ضوابط الاستغفار وصيغه وثوابه |
إنَّ الاستغفار هو طلب المغفرة من الله تعالى، وذلك يعني محو الذنب وإزالة أثره والوقاية من شره ويلزم من ذلك ستر الذنب. فهو دعاء حكمه حكم سائر الأدعية، فإن اقترن به الندم على الذنب وعدم الإصرار عليه فهو الاستغفار الذي جاءت النصوص الشرعية بفضائله، ومنها ما ذكرت من الحديث وقوله تعالى: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا" وقوله تعالى: "وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ"، وقوله تعالى: "وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا" وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم" (أخرجه مسلم في صحيحــه برقم 2749)، فليس المراد بهذه النصوص مجرد قول استغفر الله أو اللهم اغفر لي وتريدها مع عدم الإقلاع عن الذنب. وذلك لقوله تعالى: "وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ" فاشترط لهذا الجزاء الاستغفار، أي طلب المغفرة مع عدم الإصرار على الذنب، وهذا هو الاستغفار الكامل النافع وهو المتضمن للتوبة.
وأمَّا الاستغفار باللسان مع إصرار القلب على الذنب فهو دعاء مجرَّد إن شاء الله أجابه وإن شاء ردّه، فقد يقول الإنسان بقلب حاضر فيوافق ساعة استجابة فيستجيب الله له. ذكر أبي الدنيا في كتاب التوبة (ص125) عن الحسن قال: أكثروا من الاستغفار في بيوتكم وعلى موائدكم وفي طرقكم وفي أسواقكم فإنكم ما تدرون متى تتنزل المغفرة. ويروى عن لقمان الحكيم أنه قال لابنه يا بني عوِّد لسانك، اللهم اغفر لي فإنَّ لله ساعات لا يرد فيها سائلاً. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً. ذكره أبونعيم في الحلية 10/359 وقد أخرجه ابن ماجه برقم 3818 من حديث عبدالله بن بسر رضي الله عنه مرفوعاً. وفي صحيح مسلم برقم 2702 عن الأغر المزني رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنه ليُغَان على قلبي ـ وهو ما يحصل له من فترة ـ وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة" مع أن كون الإنسان يسأل الله المغفرة وهو ما يزال مقيماً على الذنب يدل على عدم الصدق في طلب المغفرة، وقد يكون إصراره وبقائه على الذنب سبباً في عدم الاستجابة لاستغفاره.
وأما صيغة الاستغفار فأفضل صيغة ما جاء في حديث شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سيد الاستغفار أن يقول العبد اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. من قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنّة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة" (أخرجه البخاري برقم 6306 وغيره، أبوء: معناها أقرّ وأعترف).
ومن الصيغ قول اللهم أغفر لي أو ربّ اغفر لي وتبّ عليّ إنك أنت التواب الرحيم (في سنن أبي داود برقم 1516 وجامع الترمذي برقم 3430 وصححه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة (ربّ اغفر لي وتبّ عليّ إنك أنت التواب الرحيم).
ومن الصيغ قول استغفر الله في صحيح مسلم برقم 591 عن ثوبان رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثاً" (الحديث قال الوليد الراوي عن الأوزاعي، فقلت للأوزاعي: كيف الاستغفار، قال يقول استغفر الله استغفر الله استغفر الله.
وأما عبارة استغفر الله وأتوب إليه فإن قالها وهو مصرّ على المعصية فهو كاذب في قوله وأتوب إليه لأنه غير تائب، وإن قالها وهو مقلع عن المعصية التي يستغفر منها فلا بأس، وهكذا ينبغي ألا يقول هذه العبارة إلا وهو عازم على التوبة حريص عليها. وعليه فيرجى لمن لزم ذلك أن يشمله الحديث الذي ذكرت ومن قال ذلك ونحوه من الصيغ الآنفة مع الإقلاع عن الذنب وعدم الإصرار عليه مائة مرة، فهو ممن لزم الاستغفار وهذا هو حال نبينا محمد عليه الصلاة والسلام كما سبق في حديث الأغر المزني وحديث ابن عمر رضي الله عنهم.
وهناك سؤال يطرح نفسه :
هل يجوز أن أستغفر بعد كل صلاة أكثر من ثلاث مرات؟ الجواب: لا يجوز لأنَّ الاستغفار الوارد بعد الصلاة استغفار مقيد بدبر الصلاة ومحدد العدد، فلا يجوز تجاوزه، إذ أنَّ في ذلك استدراك على النبي صلى الله عليه وسلم الذي التزم بأن يستغفر ثلاثاً فقط إذا انصرف من صلاته كما سبق في حديث ثوبان رضي الله عنه، وهذا بخلاف الاستغفار المطلق فإنه لا حدّ له.
وأما صيغة استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، فقد وردت في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً (من قال حين يأوي إلى فراشه استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ـ ثلاث مرات ـ غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر، وإن كانت عدد ورق الشجر، وإن كانت عدد رمل عالج وإن كانت عدد أيام الدنيا)، أخرجه الإمام أحمد والترمذي برقم 3397، ولا يفرح بهذا الحديث لأنه من رواية عبدالله بن الوليد الوصافي عن عطية العوفي، وكلاهما ضعيف ولذا ضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير وزيادته برقم 5728.
كما وردت هذه الصيغة من حديث بلال بن يسار قال حدثني أبي عن جدي رضي الله عنه أنَّه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من قال استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان فرّ من الزحف" (أخرجه أبوداود برقم 1517 والترمذي برقم 3577 واستغربه. وجاء من حديث ابن مسعود رضي الله عنه عند الحاكم 2/118 وصححه وفيه (من قالها ثلاث مرات) كما جود إسناد الحديث المنذري في الترغيب والترهيب برقم 2414 فيرجى لمن قال هذه الصيغة هذا الثواب.
وأما قول ربّ اغفر لي وارحمني فهي واردة بقول (اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني) أخرجه مسلم برقم 2697 من حديث طارق بن أشيم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعلم ذلك من يسلم. وفي الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه: "اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم" (أخرجه البخاري برقم 834 ومسلم برقم 2705).
رشــا ســلامــة
ساحة النقاش