بعد ان دحرج الاستفتاء الشعبي الاخير لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر حول جدية واخلاص رموز تياره رؤوسا كانت تبدو كبيرة ومخلصة ضمن هذا التيار فقد كشفت معلومات حصلت عليها " كتابات " عن حملة محمومة يقودها برلمانيون فاسدون ارتضوا لانفسهم السحت الحرام ونسوا ماعاهدوا الله عليه لخدمة ابناء شعبهم حيث بدأوا يهاجمون كل مسؤول او مؤسسة ترفض منحهم عقودا مجزية تدر عليهم ملايين الدنانير لعدم تمتعهم بما يؤهلهم لذلك.
فبعد ايام من فشل النائب وزير الامن السابق شيروان الوائلي في تأكيد وجود فساد مالي في رئاسة امانة العاصمة بغداد خلال استجواب امينها صابر العيساوي وحيث عجز عن ابراز اي وثائق تؤكد هذا الفساد وان الامر كله لم يتعد تحامل شخصي تنكشف اليوم تفاصيل مذهلة عن الكيفية التي يتعامل بها نفر من النواب الفاسدين مع اكبر معضلة تواجه العراقيين وهي السطوة على المال العام ومحاولة الحصول عليه حتى باكثر الوسائل التواء ومخالفة لكل القوانين والشرائع السماوية والارضية.
ويبدو ان الطمع قد ازاغ عيون عدد من النواب عن الحق فلم يعودوا يتصرفوا بشكل عقلاني او مشروع حيث انهم وبدلا من ان يكشفوا ملفات الفساد الكثيرة في بلد ابتلى بهذه الآفة الخطيرة التي اصبحت رديفة لخطر الارهاب فأنهم بدأوا يركزون على مشاريع حرموا من صفقاتها لمخالفات شركاتهم او لعدم قدرتها على تنفيذها برغم ان بعض هذه المشاريع مازال حبرا على ورق ولم توقع اي عقود حولها او تصرف اموال لشركات معينة لتنفذها.
ففي واحدة من هذه الظواهر المبكية المضحكة معا ينبري عضو في لجنة النزاهة البرلمانية .. نعم النزاهة .. هو النائب عن كتلة الاحرار الممثلة للتيار الصدري جواد الشهيلي حيث يقوم باستغلال موقعه النيابي في اعلى سلطة تشريعية في البلاد لتحقيق منافع ربحية ذاتية من خلال أبتزاز الشخصيات المتصدية للخدمة العامة . فهذا النائب قد حصل على مقعده النيابي بطريقة ملتوية اتاحتها له ثقوب في ثياب التشريعات والقوانين العراقية التي بنيت على المحاصصة الحزبية فهو لم يحصل على اكثر من الف صوت في الانتخابات العامة التي شهدها العراق في اذار (مارس) الماضي لكنه اصبح عضوا في مجلس النواب في التفاف واضح تعويضا عن نائب اخر من محافظة اخرى لانه مرشح عن محافظة بغداد .
فقد لاحظ المراقبون ان النائب الشهيلي قد دأب خلال الايام الاخيرة على الظهور بكثافة في وسائل الاعلام المختلفة لكي يكيل الاتهامات ويلوي عنق الأرقام لصالح اتهاماته التي يكيلها يمينا ويسارا ومن دون ابراز اي وثائق تؤكد اتهاماته لهذا المسؤول او ذاك ولهذه المؤسسة او تلك دافعه في ذلك الانتقام من حرمانه من مقاولات وعقود ضخمة كان يتطلع للحصول عليها وزيادة ربحيته وهو امر اكده ل(كتابات) مستشار في أحدى الوزارات المعنية بعقود المقاولات عرف بنزاهته . ويقول هذا المستشار الذي فضل عدم ذكر اسمه في الوقت الحالي خشية ان يضاف الى قائمة ضحايا الاسلحة الكاتمة بأنه قد اطلع بنفسه على اوراق ثبتية تقدم بها الشهيلي الى اكثر من وزارة ومؤسسة للحصول على عقود مشاريع ضخمة مخالفة للقوانين المعمول بها .
وعادة ما يستخدم الشهيلي تهديداته هذه الى الجهات التي ترفض طلباته بالحصول على عقود لعدم اكتمال عروضه قانونيا واداريا وفنيا مشيرا الى انه سيقوم "باثارة فضائح اعلامية" ضد تلك الجهات في حال رفضها لرغباته معززا ذلك بامثلة عما يطلقها من تصريحات "فضائحية" هنا وهناك ضد مسؤولين لم يرضخوا لطلباته الابتزازية .
والغريب في الامر ان النائب هذا يحاول تعويض خسارته للعقود من خلال طلب تعويضات تصل قيمتها الى مليون دولار لكي يكف عن هذه التصريحات او الموافقة على احالة العقود الى الجهات التي يتقاسم معها الارباح المعروفة بنسبة 20% وهي الدفعة الاولى من قيمة اية مناقصة معتبرا كفالته للشركة التي يملكها هو او سجلها باسم مقرب له وان كانت وهمية وغير معروفة اكثر من كافية لكي تنصاع له الجهة الحكومية والا فأنه سيصب عليها نيران تصريحاته وهجوماته الاتهامية بالفساد وان كان هذا غير موجود او ليس حقيقيا.
* الشهيلي ليس استثناء
ويقول المراقبون ان الشهيلي ليس استثناء من هذه الظواهر التي يعاني منها مواطنو "العراق الجديد" فهناك اخرين سيأتي الدور عليهم لفضح عمليات الابتزاز التي يمارسونها في غياب رغبة حكومية حقيقية في مكافحة الفساد لان الامر يبدو انه اصبح أكبر من قدرة السلطات على مكافحته او انه اصبح احد اسس بقائها نتيجة التغطيات التي تحصل على هذا المفسد او ذلك لانه من حزب السلطة او من الاخرى المتواطئة معه والساكتة عن زلاته .
المراقبون يلقون بتبعية هذه الظواهر المؤسفة الطافية على السطح العراقي على الوضع الذي تشكلت وتدار به العملية السياسية الحالية التي سمح ارتكازها على الطائفية والعرقية ببروز اشخاص مغمورين لايحملون اي صفات اخلاقية او مهنية او حتى سياسية تؤهلهم ليتصدروا المشهد العراقي تشريعيا وتنفيذيا بهذا الشكل الذي اوصل العراق نتيجته الى هذا الحال المزري الذي ينوء تحت ثقل تداعياته الصعبة والمؤلمة الاكثرية الساحقة من العراقيين .
فالشهيلي اكبر مثال على هذا الحال فهو كان في بداية التسعينات من القرن الماضي يبيع العصير المملوء بالثلج والماء على انه عصير طبيعي في عملية غش على قارعة الطريق في منطقة جسر ديالى القديم .. ثم ترك هذه المهنة وعمل في ستوديو تصوير الميثاق القريب من عمله القديم .. وبعد سقوط النظام السابق وخلال عمليات العنف الطائفي بين عامي 2006 و2007 انخرط في مجاميع قتل الناس الابرياء واختطافهم واحتجازهم بمنزله في منطقة الوليد في الزعفرانية في بغداد والمساومة على ارواحهم مقابل مبالغ مالية.
* مؤامرة لاعادة عمليات الحواسم والقتل الطائفي
اما اتهام الشهيلي لامين بغداد باقالة المفتش العام فهي طرفة اخرى تفضح جهل الشهيلي بالسياقات الوظيفية والعملية كون هذه الاستقالة لا يمكن ان تتم الا بموافقة جهات عليا تفوق صلاحية الامين صابر العيساوي. ثم يعود الشهيلي مرة اخرى ليقول انه لا يملك الدليل على ادانة الامين من خلال اعلانه ارقام لا يمكن لاي عاقل ان يصدقها كونها خيالية ومبالغ فيها بشكل تفضح قائلها .
كما ان ملفات الفساد في امانة بغداد والتي تحدث الشهيلي وملأ وسائل لاعلام بضجيجها فهي ملفات تفضح النائب قبل الامين كونها تثبت انه استقى معلوماته من مصادر غير موثوقة .
فالشهيلي يتهم الامين بفساد في مشروع ماء مدينة الصدر في الوقت الذي يبدو انه لايعرف ان هذا المشروع نفذه الجانب الامريكي ولا علاقة لامانة بغداد به حيث اقتصر دورها مهمة تشغيلية فقط لهذا المشروع الذي اعتبر ناجحا بكل المقاييس.
اما المشروع الاخر الذي تناوله الشهيلي كونه مشروعا يعود لامانة بغداد مليئا بالفساد فهو مشروع 10 في 10والخاص بمدينة الصدر ايضا لكنه فات على النائب هنا ايضا ان هذا المشروع ما زال حتى اللحظة لم يتعد الدراسات والتحليل ولم تستكمل اجراءات الموافقة للبدء فيه بعد. والمشروع الثالث الذي أقسم النائب الشهيلي باغلظ الايمان بوجود فساد فيه من قبل أمانة بغداد فيه هو مشروع "اعمار مدينتي الصدر والشعلة" .. لكن النائب يحاول مرة اخرى استغفال ذاكرة الناس لان هذا المشروع لايعود الى الامانة وانما لوزارة الهجرة والمهجرين .
والحقيقة التي لايعرفها البعض ان عددا من المرتبطين بالشهيلي قد هاجموا الشركة التركية واستولوا على معداتها وآلياتها بعد ان هددوا العاملين فيها لمغادرة مدينة الصدر حيث تم منعهم من القيام باعمالهم حتى تستجيب الشركة لمطالبهم والمتمثلة بدفع مبالغ كبيرة لهم في عملية اقرب ما تكون الى المؤامرة هدفها ايقاف عملية البناء والاعمارالتي تتبناها الحكومة وذلك بقصد افشالها ليعود العاطلون الى عمليات الحواسم والقتل والاختطاف .. وهو امر دأب عليه نائب آخر يدعى عثمان الجحيشي.
وفي مواجهة ذلك فقد وجه المراقبون دعوة الى الشهيلي عضو النزاهة العتيدة بضرورة الكشف عن الجهات التي قامت بسرقة معدات وآليات الشركة التركية التي تنفذ مشروعا في مدينة الصدر وطالبت بمبالغ خيالية للافراج عن تلك المعدات وتعرضها لاغلب الشركات التي تنفذ مشاريع ومحاولة استفزازها وفرض الاتاوات عليها .. وهذه الممارسات دأب عليها ايضا نائب اخر .
ويشير المراقبون الى انه ذلك ليس غريبا على الشهيلي ان ينبري الآن لابتزاز وزراء ورؤساء مؤسسات ومدراء عامين وامانة العاصمة بغداد مستغلا عضويته في لجنة النزاهة النيابية التي يترأسها القيادي في التيار الصدري بهاء الاعرجي الذي يقول هؤلاء المراقبون انهم ينتظرون منه موقفا حازما ضد ممارسات هذا النائب الشهيلي وان كان عضوا في تياره ولكن مصلحة العراق يجب ان تكون فوق كل مصالح وهو ما يبشر به ويدعو له ليل نهار زعيم تيارهم مقتدى الصدر كما يشيرون.