رغم تعقيدات التكوينات الجيولوجية التي يوجد بها النفط العماني وتباين مكامنه بين الأحجار الجيرية المتكسرة والفوالق والطبقات الرملية الدقيقة والصلبة وتكوينات الطبقات الملحية الكبيرة والعميقة، فقد تمكنت سلطنة عُمان من الوصول بإنتاجها من النفط والمكثفات إلى أكثر من 858 ألف برميل في اليوم.
وتشير بيانات صادرة عن وزارة الاقتصاد الوطني إلى أن إجمالي إنتاج النفط خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2010 سجل ارتفاعا بلغت نسبته 7% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
يشار إلى أن تصدير النفط العماني بدأ عام 1967 وذلك بعد اكتشافه بكميات تجارية، وتلت ذلك عدة اكتشافات لحقول جديدة فزاد الإنتاج من 333 ألف برميل يومياً ليصل إلى مستواه الحالي، في حين تجاوز عدد الحقول المنتجة المائة.
ولتقييم هذا المستوى من تطور إنتاج النفط العماني حاليا، لا بد من متابعة سريعة لمتوسط إنتاجه اليومي على مدى عشر سنوات مضت فنجده سجل ارتفاعا ملحوظا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بينما كان إنتاجه يسجل هبوطا متتاليا في الفترة من 2002 حتى 2007.
ووفقا لتقرير صادر عن وزارة النفط والغاز فقد كان متوسط الإنتاج اليومي 954.9 ألف برميل في العام 2000، وارتفع إلى 955.8 ألف برميل عام 2001، وبدأ في الانخفاض عام 2002 ليصل 897.3، ثم إلى 819.5 عام 2003، وإلى 779.8 عام 2004، فإلى 774.7 عام 2005 ليصل إلى 737.5 عام 2006.
وواصل هبوطه حتى وصل لمستوى 710.4 آلاف برميل يوميا في عام 2007. ليبدأ بعدها مسيرة ارتفاع، فحقق الإنتاج اليومي مستوى 756.8 عام 2008، ليرتفع بعدها إلى 812.5 في العام 2009 ثم إلى 858.2 ألف برميل في اليوم خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام 2010.
بهذه الأرقام التفصيلية يتضح معنى ومدلول تلك الزيادة في متوسط الإنتاج اليومي الذي وصلت إليه عُمان حاليا وبالضرورة أن تكون وراءه جهود أدت للوصول إلى هذا التطوير في الثروة النفطية العمانية.

 
 
ناصر الجشمي: التسهيلات التي تقدمها عمان رغّبت الشركات بالاستثمار بالطاقة

وقد لخص وكيل وزارة النفط والغاز ناصر الجشمي تلك الجهود للجزيرة نت في مجموعة مساع، من بينها الاستفادة من تطبيقات التكنولوجيا الحديثة في مجال الاستكشاف والإنتاج وزيادة الاحتياطيات بشكل سنوي عبر الاكتشافات الجديدة ومساعي رفع معدلات الإنتاج بهدف إطالة العمر الافتراضي للحقول.


وأشار في هذا الإطار إلى تكنولوجيا المسح الزلزالي ذي البعد الثلاثي الذي يرى أنه أسهم في تقليل حفر آبار جافة، بالإضافة إلى استخدام تقنية أخرى تسمى تقنية حفر الآبار الأفقية، التي ساهمت هي الأخرى في مضاعفة الإنتاج واستخلاص النفط من مكامن نفطية لم يكن ممكنا استخراج تلك الكميات منها بمجرد حفر آبار عميقة.
كما أشار الجشمي لدور التسهيلات التي تقدمها السلطنة للشركات العاملة في مجال الاستكشاف والتنقيب وطبيعة اتفاقيات اقتسام الإنتاج التي تتبعها مع تلك الشركات، مما أدى إلى زيادة إقبال المستثمرين الأجانب في هذا المجال وانعكاس تلك السياسات على مستوى زيادة عدد الشركات التي حصلت على مناطق امتياز جديدة.
وأوضح أنه بالإضافة إلى شركة تنمية نفط عمان -الشركة الرئيسية في مجال النفط والغاز العماني- فإن هناك عددا من الشركات تساهم في إنتاج السلطنة من النفط كشركة أوكسيدنتال عمان وأوكسيدنتال مخيزنة ودليل للنفط وبتروجاز وبي تي تي التايلندية ورأس الخيمة للبترول.
وأضاف أن هناك أيضا أكثر من عشرين شركة عالمية أخرى ما زالت تعمل في المراحل الأولية للتنقيب عن النفط والغاز حيث أسفرت أنشطة بعضها عن اكتشافات جديدة للنفط والغاز بالبلاد.
وأشار إلى جهود رفع نسبة عامل الاستخلاص من الحقول المنتجة باستخدام أسلوب الغمر بالماء أو الحقن بالبخار أو بالسوائل الكيماوية كالبوليمر الذي يستخدم في الحقول ذات النفط الثقيل والشديد اللزوجة، مؤكدا أن الوسائل المعززة للإنتاج رغم ارتفاع تكاليفها فإنها أثبتت نجاحها في زيادة معدلات الإنتاج.
واستدل بإنتاج حقل مخيزنة التابع لشركة أوكسيدنتال مخيزنة والذي كان يبلغ عشرة آلاف برميل في اليوم حتى عام 2005، فأصبح حاليا 80 ألف برميل يوميا بفضل استخدام أسلوب الحقن بالبخار الذي صاحبه حفر المزيد من الآبار التطويرية بنفس الحقل.
وأضاف الجشمي أن شركة تنمية نفط عمان باشرت استخدام أسلوب الحقن بالبخار في حقل قرن علم، وأسلوب يسمى الحقن بالبوليمر في حقل مرمول، معبراً عن أمله في أن يسهم ذلك أيضا في رفع معدلات الإنتاج على المدى البعيد.

 
 
مدير الشؤون الخارجية بشركة تنمية نفط عُمان سليمان المنذري

وحول طرق تعزيز وتطوير الإنتاج أيضا تحدث للجزيرة نت مع مدير الشؤون الخارجية والاتصالات بشركة تنمية نفط عمان المهندس سليمان بن محمد المنذري، ملخصا مراحل صناعة النفط بعُمان في ثلاث مراحل، وهي مرحلة النفط السهل ومرحلة الاستخلاص الثانوي للنفط ومرحلة الاستخلاص المعزز للنفط.
وأوضح أن مرحلة النفط السهل يكون فيها الضغط الطبيعي للمكامن النفطية قادرا على ضخ النفط إلى آبار الإنتاج، وعندما يبدأ ذلك الضغط في الانخفاض تبدأ مرحلة الاستخلاص الثانوي وذلك باستخدام ما يعرف بأسلوب الغمر بالمياه.
أما المرحلة الثالثة أي الاستخلاص المعزز للنفط، فيقصد بها حالة الاعتماد على أساليب تقنية معقدة لاستخلاص النفط من مكامنه، وهنا يؤكد المنذري أن شركة تنمية نفط عمان تعدت أيام النفط السهل قبل وقت طويل مما دفعها للجوء للأساليب الأخرى التي تمكنها من استدامة الإنتاج.
وأشار المنذري إلى أن تنمية نفط عمان افتتحت خلال شهر سبتمبر/أيلول المنصرم أول مشروع متكامل من نوعه بالمنطقة في مجال تنفيذ تقنية الغمر بمادة البوليمر الذي يستخدم في مجال الاستخلاص المعزز للنفط وذلك في حق مرمول.
ويشتمل المشروع على وحدة مركزية لمعالجة المياه بطاقة ثمانين ألف متر مكعب في اليوم بالإضافة إلى مرافق لتحضير مادة البوليمر الكيماوية التي تضاف حبيباتها إلى المياه لحقنها في المكامن النفطية.
ومن الناحية التقنية فإن إضافة مادة البوليمر الكيميائية إلى المياه تزيد من لزوجتها مما يساعد على دفع النفط بفاعلية أكثر، وهو ما يزيد بدوره من الإنتاج ليزيد من معدل الاستخلاص النهائي من الحقل.
ويشار هنا إلى أن المرحلة الأولى من مشروع البوليمر بحقل مرمول سترفع معدل النفط المستخلص من المكمن النفطي الذي تستخدم فيه هذه التقنية بنسبة 10%.
وقد أكد المنذري أن هناك أساليب أخرى تقوم الشركة بتنفيذها في مجال الاستخلاص المعزز للنفط، منها أسلوب الحقن بالغاز المخلوط في المكامن النفطية وذلك لتخفيف لزوجة النفط الثقيل ثم دفعه إلى الآبار.
ومنها أيضا أسلوب تصريف النفط والغاز بفعل الجاذبية بمساعدة البخار، وهو أسلوب يحتمل تطبيقه على المشاريع المستقبلية للشركة خلال السنوات المقبلة.
تأتي هذه الجهود في مجال تطوير الثروة النفطية للسلطنة في وقت ما زال النفط يشكل المحرك الأساسي لعجلة التنمية في البلاد كما هو الحال في مختلف الدول النفطية في منظومة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي.
أكد تلك الأهمية رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عمان خليل بن عبد الله الخنجي، موضحا للجزيرة نت أن القطاع النفطي لا يزال يشكل ما نسبته حوالي 70% تقريبا من إجمالي الدخل بالبلاد.

 
 
خليل الخنجي: قطاع النفط يشكل نحو70% من إجمالي الدخل بالبلاد

ونوه الخنجي إلى أنه في الوقت نفسه زادت مساهمة القطاعات غير النفطية مثل السياحة والخدمات والتجارة والصناعة في الناتج الإجمالي، وذلك نتيجة حرص الحكومة على انتهاج سياسة واسعة لتنويع اقتصاد البلاد من أجل تخفيف اعتماد السلطنة على النفط.
وأشار إلى أن السلطنة وضعت ونفذت خلال السنوات الماضية برنامجا لاستثمارات كبيرة في البنية الأساسية والخدمات والنفط والصناعات التحويلية، لا سيما قطاع صناعة البتروكيماويات الذي يزدهر بصورة كبيرة في ميناء صحار الصناعي وفي صلالة وصور.
وتوقع الخنجي مواصلة نمو قطاع النفط وتوسعه خلال الفترة القادمة جنبا إلى جنب تواصل تشجيع تطوير الصناعات التحويلية من خلال تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في المشروعات المختلفة.
ونشير هنا إلى أن عُمان تنبهت منذ وقت طويل إلى ضرورة تقليل الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للإيرادات، فتبنت إستراتجية تنموية طويلة المدى أطلقت عليها اسم "الرؤية المستقبلية للاقتصادـ عُمان 2020".
وتهدف تلك الرؤية لتحقيق التوازن الاقتصادي والنمو المتواصل، كما ترمي إلى إجراء تحويل جذري في تركيبة الاقتصاد القومي للسلطنة من حيث تعدد مصادر الدخل بدل الاعتماد وبشكل رئيسي على مصدر واحد غير متجدد وهو النفط.
وفي هذا الشأن أوضح المراقب الاقتصادي المهتم بشؤون النفط والخبير في وزارة القوى العاملة الدكتور محمد رياض حمزة أن تبني إستراتيجية عمان 2020 سيؤدي إلى إحداث انخفاض تدريجي لمساهمة القطاع النفطي في الناتج الإجمالي، مقابل زيادة تدريجية في مساهمات القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي لتنخفض حصة قطاع النفط بحلول عام 2020 إلى 9% مقابل ارتفاع حصة قطاع الغاز إلى 10%.

 
"
محمد رياض حمزة:
مساهمة القطاعات الإنتاجية غير النفطية ستشكل وفقا للخطط الإستراتيجية 81% من إجمالي الناتج المحلي، في تحول كبير في التركيبة الهيكلية للقاعدة الإنتاجية للاقتصاد العُماني
"


كما يرى حمزة أن الإستراتيجية الخاصة بالرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني 2020 تتوقع أن تصل مساهمة القطاعات الإنتاجية والخدمية الأخرى في الناتج الإجمالي إلى 81% في الخطط الإستراتيجية، معتبرا أن ذلك سيشكل تحولا كبيراً في التركيبة الهيكلية للقاعدة الإنتاجية للاقتصاد العُماني.
وأضاف حمزة أن إحداث هذا التحول الجذري في القاعدة الإنتاجية للاقتصاد العماني قد تعترضه بعض التحديات، ويرى أن ذلك أمر طبيعي وغالبا ما يأتي مصاحبا لمثل هذا النوع من التحولات الهيكلية، منوها إلى أن الخطط الإستراتيجية الخاصة بتنفيذ الرؤية المستقبلية قد تمت صياغتها بأسس تمكنها من تجاوز التحديات.
ووصف خطط إستراتيجية الرؤية المستقبلية بأنها تتصف بوضوح المعالم وتستند على مجموعة من المحاور وحزمة من السياسات والآليات التي تتسم بالمرونة والواقعية لتحويل الرؤية المستقبلية للتنويع الاقتصادي إلى واقع ملموس.
وتهدف الخطة أيضا إلى معالجة التحديات القائمة وكذلك التحديات التي يتوقع أن تستجد أثناء عملية تنفيذ خطط التنمية والتطوير الإستراتيجية.
وأوضح حمزة أن التقارير الاقتصادية التي تناولت هذه الرؤية المستقبلية تشير إلى أنه وعند بدء تنفيذ الخطة الخمسية الثامنة للسلطنة عام 2011 وحتى نهايتها عام 2015 يؤمل أن تكون نسبة مساهمة الأنشطة غير النفطية التي يتشارك في أدائها القطاعان العام والخاص لا تقل عن 60%.

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 97 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

61,091