الوقت والمكان : بين الصيف والشتاء من عام 2006 في البصرة.. وبكل فخر اقول انني اول عراقي استمع لنصيحة وعمل بها، وهي بنظري سابقة غريبه، فالعراقي يكره النصائح ومن يطلقها ولدينا مثل يقول (العراقي انطحة ولا تنصحة).. اعود الى الموضوع فقد وجدت نفسي مرغما على العمل بنصيحة تبرع بها صديق لي بعد ان استمع الى ما كنت أشكو منه من قلة النوم والقلق والخوف من العصابات الليلية التي عاثت في البصرة فسادا.. فكان كل من يمشي على قدمين هو هدف محتمل الى هذه العصابات.. ومن يمتلك مالا يختطف ويقتل.. ومن كان لدية رأي يخالف رأي المتنفذين يقتل ايضا.. ومن كان لدية زوجة جميلة فهو مقتول ايضا ..!

لقد شملتني حمى الخوف على الرغم من اني لم اكن املك مالا، فكل ما املكة هو سيارة عتيقة اعمل بها كسيارة اجرة، وكان كل من يركب بها يقسم اغلظ الايمان ان لايركب بها مرة اخرى، لانها ببساطة سيارة مصابة بمرض (باركنسن)..! فكل جزء منها يرتجف لوحده وأعان الله من ركب بها ولو لمرة.. ثم ان زوجتي لا تشبه (مادونا) لا من قريب ولا من بعيد... وبعد ذلك ليس لدي رأي مخالف للكل، فالآراء والحمد لله كلها متضاربه... ومع هذا كنت لا انام في الليل خوفا من غدر عصابات قذرة تسلحت بكل آلات القتل.. وتمتطي سيارات مملوكة للدولة والدولة ليس لها عليهم سلطان، وتباركها فتاوى مقدسة لرجال مشكوك بولائهم للوطن والدين..!

المهم أصبح سهر الليالي عندي ضرورة وعاده، اما عن كونه ضرورة فلاني لم أكن اريد الموت بطريقة خروف العيد، وأما عن كونه اصبح عادة فقد كنت أسهر ليلا وأنام نهارا لأني والحمد لله لم يكن لدي عمل ثابت يرغمني على النهوض صباحا.. قال صديقي المحترم : (اقتني لك كلبا يعينك على الحراسة ليلا وينبهك في حالة غفلتك)..! فوجدت ان نصيحته رائعه فعلا تنم عن عبقرية وفهم مدروس للاوضاع الحاليه نادرا مايتفوه بها احد هذه الايام.. واعلنت عن رغبتي باقتناء كلب، فأرسل لي أحدهم كلبا كبيرا جميل المنظر، فنظرت اليه باحترام لانه سيكون منقذي من سهر اليالي ومن مكر الأعداء..

اطعمت الكلب وربت على رأسه وعنقه (حسب تعليمات كتالوج الاستعمال)، وبدأ الكلب يتعود علي فاذا خرجت ركض الي وهو يهز ذيله قافزا حولي فرحا.. لكن برزت مشكلة اخرى مع زوجتي (التي لا تشبه المطربة مادونا)، كانت المشكلة في موضوع نجاسة الكلب.. فكانت ترغمني على الاستحمام كل ما هز الكلب ذيله قربي..! مع هذا رضيت بالوضع لانعدام الخيارات الاخرى عملا بالمثل القائل (اللي يشوف الموت يرضه بالصخونة)، فكان الاستحمام المتكرر اهون من السهر الدائم، رغم تحفظي على مسألة (نجاسة الكلب) لأنني كنت أعتبر الكلب رغم نجاسته أطهر من بعض الذين اعرفهم..!

في خضم الاحداث المتلاحقة فاتني شيء واحد وانا في أزمتي مع ضعف قدرتي على التركيز التي ورثها لي السهر المتواصل، فاتني أن اسأل عن الكلب، عن اصلة ونوعه، ولماذا تخلى عنه أهله ، لكنني أهملت هذه التساؤلات، فالمهم (اصبح عندي الان كلبا.... فإلى النوم خذوني معكم..).. وفعلا ذهب عني الخوف قليلا لوجود الكلب المحترم، وشعرت ببعض الامان، ولم لا والكلب قد أخذ على نفسه السهر على سلامتي وسلامة بيتي.. فكان نعم الحارس الامين ، فما ان تقفز قطة الجيران في باحة بيتي حتى تنشب معركة شرسة فيها من النباح والصياح والصراخ وبعثرة محتويات صندوق القمامة اصوات تجعل الاطفال يهبون من نومهم مذعورين، فكنت اسرع لفض الاشتباك بدون جدوى، فشراسة الكلب تجعلني اتراجع خوفا منه ، وفي بعض الاحيان كنت افكر بالاستعانه بقوات التحالف لفض الاشتباك الدائر.. لكني كنت اتراجع في اللحظة الاخيرة خوفا ان يتهمني البعض بالعمالة للمحتل، ثم تنهزم القطة وابتسم انا من كل قلبي فرحا بانتصار كلبي الوفي واقول في نفسي (والله انه كلب ابن كلب)... اذا مع القطة يجعلها معركة فما الذي سيعمله مع اللصوص؟ اكيد سيجعلها (ام المعارك)، واشفق في سري على اللصوص وانا اتخيل مؤخراتهم الممزقة.. ثم اعود للفراش وانام قرير العين..

مر اسبوع شعرت فيه براحة النوم وعاد بدني لسابق عهده وفارقني المزاج العكر الذي صاحبني لفترة ، وعدت لعملي وسيارتي، وعادت علاقتي بزوجتي الى رومانسيتها السابقة.. فالنوم العميق له سحر في حياة الانسان.. وفي إحدى ليالي الصفاء استسلمت لنوم عميق يكتنفه شعور بالامان بفضل الكلب.. وفي الصباح استيقضت على صوت زوجتي تناديني للافطار، جلسنا نفطر سوية بسعادة وعلى المائدة خيرات كثيرة، لكنها للاسف كلها مستوردة، من البيض الى كل منتجات الالبان.. فسألت نفسي هل الدجاج العراقي أصيب بالعقم ام أن الابقار العراقية تتعاطى حبوب منع الحمل؟؟ لماذا يغزر انتاج المواشي والدواجن في الدول المجاورة ومواشينا يصيبها العقم؟ سؤال لم اعرف اجابته، وقلت في نفسي : لا سامح الله لو اغلقت الدول المجاورة حدودها ولم تصدر لنا المنتوجات الزراعية ماذا سيحل بنا؟ .. اكيد ثم اكيد انها المجاعة ، تعوذت من الشيطان اللعين الرجيم من هذه الافكار السوداء ودعوت الله تعالى ان ييسر حمل دجاجنا بالبيض وابقارنا بالعجول ، وارضنا بالزراعة الوفيرة لكي نتخلص من الذل الاقتصادي الذي يسومه لنا جيراننا بدون استثناء.

توكلت على الله وتحضرت للخروج للعمل بسيارتي الباركنسونيه، لكنني صدمت بعدم وجود سيارتي أمام باب بيتي، وبعد الاخذ والرد والسؤال عرفت ان سيارتي قد سرقت، فأقمت شكوى في مركز الشرطة، وحضر افراد الشرطة لمعاينة مكان السرقة. ثم سألني ضابط الشرطة وهو يقف أمام منزلي: (يبدو ان لديك كلبا) فاجبته نعم، فعاد وسألني: (ألم ينبح كلبك اثناء الليل؟) فاجبته بالنفي. اثارت ملاحظة الضابط انتباهي لعدم نباح الكلب على اللصوص واستغربت من تصرف الكلب. سألني الضابط (هل تربّي هذا الكلب من صغره عندكم)؟ فاخبرته بالقصة كلها وكيفية حصولي على هذا الكلب. أكمل رجال الشرطة إجرائاتهم ورحلوا تاركيني وحيدا مع قهري وحزني بقلب يملؤه الغضب على زوجتي (التي لا تشبه مادونا) لائماً اياها التي جعلتني انام كل هذا النوم العميق..!

مر يومان وتم استدعائي من قبل الشرطة.. فلقد عثروا على سيارتي وعلى سارقها ايضا..!! اتعرفون من هو؟ لقد كان شقيق الرجل الذي أهداني الكلب..!! وقال لي حينها رجل حكيم (إياك والكلب ذو الصاحبين، أتعرف لماذا ؟ لانك لو ربيت الكلب وهو صغير فسيكون انتماؤه وولاؤه لك، اما اذا اخذت كلبا وهو كبير فسيكون انتماؤه لك وولاؤه لغيرك.. فاذا احترق بيتك او سرق سيكون هناك دوما دار اخرى له).. لهذا، ياعزيزي، إذا لم ينبح كلبك الشرس على اللصوص.. فلانهم أهله وأحبابه..!

لا أعرف بالتحديد من هو هذا البصريّ الحكيم، ولكن من هذه القصة التهكمية الرائعة، نستخرج جملة من العظات والعبر والحكم، وتصلح القصة هدية إلى ساسة العراق الجدد الذين قدموا الينا من كل البلاد، يحملون جنسيات أوطان أخرى، ما زال ولاء بعضهم لها، ولا يربطهم بالعراق غير الشفط واللفط والنهب، لذلك يسكتون عن تجاوزات ايران واعتداءاتها المتكررة ونهبها لخيرات العراق واستفزازها للعراقيين بمطالبات التعويضات الخرافية، ويصمتون عن التغلغل الايراني البشع، لأنهم أوفياء لصاحبهم الأول والأخير!!!

sababaghdad

مركز تحميل صور وملفات صبا بغداد للأبد

  • Currently 75/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
25 تصويتات / 152 مشاهدة
نشرت فى 20 يونيو 2010 بواسطة sababaghdad

ارض الغرباء

sababaghdad
- إن استطعـــت ألا يسبقـــك إلى الله أحـــد فافعــــــل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

23,266