تستمدّ الأمم هويتها من تراثها الساري في أعماق أبنائها، وأصالتها المتجذرة في قلب التاريخ. ولدولة الإمارات العربية المتحدة تراث عريق له العديد من الأشكال والصور، يظهر هذا التراث في العادات والتقاليد التي يتوارثها الأبناء جيلاً بعد جيل، ويتناقلها الخلف عن السلف بحرص واعتزاز، ارتكزت هذه العادات على الأخلاق الإسلامية العظيمة، والأعراف العربية الأصيلة.

ومن العادات والتقاليد ما يتصل بأسلوبهم في الأعياد والزواج والمناسبات الدينية والوطنية، والزيارات والضيافة، والملبس والعلاقات الأسرية وقضاء وقت الفراغ.

إن البعد المكاني واختلاف التضاريس والمناخ أدت لنشوب تباينات في العادات والتقاليد من دولة لأخرى، وحتى داخل البلد نفسها تجد فروقًا واضحة ما بين المدينة والقرية، والمدن بين بعضها البعض. إلا أنّ ما اجتمع عليه الغالبية وكان قاسمًا مشتركًا بينهم هو (حناء العروس) استعدادًا لزفافها، إلا أنّ طقوسها وطرائقها كانت مختلفة.

فالحناء من أهم عادات الزواج في المجتمعات الخليجية والعربية كافة، فالحناء من أساسيات زينة العروس، ولذا فقد اكتسبت (ليلة الحناء)، وهي الليلة التي تسبق يوم الزفاف، أهمية كبيرة بالنسبة للمرأة الخليجية، فقد كانت هذه الليلة في السابق تتم باجتماع أهل العروس واقرب النساء إلى العروس كوالدته أو أخته فقط، حيث تقوم العروس بارتداء ملابس ليلة الحناء التي غالباً ما تكون خضراء اللون ذات تطريز ذهبي، كما ترتدي قطع الذهب المختلفة كالطاسة والمرتعشة والحيول بأنواعها، وتجلس على دوشق أاخضر مذهب غالباً ما تكون قماشه مستورداً من الهند ثم تضع قدميها فوق تكية، وتحضر المحنية فتضع الحناء على راحتي العروس أولا، إما على شكل قصة أو برسم أشكال أخرى غالباً ما تكون مستمدة من البيئة كالورود، جذوع النخيل والخطوط والأشكال الدائرية باستخدام خوصة نخيل، حيث يتم غمس طرفها في الحناء ثم رسم الشكل المراد رسمه.

وهناك عدة أشكال وألوان للحناء منها الغمصة والغمسة، وهي طلاء اليد حتى الرسغ، والجصة تخطيط الأصابع بالحناء حتى الكف، والروايد وهو طلاء مفصل واحد من كل إصبع ومد خط إلى منتصف الكف، والجوتي تخضيب مفصلين من كل إصبع، وبياريج عبارة عن مثلثات صغيرة باليد كلها، وهناك أيضاً البيطات وهو عبارة عن أربع مثلثات في الكف وبينها نقاط صغيرة.

أما في الوقت الحالي فتستعين الفتيات الإماراتيات بمزيج من التقاليد المغربية والهندية فيكون فستان العروس إما جلابية هندية وإما مغربية حمراء أو عنابية، مطرزة بشكل فاخر، وتترك شعرها منسدلاً من دون أي تسريحة، وترتدي الكثير من الحلي والمجوهرات.

كما انتقلت الحفلات من المنزل إلى صالات الأفراح، وتزين الكوشة بزينة مكونة من الورود، ويكون مقعد العروس عبارة عن كرسي هزاز وسط الورود، وعلى طاولات الحضور توضع أواني من الزجاج المفتوح المملوءة بالماء في بعضها ورود، وفي بعضها الآخر شموع، وتزف العروس على ألحان الموسيقى الهندية.

تاريخ الحنـاء:

عرفت الحناء من آلاف السنين وهي نبات شجري جذوره حمراء وأخشابه صلبه، تحتوي على مادة ملونة تستعمل خضابا للأيدي والشعر لتلوينها، وهي من النباتات ذات الرائحة المميزة ويوجد منها أصناف كثيرة مثل: البلدي والشامي والبغدادي، والدامر.

وقد استخدمها الفراعنة في التحنيط والتجميل واستخراج العطور ويقال إن موطنها الأصلي في إيران والهند.
ارتبطت الحناء مباشرة بالمرأة وزينتها فهي تستعمل في التجميل لخضاب الأصابع والأقدام والشعر. بالإضافة إلى استعمالها في أعمال الصباغة وتستعمل أزهارها في صناعة العطور. وتستعمل الحناء في التداوي من الأمراض ولها فوائد جمة، وقد وجه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى استخدامها لعلاج بعض الأمراض.

استعمالات الحناء:

قبل أن تكتشف مستحضرات التجميل الحديثة، استمدت المرأة في الإمارات زينتها من بيئتها، فهي تصنع الخلطات من النباتات والأعشاب الطبيعية المنتشرة في الصحراء، تعالجها وتسحقها وتمزجها لتتحول إلى مستحضرات تجميلية دون حاجة إلى خبرة شركات التجميل. والأهم من هذا كله أنها ما زالت حتى اليوم تستعمل تلك الخلطات التي تصنعها بنفسها، بل أن كبرى شركات التجميل لجأت أيضاً لنفس الأعشاب ونفس الخلطات لتصنع منها أشهر أنواع المستحضرات التجميلية في العالم، فقد أكدت التجارب العلمية التي قامت بها مراكز البحوث العلمية أن الحنة التي تستخدم في تخضيب العروس تمنع نمو الفطريات، ويمكن استخدامها في علاج الالتهابات التي توجد بين أصابع القدم وفي علاج الأمراض الجلدية. كما أن مسحوق الحنة يساعد على التئام الجروح إلى جانب أنه مطهر عظيم المفعول، وتستخدم أيضاً في علاج الصداع بوضعها على الجبهة، وعلاج تشقق القدمين وعلاج الفطريات المختلفة بالتخضب بها، ويتم عجنها لتخفف من بعض الأورام، وتستعمل كعلاج لقشر الرأس والتهاب فروه الرأس بوضعها على الرأس مدة طويلة إلى إن تتبخر فالمواد القابضة والمطهرة الموجودة بها تعمل على تنقية فروه الرأس من الميكروبات والطفيليات.

طريقة عجن الحناء:

تقطع أوراقها وتجفف ثم تسحن وتغربل ناعما ثم تعجن بالماء وتترك حتى تختمر وتصب عليها المحلبية أو السرتية وتوضع على أشكال مختلفة في الأيدي والرجل وتترك حتى يتشرب الجسم عصارتها وقد يعاد وضعها لتثبيت اللون وسواده.

وفي الإمارات، كانت الجدات قبل حلول العيد يبدأن بتنظيف البيت، ويجتمعنّ لتفصيل ملابس العيد بشكل جماعي، كما كانت الجدات يقطفنّ أوراق الحنّاء قبل شهر أو شهرين من قدوم العيد؛ ليتمّ تجفيف تلك الأوراق ثم سحقها ونخلها وتبقى حتى ما قبل العيد بأسبوع، حيث تُعجن الحنّاء بمغلي الليمون المُجفف، لكي تتم عملية النقش على كفي اليدين، ويُعاد عليها على مدى يومين؛ حتى تصبح ذات لون أحمر قان.

فالحناء من أكثر النباتات التي تعتبر صديقة المرأة، وتكمن ميزة الحناء في أنها استطاعت الظهور في عدة أشكال تلاءمت مع مختلف الأزمنة والأجيال، فكما أحبتها الجدات تستخدمها الشابات الصغيرات اليوم ليكشفن بثقة عن مختلف مناطق الجسم لإظهار النقوش العصرية التي خلفتها تقاطعات وتشابكات خطوط الحناء.

فن نقش الحناء:

نقش الحناء من أقدم فنون الزينة وقد ارتبط هذا النوع من فن التجميل بالمناسبات السعيدة غالبا كمناسبات الزواج والأعياد.

وفي الإمارات يعد نقش الحنة من أهم مظاهر الزينة للمرأة الإماراتية خاصة المتزوجة. وتعد مناسبة وضع الحناء للعروس من مظاهر الزواج المهمة ولها يوم خاص يسمي يوم حنة العروس، حيث توضع الحنة على أيدي وأرجل العروس وسط مظاهر الفرح من الصديقات والأهل علامة على دخولها الحياة الزوجية.

ولا يقتصر وضع الحناء على العروس فقط، بل توضع أيضا للعريس في يوم خاص به أيضا كمظهر على الفرح ودخوله للحياة الزوجية وسط احتفال أهله وأصدقائه به.

 

والطريف أن لنقوش الحناء وزخرفتها كتيبات تعرضها الخبيرات على هاويات الحنة لاختيار الرسم المفضل، وإلى هذه الكتيبات تضيف خبيرات الحناء، كل يوم رسومات جديدة، من ابتكارهن تؤكد أن حناء اليد والقدم عادت لتتربع على عرشها القديم، وينقلها الغرب عنا كعنصر من التراث الفني العربي الأصيل، مثلما نقل حناء الشعر.

reda-alnemrawy

رضا عبد الفتاح النمراوي 00971507877993

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 43 مشاهدة
نشرت فى 12 فبراير 2015 بواسطة reda-alnemrawy

ساحة النقاش

رضا النمراوي

reda-alnemrawy
رضا النمراوي رضا عبد الفتاح النمراوي سيف رضا النمراوي »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

23,123