الأدب الكوروني في تجربة (عندما عطست أم رامي) للكاتبة وداد معروف

إعداد الأستاذ الدكتور/صبري فوزي أبوحسين

أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بمدينة السادات  

أظن أن قادم الأيام سيخرج لنا-إن شاء الله تعالى- ما أسميه (الأدب الكورونيCornish literature). إنه تركيب وصفي، وصف فيه الأدب بالكورونية، نسبة إلى الفيرس"كورونا/كوفيد-19"، والوصف هنا قد يكون زمنيًّا، أي: الأدب الذي أبدع في زمن ابتلاء الكون بالكورونا. وهذا غير مقصود في بحثنا. وقد يكون الوصف فنيًّا أي الأدب الذي انفعل بكورونا وعبر عنه وصوره، وهو ذلك الأدب الخارج من رحم المعاناة الإنسانية مع هذا الفيرس، الذي عبر الحدود، وغزا الدول الممالك ودخل السلطنات، ولم يبق بيت مدر ولا وبر إلا دخله وأصاب منه. يقول الشاعر محمد أمان ابن رابطة الأدب الإسلامي في وصف الأثر الفاتك الشامل لهذا الفيرس، من قصيدته الحصن الحصين:

وَبَاءٌ قَدْ أصَابَ الأرضَ طُولاً    ****      وعَرْضًا جاءَ يُنْذِرُ بالعِقَابِ

يُوَزِّعُ مَوْتَهُ شَرْقًا وغَرْبًا         ****        ويَفْتِكُ بالشِّيُوخِ وبالشَّبَابِ

وَبَاءٌ قَدْ أتَى منْ فِعْلِ قَوْمٍ       ****     لَهُمْ في العَيْشِ أفَعَالُ الغُرَابِ

وقَوْمٌ آخَرُونَ لَهُمْ مِزَاجٌ          ****      بِإبْقَاءِ الشِّعُوبِ على الحِرَابِ

جَرَائِمُ أَشْعَلُوهَا كُلَّ حِينٍ         ****       فَيَعْقُبُهَا الوَبَاءُ مَعَ الخَرَابِ

  وعلى حد قول أديبنا الدكتور مصطفى السواحلي في مقامته الكورنية:إن "الوباءَ قد عمَّ، والبلاء قد طمَّ، فقد بلغت أعداد المرضى والهلكى بسبب فيروس "كورونا" الملايين، وعمَّ الخوفُ كلَّ الآدميين، وأيقن الناسُ أنَّهم قاب قوسين أو أدنى من القيامة، وأنَّ حضارة أوروبا وأمريكا ليس لها بعد اليوم قيامة، وفي لُجَّة الأخبار المتسارعة، والأرقامِ المُفْزعة..."؛ قام بعض الأدباء بدورهم اللساني والقلمي في متابعة هذا الهم العالمي تسجيلاً، وتفسيرًا للناس والأحداث خلال هذا الهم الكوني، ونقدًا للسلبيين، ومدحًا للمجاهدين، ورثاء للمستشهدين. وقد تنوع نتاجهم بين أعمال شعرية، وأخرى نثرية في شكل قوالب مقامية أو قصصية قصيرة، وثالثة مقالية، ورابعة خطابية. وإنني على يقين أن ستخرج مسرحيات وروايات في قادم الأيام من شجن هذه المعاناة الكونية الجاثمة الدامية!   

ومن الإبداع القصصي الكوروني الذي عاشرته تجربة(عندما عطست أم رامي) للكاتبة المصرية الجادة الأصيلة وداد محمود معروف، التي تنتمي إلى المدرسة المصرية في دنيا الأدب، الإسلامية الخضراء الحالمة البناءة المعطاءة.

و(المبدعة وداد) مثقفة مصرية، خريجة  كلية الإعلام بجامعة القاهرة، وحاصلة على دبلوم دراسات عليا في الإعلام، وباحثة ماجستير في الإعلام. وقاصتنا حاضرة في منتديات الثقافة المصرية بكل فعالية، فهي عضو عامل باتحاد كتاب مصر، وعضو عامل بقصر ثقافة دمياط الجديدة، وتعمل بالتربية والتعليم. وهي مبدعة فاعلة منجزة؛ ففي الأدب القصصي لها خمس مجموعات قصصية، هي: (ريشة من جناح العشق سنة ٢٠١٤م)، و(كارت شحن عام ٢٠١٦م)، و(لكنني أنثى عام ٢٠١٧م)، و(همس الملائكة عام 2018م)، و(فستان فضي لامع سنة 2019م)، إضافة إلى مجموعة قصصية مخطوطة سادسة، ومجموعة قصصية للأطفال، ورواية بعنوان (الأستاذ) قيد الكتابة. وقد نُشر لها في جريدة الأهرام، و في جريدة الجمهورية، و في مجلة الثقافة الجديدة، ومجلة المختلف، و جريدة الدستور، و في مجلة رواد، وجريدة المحرر، وفي مواقع إليكترونية عديدة مثل: نادي القصة السعودي، والرابطة التكنو إبداعية، و المنار الثقافية الدولية، وأسرار الأسبوع و القدس العربي وعديد من المواقع الأدبية. كما حضر إبداعها في الدرس الجامعي والبحث النقدي الأكاديمي، ونال كثير من إبداعها قراءات نقدية متنوعة من أبرز نقادنا المعاصرين.

نص أقصوصة: "عندما عطست أم رامي"  للكاتبة: وداد_معروف:

"بلغت الإصابات بفيروس كورونا حتى الآن ألف حالة، شفي منها ستمائة، ومازال في الحجر الصحي منها مائتان وخمسون، بينما بلغت الوفيات خمسين مواطنا".

<!--كفَى يا شيرين، أغلقي التليفزيونَ تعبتُ. لاحظي أني خارجٌ الآن لعملي في السنترال! وحتى أصل إليه سأنحشر وسط ركاب، اللهُ أعلم بحالهم! بعدها سأجلس على مكتبي، وستفد عليَّ أمة (لا إله إلا الله): هذا يريد توصيل الخدمة، وذلك يشتكي من الخدمة، وتلك تريد زيادة السرعة...

<!--شيرين: لازم أعرف كل شيء عن الفيروس. التوعية مهمة لنا؛ لنحتاط. إيطاليا أهملت فخرج الفيروس عن السيطرة ويحصد الآن الآلاف هامَةً .... هامَةً !

<!--ألَمْ تكفِكِ مقاطعُ الفيديو على كل التطبيقات؟! خذي راحتكِ. أنا نازل لعملي.

 لبس قُفَّازيه، ووضع الكمامة على وجهه، وحمل في يده زجاجة المُطهِّر.

 ناولته شيرين ورقة بطلبات البيت؛ ليجلبها معه من السوق عند عودته؛ فحظر التجوال سيبدأ من السادسة مساءً، ولن يستطيع بعد ذلك أن ينزل من البيت لجلْب أي شيء نسيه كما كان يفعل من قبل.

 أغلق الباب خلفَه، تصادف خروج جاره من باب شقته، أشار له بيده محييًّا، ونزل درجات السُّلَّم، قال لنفسه: لن ألمس الدرابزين كما كنت أفعل من قبل، لا أعرف من لمسه ومن منهم مصاب من عدمه. احتكت يده بالحائط سهوًا، وقف ليضع عليها المُطَهِّرز

 وهو يخرج من باب العمارة، تفاجأ بدخول أم رامي جارتهم، عطست في وجهه، تزلزل كيانه صرخ فيها قائلاً:

<!-- ما هذا يا أم رامي؟ هكذا في وجهي، لا منديل معك ولا كمامة فوق أنفك!

ارتبكت المرأة، وقالت:

<!--مشيت في الشمس، ومن عادتي أن تستخرج الشمس مني ثلاثَ عطساتٍ متتابعاتٍ كلما مشيت فيها.

<!--ومتتابعات؟!  يا ألله! وهل ستعطسين مرتين أيضًا؟!

جرى من أمامها عائدًا لشقته يعيد تعقيم نفسه.

 اندهشت شيرين لعودته، تبعته حتى حوض الغسيل؛ لترى ما أعاده؟! غسل وجهه خمس مرات بالصابون مع تكثيف الرغوة، بعدها سكب نصف زجاجة الكولونيا على يديه ومسح وجهه ورقبته وملابسه، ربما يكون أصابها رذاذ من عطسة أم رامي.

ضحكت شيرين، وقالت له:

<!-- كفَى أنت أيضًا يا وائل. ستتأخر عن عملك. تقلَّص وقت العمل في زمن الكورونا وأصبح نهاية الدوام في الواحدة والنصف، وقد اقتربت الساعة من التاسعة والنصف! مازال أمامك مواصلة بالسرفيس.

<!--بزهق قال: منك لله يا أم رامي، حتى بعد أن غسلت وتعقمت، مازال الفأر يلعب في صدري من عطستك، عندما أصل عملي سأتصل عليك لتخبريني بعد أن تتحسسي أخبار أم رامي هل حرارتها مرتفعة أو لا؟! وهل عندها أي أعراض كورونا؟!

 انتقل القلق إليَّ: ماذا لو كانت أم رامي عندها أعراض كورونا ولا تدري؟! شاهدت فيديو على الواتس يتحدث عن ووهان وتجربتها الناجحة مع كورونا، إنه ربما يحمل أحدهم المرض لأربعة عشر يومًا ولا يدري! مصيبة أن تكوني حاملة للكورونا يا أم رامي وتمشين بين الناس توزعينها بالعدل دون أن تدري!

فلأصعد للطابق الرابع حيث شقة أم رامي، لكن كيف أسأل؟ لن أدخل؛ فربما كانت مريضةً فعلاً، وهذا العطس عرض من أعراض الكورونا، ماذا أفعل؟ أقف علي بسطة السلم الأعلى وأتصل بالصيدلية وأطلب التوصيل السريع؛ ليأتي لرقم شقتها بدواء خافض للحرارة وأقف هنا أراقب: بماذا سترد على عامل التوصيل السريع؟!

 دقائق وصعد عامل الصيدلية ومعه الأدوية، فلأتعمد النزول على السلم الآن لأرى رد فعلها، ولأبطئ نزولي. دق الجرس.

 فتحت أم رامي. ظهر عليها الاندهاش وهي تسأل:

<!-- خيرًا يا ابني؟ دواء خافض للحرارة، حسب طلبكم يا حاجة.

<!--مَن يا ابني أخبرك أن حرارتي مرتفعة؟! زوجة ابنك يا حاجة اتصلت بنا أصلح الله حالك يا دعاء، أمس أخبرتها بأني أشعر ببوادر إنفولونزا.

 ابتعد العامل خطوات وقال لها:

<!-- آلحساب معك أم مع الرقم الذي اتصل بنا؟ معي يا ابني.

 وأدخلت يدها في جيب عباءتها وأخرجت المبلغ المطلوب. أخرج العامل المُعقِّم من سترته ورش النقود قبل أن يأخذها وفر من أمامها سريعًا.

 كان لزامًا عليَّ أن أحمي نفسي ومن حولي، فاتصلت برقم (١٠٥) أبلغ عن حالتيْ كورونا في العمارة.

وقد أبدعتها الكاتبة بتاريخ 27/3/2020م.

 وقد قرأتها غير مرة، مندفعًا نحوها لكونها دائرة حو ما نعانيه في زمننا وآننا. فخرجت بتلك الانطباعات النقدية:

النسيج السردي:

هذه التجربة الأدبية تصور مشهدًا من مشاهد التعامل الحياتي اليومي في أي تجمع وبأي مكان، وبين أية مجموعة من البشر، في كوننا، تجاه هذا الفيرس الحاضر بقدرة عجيبة عبر الزمان والمكان والإنسان. وتتكون التجربة من عنوان، ومقدمة تمثل التمهيد حيث الحوار بين الشخصيتين المحوريتين: شيرين ووائل، ثم جزء أكبر يمثل الحدث الأبرز:لقاء البطل بأم رامي وعطسها في وجه البطل وموقفه الفزع الهلع منها، ثم ختام للأقصوصة حيث أبلغت شيرين عن حالتي كورونا في العمارة التي تقطنها: حالة أم رامي، وحالة البطل:وائل. وهي أجزاء مترابطة مترتبة منطقيًّا وعقليًّا...

ويقوم بالأحداث في هذه التجربة شخوص رئيسة ثلاثة:شيرين/وائل/أم رامي، ثم شخوص هامشية: عامل الصيدية/الجار/دعاء.

واللغة في التجربة تتنوع بين وصف وحكي وحوار، الوصف محدود، والحكي غالب في كل أجزاء التجربة، والحوار يتخلل التجربة، ويسير أحداثها. وقادم العناوين يزيد هذا النسيج السردي إيضاحًا وتبيينًا:    

تفكيك العنوان:

(عندما عطست أم رامي) هذه جملة شرطية غير مكتملة، تتكون من الأداة(عندما) وفعل الشرط(عطست) وفاعل الشرط(أم رامي).وهو عنوان يمثل تقنية في بناء النص حيث يشير إلى الحدث الأبرز الذي يعد محور التجربة وعمودها، والذي يمثل لحظة الأزمة في النص. كما أنه عنوان جاذب مثير مشوق، يدعو المتلقي إلى التسآل: من أم رامي، وماذا حدث عندما عطست؟!   .

تجنيس العمل:

هذا العمل يعد أقصوصة لأنه يتكون من صفحة، ويقرأ في زمن قليل جدًّا، ولأنه يتسم بعنصري الوحدة والتكثيف:

أما الوحدة فتكمن في وحدة الزمان، ووحدة المكان، ووحدة الحدث. (وحدة الزمان) حيث تدور الأحداث في ساعة أو يزيد قليلاً. و(وحدة المكان)، حيث تدور الأحداث في شقة داخل عمارة، ويشار إلى أماكن أخرى هامشية كالصيدلية والسنترال ووهان. و(وحدة الحدث) حيث تنبني القصة كلها حول رغبة بطلها(وائل) الذهاب إلى عمله بالسنترال، ووصف هذه الرحلة بدءًا من حواره مع (شيرين) زوجته أو قريبته(بنتًا أو أختًا)، ومرورًا بأخذه بأسباب الوقاية من فيروس كورونا، وابتلائه بمقابلة أم رامي وعطسها في وجهه، ثم أخذه بأسباب الوقاية من هذه المصيبة(عطسة أم رامي!)..

أما التكثيف فقد تمثل في خلو النص – غالبًا- من أية لفظة أو عبارة أو مشهد يمكن أن يحكم عليها بالاستطراد أو العبث أو اللغو، أو عدم الجدوى في بناء الأحداث وتسييرها.

مذهب التجربة 

ما دامت هذه التجربة أقصوصة أو قصة قصيرة فهي بلا ريب تنتمي إلى المذهب الواقعي(Realism)؛فالأقصوصة هي النوع الأدبي السائد في عصر الواقعية، حيث تصوير الحياة، وكون النص انعكاسًا  للحياة الحقيقية، وذلك بـالعناية بتصوير الأشياء والعلاقات، بصورة واضحة كما هي عليه في العالم الحقيقي الواقعي...وبتصوير الجوهر الداخلي للأشياء, وليس الجنوح إلى الفانتازيا أو الرومانسية؛ فالتجربة المقروءة هنا(عندما عطست أم رامي) تصور حياة رجل من الطبقة الوسطى في تعامله مع الحياة والأحياء في زمن الكورونا، فتجد الواقعية في بيان وسائل تلقي الأخبار(التليفزيون/الواتس)، وفي قول الكاتبة على لسان البطل مخاطبًا شيرين:" ألم تكفك مقاطع الفيديو على كل التطبيقات"؟!. وتجد واقعية الموظف المصري في رحلة انتقاله إلى مقر عمله في عبارة البطل:" سأنحشر وسط ركاب الله أعلم بحالهم، بعدها سأجلس على مكتبي وستفد عليَّ أمة لا إله إلا الله، هذا يريد توصيل الخدمة وذلك يشتكي من الخدمة، وتلك تريد زيادة السرعة".كما تجد الواقعية المنزلية في عبارة:" ناولته شيرين ورقة بطلبات البيت ليجلبها معه من السوق عند عودته، فحظر التجوال سيبدأ من السادسة مساء، ولن يستطيع بعد ذلك أن ينزل من البيت لجلب أي شيء نسيه كما كان يفعل من قبل". وتجد مفردات خاصة مواجهة الفيروس في وصف البطل بعبارة" لبس قفازيه ووضع الكمامة على وجهه، وحمل في يده زجاجة المطهر"، وتجد طبيعة العمل الحكومي في زمن الكورونا في عبارة:" تقلص وقت العمل في زمن الكورونا وأصبح نهاية الدوام في الواحدة والنصف".

والتجربة تنتمي إلى مدرسة الأدب الإسلامي من حيث شكلها اللغوي الفصيح الثابت المحافظ الواضح المبين، ومن حيث بناؤها الفني الملتزم بالعناصر البنائية المستقرة لفن الأقصوصة، ومن حيث عطاؤها الفكري الإيجابي النوري الخيري الهادف. كما أنها تخلو من أية لفظة أو عبارة تخرج عن نطاق التصور الإسلامي للحياة والأحياء، وهي تقدم خدمة إيجابية في التوعية بفيروس كورونا وكيفية الوقاية منه، والتعامل مع المرضى به. والصدق نجده في لحظة الكشف والانكشاف في الأقصوصة في الفقرة الأخيرة بها: " كان لزامًا عليَّ أن أحمي نفسي ومن حولي، فاتصلت برقم (١٠٥) أبلغ عن حالتيْ كورونا في العمارة" فشرين لم تبلغ عن أم رامي وحدها، بل أبلغت عن زوجها أو قريبها(وائل) وهذا منتهى الصدق، وهو الرسالة الأسمى في التعامل مع كورونا، فالصدق مع النفس والأقارب والآخرين حائط صد أساس في التعامل مع هذا الفيرس الغازي المتربص!

لغة التجربة:

جاءت التجربة المبحوثة في قالب لغوي واضح مباشر مبين، ليس فيه لفظة حوشية أو وحشية، ولا عبارة معقدة ملغزة مبهمة، وذلك راجع إلى كونها أقصوصة واقعية تسجيلية هادفية، تتغيا الوصول إلى القدر الأكبر من الجماهير المتلقية للعمل. خلت من الإثارة والأحداث الغريبة والعجيبة المحدثة للتشويق والمتعة!

وتوجد بالنص لغة موحية، مقتبسة من لغة العامة مثل: تركيب (سأنحشر) الذي يكاد يكون مولدًا غير أصيل، لكنه يوحي بحالة الموظف الكادح في التعامل اليومي مع وسائل المواصلات العامة والشعبية. وتعبير(أمة لا إله إلا الله) الذي يوحي بالكثرة الكاثرة.وعبارة(تزلزل كيانه صرخ فيها) الدالة على التأثير الفظيع المريع لعطسة أم رامي في وجهه.وجملة(خذي راحتك) تعبير دال على التعامل الحر المنفتح المنطلق بين (شيرين ووائل) . واستدعاء المثل:"مازال الفأر يلعب في صدري" يدل على الوسواس المسيطر على البطل بسبب عطسة أم رامي. وجميل من القاصة أن تغيرلفظة (عِبِّي) إلى (لفظة(صدري) تفصيحًا للمثل، وهذا يدل على نزعة أصيلة محافظة من الكاتبة، تدل على حبها العربية الخالدة، وحرصها على أن تحفظها من كل لفظ دخيل يشوهها أو ينال من وقارها وطهارتها.

ومما يلاحظ على لغة النص لفظة(الدوام) في قول شيرين:" وأصبح نهاية الدوام في الواحدة والنصف " التي تعني في اللهجة الخليجية مدة العمل الرسمي، ولعل القاصة أشارت بهذا إلى كونها و(وائل) ممن عاشوا في الخليج وعايشو أهله!

كما يلاحظ استخدام عبارة (بالعدل) في قول شيرين عن أم رامي:" مصيبة أن تكوني حاملة للكورونا يا أم رامي وتمشين بين الناس توزعينها بالعدل دون أن تدري!"، فالتوزيع هنا لا يمكن أن يكون بالعدل بل هو توزيع قدري إلهي في المقام الأول ولا دخل لأم رامي أو غيرها في الابتلاء والعدوى به، ولم تخطط له أو تقصده أم رامي! وقد نقبل عبارة بالعدل، على اعتبار أنها توحي بالسخرية من طريقة أم رامي الاعتباطية.

هذا، وقد تابعت الكاتبة الحالة الكورنية التي عليها عالمنا المبتلى بعملين قصصيين آخرين، هما:

الأول:قصة قصيرة جدًّا(ق.ق.ج)،

نصها:

وعي!

أنفق باقة الإنترنت في مشاهدة فيديوهات التوعية الصحية ضد كورونا؛ ارتدى الكمامة والقفازين حين خروجه، ولما دخل السوق نزعهما.

الثاني: قصة قصيرة، نصها:أقصوصة (من عربة الإسعاف) للكاتبة وداد معروف

    في وسط هذا الليل الحالك, وأنا في طريقي الموحش إلى مكان لا أدري هل سأعود منه إلى حياتي السابقة؛ التي طالما تمردت عليها، أو لا؟!

 هذه الوجوه من حولي، التي أخفتْها عني تلك الكمامات, ترى ما شعورهم الآن تجاهي؟ أعرف أن الفزع يملؤهم. الحياة غالية لا شك,  لكنه الواجب الذي يحتِّم عليهم التعامل معي, وتقديم المساعدة الطبية، ولو كلفهم هذا الواجب حياتهم. هل تُنجيهم تلك الكمامات مني, أم سيتسرب لهم هذا الفيرس الذي غزانا وابتُلينا به, كما تسرب لي دون أن أدري؟! لا أعرف كيف ولا متى أصابني الكورونا؟

    ارتفعت حرارتي ذهبت إلى المشفى, أجريت المسحة، وكان هلعي حين عرفت أن النتيجة إيجابية, إذن الكورونا  حقيقة, لطالما أنكرتها, كم مزحت وسخرت من لُوثة كورونا وضحكت  منها مع زملائي وأصدقائي, ها أنا ذا الآن واحد من مصابيها الذين تُعلَن أرقامُهم كل يوم على وسائل الإعلام, ترى هل سينتقل اسمي غدًا إلى قائمة موتي وباء كورونا؟

   ربما لن يمهلني القدر إلى الغد, فلأخرج هاتفي وأكتب رسالة لأصدقائي، ولعل (وسام) تقرأها معهم:

أنا (أنس سالم), صديقكم الذي طالما كتب لكم منشورات تطلعكم على الجديد في المعرفة الرقمية, صرت أحد المصابين بكورونا,  أخبركم عن حالي الآن وكيف أعاني من آلامها الرهيبة. أشعر برشق رصاصات في صدري, الهواء قليل جدًّا. آلام لم أتخيل أن أشعر بها. سامحوني جميعًا إن كنت أخطأت في حقكم.

 سامحيني يا (وسام) أيتها الزوجة الطيبة. أنا الآن أسترضيك أمام الجميع, فاغفري لي حماقاتي معك, سخريتي من طيبتك, من كلماتك العفوية التي كانت تخرج منك لأهلي، فكنت أحاسبك عليها حساب الملكين, عُودي إلى البيت، خذي بناتنا الثلاث في حضنك, احضنيهن بقوة بدلاً مني, قولي لهن: إن أباكنَّ كان يحبكنَّ  كما لم يحب أحدًا في هذه الحياة.قولي لهنَّ: أني أتمنى الآن لو كانوا أمامي لأشمهنَّ وأتعطَّر بأنفاسهنَّ.

 يا (وسام) أوحشتِني جدًّا, حينما كنت أتعصَّب عليك وأُسخِّفُ كلامك, كنت ألاوم نفسي بعدها, لكن كبريائي كان يمنعني أن أعتذر إليكِ, كنت أضغط عليك بالخصام لتأتي وتعتذري إليَّ، وأشهد الله أنك لم تخطئي في حقي أبدًا, سامحيني يا حبيبتي؛ لم أكن أحسب لهذا اليوم, كنت أظن الحياة ممتدة أمامي.الحياة!.. تمنيت أنها طالت لأفرح بـ: (سُها) و(نُهى) و(مَها), آهٍ يا زهرات عمري الذابل.

ها هم يستعدون للتوقف أمام الحجر الصحي. حركة دائبة في الإسعاف, سأدخل الآن إلى غرفة الإنعاش: فريق كامل يقف في استقبالي, كلهم على أُهبة الاستعداد تعقيمًا وتجهيزًا, فمصاب الكورونا هو طاعون متنقل, أنا الآن على السرير المتنقل؛ ذاهب لأواجه مصيري وحدي, أراكنَّ الآن أمامي، أرى عيونكنَّ تطوف حولي تبكي عليَّ, تتبعني في طرقات الحجر حتى أصل إلى غرفة الإنعاش, خلف الزجاج، عيونكنَّ تراقبني, على جهاز التنفس الاصطناعي,  أرى العمر حبلاً واهنًا ممدودًا بيني وبين سقف الغرفة, يكاد ينقطع.

 يا كل من عرفتموني! دعواكم لي.

 

المصدر: من متابعة نقدية إلكترونية للدكتور صبري أبوحسين لإبداع الكاتبة وداد معروف في رحاب رابطة الأدب الإسلامي العالمية بمصر، ستنعقد يوم الاثنين13/4/2020م.
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 679 مشاهدة

الأستاذ الدكتور صبري فوزي عبدالله أبوحسين

sabryfatma
موقع لنشر بحوثي ومقالاتي وخواطري، وتوجيه الباحثين في بحوثهم في حدود الطاقة والمتاح. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

295,688