مسرحة التراث في تجربة شاعرة الوادي نوال مهنى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

لكي أقرأ تجربة الأديبة نوال مهنى (لمحات من عبق التراث)، لابد من مطالعة سيرتها وتتبع مسيرتها؛ لننتقل من خارجها التاريخي  الخاص إلى داخلها الفني الأشد خصوصية، فجاءت هذه القراءة لمَسْرحة التراث عند شاعرتنا وكاتبتنا، ثم ندخل إلى العتبات الخارجية التي يتكون منها العمل الأدبي:غلافًا، وعنوانًا، وإهداء، وتقديما نقديا، ثم التجارب المسرحية العشرين. ثم نعرض للبناء الداخلي في هذه التجارب، وما فيه من إيجابيات وسلبيات، وذلك على النحو التالي:

أولا: المبدعة:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

<!--المكونات

اجتمعت عدة عوامل حياتية كونت شخصية أديبتنا، منها أهمها كونها امرأة صعيدية من وسط الصعيد، ومن عروسه المنيا، ثم انتقالها إلى محافظة الجيزة وإقامتها فيها، وكونها جامعية التعلم، حاصلة على ليسانس الآداب في تخصص الفلسفة وعلم النفس، إضافة إلى دراسات خاصة في اللغة العربية والتاريخ الإسلامي. هذا إضافة إلى عملها معلمة بالمدارس الثانوية، ومشرفة على الصحافة المدرسية بوزارة التربية والتعليم، كما عملت معدة برامج من خارج الإذاعة والتليفزيون، فضلاً عن أنها مثقفة ميدانية، عاشت –حفظها الله تعالى-عمرًا طويلاً، تجاوز السبعين عامًا، مع الإبداع والمبدعين والمبدعات، تحتك ليل نهار بالإبداع الأدبي المعاصر في أنديته وصالوناته المختلفة في مصرنا العامرة: اتحاد الكتاب، رابطة الأدب الإسلامي، نادي الأدب المركزي بمديرية الثقافة بمحافظة الجيزة، وعضو أمانة مؤتر الأقاليم، وعضو منتدى السرد العربي، وعضو جمعية الكاتبات المصريات ، ومحاضر مركزي بالهيئة العامة لقصور الثقافة...إلخ. وهي في كل ناد وصالون قائدة ورائدة وفاعلة وحاضرة بقلمها ولسانها وشخصيتها...وكل هذا فتح موهبتها على أنواع من الإبداع، وتوجهات من المبدعين، ومحاورات ومدارسات للنقاد، فجعل لإبداعها تميزًا، وزخمًا، وتنوعًا...ومن ثم لقبت شاعرة الصعيد، شاعرة الوادي، الأديبة الشاملة، وفي نظري ألقبها المثقفة الميدانية.  

<!--الآثار

جاءت آثار أديبتنا كثيرة، ومتنوعة بين خمسة دواوين شعرية، هي: [نبع الوجدان/أغاريد الربيع/ذات مرة/فيض الأشجان/أنغام ثائرة:أغان وأناشيد وأهازيج للطفولة] وستة أعمال سردية قصصية، هي:[الصومعة/شمس غاربة/بسمتيك الأول قاهر الآشوريين/إيزادورا هبة إيزيس/البحث عن أطلنطا/وعاد الحب]، ومسرحيات شعرية ثلاثة، هي: [الفارس والأميرة/الجميلة والعراف/على عتبات القدس]، ومجموعة مسرحيات نثرية قصيرة، وهي التي نقرؤها هنا: (لمحات من عبق التراث)، وأربع مجموعات قصصية للأطفال، هي: [أزهار اللوتس/رحلات ابن بطوطة/أصل الحكاية/مغامرات فستق وبندق]، وعملان في المقالات النقدية، هما: [أوراق شاعرة/قصيدة النثر وتأثيراتها السلبية على الشعر العربي]، وعملان من الأزجال بالعامية المصرية، هما: [موال من بلدي/سلسلة حزر فزر]...

 وما زال نيل إبداعها يجري، وما زالت جعبتها ملأى بكل طريف، مثل تجربتها لعبة الحروف، أشعار تعليمية للطفل، التي هي قيد الطبع..

وظاهر من القراءة الرأسية لهذه الأعمال الإبداعية حضور الروح المصرية، وبروز الغاية التعليمية، وهيمنة النزعة التربوية الإرشادية، والميل نحو الأصالة العربية، والحرص على الثوابت والأصول في الإبداع الأدبي....     

 

ثانيًا: الهيكل الخارجي:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

<!--الغلاف

جاء الغلاف الأمامي في لون أخضر فاتح، وتكون من عنوان المجموعة المسرحية في الأعلى(لمحات من عبق التراث)، ثم لوحة في وسط صفحة الغلاف في أعلاها صورة لامرأة ذات سمت عربي، وصحراء، بها جمال عليها هوادج، وفي أسفلها الأيمن صورة رجل غير واضح المعالم، يمسك بأداة حفر وبعض نباتات صحراوية. ثم تأتي العبارة الإيضاحية للعوان[مسرحيات نثرية قصيرة، وأسفلها اسم الكاتبة].أما الغلاف الخلفي فجاء مكونًا من صورة للكاتبة، وفقرة معبرة -أجلى تعبير- عن معالم التجربة الفنية في هذه المسرحيات القصيرة، مقتبسة من كاتب التصدير النقدي(أستاذي صابر عبدالدايم)، والدار الناشرة: كتاب طيوف.

وبهذا يتضح لنا الروح الخضراء للكاتبة، وانفعالها مع البيئة العربية العتيقة، وعنايتها بشأن المرأة وقضاياها، وذلك واضح لمن يقرأ تجارب هذا العمل المبحوث!

<!--العنوان

جاء عنوان هذا العمل المسرحي جملة اسمية،هي: (لمحات من عبق التراث). وقد تكونت من:

<!--المبتدأ(لمحات): وهو جمع مؤنث سالم للمفردة(لمحة)، التي هي النظرة العجلى، يقال: رأيته لمحةَ البرق أي قدر لمعة البرق من الزمان، والشيء الواضح، وما في الوجه من محاسن ومشابه، يقال: في فلان لمحة من أبيه، أي شبه. ولعل في هذه اللفظة(لمحات) إشارة من الكاتبة إلى طريقة التعبير اللغوي، والبناء الفني في التجارب، وهي القائمة على القصر والإيجاز، والوضوح..

-الخبر شبه الجملة(من عبق التراث). ولفظة (عبق) هنا يجوز نطقها بالفتح والكسر: بالفتح(عبَق) تكون مصدرًا للفعل: عبِق، يقال: عبِقَ به الطيب يعبَقُ عبَقًا: لزِقَ وظهرت فيه رائحته. فدلالة الطيب والعطر لابد من ذكر لفظها مع الفعل (عبِق) أو مصدره(عبَق)، فهي تدل على اللزوق مطلقًا، والإقامة بالمكان والولوع بالشيء.وهذه الدلالة موجودة أيضًا بهذه المجموعة المسرحية: لزوق بالتراث، وإقامة فيه، وولوع به.  ويجوز أن تُنطق بالكسر، يقال: رجل عبِق لبِق: ظريف، ويقال:امرأة عبقة لبقة: يشاكلها كل لباس طيب. والظرف والشكل الطيب دلالتان موجودتان في كثير من تجارب هذه المجموعة المسرحية. وهذه الفظة(عبق) تدل على معيار الكاتبة(نوال مهنى) في الانتقاء والانتخاب من تراثنا المنداح، حيث تركز على المادة القصصية الظريفة الحسنة أو ذات الأثر الطيب العطِر.

أما لفظة(التراث) فهي ما ورث، أو ما يصير إلى الإنسان من الآباء والأجداد، وهي تشير إلى مصدر المادة الفكرية والأحداث المضمنة في هذه المسرحيات القصيرة، فهي من التراث، أي أنها قديمة عريقة أصيلة، موروثة، وليست واقعية ولا خيالية ولا عبثية، ولا سريالية ولا مستقبلية!

<!--الإهداء

جاء الإهداء ثلاثة أسطر، نصه: "إلى عشاق القراءة ومحبي التراث، أهدي هذه المجموعة من المسرحيات النثرية القصيرة؛ عسى أن يجدوا فيها-إلى جانب متعة القراءة-معلومة مفيدة وفكرة صالحة وحكمة صائبة".

 

وواضح من هذا الإهداء مدى إدراك الكاتبة وقصديتها إلى نوع خاص من المتلقين لهذه المجموعة المسرحية، وهم (محبو التراث، وعشاق القراءة)، ومدى حرص الكاتبة على الغايتين الكبريين من الإبداع الأدبي:الإمتاع النفسي، والتنمية العقلية، فـ(نوال مهنى) المعلمة الخبيرة الحكيمة هي الحاضرة في هذا العمل الأدبي؛ فهو أنموذج للمسرح التعليمي المدرسي الهادف. ولعل مسرحيتها(الشاعر والسوق) تدل على ذلك فعلى لسان شخصيتها البطلة (الشاعر) يقول:أنا ضمير الشعب ولسان المجتمع المعبر عن آماله وطموحاته، والحافظ لفنه وتراثه، والراوي لتاريخه وأمجاده(ص57). وفي مسرحيتها(الجاحظ وصورة الشيطان) تقول على لسان الجاحظ يخاطب غلامه: ليس هناك يا بني أفضل من الكتاب؛ فهو  نعم الجليس والعُدَّة، ونعم الأنيس ساعةَ الوَحْدة، ونعم المعرفة ببلاد الغربة، والكتاب يا بنيَّ وعاءٌ مُلِئ علمًا وظَرْف حُشِيَ ظَرْفًا، وإناء شُحِن مَزْحًا وجِدًّا، وإذا نظرتَ فيه طالَ إمتاعُك، وشحذَ طباعَك، وبسطَ لسانَك وجوَّد بنانَك وفخَّم ألفاظَك"(ص 167).

 

المصدر: محاضرة في اتحاد الكتاب عن (لمحات من عبق التراث) للكاتبة نوال مهنى. يوم الأحد13/10/2019.
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 121 مشاهدة

الأستاذ الدكتور صبري فوزي عبدالله أبوحسين

sabryfatma
موقع لنشر بحوثي ومقالاتي وخواطري، وتوجيه الباحثين في بحوثهم في حدود الطاقة والمتاح. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

296,508