سيميائية المكونات السردية:

يتحقق الخطاب السردي في الرواية من خلال مجموعة من البنيات  الداخلية، وتتمثل في: (البناء الحدثي، والقوى الفاعلة في البناء الحدثي، والتعالق النصي، والزماكانية). وهاك بيانها:

البناء الحَدَثي:

بالنظرة الإجمالية للرواية يمكن تقسيم فصولها الثلاثة والعشرين إلى فصول تمهيدية، وثانية داخلية، وثالثة ختامية نهائية، على النحو الآتي:

التمهيد والتعريف:

وذلك في الفصول الستة الأولى نجد (المهدي) الحاضر الأكبر، ونتعرف على أبرز شخوص الرواية، ونطلع فيها على أبعاد الحالة الداخلية لأسرة المهدي، والتشكيل الأولي لمجلس حكم المهدي من حاجب وكبير الوزراء، منذ لحظة تولي الخلافة، ومن خلال أماكن محددة هي قصر الخلافة: قصر الخلد، ثم مجلس الحكم، ثم في أحد الدكاكين البعيدة عن قصور الكبار . وهاك بيانًا موجزًا بهذه الفصول:

تبدأ الرواية بفصل أولي تعريفي أو تَعَرُّفي يحدد فيه الكاتب بطل الرواية وزمن بدئها وأبرز شخوصها الفاعلين:(الخيزران زوجه)، والمعضلة الفلسفية الكبرى الرابطة بين أحداثها، المشار إليها في عنوان الفصل(أنا وأنا).

 ثم ينتقل إلى الفصل الثاني(الربيع كل الفصول) الذي يزيدنا إضاءة حول الصراعات داخل الأسرة الحاكمة، والذي محوره الحاجب(الربيع بن يونس) المصاحب للخليفة في معظم الأحداث عدا حدث النهاية، وفيه نتعرف على كبير الوزراء معاوية بن يسار، وشعراء البلاط:بشار/أبوالعتاهية/أبودلامة.

ثم كان الفصل الثالث نسويًّا بعنوان(ثلاث نساء)، وهن:الخيزران زوجه الأولى أم هارون والهادي وبناته، وريطة ابنة عمه، وسلافة جاريته، وفي هذا الفصل وصف لكل امرأة من حيث جسدها وطريقة تفكيرها وأبرز مآربها!

وفي الفصل الرابع(ذات يوم) مزيد تفصيل للصراع داخل الأسرة بين محمد بن أبي العباس والمهدي من خلال ريطة الأخت والزوجة، وكذا بين الهادي وهارون من خلال الأم(الخيزران)، ثم صراع خارج الأسرة الحاكمة والقصر بين أسرة متهمة بالزندقة(أسرة شبيب وأبيه وأخته زينب) وكبير الوزراء معاوية...

وفي الفصل الخامس (المهدي يقول)ينزل المهدي من قصره العاجي وحيات الرتيبة المملة إلى الشارع متخفيًّا، ومشاهدته الدماء ووقوعه في الدماء...

وفي الفصل السادس (يوم عمل مختلف) يعرض الكاتب تفاصيل يوم من أيام العمل للمهدي في قصره، عن طريق حوار بين المهدي وكبير وزرائه، ثم مع الربيع حاجبه.

إنها فصول تمثل التمهيد للصراع الداخلي بين شخوص الرواية.

التطوير والتنويع:

وذلك في ثلاثة عشر فصلاً، من الفصل السابع حتى الفصل التاسع عشر، حيث تمثل القطاع الأكبر والصراع الأبرز في حياة المهدي بطل الرواية، حيث تبيين الأعداء الخارجيين للدولة من روم، ودحية الأموي، والمقنع الكندي، ومن ظَلَمة داخل منظومة الحكم(كبير الوزراء وابنه)، وكيفية خلاص المهدي منهم. ثم يتخلل ذلك تصوير ضحايا الحكم(أسرة زينب وشبيب، ثم ريطة واغتصاب الحكم أخيها، ثم سلافة ومقتل أبيها وأخيها) وهؤلاء يمثلون حقا (الدماء الجائعة)، ثم تظهر بعض حزن خاص للبطل ممثلة في موت ابنته الأثيرة البانوقة، ثم فرح خاطف في المدينة، ثم بزواجه ابنه الأثير المهدي من زبيدة. وبيان ذلك على النحو الآتي:

حيث ينتقل بنا الكاتب إلى خارج الأسرة والقصر في الفصل السابع(الجانب الآخر) تفصيل للعدو الخارجي (الروم) وكيف يفكرون ويخططون في مواجهتهم جيش الخلافة، ومرض الإمبراطورة وطلبها طبيبًا من مصر أو العراق. وكذا يأتي الفصل الثامن(من غبار الحرب) ليزيد العلاقة بين العباسيين والروم إيضاحًا لا سيما في جانبها العسكري، مع تبيين الدور العسكري هارون الرشيد والقائد خالد إسماعيل، وانتصار هارون وأثر هذا الانتصار في داخل الأسرة(أخيه الهادي)، وخارجها(أسرة شبيب)، ثم الجارية اللعوب: سلافة. ويأتي الفصل التاسع(حقي) قصيرًا في صفحتين! عن مظلمة من مظالم ابن كبير الوزراء"حسن".

وفي الفصل العاشر(أحزان خاصة)نجد تفاصيل عن حزن زينب على أخيها شبيب، وموقف البطل خالد ثم استدعاءه لتكريمه، ثم عرض كيفية القضاء على كبير الوزراء وابنه المجرم، وتعيين يعقوب بن داوود مكانه.

وفي الفصل الحادي عشر (هل حان الوقت) تعد ريطة محور أحداثه بما فيها من غيظ داخلي متأجج على المهدي من عدة جوانب: جانب اغتصاب المهدي حق أخيها في ملك، وجانب تفاني المهدي في حب الخيزران، وجانب قتله المعارضين، ومن ثم كانت طرفًا في تدبير محاولة اغتياله، وإنقاذ الخيزران بطريقة غير مباشرة المهدي منهما، ثم مرض ابنتهما البانوقة، ورحيلها...

وفي الفصل  الثاني عشر (المهدي يحكي) نجد مزيد حزن من المهدي على رحيل ابنته البانوقة، وفشل في تنفيذ محاولة اغتياله، وأخذ المهدي إجراءات قاسية لعدم حدوث هذه المحاولة مرة ثانية، باسترداد جدار الخوف.

وفي الفصل الثالث عشر(في القصور) ننتقل إلى مشاهد خاصة من قصر الخلافة وعلاقات المهدي النسائية بزوجاته وجواريه، ثم مع شعراء بلاطه، ثم مع شخصية العجوز الحكيم المتفرس الخيالية المسهمة في تسيير الأحداث.

وفي الفصل الرابع عشر(في المدينة) مشاهد من زيارته المدينة المنورة وزواجه من رقية بنت عمرو العباسي كبير رجالات يثرب.ثم حديث عن الاستعداد لزواج هارون من زبيدة في بغداد، ثم ختم الفصل بحوار بين المارة من الشعب عن الحفل الأسطوري لزواج هارون، وقضية كيفية تصرف الحاكم في ماله الخاص، والفارق الطبقي بين الحاكم والمحكومين!

وفي الفصل الخامس عشر(أحوال) حديث عن تفريط كبير الوزراء يعقوب في قتل العلوي، والقبض عليه وسجنه وعزل أتباعه ثم تولية الفيض بن أبي صالح مكانه، ثم التخطيط لمواجهة دحية الأموي جنوب مصر، وصراع بين المصريين: من تبع جيش الخلافة، ومن تبع دحية الأموي، وانتصر الدم المصري على الدم المصري...

وفي الفصل السادس عشر(زينب لا تنسى) حديث عن أسرة مظلومة مهضومة بسبب التهمة المعلبة الجاهزة: الزندقة، وموقف البطل خالد إسماعيل، وعزمه على الانتقام لصديقه شبيب...

وفي الفصل السابع عشر(المقنع يتضخم)، حديث عن هذا الخارجي المخرف، صاحب القناع الذهبي(حكيم بن هشام) الذي استطاع خداع آلاف من العامة والدهماء بدعوته إلى الإباحية والمجون داخل الأسرة وخارجها، وادعائه أنه سليل الحكماء والأنبياء، وإسقاطه الصلاة والزكاة، وتجهيز وتسيير جيش بقيادة عقبة بن مسلم في القضاء عليه.

وفي الفصل الثامن عشر(خالد يرى جيدًا) نجد قضاء خالد البطل المغوار على سبب الخراب والوبار والظلم في الدولة معاوية كبير الوزراء الذي قتل كثيرًا من الشرفاء النبلاء بتهمة الزندقة! قتلاً ذكيًّا، وزكيًّا، وخرج من المواجهة سالمًا غانمًا...

وفي الفصل التاسع عشر(صاحب القناع) القضاء على خرافة المقنع الكندي عن طريق القائد عقبة بن مسلم وجيشه جيش المهدي، يقول الكاتب في ختام هذا الفصل على لسان المقنع: "إن بعض الحاكمين خرافات مجسدة مصطنعة وغباء يخفيه الحراس ليس للناس حظ في استمراري معهم، كنت سأخفف العبادات عنهم ... أيها الناس إنكم لا تستحقون وجودي معكم أيها المهدي مت بغيظك... لن تجدوا حتى رمادي.. قفز في النار... يسبح في اللهب(<!--)".   

الخلاص والنهاية:

وذلك في فصول أربعة، يتمتع فيها المهدي بمجلس شعر، مع متابعة لانتصارات على أعدائه والخارجين عليه، ثم يخطط لرحلة إلى ماسبذان(<!--) منتهاه! وبيان ذلك على النحو التالي:

وفي الفصل العشرون(المهدي يحكي) نجد مجلس شعر يختلط به شأن الحكم، وأخبار عن مقتل معاوية واتهام خالد بقتله، وإنشاء مدينة الرصافة، والاتصال بملك الفرنجة في الأندلس، وهدوء الموقف مع الملك إيريني، وأخبار المقنع، وتمني المهدي أن يقنعه وقومه بأنهم كانوا على خطأ!

وفي الفصل الحادي والعشرين(المهدي يقول) موقف للمهدي مع الشاعر الفكه أبي دلامة، ثم حلم وتفسيره من قبل العجوز، ويترتب على هذا التفسير أحداث بقية الفصلين الأخيرين.

وفي الفصل الثاني والعشرين(تغيير وزاري) يحدث تطهير لقصر الخلافة من صاحب الشرطة ورجاله  ونصف عدد الخدم والجواري ، ثم التفكير في الرحلة إلى ماسبذان، ثم يختم الفصل ببيت يردد على الألسنة:

قل للخليفة حاتم لك خائن    فخف الإله وأعفنا من حاتم

فقال المهدي: إذن يعزل من دوائر الحكم كل من اسمه حاتم(<!--)". وترك الكاتب البيت الثاني، وهو:

إن العفيفَ إذا استعانَ بخائنٍ       كان العفيفُ شريكَه في المأثمِ!(<!--)

وفي هذا البيت تهديد كنائي للمهدي، ودعوة له إلى أن يتفرس فيمن يستعين بهم في الحكم.

وفي الفصل الثالث العشرين(أنياب العشق) تخطط سلافة للانتقام من المهدي في رحلة ماسبذان، ويتعرض الفصل لانتصار جيش المهدي في جرجان التي كانت مهددة بالتفكك وبالانفراد بحكم نفسها، ثم يختم الفصل بالقضاء على المهدي مسمومًا...

وهكذا يحقق الكاتب لروايته ترابطًا وانسجامًا بدءًا ووسطًا وختامًا، فتظهر كأنها نسيج حدثي متسلسل متنامٍ، يبدأ من داخل البطل إنسانًا(الأسرة)، وداخل البطل حاكمًا (قصر الحكم). ثم ينتقل الكاتب إلى الخارج: الروم، دحية الأموي، المقنع، أسرة شبيب، ابن معاوية، المدينة، إلى ينتهي بموت البطل مسمومًا.

<!--[if !supportFootnotes]-->

 


<!--[endif]-->

(<!--) دماء جائعة ص142."كانهام وهون وما سبقه حياء بإذن الله تعالى. باخ:ءنا الأزرق والأبيضالى. أن في موهبته الاء، والتفاعل السريع المباشر مع مستجدات الو

(<!--)بفتح السين والباء الموحدة، والذال معجمة، وآخره نون، وأصله ماه سبذان، مضاف إلى اسم القمر، وهي منطقة تقع شمالي الأهواز إلى الغرب، على حدود العراق، وأهم مدنها (السيروان) و (الصميرة) وبها قبر الخليفة المهدي .راجع معجم البلدان5/41، مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع لعبدالمؤمن البغدادي (ت739)2/613، طبع دار الجيل 1412هـ."كانهام وهون وما سبقه حياء بإذن الله تعالى. باخ:ءنا الأزرق والأبيضالى. أن في موهبته الاء، والتفاعل السريع المباشر مع مستجدات الو

(<!--) دماء جائعة ص160."كانهام وهون وما سبقه حياء بإذن الله تعالى. باخ:ءنا الأزرق والأبيضالى. أن في موهبته الاء، والتفاعل السريع المباشر مع مستجدات الو

(<!--) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص239، قال السيوطي: و أسند عن مهدي بن سابق قال : صاح رجل بالمهدي و هو في موكبه."كانهام وهون وما سبقه حياء بإذن الله تعالى. باخ:ءنا الأزرق والأبيضالى. أن في موهبته الاء، والتفاعل السريع المباشر مع مستجدات الو

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 435 مشاهدة
نشرت فى 23 مارس 2020 بواسطة sabryfatma

الأستاذ الدكتور صبري فوزي عبدالله أبوحسين

sabryfatma
موقع لنشر بحوثي ومقالاتي وخواطري، وتوجيه الباحثين في بحوثهم في حدود الطاقة والمتاح. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

299,335