يطلق خبراء الإدارة اصطلاح "ذكاء الموهبة" على عملية قياس مدى اقتران المواهب بالإنجازات: فلا نستطيع أن نصف أي شخص بأنه موهوب إلا إذا أحسن استثمار مهاراته الفطرية ومواطن قوته في أداء مهامه على أكمل وجه. فمثلاً نقول : "أن فلاناً يجيد إدارة الوقت" إذا كان يحسن ترتيب أولوياته طبقاً للوقت المتاح، وانطلاقاً من رؤية بعيدة المدى واستناداً إلى المبادئ الإنسانية السامية التي يجب أن يعيش وفقاً لها : لأن استغلال المواهب بطرق سلبية يحولها من أسلحة في أيدينا إلى أسلحة في نحورنا.
إدارة المواهب :
لقد بات اكتشاف المواهب أحد المهام الرئيسية للقادة والمديرين، لأن مستقبل الشركات والمؤسسات الكبرى يعتمد الآن على التعرف على هذه المواهب، وتنميتها، وصقلها، بل واستبدالها إذا لزم الأمر، ويجب أن تقترن الموهبة بكلمة "الإنجاز" إذ أن موهبة بلا إنجاز تظل مجرد طموح.
إذ يشترك قادة المواهب في تبني مبدأ يقول أن الفارق بين النجاح والفشل يكمن في الأسلوب الذي تختاره للمضي قدماً في حياتك، كما يؤمنون بأن معرفتك وقدراتك أهم كثيراً من علاقاتك أو السلطة والنفوذ المتاحين لك، لأن الإنجازات أهم وأقوى من العلاقات والتحالفات، فضلاً على أنهم يظهرون تفهماًَ كبيراً لأعضاء فريقهم، ومؤسساتهم، وعملائهم، ويضعون العملاء في قلب الهيكل المؤسسي لأعمالهم.
كما يدرك المدير العملي أن الأفكار المجردة لها قيمة كبيرة لأنها إذا ترجمت إلى عمل، تستطيع حل الكثير من المشكلات، وحل المشكلات أمر عملي لا يمكن التعامل معه من خلال التفكير المجرد فحسب، ولهذا السبب يحب قادة المواهب توجيه الأسئلة، والبحث، والتحقيق في الأمور، مع الاحتفاظ ببذرة الشك داخلهم.
وثمة أمر هام ويجب أخذه في الاعتبار إذ تولي معظم المؤسسات اهتماماً خاصاً بالوصف الوظيفي حينما يتعلق الأمر باختيار موظفين جدد بدلاً من التركيز على المواهب وسمات الإنجاز لدى المتقدمين للترشح.
وعندما نقلل من أهمية القدرة على الإنجاز، فإننا نفتح مجالاً أمام اختيار أصحاب الوساطة أو من يميلون إلى الطاعة والإذعان لا الابتكار والإنجاز.
الجدير بالذكر أن احتمالات النجاح لدى الشركات التي تستعين بالنوعين الأخيرين من الموظفين تقل بصورة مثيرة للقلق، وربما يكون من المفيد أن تجري استطلاعاً غير رسمي بين الموظفين المنجزين في شركتك، وتسألهم فيه عن التحديات الثلاثة الكبرى التي تواجههم في العمل، فإذا كان أحدها هو تحمل أصحاب الوساطة أو الكفاءات الضعيفة وبذل جهد أكبر لتعويض نقص إمكاناتهم، فاعلم أن شركتك في خطر.
كما يجب أن تتضمن عملية اختيار الموظفين الجدد إجراء مناقشة بين الموظف وصاحب العمل يسمح فيها لكل طرف بتوجيه ما يحلو له من أسئلة بحُرِّية، وأهم ما يميز عملية الاختيار الناجح هو تكوين فكرة عميقة عن حياة الشخص محل الاختيار وتاريخه المهني، وأي شيء آخر يأتي في مرتبة متأخرة من الأهمية، ولا يرحب أصحاب الوساطة أو غير الأكفاء بالأسئلة التي تتعلق بتاريخهم المهني بعكس الناجحين والموهوبين والمنجزين، ويعد هذا الأسلوب الأكثر نجاحاً لتجنب الاستعانة بأشخاص ضعاف الكفاءة.
ثمة اعتقاد شائع بأن تعيين أفضل الأشخاص يضمن للشركة الحصول على أفضل النتائج، ولكن هذه القاعدة لا تسري الضرورة في كل الأحوال، لذلك يتحتم على المديرين سؤال أعضاء فرق العمل للتأكد مما إذا كان كل منهم يشعر بأنه في المكان المناسب ولديه الحافز للإنجاز أم لا، وإذا لاحظت تكاسل بعض المديرين القدامى عن متابعة فرقهم بسبب افتقارهم للحماس وقبوعهم في منطقة الاسترخاء، فعليك بغربلة اختياراتك السابقة وإعادة النظر فيها لضمان استمرار الحصول على النتائج المرجوة.
المواهب المعطلة :
"المواهب المعطلة" هي التي يمتلكها أشخاص متوسطو الأداء، لذا يجب تطويرهم أو التخلص منهم، فحينما يكون أحد الموظفين "موهبة معطلة" تكون سلوكياته مصدر خطر على المؤسسة، ويتعامل معظم المديرين مع هذه المشكلة مبكراً لأنهم يوقنون أنها قد تكون السبب في ازدهار أو انهيار مؤسساتهم.
وبغض النظر عن مد دوام أو انقطاع تصرفات هذه الشخصيات، فإن الشخص المعطل سيكون مدمراً في المستقبل إذا لم يتم التعامل معه بصورة صحيحة، وللأسف فإن قليلاً من الناس يدركون أنهم "مواهب معطلة" بسبب عدم وجود معايير واضحة للتحكم في سلوكهم المهني.
إذاً نتوصل إلى فائدة وهي أن الشركات الناجحة تستعين بالمواهب الجديدة، وتعرف كيف تطور المواهب المتاحة، ومتى تتخلص من العاملين الذين يعرضون مستقبل الشركة للخطر، كما تعرف كيف تنمي المواهب وتمتنها.
تصميم خارطة للمواهب للاستعانة بها في المستقبل :
يعد وضع خارطة للمواهب هو أحد طرق حل المشكلات، ويستمد جدواه من التقييم الذاتي وتأكيد أهمية الإنجاز الفردي والجماعي، إذ ترسم هذه الخارطة صورة لكيفية انتظام وعمل الأفراد وفرق العمل لتحقيق أهدافها الحالية والمستقبلية.
عناصر خارطة المواهب :
- التعريف برسالة المؤسسة الحالية والمستقبلية.
- التخطيط للمستقبل عبر فهم تحديات الحاضر.
- تحديد ما إذا كان الأشخاص المناسبون متواجدين في المكان المناسب والوقت المناسب.
- تكوين قاعدة بيانات للمواهب بدءاً من صغار الموظفين وانطلاقا إلى قمة الهرم الإداري.
- إشراك الموظفين في عملية التقييم الذاتي.
- استخدام إجابات الأسئلة الخمسة التالية لإجراء التقييم :
1). ما هي الأنشطة التي تقوم بها للوفاء بمسئولياتك؟.
2). كم من الوقت تحتاج لممارسة كل نشاط؟.
3). ما الذي يعوقك عن أداء مسؤولياتك؟.
4). كم من الوقت يستهلك كل من هذه المعوقات؟.
5). هل يمكنك وصف الفرص التي تستطيع من خلالها تحقيق أهداف المؤسسة؟. وكيف يمكنك المساهمة في حل مشكلاتها؟.
ساحة النقاش