«المصرى اليوم» تحاور مصرياً عائداً من سجن «أبوغريب»: بعض السُنة وكل الشيعة يكرهون المصريين.. ويقتلونهم ويحرقونهم في شوارع بغداد حوار عماد السيد ١٤/٧/٢٠٠٧ |
قبل ٢١ عاماً خرج المواطن رجب محمد عبدالباري من قريته في أسيوط، متوجهاً إلي الأردن والعراق، هرباً من الفقر والبطالة، ووجد في العراق الثروة الطائلة والعيش الرغد حتي وقع الغزو، واعتقل لسبب مجهول، ووضع في سجن أبوغريب، وعذبه الأمريكان والعراقيون بأساليب مبتكرة.. وأخيراً عاد إلي وطنه أشد فقراً مما كان عليه قبل ٢١ عاماً. أهمية شهادة رجب عبدالباري، لا تكمن في شرحه المستفيض لطرق التعذيب داخل «أبوغريب»، لكن تستمد خطورتها من شرحها أحوال المصريين العالقين في العراق أو المعتقلين في سجونه، إذ تكشف حالة من الكراهية الشديدة ضدهم لمجرد أنهم كانوا محميين ومدللين من جانب الرئيس العراقي صدام حسين قبل الإطاحة به. .. ما حكايتك؟ - أنهيت خدمتي العسكرية عام ١٩٨٦ ونصحني أبناء بلدتي في أسيوط بالسفر إلي الأردن للعمل بالمزارع هناك، وسافرت معهم، وفي الأردن «حوشت» مبلغاً ساعدني علي السفر إلي العراق، حيث كانت السوق مفتوحة للمصريين والدخل أعلي، وبعد عملي عدة أشهر في تجارة الخضار ألقت السلطات القبض علي بتهمة مخالفة التسعيرة ودخلت السجن للمرة الأولي في حياتي لمدة سنة ونصف. خرجت من السجن وأرسلت لأهلي أطلب مساعدة مالية حتي أستأنف حياتي بالعراق، فأرسل والدي ٢٥ ألف جنيه ساعدتني في إنشاء معمل بلاستيك وبدأت الحياة تبتسم من جديد وكونت ثروة طائلة إلي أن جاءت حرب الخليج الأخيرة وفوجئت بقوات التحالف تلقي القبض علي بمعاونة بعض العراقيين ودخلت سجن «أبوغريب» حيث ذقت كل ألوان العذاب التي كنت أسمع عنها ولم أكن أصدقها. .. لماذا لم تحاول الخروج من العراق قبل تفاقم الأوضاع؟ - أنا شخص سيئ الحظ، أوراق إقامتي وجواز سفري انتهت فترة السماح الخاصة بها وكان لابد من تجديدها، وأثناء بحثي عن وسيلة لتجديد الأوراق استعداداً لترك العراق كانت تجارتي تزدهر فقررت أن أستمر في العراق وألتزم الحذر. .. هل صحيح ما نسمعه عن أن شوارع بغداد تحولت إلي حمامات دم بسبب أعمال القتل ليل نهار؟ - شاهدت بعيني الكثير من تلك الحوادث خاصة مع المصريين، فقد شاهدت عدداً من العراقيين يلفون مواطناً مصرياً بـ«السلوفان» ورشوا البنزين عليه وأحرقوه، وشاهدت عمليات قتل وذبح لمصريين في الشارع دون رحمة. .. ألا يستدعي كل ذلك الهروب؟ - نعم، لذلك جمعت أموالي كلها تحت السرير وكنت بصدد إنهاء أعمالي فور شعوري باقتراب الخطر مني والعودة إلي مصر بأموالي التي تعدت الـ٦٠ مليون دينار عراقي. .. لهجتك عراقية خالصة رغم أنك مصري؟ - لأنني عشت أكثر من نصف عمري في العراق. .. نعود ليوم القبض عليك؟ - كان يوم سبت تركت المعمل وذهبت إلي منزلي لإحضار بعض الأموال لشراء مواد خام، وبمجرد دخولي المنزل داهمني عشرات الجنود الأمريكيين والعراقيين وسألوني «إنت مصري» وقبل أن أجيب كانوا قد وضعوا كيساً أسود علي رأسي وحملوني إلي سيارة وانطلقوا بي إلي مكان مجهول، وبعد ٤ أيام من التعذيب في المكان المجهول حملوني إلي سيارة أخري حيث وجدت نفسي داخل زنزانة مساحتها متر * متر مع شخص تظهر علي جسده آثار التعذيب، وفاجأني الرجل بابتسامته الساخرة عندما سألته «أين نحن» قائلاً «أهلاً بك في أبوغريب». .. هل تستطيع وصف هذا السجن؟ - لم أتجول فيه لكن الطابق الذي سجنت فيه كان عبارة عن زنازين كثيرة متراصة علي جانبي صالة طويلة، والزنزانة مساحتها متر مربع يوجد بها اثنان أو أكثر، والأكل والتبول وكل الاحتياجات الشخصية يتم قضاؤها في الزنزانة. .. كلامك يوحي بأن هناك اضطهاداً للمصريين في العراق؟ - صدام حسين كان يحمي المصريين في العراق وكان يقول لشعبه «من يعتدي علي مصري فكأنما اعتدي علي صدام»، وكان يأتي لنا بحقوقنا، لذلك كان معظم العراقيين يكرهون اهتمامه بنا وظهر ذلك بعد الغزو الأمريكي، لكن درجة الكراهية تختلف من شخص لآخر، فبعض السنة رحماء بنا وأغلب الشيعة إن لم يكن كلهم يكرهون المصريين ويرتكبون ضدهم أبشع الجرائم. .. تقصد أن الحياة أيام صدام كانت أفضل؟ - كنت ملك زماني أيام صدام وكانت عندي سيارة ملاكي وسيارات نقل ومصنع بلاستيك ويعمل لدي ٢٠ عراقياً والتجارة مزدهرة وكنت مليونيراً وثرياً. .. نعود إلي السجن، صف لي ما كان يحدث معك؟ - كل ألوان التعذيب التي سمعنا عنها حدثت معي، كانت المجندات تخلعن عني ملابسي وتفعلن بي أموراً أخجل من ذكرها، فهي تمس الشرف بخلاف الضرب بالسياط والعصي الكهربائية وتوصيل الكهرباء لأجسادنا وتعليقنا علي مواسير حديدية موصلة بالكهرباء وإغراق الأرض بالمياه والزجاج المكسور وزحفنا عليه وكهربة الأرض، والجري فوق الزجاج المكسور والأشواك ووضع مواسير موصلة بالكهرباء في أماكن حساسة من أجسادنا وغير ذلك الكثير مما يعجز اللسان عن ذكره. (هنا توقف عن الحديث وانتابته حالة بكاء وصمت لم أستطع كسرها في حينها حتي هدأ وعاودنا الحديث عن أبوغريب) .. هل كان تعذيبكم من اختصاص المجندات فقط؟ - المجندون والمجندات كانوا يتسابقون علي تعذيبنا وكنا نشعر بوجود مراهنات بينهم علي من يكون الأشد تعذيباً لكن المجندات كن أكثر تلذذاً بتعذيبنا بمعاونة أصدقائهن العراقيين والمجندين لابتكار أساليب تعذيب جديدة. .. أساليب جديدة؟ - نعم، فقد كن يضعننا علي أقفاص حديدية ويربطن الكلاب علي أماكن قريبة ويأمرننا بفعل الفحشاء في أنفسنا، ومن يسقط من أعلي الأقفاص يكون ضحية الكلاب. .. هل أصابت الكلاب أحداً؟ - أصابت؟!.. قل التهمت وافترست العشرات ممن سقطوا وكان من الممكن أن أكون أحدهم. {عاد ليتوقف عن الحديث وامتلأت عيناه بالدموع فتوقفت معه عن الأسئلة لهول ما أسمعه من روايات معظمها لا يمكن نشره} - وبادرني قائلاً: رغم كل شيء الحمد لله لأنني أحيا الآن في وطني. .. وكيف كانت أحوال الأكل والشرب؟ - كنت أتسلم «صامولة» -عيش عراقي- في الصباح وأخري في المساء وكنا نشرب مياهاً ملوثة لا تصلح للحيوانات والتعذيب إن لم نكن ضحاياه كنا نسمعه لأنهم كانوا يضعون علي رؤوس من لا يتم تعذيبه أكياساً معتمة حتي يسمعوا أصوات المعذبين ولا يرونهم، ومن يجرؤ علي رفع الكيس يكون عشاء للكلاب المفترسة، أو علي الأقل يكون بطل السهرة اليومية. .. ماذا تقصد بالسهرة اليومية؟ - كل يوم يكون هناك عدد من المساجين يختارهم السجانون ليتناوبوا تعذيبهم طوال المساء، وكان تعذيب الليل أشد وأقسي، فالأمريكان كانوا يشربون الخمر التي تدير رؤوسهم فيبتكرون ألواناً جديدة للتعذيب ويعللون قسوتهم بأننا سبب وجودهم في العراق وأنهم ينتقمون منا لذلك. .. هل تم توجيه أي اتهام لك وكيف خرجت من السجن؟ - لم يواجهني أحد بأي اتهام وكما دخلت خرجت لا أعرف سبباً لما حدث. .. بعد خروجك ماذا فعلت؟ - توجهت لمصنعي ومنزلي فوجدتهما رماداً ولم أجد أموالي أو ماكيناتي فلجأت لبعض المصريين الذين يعيشون في العراق وعشت عندهم لفترة حتي أرسل أهلي ألف جنيه كي أخرج من العراق، واستمر الحال علي ذلك ٤ أشهر. .. أين السفارة المصرية بالعراق؟ - عندما توجهت إليها تحدثوا إلي عبر البوابة وأخبروني أنهم لا يستطيعون تقديم العون لي، ونصحوني بالتوجه لإدارة الإقامة العراقية للحصول علي أوراق مغادرتي ورفضوا استقبالي مرة أخري أو توفير إقامة لي. .. كيف عشت الأشهر الأربعة؟ - كنت أتطفل علي بعض المصريين وأحياناً كنت أنام في الشارع لدرجة أنني نمت داخل «خلاط أسمنت» وأسفل سيارات محترقة وداخل بيوت تم هدمها إلي أن تسلمت الألف جنيه التي أرسلتها أسرتي. .. كيف خرجت من العراق؟ - دفعت الألف جنيه لمتعهدي تسفير المواطنين إلي سوريا وفي سوريا توجهت للسفارة المصرية التي أعادتني إلي مصر علي نفقة الدولة. .. كيف تعيش الآن في مصر؟ - أنا ضائع لا أعرف ماذا أفعل، جسدي أضعف من أن أعمل، وأسرتي كانت تنتظر عودتي بالمال للعيش في مستوي معقول، لكن كل شيء انتهي وأصبحت بلا عمل وبلا مال وأسرتي فقيرة جداً وتعيش في غرفة بأسيوط فأنا أكبر إخوتي الخمسة ولم أتزوج وأشقائي يعملون في المعمار «يعني علي باب الله». .. بعد رحلة ٢١ عاماً انتهت إلي لا شيء، |
ساحة النقاش