معالجة الأزمات الاقتصادية من وجهة نظر الإسلام


إن الأزمة الاقتصادية تعني الاضطراب الشديد في تدبير أمور الدولة المالية الذي يحتاج لبذل جهد وإفراغ وسع لإزالته وإعادة الوضع إلى الاستقامة والاعتدال، وليس المقصود بالأزمة الاقتصادية الخلل البسيط في الأمور المالية الذي يمكن معالجته بالوسائل العادية. فمثل هذا الخلل يتوقع حدوثه عادة في جميع شؤون الحياة ويمكن معالجته وقبوله في الحدود المسموح بها.

والدولة التي تسير على مبدأ صحيح ووجهة نظر سليمة لا يمكن أن يحدث عندها خلل بسيط ثم تسكت عن علاجه في الوقت المناسب حتى يتراكم ويصبح خللاً مركباً ينقلب إلى أزمة، ولكن تعالجه في بدايته. وفي هذه الحالة يكون العلاج سهلاً ميسوراً.

إن الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة إذا ما تم دراسة حقيقتها، نجدها أنها ليست أزمة عادية ولا عابرة ولا هي من نوع الأزمات الروتينية الناتجة عن طبيعة النظام الرأسمالي الذي من شأنه أن تتولد عنه أزمات دورية منتظمة، فقد أحصى صندوق النقد الدولي عدد الأزمات المالية التي وقعت في العالم الرأسمالي فقط خلال الثلاثين سنة الماضية فوجدها تفوق المائة أزمة. فبعد أزمة 1929م -الكساد الكبير- عند انهيار سوق الأسهم الأميركية مسبباً الكساد والركود الذي عمّ العالم، كانت أزمة انهيار وول ستريت عام 1987م عندما خسر مؤشر دون جونز 22.6% من قيمته، ومن ثَمَّ إلى الأسواق المالية العالمية، وأزمة عام 1997م عندما حصل هبوط حاد في أسعار الأسهم في الأسواق المالية الكبرى بدأ في هونغ كونغ، فاليابان فأوروبا ثم أميركا، وقيل حينها إن بورصة هونغ كونغ خسرت في يوم واحد ما يقارب تريليون دولار، وقبلها كانت أزمة ما يعرف بالنمور الأسيوية، وأزمة 2002م حيث تراجعت أسواق المال العالمية بعد التزوير في حسابات شركة أنرون (Enron). وبعد الفضائح الأخيرة لـParmalat التي أيقظت ضرورة الحذر من الحسابات المفصح عنها لتفادي الأزمات، وكل ذلك كان قبل الأزمة الحالية. غير أن هذه الأزمة وكما عبروا عنها أنها "تسونامي القرن" وهي وليدة الرأسمالية التي طغت عليها العولمة والخصخصة ومضاربات أسواق المال. فأسباب الأزمة الحالية ليست تقنية فحسب، بل أزمة نظام اقتصادي رأسمالي بدأ يلفظ أنفاسه، وأزمة نظام مالي انكشف عواره، وأزمة فكر رأسمالي يسقط سقوطاً مدوياً


وحيث قد علمنا أن الأزمة الاقتصادية تعني الاضطراب الشديد في تدبير أمور الدولة المالية، يصبح لزاماً أن نتعرف في البداية على كيفية تدبير الدولة - أية دولة - أمورها المالية، ثم نبين احتمالات حدوث الأزمات في هذه الأمور ومن ثم بيان معالجتها. وحتى يمكن فهم ذلك لا بد من دراسة عاملين مهمين في تأثيرهما على الوضع الاقتصادي لأية دولة وهما:
1)
وحدة التبادل المالي أي النقد.
2)
ميزان المدفوعات.

-
الأزمة الناتجة عن النقد تحدث في التعامل بنظام الصرف بالذهب لهيمنة الدولة، صاحبة نقد الرصيد، السياسية والاقتصادية على الدول الأخرى. وتحدث كذلك في نظام الورق الإلزامي لأنه طريق لتقلبات الأسعار والمضاربات بين الدول والمؤامرات المالية التي تؤدي إلى القلق السياسي والاقتصادي والانهيار في أسواق المال.

-
أما العلاج فهو الرجوع إلى نظام القاعدة الذهبية فهو الذي يحفظ استقرار أسعار الصرف والازدهار الاقتصادي.

-
والأزمة الناتجة عن ميزان المدفوعات لخلل فيه تؤدي إلى المديونية إذا لم يحسن تنشيط الاقتصاد ذاتياً وأسيء استعمال القروض، خاصة وأن القروض طريق خطر لبسط النفوذ وطريق خطر كذلك بسبب الربا وهو حرام.

-
اللجوء إلى صندوق النقد الدولي يفاقم المشكلة لأنه يحلها كمعادلة حسابية مجردة يطلب زيادة الضرائب وتخفيض العملة وتجميد الأجور والرواتب أو تقليلها ورفع الدعم وغلاء الأسعار وتصميم مساعداته إلى مشاريع لا تنمي ثروة الدولة بقدر ما تجعله لا ينفك عن المساعدات والقروض فيدخل البلد في مصيدة المديونية بلا فكاك وأقصى ما يفعله للدولة التي تسير على برنامجه هو إعادة جدولة ديونها وليس إلغاءها، كذلك يسهل لها أخذ قروض جديدة فتتراكم بذلك ديونها ولا تجد مخرجاً منها كما هو حادث مع جميع الدول المتعاملة معه.

-
حل أزمة المديونية يتم بعدم دفع الفوائد لأنها ربا وأن يتحمل تسديدها من شاركوا في الحكم خلالها من فائض أموالهم، كذلك عدم أخذ قروض البتة. يضاف إلى ذلك رسم سياسة سليمة في الزراعة والصناعة والتجارة واستغلال ثروات البلد الطبيعية. وكذلك إنشاء المشاريع الواجبة على الأمة وبيت المال بالإنفاق عليها أولاً من بيت المال فإن لم يكف فرضت ضرائب على أغنياء المسلمين بقدرها من فائض أموالهم.


وبالطيع أيضا لابد من تغيير الكثير والكثير من الأساليب القائمة في العالم والتحول إلى:-

 

-          ادخال الدين مع الحياة المعاصرة  ،،،،،، فالإنسان في حاجة دائمة للخالق في تدبير شؤون حياته، كما يحتاج إلى التدين، لأنه ثبت أن تنظيم الإنسان لعلاقاته عرضة للتبدل والتغير والتناقض والاختلاف، وما فعله النظام الرأسمالي أنه حكم بفصل الدين عن الحياة وجعل الإيمان بالدين مسألة فردية، فلكل فرد الحق في اعتناق ما يشاء، متناسين في ذلك أن كل ما يقوم به الإنسان من أفعال وقرارات في الشعور أو اللاشعور إلا ومرتبطة بأفكار عقائدية لا يمكن الفصل بينها. وبذلك صار المشرع الرأسمالي (أصحاب القرارات والمفكرين) هم من يضع النظام فوقعوا في الخواء الروحي، وتم تصوير الحياة بأنها للأخذ بأكبر قدر من "المنفعة" فكان هذا المثل الأعلى ومفهوم السعادة عندهم فوقعوا بذلك  في بئر عميق من التعاسة

 

-          التركيز على تنمية الثروات وتوزيعها  ،،،،، أن تصور الرأسماليون بأن المشكلة الاقتصادية  هي مشكلة ندرة الموارد ومحدوديتها((الندرة النسبية))كان بمثابة الكارثة الحقيقية وكان تصورهم للحل هو توفير إنتاج زائد بالتالي يتم إشباع الحاجات للأفراد الذين يمتلكون الثمن وأن لم يملكوا الثمن فلا تشبع حاجاتهم

 

فمن المنطلقات العقائدية للرأسماليين وفلسفتهم في الحياة كان تركيزهم على تنمية الثروات كحل للمشكلات الاقتصادية وأهمها الفقر، وتناسوا الأهم وهو توزيع هذه الثروة. ويمكن تلخيص مشكلة التركيز على تنمية الثروة دون توزيعها في النظام الرأسمالي في قول الفيلسوف الأوروبي "برنارد شو" ساخراً من النظام الرأسمالي وكان هذا الأخير أصلع الرأس كثَّ اللحية فقال (النظام الرأسمالي كقرعتي هذه ولحيتي هذه، غزارة في الإنتاج وسوء عدالة في التوزيع). ومن ثم أصبح الفرد العادي الغير مدجج بالمال بمثابة السابح ضد التيار في عالم مليء بأصحاب المال والثروات الضخمة

 

-          الرقابة من الحكومات على الأسواق ،،،،، وذلك لمنع الاحتكار وأيضا  محاربة الجشع وخلق نظم جديدة صارمة لتنظيم التملك مما يجعل الاقتصاد القائم قائم على العدالة  بين الأفراد وأيضا وفقا لضوابط ومفاهيم  لا بنظام رأسمالي محض (دعه يعمل دعه يمر) وفى النهاية يحميه من  الهزات  الاقتصادية العالمية وذلك لأن الملكيات ليست إما عامة تتولها الدولة وفق النظرية الاشتراكية الشيوعية، وإما ملكية خاصة يتولاها القطاع الخاص ولا تتدخل الدولة بها وفق النظرية الرأسمالية الليبرالية بل هي ملكية عامة وخاصة وملكية دولة وفقا  لديننا الحنيف ونظامه الأقتصادى المحكم

-          تحويل البنوك داخل محيط الدولة الإسلامية ،،،،، وذلك لحماية النظام المصرفي من الكوارث  الناتجة عن الأنظمة الرأسمالية القائمة على الفائدة الثابتة على إيداعات الأفراد داخل البنوك وهو ما نسميه في أسلامنا الحنيف بالربا  مما يسبب مشاكل كثيرة لهؤلاء المودعين  من الفوائد سواء كانت بسيطة أو مركبة مما يجعل في بعض الأحيان الديون تتراكم عليه لحد الإفلاس ونفس الحال للشركات أيضا بالنسبة للقروض سواء كانت أيضا قصيرة الأجل أو طويلة الأجل  ولكن في أطار المصارف الإسلامية يتوفر الأمان للمودع لعدم وجود فوائد ثابتة وأيضا لأنه عند إيداعه يصبح مشارك في المشاريع التي تقام عن طريق البنوك بعقود مضاربة فتكون الإرباح غير ثابتة سواء بالارتفاع أو الانخفاض وأيضا القروض تكون  قروض حسنة

 

وكل هذه الأسس العامة تساعد على توفير وتحقيق مبدأ توفيقي بين الحياة الاقتصادية المعاصرة  و  النظام الاقتصادي الاسلامى مما يوفر لنا كل سبل الأمان من مشكل اقتصادية كثيرة محيطة بنا فالحمد لله على نعمة الإسلام الدين الكامل الذي عندما تلجأ إليه  لحل أي مشكلة سواء اجتماعية أو اقتصادية أو غيرها فانه يمد إليك يده بالمساعدة دوما

 

  • Currently 47/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
16 تصويتات / 722 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

62,118