على حد قول أحد العلماء الأمريكيين فغن الكلور أكبر قاتل فى التاريخ الحديث ، فبالرغم من أنه مطهر يتكيز بسهولة الإستعمال والتحكم فى مدى فعاليته إلا أن الأبحاث الحديثة أثبتت أن ثمة أضرار جسيمة تلحق بصحة الإنسان بسبب إستعماله خاصةوأن الكلور ضعيف المقاومة بالنسبة للملوثات غير العضوية مثل المعاد الثقيلة كازنك والحديد والتى تسهم بشكل كبير فى إصابة الجسم بالفشل الكلوى وتليف الكبد ، لهذا نادراً ماتجد عالماً أو باحثاً يستخدم الكلور أو المواد الداخل فى تصنيعها بدون إستخدام القفازات والأقنعة الواقية فى أماكن جيدة التهوية .
فى المقابل يستخدم عامة الناس الكلور بطريقة خاطئة وبدون إكتراث فى أعمال التنظيف وفى غسل الأطباق والملابس ، ولالأسف الشديد يتم إستخدام هذه المادة الكيميائية الرخيصة بصورة مكثفة فى تعقيم مياه الشرب ، وقد حققت الشركات المنتجة للكلور أرباحاً هائلة بالرغم من أن الأبحاث العلمية أثبتت أن الكلور يتصدر المواد المسرطنة ويمكن أن يكون مميتاً .
البيئـة تحذر :
مؤخراً حذرت جهة دولية متخصصة من خطورة انتشار الكلور شديد الضرر بالبيئة على نطاق واسع فى العالم ، فقد عقد برنامج الأمم المتحدة للبيئة إجتماعاً فى جنيف العام الماضى للتباحث بشأن التخلص من الملوثات الضارة وبالتحديد مركبات ثنائية الفينيل التى تعيق جهاز المناعة لدى الإنسان وتسبب السرطان ، وقد تم إنتاج مئات الأطنان من هذه المواد خلال الخمسو والسبعين عاماً الماضية ، وعلى الرغم من حظر إنتاج هذه المواد من قبل معاهدة أستوكهولم للملوثات العضوية المستمرة لاتزال هذه الملوثات تمثل تهديداً على حياة الإنسان بسبب إستمرار إستخدامها .
تاريخ الكلــور :
تعد مشكلة تلوث المياه مشكلة أزلية حيث مات الكثير من البشر خلال العشرينات والثلاثينات من الكوليرا وحمى التيفويد والديسنتاريا الأميبية التى تسببها مياه الشرب الملوثة ، وعندما أستخدم الكلور لتعقيم ماء الشرب اعتبرت هذه الخطوة من أهم التطورات فى معالجة الماء فى القرن العشرين .
بدأت الكلورة للماء فى عام 1908 للقضاء على بعض مسببات هذه الأمراض ، وأستخدم الكلور فى تعقيم مياه الشرب على نطاق واسع أول مرة فى مدينة شيكاغو بأمريكا وفعلاً قضى على الأمراض الموجودة فى الماء مثل الكوليرا والتيفويد ، وكانت الوفيات قبل الكلور تعادل وفاة واحدة لكل 1000 شخص بسبب التيفويد بمفرده واستمر إستخدامه على نفس المنوال حتى الآن .
باستخدام هذه الطريقة فى التعقيم جنباً الى جنب مع فلترة المياه ومعالجة مياه الصرف الصحى وصلت البشرية الى تطورات مذهلة فى نوعيـة مياه الشرب والحفاظ عل البيئة والآن 98 % من مياه الشرب فى العالم معقمة باستخدام الكلور .
عندما يضاف الكلور الى الماء يتفاعل أولاً مع الحديد والمنجنيز وكبريتيد الهيدروجين التى ربما تكون متواجدة فى الماء ويتفاعل الكلور المتبقى بدوره مع أى مواد عضوية ( بما فى ذلك البكتريا ) الموجودة فى الماء لضمان بقاء الماء محمياً على إمتداد الشبكة ، ويتم إضافة كلور زائد بمقدار 0.5 جزء بالمليون ، وفى الشبكات الكبيرة يضاف الكلور مرة أخرى فى مواقع متفرقة من الشبكة ، وعند إنتهاء الكلور من تفاعله مع جميع المواد المعدنية والعضوية يتبقى جزء منه فى مياه الشرب وهو مايحس به الناس فى منازلهم عن طريق الرائحة والطعم ، لكن المشكلة أنهم مع الوقت يعتادون عليه .
أكتشف فى السبعينات أن الكلـور بإضافته للمـاء يتفاعل ليكون مواد خطرة تعرف بـ ( ترايهالوميثانات ) . ( Disinfection By-Products/DBP ) تسبب مشاكل صحية خطيرة منها السرطان .
الكلور له قدرة كبيرة على تعقيم المياه لكن مايقلق المختصين هو المواد الناتجة من تفاعله مع المواد العضوية والمعروفة باسم الهيدروكربونات المكلورة أو التريهلوميثانات Trihalomethaanes وإختصاراً تعرف بـ THMs . فمعظم هذه المواد تتكون فى مياه الشرب عندما يتفاعل الكلور مع المواد الطبيعية مثل بقايا الأشجار المتحللة والمواد الحيوانية ، ووجد أن بعض أنواع السرطانات ترتبط باستخدام الكلور فى مياه الشرب بسبب هذه المواد ، إن تلك المواد تجعل جسم الإنسان أكثر عرضه للسرطان . وقد كشفت أبحاث أعدها مجلس الجودة البيئية بأمريكا إرتفاعالإصابة بالسرطان بنسبة 44% بين من يستخدم ماءاً مكلوراً عن من يستخدم غير ذلك ، وهنا يقول رئيس مجلس الجودة البيئية بأمريكا أن هناك دليلاً متزايداً على علاقة سرطان القولون والمثانة والمستقيم باستخدام ماء مكلور .. أضف الى ذلك أنه صار من المعلوم لدى الكثيرين اليوم أن التعرض للكلور أثناء الإستحمام أكبر وأخطر من خطر شرب نفس الماء، وذلك لإنه عندما نشرب الماء ياخذ طريقه الى جهاز الهضمى ومن ثم الى الجهاز الإخراجى وفى نهاية المطاف جزء منه فقط يذهب الى الدورة الدموية ، فى حين أنه أثناء الإستحمام يفتح الماء الساخن مسامات البشرة وبالتالى يأخذ الكلور والملوثات الأخرى طريقها الى الجسم من خلال مسام الجلد ... لذا فإنه يوجد علاقة مثبتة بين الكلور وسرطان المثانة كما ورد فى بحث . هالينا براون فى مجلة Public Health Magazine ، وعلى جانب آخر هناك مشكلة خطيرة أخرى وهى إستنشاق المواد الخطرة أثناء الإستحمام حيث أن الحمام عادة صغير وبالتالى يشكل الماء الساخن بخاراً محملاً بالكلور سهل الإستنشاق وهو فى نهاية المطاف بخار محمل بمواد مسرطنة والمشكلة ليست فقط فى إمتصاصه عبر الجلد ولكن أيضاً فى إستنشاق رذاذه أثناء الإستحمام عن طريق الدش وهو ما يقود الى مسئولية الكلور عن بعض أو كل المشكلات الصحية .
أضرار الكلــور :
يقول د. عمرو زاهر أخصائى أمراض القلب بمعهد القلب القومى فى مصر إن الإحصائيات الطبية العالمية تشير الى الإزدياد المطرد فى حالات شيخوخة الجلد المبكر والسرطان وتصلب الشرايين الذى كان يعتقد أن الكوليسترول هو المسئول الأول عنها وذلك منذ أكثر من 30 عاماً مضت ، وعلى الرغم من أن نصف عدد حالات الأزمات القلبية تكون من نصيب أفراد يكون معدل الكوليسترول عندهم عادياً أو منخفضاً ، لكن الإتجاه الحديث يحذر من تأثير الكلور المضاف الى مياه الشرب والذى يؤدى الى زيادة حالات تصلب الشرايين التاجية والتى زادت معدلاتها منذ إضافة الكلور الى الماء فى أوائل القرن العشرين .
وقد بدأت كلورة الماء منذ أوائل القرن الماضى للقضاء على بعض الأمراض المنتشرة بسبب الماء الملوث مثل الدوسنتاريا وحمى التيفويد ، ويمكن القول أن 98% من مياه الشرب فى العالم يتم تعقيمها باستخدام الكلور إلا أن بعض الدول بدأت باستخدام الأوزون بديلاً عن الكلور بسبب الأضرار الناجمة عن زيادة نسبة الكلور فى الماء .
وأكد د.عمرو أن مجرد استنشاق بخار الكلور أثناء الإستحمام يزيد من مشكلات الربو والحساسية والجيوب الأنفية ، فالتعرض قصير المدى لهذه الظروف قد يسبب إدماع العينين والكحة والبلغم وإدماء الأنف وآلام الصدر ، أما التعرض بشكل أكبر فربما سبب تجمعاً فى الرئة وإلتهاب الرئة والإلتهاب الشعبى وقصر النفس .
وفى نفس السياق صرح بروفيسور فى كيمياء المياه بجامعة بيتسبرج الأمريكية بأن التعرض للمواد الكيميائية المتبخرة أثناء الإستحمام بالدش يفوق مائة ضعف أثر شرب نفس الماء ، ووجد باحثون فى جامعة بوسطن الأمريكية أن الجسم يمتص أضعاف المواد الكيميائية الطيارة أثناء الإستحمام بالدش من خلال الرئة والبشرة مقارنة بأثر شرب مياه مكلورة بنفس كمية الكلور .
حذرت الدراسات من تناول مياه الشرب مباشرة من الصنابير ونصحت بتركها لمدة ساعة قبل تناولها حتى يتطاير الكلور بها .
ولتقليل خطر استخدام الكلور تبنت وكالة حماية البيئة EPA الأمريكية عدة تدابير وأنظمة جديدة حيث فرضت على المدن تخفيض نسبة مواد ترايهاميثانات THMsبحيث لاتتعدى مائة جزء فى المليون ويقول د. روبرت هاريس عالم البيئة وأحد ثلاثة أعضاء فى المجلس الإستشارى للبيت الأبيض أن هذه القيم المخفضة من THMsتعنى فقط البداية ولاتقدم الضمانات الكافية للسلامة ويجب دعمها .
وفى محاولة أخرى للحد من مخاطر الكلور نصح العلماء بإمكانية إزالة الرواسب الترابية والكلور وجميع المواد المسرطنة المذكورة سابقاً عن طريق فلاتر مركزية متعددة الأوساط يمر الماء من خلالها بأكثر من عملية تنقية .
الحـل الأمثل :
نصحت مراكز الأبحاث والدراسات العالمية بضرورة استخدام الأوزون رغم غلاء ثمنه بديلاً عن الكلور فى تعقيم المياه ومن المعروف أن الأوزون أسرع 3200 مرة من الكلور فى قتل البكتيريا والفيروسات ودون أية آثار جانبية ، وهماك حالياً الكثير من مشاريع تنقية وتعقيم مياه الشرب بواسطة الأوزون ، كما يستعمل الأوزون فى تعقيم مياه حمامات السباحة فى العديد من الدول ، كما يستخدم فى معالجة مياه الصرف الصحى .
وقد عرف العالم الأوزون والعلاج بالأوزون لآول مرة فى عام 1870 وذلك فى ألمانيا على يد العالم ( ليندر ) ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن ظهرت مئات الأبحـاث العلمية فى هذا المجال ، وقد نال العالم الألمانى جائزة نوبل فى الطب عام 1931 ثم مرة أخرى عام 1944 عن أبحاثه فى مجال استخدامات الأوزون .
ساحة النقاش