لا يزال الجدل قائما في الجزائر بشأن جملة التدابير الاقتصادية التي أعلنت عنها الحكومة في الآونة الأخيرة، والتي تخص قطاع الاستثمار والتجارة الأجنبية.

ففي حين يرى خبراء أن مثل هذه القوانين من شأنها أن "تحمي الاقتصاد من الاستنزاف, وتحدّ من تهريب العملة الصعبة خارج البلاد, وتقلل من فاتورة الاستيراد"، يرى آخرون أنها "تضرّ بصورة الجزائر الاقتصادية وبمحيطها الاستثماري"

فبعد عشرية تقريبا من سياسة "الاقتصاد المفتوح"، تحولت الحكومة إلى تطبيق ما بات يعرف بـ"الاقتصادية الوطنية" كسياسة في تعاملاتها، حيث تعتمد على الاستثمارات العمومية، وهو ما خصصت له في الخطة الخمسية (2009-2014) غلافا ماليا قدره 286 مليار دولار

وأضحى المستثمر الأجنبي وفقا لقانون المالية لعام 2010، مجبرا على أن يجد شريكا (أو شركاء) محليا للاستثمار، مع حصوله على 49% فقط من الشركة، كما يتعين عليه الحصول على الموافقة الحكومية في حال أراد بيع حصته.

 

شركاء محليون

وعلى الصعيد التجاري باتت الوسيلة الوحيدة لتسديد كل عمليات الاستيراد هي حصول التاجر على "الاعتماد المستندي"، وهو وثيقة يحصل عليها من البنك المحلي للبنك المورّد الأجنبي لمصلحة الشركة المصدرة للسلعة، مع الالتزام بضمان الوصول الحقيقي لهذه السلعة

ولم يكن للشركات الأجنبية أن تقبل بهذه التدابير بعد تعودها على الربح السريع قبل عامين، ولأول مرة يعترف رئيس الوزراء أحمد أويحيى بأن هناك "ضغوطا" على الجزائر بسبب هذه القوانين

وأكد أويحيى -في جلسة علنية للبرلمان لعرض السياسة العامة لحكومته- أن الحكومة "لن ترضخ لجماعات الضغط التي تطالب الحكومة بتغيير سياساتها تجاه الاستثمارات الأجنبية"

ولم يقتصر الرفض على الجانب الأجنبي فقط، بل هناك من الجزائريين من يرى أن هذه القوانين "تضر بصورة الجزائر من حيث المحيط الاستثماري"

ويرى الرئيس المدير العام لمجمّع "رويبة" سليم عثماني أن قاعدة 51-49 % "مبالغ فيها" في حق الشركات الدولية المستثمرة بالجزائر، ويعتقد أن من شأن هذا القانون أن يعطي الانطباع بأن الجزائر تنصب فخا

وقال للجزيرة نت "ليس أمرا سويا أن ندعو المستثمرين الأجانب للبلد ونفتح لهم كل شيء، ثم نتحايل عليه بقوانين، وكأننا نقول لهم قد نصبنا لكم فخا"

وأضاف عثماني "قلنا للسلطات في أواخر تسعينيات القرن الماضي ساعدونا في رفع مستوى الشركات المحلية, ومن بعدها افتحوا السوق مثلما تشاؤون، لكنهم رفضوا وقالوا سنفتح الآن ثم سنرى فيما بعد"

واقترح عثماني ألا تتجاوز حصة المستثمر المحلي الـ30%، وهي نسبة معقولة بالنظر لحجم اقتسام المخاطر بين الطرفين، حسب تعبيره.

 

سيادة الدولة

 

من جهته يرى الخبير الاقتصادي عبد الكريم علاّم أن هذه القوانين "نابعة من سيادة كل دولة"، واعتبر أن الأزمة المالية العالمية الأخيرة قد "أعطت دروسا مهمة في السياسة الاقتصادية"

وقال للجزيرة نت إن "الأزمة الأخيرة بينت أن أقوى دول العالم اقتصادا قد لجأت ومن دون عقدة إلى إعادة النظر في الفلسفة الاقتصادية الحرة التي كانت تسير عليها، وتراجعت عن بعض الانفتاح الاقتصادي، وعادت هذه الدول لتتدخل في شؤون اقتصادية كانت حكرا على القطاع الخاص"

وعما يراه البعض "تضييقا" على الاستثمارات الأجنبية، خاصة في القانون المحدد لاستحواذه على 49% من حصة الشركة، قال علاّم إنها "ليست تضييقا، بل هو تفطن من الدولة لحماية وضع اقتصادي مبني على المحروقات، إذ هي معاملة اقتصادية مبنية على الثقة بين جانبين تجمعهما مشاريع واقتسام أرباح"

وأوضح أن المراد من ذلك هو "الحد من تصدير الفائدة بالعملة الصعبة إلى الخارج". مؤكدا أن إعطاء 30% للشريك المحلي "طريقة معمول بها في العديد من الدول، وهي ليست غريبة على الاقتصاد العالمي".

 

فاتورة لم تتغير

 

من جانبه يرى الكاتب الاقتصادي عبد الوهاب بوكروح أن فاتورة الاستيراد لم تتغير كثيرا بعد عامين من تطبيق التدابير الجديدة، وقال للجزيرة نت إن "القوانين الجديدة لم تأت أكلها بعد"
وكشف أن "فاتورة الاستيراد في عام 2009 كانت 40 مليار دولار، خارج قطاع الخدمات، وهناك تقديرات بأن تبقى نفس قيمة الفاتورة مع نهاية هذا العام 2010"

وكان أويحيى قد كشف أن البلاد خارج المحروقات "قد تلقت أقل من 500 مليون دولار كاستثمارات أجنبية في سنة 2005، وأقل من مليار دولار في سنة 2007"

وأفادت تقارير صحفية بأن خبراء على مستوى وزارة المالية يعكفون على صياغة مقترحات قوانين تحمل مرونة نسبية على قاعدة الـ51% والـ49%.

وذكرت صحيفة الخبر أنه من بين التدابير المقترحة، السماح للشركات الأجنبية بالدخول إلى السوق الجزائرية بنسبة 100% في حالة الالتزام بعد ثلاث سنوات من النشاط، وطرح نسبة 51% للاكتتاب في بورصة الجزائر

  • Currently 33/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
12 تصويتات / 57 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

62,104