الخلط ما بين المرض النباتي والنبات المريض في الأمراض النباتية

Plant Disease &Diseased Plant in Plant Pathology

 

د. محمد عبد الخالق الحمداني

 

       حرصت دوما في جميع مناقشاتي العلمية مع الأخوة الباحثين  ومحاضراتي مع طلبة الدراسات العليا اللذين يعملون حاليا بمؤسسات بحثية أو في التعليم الجامعي ، على توخي الدقة  عند إستخدام المصطلحات العلمية في الأمراض النباتية  لكي لا يؤدي تكرار إستخدامها الخاطيء أن تصبح وكأنها أحد القوانين المعروفة كقانون مندل في الوراثة ونظرية أرخميدس في الفيزياء وفيثاغورس في الرياضيات . وبالفعل وجدت الكثير منهم لايتقبل أن يناقش مفردات كثيرة تستخدم بشكل خاطئ ومنها على سبيل المثال موضوع هذه المقالة وهي  مفردة المرض النباتي .(Plant Disease) فهناك خلط واضح في تدريس هذه المعلومة ويرفض أغلب من يقومون بذلك أن يستمعو إلى ما يثبت خطأ تعريفهم.... إن السبب الذي ليس لدي غيره أن أفسر هذا الرفض هو ... التطبيع العلمي..... فقد يبدو بأن التعريف المستخدم من قبلهم ترسخ بالأذهان وأحتل مكانة خاصة لايمكن أن تتغير بمرور الزمن  مما جعله محصنا ضد أي معلومة متجددة أو تعريف آخر يختلف عن ما رسخ في الذاكرة...      ولنتناقش في هذه المقالة التي خصصتها لموقع كنانة أون لاين-بوابة أراضينا –وقاية وأمراض نبات  إعترافا مني بجميل وفروه لي ... أعاد لي رئة  سوف أتنفس من خلالها.... فشكرا كنانة أون لاين.....

 

       يُعَرِف المرض النباتي من قبل  الكثير من الأساتذه القائمين بتدريس كل مايتعلق بعلم الأمراض النباتية... على أنه ..." إي إنحراف عن الحالة الطبيعية........)" وبغض النظر عن الصفات التي حدث فيها الإنحراف  سواء كانت صفات مظهرية أم فيزيائية أو كيميائية أو عضوية فدعنا نناقش ماذا يقصد بالإنحراف ........

 

          ناتي هنا لنناقش التعريف  بلغة علمية مبسطة....

عطفا على التعريف المذكور.... يتوجب علينا أن نعرف المواصفات القياسية لكل محصول لكي نؤشر حدوث الإنحراف في تلك الصفة ..... أي نؤشر المرض النباتي......     

ولكي نحدد الإنحراف في أي صفة في النبات  لابد أن نمتلك سجل كامل  للمواصفات القياسية لصفات كل محصول أي صفة المقارنة أو ما يطلق عليه أحيانا بالصفة الشاهد... عندما يحدث إنحراف في لون أوراق نبات ما ... مثلا ... علينا أن نعرف اللون الطبيعي أو القياسي لأوراق ذالك النبات ... ولنأخذ مثلا بسيطا لتسهيل المناقشة... نبات الشعير.....

وحتى يتم رصد أي إنحراف في أي صفة من صفات نباتات الشعير ........  

نحتاج إلى سجل بالمواصفات القياسية للصفات التالية:

إرتفاع النبات،عدد الأشطاء (الفروع)، لون الأوراق، أطوال الأوراق، طول وعرض ورقة العلم، عدد صفوف السنبلة، عدد سنيبلات السنبلة، شكل السنبلة، شكل البذرة، لون البذرة، حالة البذرة (عارية أم مغلفة) وغيرها من الصفات....

وحتى لا أسترسل بسرد مواصفات الشعير ... فقد أستوقفني سؤال مهم .. وهو عن  أي شعير أتكلم ....هل هوشعير ربيعي السائد في المنطقة العربية؟  ... أم عن الشعير الشتوي  السائد في أوربا ومعظم ولايات الشمال الأمريكي ... ثم إن كل مجموعة تحوي على أعداد غزيرة من الأصناف....... وإن تلك الأصناف تختلف فيما بينها في أكثر من صفة ........... فإن قلنا بأن لون الأوراق القياسي للشعير يكون أخضر مصفر.... فهل تمثل الألوان الأخرى إنحراف... وهل إن السنابل الحاوية على صفوف غير منتظمة هي إنحراف عن الصفوف المنتظمة ...  وعن أحجام البذور... وهل إن البذور العارية هي إنحراف عن البذور المغطاة؟  ...... لذلك علينا أن نعرف المواصفات القياسية لنباتات كل صنف حتى لانقع في خطأ ....

لرصد أي إنحراف في عدد صفوف السنابل ... علينا أن نعرف العدد القياسي لصفوف السنابل ... هل وجود ستة صفوف هي الصفة القياسية أم وجود صفين؟... هل وجود أغلفة على البذور هو الصفة القياسية أم إن البذور العارية هي الصفة القياسية ؟...... وهل..؟..وهل....؟

لون الحبة... أيكون اللون القياسي أصفر أم أخضر داكن أم أخضر فاتح...؟

ماهو الطول القياسي لورقة العلم والتي تليها .؟... وما هو عرض ورقة العلم..؟..

ماهو الإرتفاع  القياسي للنباتات؟  لتحديد أو تأشير وجود وعدم حصول إنحراف....

وما هو العدد القياسي للتفرعات في النبات الواحد....؟.

وغيرها من المواصفات التي يتحتم علينا توصيف الحالة القياسية لنستطيع أن نرصد حصول الإنحراف .....

ومما تقدم يتحتم علينا أن نوثق بسجلات واضحة المواصفات القياسية لكل محصول .... فلدينا سجل خاص للحنطة وآخر للشعير ولكل محصول يتعامل به أو يتواجد في منطقتنا يكون عرضة للأمراض النباتية...

     إن ما يثير إستغرابي في من يعرف المرض على أنه  "إنحراف في ...... "  إيمانهم  الراسخ بأهمية إستخدام أصناف مقاومة(Resistant Varieties)  كأفضل وسيلة لمكافحة المرض.....

وعندما تسأل أحدهم عن ماهية الأصناف المقاومة.؟..   وكيف يتمكن صنف ما من مقاومة ممرض ما؟ ....يبدأ حديثه عن وجود مورثات (جينات)  في النبات تتحكم في توفير المقاومة ضد الممرض... ثم تسأل وهل كل الأصناف تستطيع أن تقاوم ؟... سيكون جوابهم .. كلا ... وتسأل كيف؟.. يأتيك الجواب ... بأن هناك أصناف تحمل جينات مقاومة فعالة ، بينما البعض يحمل جينات غير فعالة .... سؤال أخر...   لماذا تأكدون في معظم تجارب الأمراض النباتية على إختبارات  القابلية الإمراضية(Pathogenicity) .؟.. وما هي القابلية الإمراضية ؟.... ومن هو الذي يتحكم بها؟ ..... ثم تسألهم لماذا هذا العدد الكبير من البثرات الكبيرة والملتحمة على أوراق هذا الصنف بينما تميزت البثرات على أوراق الصنف الآخر  بصغرها وتناثرها؟  مع العلم بأن كليهما شعيرربيعي ذو ستة صفوف وبعمر واحد  ... لوثا بنفس الأبواغ( السبورات) وتعرضا لنفس الظروف البيئية .. مع ملاحظة أن الصنفين مختلفين بصفات عديدة منها:

لون البذور، عدد صفوف السنابل، عدد التفرعات، الفترة من الزراعة للتزهير والنضج، لون الأوراق ، المساحة الورقية ، وزن 100 حبة.....  فالسؤال هنا هو.....  هل إن الأختلاف في مستوى الإصابة هو إنعكاس لأختلاف مواصفاتهما.؟.. أم إن شيئا آخر سبب ذلك.؟.... سيقولون لك ... بأن شكل البثرات وأحجامها وتوزيعها تعتمد على طبيعة العلاقة بين العائل والممرض..

ثم تسأل لماذا تدرسون القابلية المرضية وتصرون عليها في كثير من الدراسات؟ ... يأتيك الجواب  .. بأن إختبارات القابلية المرضية تمثل  أحد الأركان الرئيسية في علم الأمراض النباتية ... كيف؟.... لأن نتائجها تدلنا على المسبب الرئيسي للمرض... وقد تكون ممثلة  في أحد عزلات فطر محدد جمع من منطقة محددة... والسؤال... هل تعني بأن عزلات أخرى من نفس نوع الفطر جمعت من مناطق أخرى تختلف فيما بينها؟... يأتيك الجواب... نعم...  وبكل تأكيد.... ولماذا  أختلفت العزلات؟....  لأن المورث أو المورثات التي تتحكم بالقابلية الإمراضية لهذه العزلات تختلف عن تلك المحمولة في العزلة الأولى...... إنه كلام جميل ....

وأخيرا وليس آخرا.... هناك تهافت كبير من قبل أغلب المختصين بعلم الأمراض النباتية على القيام بمسوحات المجتمعات السكانية للممرض .... وإستخدام الأصناف التفريقية في أعمالهم..... والسؤال هنا..... ماذا نستنتج من تلك المسوحات؟ وماذا نريد أن تستعلم من نتائجها.؟... ثم ماهي أهمية الأصناف التفريقية.؟......

    ومن المدهش والمفرح  بأن هناك إجماع على جوهر الأجوبة.... سيقولون لك بأن المسوحات أحد ضرورات دراسة المرض  النباتي  ... وماهي الضرورة.؟.. سيقولون بأن الباحث العلمي لابد أن يعرف مدى إنتشار المرض .... وماهي النسب المئوية لمستوياته في المناطق... وكذلك مستويات تواجده على أصناف ذلك المحصول... أما الأصناف التفريقية فتكمن أهميتها بأنها ستكشف لنا ما خبأ علينا!.

..... والسؤال هو ... ما ذا خبأ عليهم؟..... سيقولون وبالإجماع.... سنعرف ماهي الأصناف التي لاتوجد على نباتاتها أي إصابة بينما تكون هناك إصابات شديدة على نباتات أصناف أخرى.... حسنا وبعد..... سيقولون لك بأن الأصناف التفريقية ستكشف لنا  أسماء جينات المقاومة التي لازالت تعمل .... تعمل! .... تعمل ضد من؟ ..... سيقولون بأنها لازالت تعمل ضد الفطر....

.... سؤال.... هل هناك معركة بين الأصناف وبين الفطر المسبب؟ ..... الجواب نعم ...هو صراع أبدي.. ...وهنا يأتي السؤال الأخير ...  بصفتكم مختصين بالأمراض النباتية.... لو عندنا صنفين تفريقيين.... لوثا بنفس المستوى من الأبواغ (السبورات)لأحد الفطريات (الفطور) الممرضة....

كيف نحدد الصنف المنتصر ..... والصنف الذي خسر المعركة.... وما هي أدوات تلك المعركة.... وماهي مؤشرات النصر .... وعلامات الهزيمة.....

سيقولون لك وبكل وضوح ...

..... المنتصر .... بلا شك الصنف المنتصر هو الصنف الذي لم تلاحظ في نباتاته أي أثر للإصابة.... بينما الخاسر في تلك المعركة هو الصنف الذي إنتشرت على نباتاته إصابة شديدة....

  وعنما تسألهم ماهو السلاح  الذي إستخدمه الصنف المنتصر لحسم المعركة؟؟... يقولون  لك ..... هناك مورث أو مورثات ( جين أو جينات) مقاومة موجود في ذلك الصنف مخصصة أصلا للدفاع عن أي هجوم محتمل من قبل الفطر ....

إن الإجابات المذكورة أعلاه هي إجابات علمية واضحة... وهي نقاط مهمة في حديثنا الذي نريد أن يأتي بثماره....  لذلك فقد عرفنا منهم... بأن وجود وعدم وجود إصابة سببه العلاقة بين أركان المرض الثلاثة وهي العائل والممرض والظروف البيئية المحيطة بهما... ...

أي إننا نتكلم عن الصنف والعزلة أو السلالة للفطر المسبب ....

وحتى نتسلسل في الحديث البسيط هذا... علينا أن نفترض توفر الظروف البيئية المناسبة في كل المناطق...

يبقى لدينا طرفي المعركة... العائل والمسبب الممرض...

كيف حدثت المعركة؟ .... ومن الذي بدأها؟... وكيف أستسلم أحد الأصناف؟ ... وكيف دافع الصنف المنتصر؟......

هنا يأتي التعريف العلمي الصحيح للمرض النباتي والذي يحل إشكالية التداخل أو الخلط بين تعريف المرض والأعراض المرضية ....... من أنه

عملية جرت بين العائل والمسبب الممرض سببت ضررا ...

......وإن نتائج العملية مانراه أمامنا على العائل....وهو ما نطلق عليه بالعرض المرضي(Disease Symptom)  وليس المرض النباتي.... لذلك فإن الأنحراف سواء كان على شكل تضخم أو إختزال في النمو أو تلون أو ذبول أو موت موقعي أو تدرن أو تعقد الجذور أو أورام على السيقان أو تعفن الجذور أو إصفرار أو تبرقش أو تقرح .. وغيرها من الإنحرافات الملاحظة على العوائل النباتية ... ماهي إلا مواصفات النباتات المريضة .. ....وهي تمثل المظهر الخارجي لما جرى أي إنها تعكس النتائج النهائية للمعارك التي دارت بين عوائل نباتية وبين ممرضات.......فهي إذن أعراض مرضية لا غير....  مع تمنياتي ..

 

 

د. محمد عبد الخالق الحمداني

تموز2012

 

المصدر: أحد أجزاء محاضرة علمية لكاتب المقالة
  • Currently 2/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
2 تصويتات / 459 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

75,948