قبل أكثر من 7 أشهر ألقى ملايين العراقيين بمخاوفهم جانبا ومضوا نحو صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم وهم يأملون برؤية أي تغيير نحو غد أفضل. ومنذ ذلك الوقت وحتى اللحظة ونحن لازلنا بالانتظار، لا نرى غير مجيء الشتاء ورحيل الصيف، ولانسمع الا بسياسيين اتفقوا على مصالحهم الشخصية واختلفوا على مصالح الوطن الجريح.
هذه هي حال العراقيين في وضعهم الأمني الرديء، شحة في الخدمات الإنسانية، بطالة وسجون ملئى بشيب وشباب أحداث ونساء منذ زوال الحبر عن اصابع الناخبين... الجميع يتربص بالجميع، حزب (شربت زبالة) يتربص بحزب (ستار أكاديمي)، وحزب الباشا يتحين الفرص للإيقاع بحزب (سي السيد)، والذئاب تنقض على النعاج، والنعاج تبعث رسائل وهمية الى النمور، وهؤلاء يقايضون خيول (الريسز) بمساحات (خضر) لاسطبلاتهم، وثمة أطراف صامتة تنتظر الإنقضاض على الطيور والنسور والدجاج في لعبة تشكيل الحكومة القذرة..
يتفقون في الليل وهم يحتسون نخب الوطن الممزق، ويفترقون في الصباح كالكواسر أو اشد فتكا.. يأكلون الموز والأناناس ويـُشرّعون الحصرم للفقراء، ينامون في قصور المنطقة الخضراء وفقراء الوطن يفترشون أرض الصيف والشتاء.. يتمتعون بامتيازاتهم الشخصية التي لا يختلفون عليها، ويتقاتلون كديوك الحلبات الصغيرة في قاعة البرلمان على كل صغيرة وكبيرة. هؤلاء البرلمانيون يمثلون لقطة فنتازية لمجموعات نصفها غريب ونصفها الآخر لا يفقه من الأمر شيئاً سوى أن يحصي دخله الشهري ويخطط لمشاريعه الاقتصادية القادمة..
إنهم لوحة كاريكاتيرية لسياسة عجيبة جعلت العراقيين ينتبهون الى أنهم غطسوا أصابعهم بدمائهم لا بحبر الانتخابات!! إنها فوضى الدم الناتجة عن الانتخابات، حيث هشاشة الأمن والاختراقات القانونية المشينة والتي أثبتت للعراقيين ان كل شي معرض للزوال والخراب إذا لم يحكموا المشروع الوطني للمقاومة العراقية ويجعلوها ركيزة للتحرير والبناء والإعمار في منظومة الحياة .. حينها لن يأسف العراقيون كأسفهم اليوم.!!
وهذه بعض من المقابلات التي تمت مع هؤلاء (المتبغددون) بمال الشعب المنهك، حيث عاش البرلمانيون الجدد حلما مريحا لمدة (7) أشهر نالوا فيها مايلي:-
1- عطلة تجاوزت 200 يوم (ولا تزال مستمرة).
2- رواتب تبلغ نحو 11000 دولار شهريا، مع تسهيلات للحصول على قرض قُدم لهم لشراء سيارات بقيمة 70 مليون دينار (حوالي 60 ألف دولار) .. منحة لأنها صرفت على سيارات استهلكت.
3- حق تملك ارض في اي مكان يرغبون فيه.. (شاطيء دجلة وماشابه).
4- بدل سكن.
5- طاقم حراسة مؤلف من 30 عنصرا (معظمهم لا يملك هذا العدد ورغم ذلك يتسلم مستحقاتهم، كما ان هناك نوابا اخرون لديهم اكثر من ثلاثين عنصر حماية).
6- جوازات سفر دبلوماسية (تؤهلهم لحزم حقائبهم هربا من مياهنا الآسنة وبيوتنا الخربة ونظراتنا الغارقة بين الحيرة والدهشة، ليتنعموا بما جمعوه من ثروة نجمت عن الاستخفاف بنا واستغلالنا).
7- خطة معاش حكومية تقدم لصاحبها 80% من الراتب.
8- مؤخرا أنشئ مصرف داخل مبنى البرلمان بحيث يجري تحويل الشيكات إلى نقد من دون عناء (يقابله وعلى الطرف الاخر واحد من كل 4 عراقيين يعيشون تحت خط الفقر).!
أشار أكثر من 12 عضوا بالبرلمان -أجريت معهم مقابلات- إلى أنهم عمدوا إلى متابعة الأخبار عبر شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد بشأن المحادثات المتقطعة بين الأحزاب لتشكيل حكومة ائتلافية، واتفقوا جميعا على أن هذه المحادثات قد أحاطت بها أنباء كثيرة، من دون إحراز لأي تقدم يذكر.!!! وإليكم جانبا من هذه المقابلات :-
* كاظم جواد (التيار الصدري- بابل):-
أفاد المذكور قائلا: «إنني أمثل الشعب العراقي، لكنني لا أشعر بذلك، وينتابني شعور بالسأم والضيق طوال الوقت.. وأتعرض لكثير من الضغوط تفوق طاقتي».!
* أياد السامرائي (رئيس البرلمان العراقي العامل السابق):-
وهو مجلس كانت أكبر سماته التراخي والكسل، مما دفع بالمواطنين للتصويت ضد أعضائه وطردهم من المجلس - لكن السامرائي أعيد انتخابه-.. علق قائلا: «كان من شأن عدم عقد جلسات للبرلمان خلق حالة من الخواء النفسي بين الأعضاء المنتخبين.. إنهم يشعرون بأنهم بلا قيمة حقيقي مما أدى الى اختفاء أي حماس داخلي تماما».
* ليلى حسن (التحالف الكردستاني):-
«أشعر بالحرج والقلق عندما يلومني الناس ويسألوني:(ماذا يجري؟)، لذلك لااخرج . وأكدت أنها حاولت كثيرا الإبقاء على مشاركتها وتفاعلها مع الناس، لكن غالبا ما كان الملل يسيطر عليها في نهاية الأمر.. وأشارت «بالنسبة لوقت الفراغ، أنا لست متزوجة وتتولى والدتي رعايتي، لذا لا أجد أمامي ما أفعله. لقد قضيت الكثير من الوقت في القراءة»، وأضافت أنها خاضت دورات تدريبية مع نساء أخريات منتخبات في البرلمان حول الديمقراطية، سافرن خلالها إلى الولايات المتحدة ولبنان!! وأوضحت «اتفقنا على العمل كجماعة ضغط فيما يخص قضايا المرأة داخل البرلمان، وتوقعنا أن نلتقي خلال الجلسات، لكن كانت المفارقة أننا التقينا خارج العراق».!!
* محمود عثمان (عضو التحالف الكردستاني):-
يقول أنه عمد لمحاربة (الملل) بالذهاب إلى مبنى البرلمان، لكن شعور العزلة قد زاد بداخله.. وقال «أستمريت في الحضور للمبنى، لكن أجدني بمفردي، ولا أجد أحدا هناك. في بعض الأحيان أقابل صحافيين وأجري مقابلة مع أحدهم، وفي أحيان أخرى أقابل أصدقاء، لكن لا أفعل شيئا مفيدا».. وأشار إلى أنه قضى العطلة بأكملها في اربيل، ما عدا شهرا قضاه في بغداد، التي قال إنها لا ترقى لمستوى أربيل عاصمة كردستان المتمتع بشبه استقلال ذاتي.. وقال «بغداد؟ ماذا يوجد في بغداد؟ ليس هناك ما يمكنك فعله !!!؟؟. أقضي معظم الوقت في المنزل أتجاذب أطراف الحديث مع زوجتي.. لقد تمتعت بفرصة قضاء وقت أطول معها».
وهذه مقتطفات من الجهة الاخرى لضفة النهر، وكان هذا الحديث مع (أبو عقيل) مواطن عراقي نقلته معه إحدى الفضائيات في جولات عدستها الصباحية، يقول:"هل يعلم النواب بأنني أقف كل شهرين وسط طابور 'طويل‘ لأتسلم راتبي التقاعدي الذي لا يبلغ سوى 150 ألف دينار!؟ وأن عائلتي لم تتسلم الحصة التموينية كاملة ناهيكم عن نوعيتها الرديئة؟!
(ابو عدنان) مواطن عراقي اخر يضيف قائلا:" جعلوا من العراقيين الأبرياء حطباً لخلافاتهم التي تحول في أغلب الأحيان إلى مفخخات وأحزمة ناسفة لا تفرق بين الصغير والكبير فيما أمنوا أنفسهم في مناطق محمية لا تصلها الانفجارات".
الحاجة أم طارق فكت عقدة لسانها قائلة:"إن ما يحدث جاء ليخدم مصالح السياسيين وليضرب عرض الحائط كل ما وعدوا به الشعب من خلال برامجهم الانتخابية، مضيفة “كم من العراقيين الآن يمرون بضنك العيش ولا يجدون ما يسد رمقهم؟ والنواب منهمكون بالتنعم بامتيازاتهم التي تنوعت ما بين الأراضي على ضفاف نهر دجلة والجوازات الدبلوماسية وصولاً إلى السيارات المصفحة أو الفارهة والرواتب الضخمة والتنقل من عاصمة أجنبية لأخرى وما خفي أعظم”- بحسب تعبيرها-.
الدكتور سليم إسماعيل أعرب عن استغرابه من تركيز النواب على التمتع بامتيازاتهم والمواطن لايتمتع بأبسط حقوقه، كاشفا عن لجوء الكثير من المواطنين إلى “دفع مبالغ كبيرة كرشوة لمجرد الحصول على جواز سفر هو من أبسط حقوقهم.
ونحن نكتفي بهذا القدر من عرض ماقاله الجانبان، ونترك الحكم للقاريء الكريم ليقول رأيه بمن سرقوا آمال الشعب قبل أمواله.. ولانضيف سوى أن الشعب العراقي شعب حليم.. فاحذروا الحليم إن غضب!!.