الموقع الرسمى الخاص بـ أ/رمضان اسماعيل ريشه

اعرف الاسلام -اعرف نبيك-ارفع راسك انت مسلم

مقدمه فى الخطاب الدينى

لا ريب أن مسألة تجديد الخطاب الديني ليست من أسئلة عصر النهضة الحديثة الذي اشتدت فيه الحاجة إلى فعل التجديد، حيث ارتفعت فيه أصوات المفكرين والمصلحين الاجتماعيين التواقين إلى فعل التجديد بوصفه وسيلة ضرورية للتخلص من براثن الجهل والتخلف في مواجهة أنصار الجمود والتقليد، بل هي دعوة أصيلة من حيث نشأتها ومن حيث أصولها النظرية التي انبنت عليها. فقد اشتغل على مشروع التجديد مفكرو الإسلام قديما وحديثا، تنظيرا وممارسة، بمقتضى شمولية الإسلام واشتماله على قواعد عامة تحقق مقاصدها في الخلق، من خلال استيعاب أسئلة الواقع المتجدد. والنظرة الواقعية إلى المشكلات الحضارية.

ذلك أن الإسلام في عمقه حوار مستمر بين النصوص الدينية الثابتة من جهة والحياة الواقعية المتغيرة من جهة أخرى، أو جدل دائم بين ثابت أزلي متعال، ومتغير متجدد. وبمقتضى هذا الأصل أيضا كانت قضية تجديد الخطاب الديني من القضايا الأساسية في الخطاب النهضوي الإسلامي الذي نهض بالدعوة له دعاة ومصلحون ومفكرون من مختلف أقطار العالم الإسلامي، تجمع بينهم الرغبة في الإصلاح عن طريق فتح باب الاجتهاد، وإشاعة ثقافة كونية مبنية على أسس شرعية وعقلية. ولا زالت هذه القضية الحيوية – قضية تجديد الخطاب الديني- تستأثر باهتمام الباحثين والمفكرين المعاصرين خصوصا مع التطور الهائل الذي شهدته مناهج العلوم الإنسانية والنظم الوضعية التي تروم بدورها تحقيق العدالة الاجتماعية في أحسن وأكمل صورة.

وفي سياق هذا التحول الشامل يحاول الخطاب النهضوي الإسلامي على غير عادته أن يقيم الأدلة والبراهين العقلية والنقلية لتأكيد عالمية الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان، وكيف تستطيع نصوص الوحي المنزل - بفضل ما تزخر به من قيم كونية متعالية، ومبادئ إنسانية سامية لنظام واقعي أفضل- أن تحتفظ بقدرتها على التكيف مع مختلف التحولات الإيجابية التي تحاول النظم الوضعية المعاصرة أن تصل إليها. عبر الاستجابة القبيلة والبعدية لكافة الأسئلة المطروحة المرتبطة بالمسألة الدينية وبالمسألة الإنسانية الهادفة إلى جعل الإنسان قادرا على قيادة العالم نحو الأفضل والأكمل والأجمل.

ومن هذا المنطلق أخذت فكرة التجديد موقعَها في التـراث الإسلامي تحت اسم " الإحياء" كما هو صنيع الإمام الغزالي في مؤلفه الشهير " إحياء علوم الدين". وهو عمل إجرائي ومشروع فكري متكامل يقيم قضية التجديد على أسس علمية وعملية ويلامس جوانب مهمة من العلوم الإسلامية، وقد مهد الإمام الغزالي لمشروع الإحيائي بمقدمات في فضل العلم والتعليم للتدليل على أن فعل الإحياء يتم عبر هذه القنوات.

وقد تجلت مسألة التجديد أيضا في الخطاب الفلسفي الإسلامي الذي اختار لغة التوفيق بين الفلسفة والدين أو الكشف عن مناهج بعينها طريقا للبرهنة على قدرة الشريعة على استيعاب كل ما هو عقلاني بمقتضى أن " الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له".( 1)

وانطلاقا من هذه القاعدة التي تؤكد صحتها شواهد من مختلف حقول المعرفة فإن الحق يظل حقا في ذاته لا تؤثر فيها تعدد المصادر وتنوعها، سواء عبرت عنه لغة الوحي المنزل، أم أبانت عنه لغة الفلسفة. أم كشف عنه العلم باختراعاته المذهلة، هذه الحقيقة الدينية الفلسفية العلمية هي التي أنفق فيلسوف قرطبة أبو الوليد ابن رشد الحفيد (تـ595هـ) وقتا غير يسير في سبيل إبرازها وجعلها في صورة ملموسة في كتابه" فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال " ومن قبله " الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة " وكلاهما عبارة عن دراسة منهجية نقدية مستقلة لطرق المعرفة الدينية التي اشتغل عليها الخطاب الكلامي في تقريب قضايا العقيدة، كما أنهما معا نتاج معرفي برهاني يصدر عن فضيلة علمية وخلقية ظلت غائبة عند طائفة من علماء الكلام الذين انبهروا ببعض والأدلة التي لا يخفى قصورها المنهجي، مثل دليل الحدوث القائم على مقولتي الجوهر والعرض. مثلما ينطويان أيضا على مقدمات في المنهج الذي يؤسس لنسق معرفي يؤسس لمنطق شرعي وعقلي متميز تبتعد قضاياه اليقينية عن المقولات التجريدية مثل مقولتي الجوهر والعرض اللتين اشتغل عليهما الخطاب الكلامي بغرض التدليل على قضايا إلهيـة محضة (وجود الخالق ووحدانيته...) وبسبب تهويل هذه المقولات ظل هذا الخطاب عاجزا عن الارتقاء إلى مقام الإدراك الواقعي للحقائق الإيمانية التي اختص به منطق الشرع القائم على أدلة طبيعية وأخرى علمية تنظر في الموجودات من حيث إنها مخترعة ثم من حيث فائدتها...( دليل العناية ودليل الاختراع ) وهي أدلة يقينية صالحة للبرهنة على صحة التجربة الدينية في سموها وتعاليها، وأنها جاءت لسعادة الإنسان المعتقد اعتقادا صحيحا باعتباره كائنا متدينا مكرما على الدوام في ظل تلك التجربة.

كما اشتغل علماء آخرون على فكرة التجديد أيضا من موقع اشتغالهم بقضايا الإتباع والابتداع. أو الثبات والاستقرار الذي تمثله المسألة الدينية من جهة، والتجديد والتغيير المتصل بواقع الإنسان من جهة أخرى، وبحث الحد الفاصل بينهما.

ومن أشهر هؤلاء الأعلام الإمام الشاطبي في كتابه " الاعتصام" الذي يشكل رؤية شرعية لمدلولي الإتباع والابتداع... فبعد أن حدد مفهوم البدعة بأنها: " طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة يُقصدُ بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه أو يُقصد بالسلوك عليها ما يُقصد بالطريقة الشرعية". أوضح أن هذا المدلول لا ينطبق على بعض العلوم الإسلامية، مثل النحو والصرف وأصول الفقه وأصول الدين... لكونها ليست مخترعة بالنظر إلى أصولها الشرعية. فهذه العلوم وإن لم توجد في الزمان الأول – كما يذكر الشاطبي- فإن أصولََها موجودة في الشرع.

وقد أخذت فكرة التجديد في جانبها التشريعي والأخلاقي طابعا منهجيا ظهرت قواعده النظرية بشكل واضح عند الإمام الشاطبي كذلك في اكتشافه الرائع لنظرية المقاصد التي عمل على صياغتها صياغـة فلسفيـة نسقيـة في كتابه القيـم الموسوم " بالموافقات" الذي يعد بحق الإطار المنهجي لقضية تجديد الخطاب الديني تشريعيا وأخلاقيا كما سلف، بما فتحته من آفاق واسعة لتجديد الفقه الإسلامي من خلال آلية الاجتهاد بوصفها من الآليات المهمة التي يسعى المتوسل بها والمؤهل لممارستها إلى بحث النوازل وجعلها في صورة تساير روح العصر، في إطار استحضار مقاصد الشريعة الإسلامية السمحة، التي تجعل من بين أهدافها الأساسية تحقيق مقاصدها في الخلق. بمقتضى " أًن الاجتهاد المتعلق بتحقيق المناط " لا ينقطع حتى ينقطع أصل التكليف، وذلك عند قيام الساعة " كما يقول الإمام الشاطبي.(2 )

هذه النظرة المقاصدية للأحكام الشرعية هي التي ستتبلور فيما بعد على يد عالمين مغاربيين كبيرين ومصلحين اجتماعيين بارزين، هما الشيخ الطاهر بن عاشور (تـ 1393 هـ) في كتابه" مقاصد الشريعة الإسلامية " والمفكر المقتدر علال الفاسي في مؤلفه الشهير " مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها ". الذي زاوج في مشروعه الإصلاحي بين الدعوة السلفية المتجددة والوطنية الصادقة التي أسس لهما الشيخان الجليلان أبو شعيب الدكالي ومحمد بن العربي العلوي.
وقد اهتم علماء آخرون بفكرة التجديد ذاتها في مراحل مختلفة. وفي أزمنة متباينة فقد ألف جلال الدين السيوطي كتابا أسماه " التنبئة فمن يبعثه الله على رأس المائة " كما صنف ابن حجر العسقلاني كتابا بعنوان: " الفوائد الجَمة في من يجدد الدين لهذه الأمة " مثلما ألف المراغي كتابا أطلق عليه اسم:" بُغية المقتدين ومنحة المجددين.

ولم يقتصر السيوطي والمراغي على هذا الأمر بل جاوزاه إلى حد صناعة متون علمية تؤرخ لفكرة التجديد التي نحن بصدد عرض بعض جوانبها. فقد نظم جلال الدين السيوطي ذلك في متن أسماه" تحفة المهتدين في بيان أسماء المجددين". ختم به كتابه " التنبئة فمن يبعثه الله على رأس المائة ".

وإذا كان السيوطي قد توفي في أوائل القرن العاشر وبالضبط سنة 911 هـ فقد كشف عن أسماء المجددين إلى عصره. بما في ذلك السيوطي ذاته الذي عد نفسه مجدد القرن التاسع الهجري، حيث يقول:
وَهَذه تَاسعةُ المئـين قًدْ * أَتَتْ وَلاَ يَخْلفُ مَا الْهَادي وَعَدْ
وَقَدْ رَجَوْتُ أَني المُجددُ * فيهَا فَفَضْـلُ الله لَيْسَ يُجْحَـدُ

وقد أقام السيوطي مسألة التجديد على فعل الاجتهاد الذي يعد ضرورة شرعية لا يجوز أن يتخلف عن مجرى الحياة، أو بتعبير الإمام السيوطي نفسه :" الاجتهاد في كل عصر فرض من فروض الكفايات، وأنه لا يجوز شرعا إخلاء العصر منه".(3)

وعلى هذا الأساس يعد الاجتهاد والتجديد من وجهة نظر السيوطي عنصرين متلازمين وجودا وعدما، بحيث يعد الاجتهاد أداة مهمة للمجدد، في حين يعد التجديد ثمرة لتلك الأداة.

وبما أن فكرة التجديد على وجه العموم عبارة عن دعوة متجددة فقد جاء من يكمل منظومة السيوطي إلى حدود القرن الرابع عشر الهجري. وهو صاحب بغية المقتدين.

وقد تبلورت فكرة التجديد تحت اسم الإصلاح الديني على يد جمال الدين الأفغاني ومدرسته التي أرساها وأصلها تلميذه محمد عبده والتي امتد إشعاعها إلى مختلف أقطار العالم الإسلامي. حيث تعالت صيحات المفكرين والمصلحين هنا وهناك تنادي كلها بضرورة تحرير العقل المسلم من قيود التقليد التي أصبحت ثقافة متفشية في أوساط من ينتسبون إلى العلم الشرعي الذين ركنوا إلى نتاج معرفي كان جديدا في فترة من فترات التاريخ.

وقد ظهر في هذه الفترة التي اشتدت فيها الحاجة على فعل التجديد كتاب" الظاهرة القرآنية " لمالك بن نبي، الذي استطاع أن يؤسس لمشروعه الكبير تحت اسم " مشكلات الحضارة " باعتبار أن القضية التي ظلت تشغل باله وتستأثر باهتمامه هي قضية حضارية تهم مستقبل أمته بالدرجة الأولى.

مثلما ظهر في سياق هذا التحول الإيجابي كتاب " الدين بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان " للشيخ محمد عبد الله دراز( تـ 1377 هـ ) الذي يعد إضافة جديدة وإنجازا غير مسبوق في مجال دراسة الأديان. وكتاب " تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية " للشيخ مصطفى عبد الرزاق الذي اعتنى فيه بعرض منهج دراسة الفلسفة الإسلامية وتاريخهما ما بين منازع الغربيين والإسلاميين، كما عمد إلى طرح منهج جديد في تناول الفلسفة الإسلامية من خلال الرجوع إلى النظر العقلي الإسلامي في سذاجته الأولى، وتتبع مدارجه في ثنايا العصور وأسرار تطوره، فضلا عن التمثل لهذا المنهج بما هو أشبه بالنموذج والمثال. والكتابان معا عبارة عن مشروعين فكريين يصدران عن نزعة تجديدية من جهة، ويؤسسان لمنهج علمي حديث في تناول المسألة الدينية من جهة أخرى.

وقد أخذت فكرة التجديد طابعا فلسفيا إسلاميا ظهرت ملامحه بشكل ملف للنظر عند المفكر الإسلامي الكبير محمد إقبال في كتابه القيم " تجديد الفكر الديني في الإسلام " الذي حاول من خلاله بناء الفلسفة الدينية الإسلامية بناء جديدا مستلهما المأثور من فلسفة الإسلام إلى جانب ما جرى على المعرفة الإنسانية من تطور في نواحيها المختلفة.
وقد اصطبغت نظريات محمد لإقبال في كثير من الأحيان بصبغة صوفية فلسفية متعالية. باعتبار أن النسق الخاص بالرياضة الباطنية هو الهدف الأسمى للدين من وجهة نظر هذا المفكر.(4 )

مدلول لفـظ التجديد:

التجديد مصدر فعله الماضي جدد. يقول ابن فارس: " جد: الجيم والدال أصول ثلاثة الأول العظمة، والثاني الحظ، والثالث القطع، وقولهم ثوب جديد راجـع إلى المعنى الثالث كأن ناسجه قطعه الآن، هذا هو الأصل، ثم سمي كل شيء لم تأت عليه الأيام جديدا، ولذلك سمي الليل والنهار جديدين، والأجدين، لأن كل واحد منهما إذا جاء فهو جديد."(5 )

إذاًَ لفظ التجديد على مستوى الدلالة اللغوية يعني خلاف القديم تقول: جد الشئ يجد فهو جديد، وجدد فلان الأمر وأجده واستجده إذا أحدثه فتجدد هو.( 6)

أما إطلاق لفظ التجديد في مجال الاشتغال بقضايا الدين عموما فينصرف إلى إحياء السنة وإماتة البدعة، أو إحياء ما اندرس. أي أن جانبا من جوانب الدين الاعتقادية أو العبادية فرضا أو سنة قد أهمل ونسي على مر الزمان .
كما ينصرف لفظ التجديد في مجال الاشتغال الفقهي إلى نبذ التقليد والجمود والدعوة إلى الاجتهاد، وعقديا يتجه فعل التجديد إلى محاربة التخلف والجهل ومختلف مظاهر الانحطاط العقدي عن طريق الرجوع بالمعتقد إلى الينابيع الأولى لقضايا الاعتقاد في أسلوب يحقق مبدأ الإتباع والانتفاع.
هذا عن فعل التجديد. أما المجدد فهو العالم أو المفكر أو المصلح الذي يحمل مشروعا فكريا ويعمل جاهدا على نشره بين الناس، وتجسيده على أرض الواقع انطلاقا من اقتناع المتلقي بأهميته. كما يعني العالم الذي ينصرف إلى تعليم الناس دينهم أو يبين لهم أمر دينهم، أو يعلم الناس ويذب عن السنن...

أما المسوغ النظري لفكرة التجديد فهو الأثر الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلـم: " إن الله يَبْعَثُ لهَذه الأُمة عَلَى رَأْس كُل مائَة سَنَة مَنْ يُجَددُ لَهَا دينَهَا ". وفي بعض الروايات " أْمَرَ دينهَا " وهو حديث يتفق الحفاظ على صحته.( 7)

وللقدماء منزع في فهم التجديد يكاد ينصرف إلى علمين بارزين هما: الفقه وأصول الدين. فقد ذهب السبكي إلى أن مجدد المائة الثالثة هو ابن سريج الفقيه الشافعي، لا أبو الحسن الأشعري المتكلم. في حين اختار ابن عساكر الدمشقي أبا الحسن الأشعري على رأس مجدد المائة الثالثة. وهذا الاختلاف راجع إلى اشتغال العلماء وميلهم لعلم من العلوم. وهذا الإشكال سرعان ما يرتفع ولاسيما وأن فعل التجديد قد يمتد في الزمان والمكان ليشمل علوما مختلفة وأشخاصا متباينين.( 8)

على أن المنزع العملي ظل هو العنصر الحاضر والمهيمن على فكرة التجديد بمختلف تمظهراتها. سواء تعلق الأمر بقضايا الفقه أم بقضايا أصول الدين.

وعلى هذا الأساس اعتبر عمر بن عبد العزيز المجدد الأول على رأس المائة الأولى، لأن مشروعه الإصلاحي ينبني على مبادئ أصول الدين وإن كان يستهدف إصلاح أحوال الناس.

ومهما يكن من شيء فإن اعتبار عمر بن عبد العزيز وهو الخليفة الخامس مجدد المائة الأولى يؤكد المنزع العملي لفكرة التجديد، ذلك أن انشغاله بالتجديد اتجه أساسا إلى إصلاح الحكم ورعاية أحوال الناس. وهذا شأن عظيم لأن أي تجديد لا يلامس حياة الناس ومستقبلهم يظل بدون معنى.

والذين ربطوا بين مسألة التجديد وسياسة الحكم كانوا يذكرون العلماء إلى جانب الحكام باعتبارهم جميعا مجددين. فقد عدوا مجدد المائة الثانية هارون الرشيد مع الشافعي ومجددا المائة الثالثة المقتدر بالله مع ابن سريج وغيره من العلماء، وفي المائة الرابعة القادر بالله مع الاسفرايني، وفي المائة الخامسة المستظهر بالله مع الغزالي.

وعلى هذا الأساس فإن القدماء في تناولهم لمسألة التجديد نجدهم يقيمونها أسس عملية للأسباب التالية:
• اعتبار منصب تجديد الدين منصبا اجتماعيا عمليا يشبه منصب الخلافة الظاهرة والإمامة العظمى.
• رفع المجدد إلى مرتبة النبوة، فمن ذلك قولهم: لو كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبي لكان الغزالي.
• مسألة التجديد تأتي من كون ظهور أمور عظام على رأس كل مائة سنة. ذلك أن المحن الاجتماعية تقتضي من فعل التجديد جبر ما حصل من الوهن.(9 )

الفرق بين التجديد والتطور:

كثيرا ما يقع الخلط بين لفظي التطور والتجديد في مجال الاشتغال بالعلوم الإسلامية. علما أن ثمة فرقا بينهما. فإذا كان لفظ التجديد ينصرف إلى بعث قضايا الاعتقاد ومحاولة الرجوع بالمعتقد إلى العصور الذهبية الأولى للإسلام وليس العقيدة في ذاتها التي تظل ثابتة أزلية على مستوى المضمون. كما أن تجديد أصول الدين يعني في أدبيات دعاة التجديد تخليصها مما لحق بها من أفكار وتصورات غريبة عنها، أفقدتها حيويتها وفعاليتها في النفوس. على أساس أن الدعوة إلى تمثل أصول الدين في صورتها الشرعية دعوة متجددة على الدوام، فإن لفظ التطور يعني التغيير والانتقال من حال إلى حال تحت تأثير ما. وهذا الإطلاق يصدق على علم الفقه ذي الصبغة العملية. وهذا القدر من التجديد هو الذي يؤكد حيوية الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان ومسايرته للتقدم الإنساني.

كما يحلو لبعض المفكرين المعاصرين المنشغلين بقضايا التجديد في علم الكلام على الخصوص أن يفرقوا بين لفظي التجديد والإحياء، وأن الأول يفيد البعث والإيقاظ والإثارة، في حين يحيل التجديد على إعادة بناء علم الكلام وتطويره، أي تكييفه لطور جديد من أطوار التاريخ يستجيب فيه لمتطلبات الحياة المتجددة. (10 )

وانطلاقا من هذه الرؤية المنهجية الموضوعية فإن نتائج تجديد الخطاب الديني التي ينهض بها مجتهد ما يمكن أن تسهم بحظ وافر في تحصين حاضر الأمة الإسلامية ومستقبلها، في ضوء ما يحيط بها من أحداث جسام، وما تواجهه من تحديات حضارية وما يطرأ عليها من شبهات ونوازل، لا يكتفي المفكر الإسلامي الذي يشتغل بإنتاج خطاب التجديد أن يكون مجرد شاهد عليها، بل لابد يكون فاعلا أساسيا فيها وموجها حكيما تحذوه الرغبة في أن يعيد لأمته مجدها السامق، ويذكرها بماضيها المشرق، وبما يزخر به تراثها الحضاري من نظريات كونية عظيمة. وما ينتظرها من تحديات على المستويين الداخلي والخارجي، كل ذلك في أسلوب يستمد أصوله من التأمل الطويل في خصائص التدين الذي فطر عليه البشر والارتقاء بالخطاب الديني إلى مستوى المسألة الدينية ذاتها التي تأبى إلا أن تتعالى حتى تبدو" ظاهرة كونية تحكم فكر الإنسان وحضارته، كما تحكم الجاذبية المادة وتتحكم في تطورها، كما يذهب إلى ذلك مالك بن نبي– رحمه الله- (11 ).

المراجع:
(1 ) فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال، ص، 96
(2) الموافقات 4 / 57. وتحقيق المناط معناه: أن يثبت الحكم بمُدْرَكه الشرعي، لكن يبقى النظر في تعيين محله، الموافقات، / 57، بمعنى أن يقع الاتفاق على علية وصف بنص أو إجماع فيجتهد الناظر في وجوده في صورة النزاع التي خفي فيها وجود العلة... هامش الموفقات 4 / 57.
(3) الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض، ص 3 ط مكتبة الثقافة الدينية مصر بدون تاريخ
(4) تجديد الفكر الديني في الإسلام،
(5) معجم مقاييس اللغة 1 / 406، مادة جد.
(6) المصباح المنير للفيومي: مادة الجيم والدال وما يثلثهما.
(7) حديث رواه أبو داوود من طريق أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرجه الطبراني في الأوسط بسند رجاله ثقات. أنظر كتاب" كشف الخفا ومزيل الالتباس لما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس" للعجلوني، 1/2 ص 243 حديث رقم: 740. و"سنن أبي داوود" 4 / 480 حديث رقم: 4291. و" المعجم الأوسط للطبراني" 6 / 405 حديث رقم: 6527. كما ورد في بعض الروايات بصيغة: "... من يجدد لها أمر دينها" زيادة الجامع الصغير، والدرر المنتثرة للسيوطي، وكنز العمال...
(8 ) تبيين كذب المفتري فيما نسب للإمام الأشعري، لابن عساكر الدمشقي، ص 52 وما بعدها. أنظر أيضا طبقات الشافعية لابن السبكي جـ 9 مناقب الإمام الشافعي.
(9 ) المجددون في الإسلام، تأليف أمين الخوري، ص14.
(10 ) قضايا التجديد، نحو منهج أصولي، تأليف د. حسن الترابي
(1 ) القاموس المحيط للفيروزآبادي، فصل الخاء، باب الباء، 1 / 65.

المصدر: المصدر:موقع اعرف الاسلام
  • Currently 16/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 441 مشاهدة
نشرت فى 16 مايو 2011 بواسطة ramadan2012

ساحة النقاش

رمضان اسماعيل عبدالحميد ريشه

ramadan2012
نصرة الاسلام والمسلمين »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

101,538
الى كل من يعجبه الموقع ومحتوياته عليه مراسلتى على الايميل التالى:


[email protected]


ملأ الله قلبك بالانوار
وحفظك من الاخطار
واسعدك ما دام الليل والنهار

وجعل حياتك حياه الصالحين الابرار

ايها الفتى العبقبرى

دع عنك ما قد مضى فى زمن الصبا واذكر ذنوبك وابكها يامذنب لم ينسه الملكان حين نسيته بل اسبتاه وانت لاه تلعب والروح منك وديعة اودعتها ستردها بالرغم منك وتسلب وغرور دنياك التى تسعى لها حقيقتها متاع يذهب الليل فاعلم والنهار كلاهما انفاسنا فيهما تعد وتحسب