رمضان مصباح/المغرب


في صبيحة 2نونبر.1916,استفاقت قبيلة أولاد زكري(الزكارة) ,الواقعة على بعد25كلم جنوب غرب وجدة ضمن شعاب الكتلة الجبلية التي تحمل اسمها,على خطب جلل تمثل في اقتحام كتيبة عسكرية فرنسية لتحصيناتها الطبيعية ,وسعيها الحثيث صوب مركز قيادتها بوادي مسفركي (ديار أولاد بوريمة)؛حيث اعتقلت قائدها بلعيد ولد رمضان الزكراوي وبطانته المكونة من أعيان وشيوخ الدواوير ؛وقد بلغ عدد المعتقلين اثني عشر فردا(12) اطلق سراحهم فيما بعد عدا القائد .لا يزال كبار السن ,الى اليوم, يؤرخون بهذا الحدث فيقولون:عام الميعاد؛والميعاد عندهم يعني جمع الأعيان. اسقط في أيدي الناس ,رغم شراستهم المعروفة ,كسكان جبال شماء, لا يرضون باستباحتها من أحد ,وبالأحرى من هذا العدو النصراني المتعجرف.اقتيد القائد البطل وهو يرسف في أغلال العسكر الفرنسي؛فكان أقرب ما يكون الى سلالته من الشهداء :عمر المختار ,موحا وحمو الزياني,الحنصالي, وغيرهم .
لماذا اعتقل هذا القائد ؟ وكيف انتهى به الأمر سجينا ؟ وبأي مكان ,وبأية طريقة فاضت روحه الوطنية الأبية؟ على مدى عشرات السنين لم يتعد الأمر أقاويل غير دقيقة تروج بين أفراد القبيلة:من قائل بأنه رحل أسيرا الى سجون كاليدونيا الجديدة ,وعاش بها بقية حياته ؛مخلفا ذرية لا تزال هناك ؛ومن قائل بأنه اعدم بعد شهور من اعتقاله بسجن تلمسان بالجزائر؛ومن قائل بأنه مات في سجون فرنسا ودفن بمونبوليي. ظل لغز القائد بلعيد قائما ,ومع توالي السنين طوى النسيان الحدث,ولم يعد سوى ذكرى مؤلمة في أذهان كبار السن ,وذوي المعرفة بتاريخ القبيلة.أما بالنسبة للبعض فقد طفقوا يبحثون عن كنز يحمل اسم "لويز القائد بلعيد" اذ شاع وسط الباحثين عن الكنوز بأن القائد طمر كنزا كبيرا في مكان ما من القبيلة
.لنترك هذه الفئة فيما هي فيه ,الى اليوم,لأن التاريخ والبطولات والوطنية أمور لاتعنيها. في بحر سنة 1973 ستنجز أول خطوة جدية لمعرفة الكيفية التي انتهى بها قيدوم شهداء الوطنية هذا ؛وقد تمثلت في مراسلة السيد محب أحمد الزكراوي ,وهو من عائلة الشهيد, للسلطات الفرنسية المختصة ,في الموضوع ,فكان الجواب الآتي ( الترجمة لي): " الضابط ,الموثق العام رئيس الأرشيف المركزي للعدالة العسكرية بمدينة مو؛يشهد أن: بلعيد ولد رمضان؛ ابن رمضان ولد محمد والزهرة بنت رحو. المولود حوالي 1871 مهنته فلاح ,والساكن بمسقط رأسه ,حيث كان قائدا؛ ادين في 28 أبريل 1917 من طرف المجلس الحربي الأول المنعقد بعمالة وجدة بعقوبة صدر بخصوصها عفو بموجب قانون 26 دجنبر 1931؛والذي صار مطبقا في المغرب بموجب المرسوم 3يونيه 1932. وقد اعتقل بموجب هذا من 2نونبر1916 الى 5ماي 1917 بالسجن العسكري بوجدة ؛وفي هذا التاريخ الأخير نقل الى السجن المدني بتلمسان. مدينة مو MEAUX في 5مارس1973 الطابع وبداخله:العدالة العسكرية/المخزن المركزي للأرشيف/مو تنتهي المراسلة بالملاحظة الآتية: يشرفنا أن نحيط الطالب علما بأن المخزن المركزي لا يمسك أرشيف السجون المدنية. انتهى يفهم من هذه الوثيقة الرسمية أن الرجل بقي أسيرا من 2 نونبر 1916 الى 26دجنبر1931(أي أربعة عشر عاما وثلاثة أشهر). اذا كان ما تورده الوثيقة ,بخصوص استفادته من العفو,صحيحا فلماذا لم يعد الى قبيلته وعشيرته وأسرته؛حيا ؟ اذا كان قد مات ,حتف أنفه؛أو قتل ,فأين دفن؟ لم يكن الرجل أيا كان حتى يفضل الضرب في الأرض الواسعة وعدم العودة أبدا؛لقد كان قائدا ,وفلاحا ثريا,وصاحب أسرة كبيرة. هكذا ,ورغم المعلومات الهامة التي كشف عنها أرشيف العدالة العسكرية الفرنسية؛استمرت قضية القائد بلعيد لغزا يحير العقول. كل هذا والوطن غافل عن شهيد,بل عن تاريخه وذكراه ,عن بطل بدون مجد.
بطل قال فيه تقرير استخباراتي فرنسي (رفقته)محرر من طرف القبطان جوليا؛المكلف بتسيير دائرة وجدة؛وهو موجه الى مندوب الحكومة الفرنسية لدى المجلس الحربي بوجدة(بطلب منه): " يمكن أن نقول أيضا بأن كل مستبد يخفي بين ثناياه طامحا :ربما كان بلعيد يتمنى ,بفعل توجيه من ذكريات هيمنة والده,أن يرى في مستقبل قريب أو بعيد ,انبعاث عهد الاستقلال ,عهد الحرية ,الذي يجب أن يعقب طرد النصراني ؛الممقوت دوما من كل مسلم جيد" ويواصل التقرير:" هذا ما يبدو لنا السبب الذي دفع بلعيد الى اقتراف أقبح الأخطاء ,بالتآمر مع سليمان بن سليمان ,وفرض هذا المغامر على أفراد قبيلته ؛والاحتفاظ به ,رهن يمينه, لاستغلاله في الوقت المناسب ,واستخدامه في بث التعصب (ضد النصارى طبعا:المترجم) في قبيلته." نعم كل هذا النضج والتبصر من الرجل؛ والمغرب لا يزال حديث العهد جدا بالاستعمار.يخطئ كل من يعتقد ,بل يرسم, أن المقاومة ,والحركة الوطنية ولدت في المدن الكبرى على أيدي النخبة.لم يكن القائد بلعيد سوى قائد قبلي أمي من أولاد زكري ؛لكنه صمم واستعد للمنازلة ؛ولو لم يجهض مشروعه بفعل أذناب المستعمر ؛كما يؤكد ذلك التقرير الاستخباراتي ,لكان تاريخ الوطن ترصع بملحمة قتالية زكراوية,على غرار الملاحم الزيانية والباعمرانية والريفية وغيرها. يستمر اللغز ,ويستمر الجهل بالرجل ,عدا بعض الكتابات التاريخية والصحفية ,والتصريحات الحزبية الاستقلالية المناسباتية.ولعل السبب في كل هذا ليس الجحود وانما ندرة المعلومات؛ان لم نقل انعدامها. ولا بد أن أحتج هنا على العدالة الجزائرية ,القابضة على أرشيف سجن تلمسان؛حيث نقل الرجل ,كما تؤكد ذلك الوثيقة الرسمية.لقد راسلتها مباشرة ,وعبر الصحف منذ قرابة الخمسة عشر عاما,دون أن أحصل على أدنى اجابة تخص الرجل؛خلافا للعدالة الفرنسية – وهي الجانية-التي استجابت بسرعة للطالب المذكور. ورغم بخل الأرشيف الجزائري ,وربما ضعف ذاكرته – كما يعاني منها المغرب اليوم- ستتدخل القدرة الإلهية لجعل الجانب الكبير من اللغز ينكشف: منذ أزيد من سنة زارني بمنزلي في مسفركي,في مغرب يوم رمضاني, الباحث الأنثروبولوجي الفرنسي "أرييل بلانييكس" ARIEL PLANEIX؛في موضوع رسالة دكتوراه ينجزها عن قبيلة الزكارة.كان يلتمس لدي ,باعتباري ابن القبيلة ,ومهتما بتاريخها, كل ما يفيد أطروحته ,ويجيب عن أسئلته.
وباعتبار القائد بلعيد رقما صعبا في تاريخ أولاد زكري لا يمكن تجاهله فقد حدثته عما كان من أمره ,وكيف صارت قضيته لغزا محيرا؛ولما لمست منه اهتماما, مكنته من الوثيقة المترجمة أعلاه ,والتمست منه أن يساهم في حل اللغز ؛وهو الباحث الذي خبر ارشيفات بلده ,وعرف كيف ينطق دهاليزها ؛ووعدته في المقابل أن أمكنه مما لدي من الوثائق ,وأن أتجول به حيث يريد داخل القبيلة. علاقة" رابح /رابح" هذه جعلتني أتسلم صبيحة يوم 22 نونبر2010 بريدا مهما منه ,تأخر عن الوصول الى مسفركي أزيد من أربعة وتسعين عاما(94) أي منذ اعتقال بطلنا. نعم وجدت بين يدي,فجأة, ملفا هاما يحمل اسم القائد بلعيد؛وهو عبارة عن صور وثائق تخص المحاكمة والاستماع الى الشهود والنشاط المخابراتي الذي استهدفه منذ قرابة القرن. قلت بيني وبين نفسي:لقد فعلها صديقي بلا نييكس فأعاد القائد بلعيد الى قبيلته بعد أن انتزعه منها أسلافه المستعمرون.بل أعاده الى التاريخ ؛وقد تذكرت بألم شديد يوم بخل علي أحد أحفاده بوثائق خطية خاصة بجده ؛وأتذكر أني قلت له: لقد أخرجت فرنسا القائد بلعيد من المغرب وأنت بتصرفك هذا تخرجه من التاريخ. قاتل الله الجهل ؛وكان على عمر بن الخطاب ,رضي الله عنه أن يقول:لوكان الجهل رجلا لقتلته لأن الجهل أخطر من الفقر. يفيد الملف بأن التهمة الرسمية الموجهة للقائد بلعيد ومن معه ,من طرف المجلس الحربي الفرنسي الأول ,والمنعقد بمدينة وجدة هي: " التآمر ضد الأمن الداخلي لسلطة الحماية" و بمفهوم المخالفة ,كما يقول علماء الأصول لا تعني التهمة سوى التآزر ,انتصارا للوطن ضد سلطة المستعمر. وأترك الآن القارئ يكتشف الرجل من خلال ترجمة للتقرير الاستخباراتي المذكور؛على أن ينتبه الى زيف الكثير من النعوت الواردة به ,فبلعيد- في التقرير- قائد متسلط ومرعب ؛وسليمان بن سليمان مجرد مغامر ,يوهم بأنه الروكي وقس على هذا الكلام الذي لاستغربه من معتد مستعمر يستعمل الألوان التي يريد. على أن اللغز مستمر ,فيما يخص الكيفية التي استشهد بها القائد بلعيد. يبقى على كل من أثرت فيه هذه القضية ,وبوسعه أن يفعل شيئا لتكريم هذا البطل معنويا ,ألا يبخل؛لقد ضحى القائد بلعيد الزكراوي بكل شيء ,بمركزه وعائلته وثروته وقبيلته ,ومات مجهولا في مكان مجهول ,وبكيفية مجهولة؛ فهو بحق جندي الوطن المجهول. وجدة في 13 فبراير1917 المغرب الشرقي دائرة وجدة مصلحة الاستعلامات N/407 BR القبطان جولياJULIA المكلف بتسيير شؤون دائرة وجدة الى السيد مندوب الحكومة لدى المجلس الحربي بوجدة يشرفني أن أوجه إليكم المعلومات المطلوبة ,في مراسلتكم رقم 217بتاريخ 7فبراير.
تطبيقا للتعليمات الجاري بها العمل يجتمع الرؤساء الأهالي indigènes,-بوجدة- مرة في الأسبوع وغالبا ما يتم هذا يوم السوق ..الخميس صباحا. تم الترخيص لقائد الزكارة ,الساكن بمسفركي ,أي حوالي خمسة وثلاثين كلم ,جنوب غرب وجدة ,بألا يحضر الا اجتماعا واحدا من اجتماعين للحكومة hakouma( ربما الحكامة:المترجم)أي مرة واحدة كل خمسة عشر يوما؛ على أن ينيب عنه ,أثناء تغيبه,ابنه وخليفته. عمليا يحضر القائد بلعيد ولد رمضان الى وجدة مرة واحدة في الشهر خلال الفصل الرديء(الشتاء)؛ومرتين خلال الصيف . مع ندرة حضوره يمكث في المدينة يومين ,وأحيانا ثلاثة ليتمكن من انجاز ما تقتضيه مهمته ,وكذا مصالحه الشخصية. ونظرا لكون الانتقال من مسفركي الى وجدة يقتضي منه ,في الحد الأقصى, ست ساعات من السير ,راكبا الحصان ؛يمكن القول بأن بلعيد ولد رمضان كان يغيب عن قبيلته ثلاثة أو أربعة أيام في الشهر ,شتاء,و ستة الى ثمانية أيام صيفا. الروكي المزيف pseudo –rogu سليمان بن سليمان ,تنقل في الزكارة , خاصة خلال ربيع وصيف 1916. تراوحت تغيبات بلعيد ,خلال هذه الفترة, ما بين ستة و ثمانية أيام شهريا. في سنة 1904,عقب وفاة القائد رمضان , مورست الرئاسة ,لدى الزكارة, من طرف ابنيه بلعيد ومحمد؛اذ تقاسما أجزاء القبيلة .في سنة 1913 ,ونظرا لعدم الرضى عن القائد محمد ,تم عزله,فتولى بلعيد قيادة القبيلة كلها . في نهاية يوليوز 1916 تأكدت بأن شخصا ذا طابع شريفي maraboutique؛يسعى للإيهام بأنه الروكي السابق ,يطوف ,منذ شهور عديدة ,متخذا قبيلة الزكارة مخبئا له. استدعيت القائد بلعيد ,باستعجال, وأطلعته,دون مواربة, على ما تناهى الى علمي ؛مضيفا أنه ,وهو القائد, عليه أن يكون على معرفة بهذه التحركات ؛وإذا لم يبلغ بشأنها سيتحمل المسؤولية الأشد خطرا. أكد بلعيد ,بكل ثقة, بأن هذا الضجيج محض كذب,وألا وجود لأي أجنبي يتحرك في القبيلة؛ولوكان هذا صحيحا لعلمه بكل تأكيد ,ولما تأخر عن التبليغ به في حينه. لم يحصل ,سوى قبل أيام من اعتقال سليمان , وبعد أن عرف بعلمي بما كان يجري ,أن اعترف بلعيد ,ببرودة, بأن أجنبيا ,جزائريا, بدون أية أهمية ,يتحرك منذ أيام في قبيلة الزكارة ؛وأنه سيبذل كل جهده لاعتقاله. تم اعتقال المحرضagitateur يوم 12غشت من طرف فرسان السي الطيب ,ولم يكن للقائد بلعيد أي دخل في هذه العملية.
قبل أن اورد تقديري للطريقة التي كان بلعيد بن رمضان يؤدي بها مهمته يبدو لي ضروريا أن أقول بعض الكلمات عن قبيلة الزكارة ,وعن الوسط الذي كان مدعوا ليمارس فيه رئاسته. يشكل الزكارة قبيلة بربرية من ثمانمائة خيمة(800)تقريبا؛تقطن كتلة جبلية تبعد عن وجدة بحوالي عشرين كلم(20).إن عيشهم في شعاب تفصلهم عن العالم الخارجي جعلهم يظلون,دائما, بمعزل عن القبائل الأخرى؛و يحافظون,كلية, على العادات القديمة لأجدادهم . تفصيل مميز:أهالي القبيلة يتزوجون دائما فيما بينهم فقط. في ظل هذه الظروف من السهل أن نفهم مدى عدم تجاوب الزكارة مع أي إخبار, أومجهود ,ومدى ضيق عقولهم المحدودة,التبسيطية؛ومدى امكانية التاثير عليهم من طرف أي اثارة تأتي من الخارجح. في وسطهم نخال أنفسنا ننظر الى مجتمع القرون الوسطى وهو ينبعث من جديد. من برجه بوادي مسفركي يمارس القائد بلعيد سيادة مطلقة تقريبا : ديناميكي , سلطوي,قاس .لقد كان مهابا أكثر منه محبوبا ؛ارادته لا تناقش. رؤساء الدواوير – لدى القايد بلعيد- أعيان بأهمية قليلة ؛ولم تكن سلطته تخضع لتأثير الجماعة. خلافا لما يجري به العمل في أغلب القبائل البربرية ,قلما يتم الاستماع الى رأي الجماعة لدى الزكارة؛وتكاد سلطتها تنعدم.أما الفلاح الزكراوي فوضعه مزر ,شقاء وجزاء. تستمر هذه الأوضاع منذ قرون عديدة ؛و لايمكن تغييرها بين عشية وضحاها؛خصوصا حينما نطلع على الظروف المعيشية لهؤلاء الأهالي . السمة الغالبة على مزاجهم هي – حسب ما يبدو- الغباء اللا محدود,وباعتبار عزلتهم الدائمة في جبالهم ,وزواجهم فيما بينهم فقط, فمن الصعب عليهم ,فعلا,أن يتطوروا.نضيف الى هذا – رغم عدم تأثرهم الا قليلا بالغزو الإسلامي –أنهم ,رغم كل هذا,مسلمون شديدو التعصب .
بمعرفتنا العامة لأفراد هذه القبيلة ,لعاداتهم ونوعية حياتهم ,سنفهم ,بكيفية حسنة ,الدور المهم والرئيسي الذي يؤديه رئيس القبيلة ,القائد ,السيد الحقيقي الذي يعرف كل شيء ,ويهيمن بسلطته على الجميع وعلى كل شيء. ان القائد رمضان,والد بلعيد, كان استبداديا ,بكل ما تعنيه الكلمة. لقد حكم ,بالرعب,من 1860 الى 1904؛مستثمرا لصالحه الاضطرابات التي كانت تعم المنطقة,للقضاء على خصومه,و توسيع ممتلكاته,والعيش حسب ما يحلو له. عقب موته تقاسم ولداه السلطة.محمد,الذي عزل سنة 1913,توفي في 1916؛وهكذا أصبح بلعيد ,اذن,القائد الوحيد لكل القبيلة .ورغم أنه أظهر ,بحكم قوة الأشياء,بعض التطور ,مقارنة بوالده ,فقد ظل أيضا صارما وسلطويا.هذا هو الطابع الغالب على مزاجه ؛فوراء مظاهر المسالمة والإيناس تختفي قبضة من حديد ؛وسحقا لمن يواجهه. لقد كان قليل الحركة,وهذا راجع جزئيا الى ضعف بصره,ولم يكن يركب الخيل إلا قليلا ,لكن كان له في كل مكان مبعوثون يخبرونه ,بدقة, عن كل شيء يحصل في القبيلة. لقد كان لاسمه فقط هيبة معتبرة,ناتجة ,بصفة خاصة,عن الخوف والرعب .
كان ينفذ,حرفيا, الأوامر التي توجه له ؛كما أن تحصيل الضرائب والذعائر يتم بسرعة .كانت لبلعيد ,من بعض الجوانب, مؤهلات قيادية, جعلته مميزا لدى رؤسائه. ورغم هذا يمكن أن نؤاخذه ,أحيانا, على نقص صراحته ,وكونه متسترا؛ كما أنه غير ملتزم بالإخبار عما كان يجري في قبيلته .هذا عيب يجب ألا يفاجئنا لدى بعض الأهالي ,وخصوصا لدى الزكارة. ومهما يكن فان بلعيد ولد رمضان كان قائدا جيدا نوعا ما ؛يتمتع , وان كان في بعض الجوانب, بثقة رؤسائه؛ولم يكن في صالحه ,إذن, أن يفتح عليه باب الانتقاد..... يجب ألا ننسى أن الروح الإسلامية الحاضرة,لهذه المناطق المنزوية والغامضة , تظل غريبة عنا ,ومستعصية على الفهم .يجب ألا نبحث عن تفسير تجليات هذا المزاج ,بل يجب أن نتقيد برصد ها لا غير . يمكن أن نقول أيضا بأن كل مستبد يخفي (بين ثناياه) طامحا :ربما كان بلعيد يتمنى , بفعل توجيه من ذكريات هيمنة والده , أن يرى , في مستقبل قريب أو بعيد, انبعاث عهد الاستقلال ,عهد الحرية ,الذي يجب أن يعقب طرد النصراني ,الممقوت دوما من طرف كل مسلم جيد. هذا ما يبدو لنا السبب الذي دفع بلعيد لاقتراف أقبح الأخطاء ,بالانضمام الى سليمان بن سليمان ؛وفرض هذا المغامر على أفراد قبيلته؛والاحتفاظ به رهن يمينه لاستغلاله في الوقت المناسب ,واستخدامه في بث التعصب (ضد النصارى) في قبيلته. جوليا


المصدر: انتاج شخصي
  • Currently 33/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
11 تصويتات / 696 مشاهدة
نشرت فى 14 مارس 2011 بواسطة ramdane3

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

20,382