم صار الأزهر الشريف مدرسة للدين الصحيح في آخر عهد الناصر صلاح الدين، وحتى إمامة شيخنا الطيب العارف بالله سيدي أحمد الطيب، والأزهر يوثق الحق، ويصون القول العدل، ويحفظ اللغة التي هي عماد العلم، ويراعي النبهاء من كل مكان وفي كل مكان.

والقارئ لتاريخ الأزهر الشريف، قارئٌ لكل تاريخ المحروسة في الألف عام الأخيرة. تلك المدرسة الشاهدة على تنصيب الخلفاء وتثبيت السلاطين. ودار تأديب الأمراء، وخزانة ذهب المخطوطات، ومنطلق الجهاد ومأوى المجددين المبدعين.

في الألف عام الأخيرة، تهددت مصر والعالم الإسلامي مخاطر واعتداءات. اختفت مدن وانكسرت بلدان، لكن الأزهر وقف مرابطًا شامخًا منيرًا. حتى في أشد أيام استهدافه، يوم دخلت خيل الفرنسيس رحابه المقدس، ما سقطت من بنيانه طوبة، ولا علا مئذنته المثناة دخان. ومن حيث اقتحم الفرنسيس انطلقت الشرارة، لتشهد القاهرة المحروسة أعظم ثوراتها الحديثة، تقف في وجه الغازي، وتعلمه درسًا مكتوبًا بدماء الشعب ومداد طلبة الأزهر.. ملخصه، أن لكل كائن من اسمه نصيبًا، وقدر الأزهر الإضاءة والتنوير، لا يغطي على أنواره غبار سنابك عابرة، ولا يُخرسُ بلابلَه نعيقُ غربان مزيفة.

من الظلم أن أتناول تاريخ مدرسة التاريخ في كلمات، ويكفي بياني أن أذكر سيد بيان المجددين في عصرنا الحديث، السيد الإمام محمد عبده، بعقله الذكي الوافر، وصولاً إلى تاج ابتسام الإشارة، بأن المحروسة بأزهرها لا زالت ولّادة، وكفي باسم سيدي الطيب الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب دليلاً، على أن الأمنيات بالإمكان، والدنيا بخير طالما أن أزهرنا بخير

في ختام كلمتي العجلى والخجلى، أبتسم لسيدي أحمد شوقي، وهو يقول على لسان حالي

ما ضرّني أنْ ليس أفْقُك مطلعي     وعلى كواكبه تعلمتُ السُرى

لا والذي وَكَلَ البيانَ إليك لم       أكُ دون غايات البيانِ مُقصرا

إن الذي جعل العتيق مثابة          جعل الكنانّي المبارك كوثرا

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 77 مشاهدة
نشرت فى 7 يوليو 2020 بواسطة sabryfatma

الأستاذ الدكتور صبري فوزي عبدالله أبوحسين

sabryfatma
موقع لنشر بحوثي ومقالاتي وخواطري، وتوجيه الباحثين في بحوثهم في حدود الطاقة والمتاح. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

284,537