يستمد الرشاد النفسي الديني أهميته من قسمين أساسيين: أهميته كإرشاد نفسي ، وأهميته كإرشاد ديني ، ويمكن توضيح ذلك كما يلي :
يؤدي الدين جملة من الوظائف التي ل غنى عنها لكل من الفرد والجماعة ، وكونه عامل ً مهما ً في حياة النسان النفسية ، وعنصرا ً أساسيا ً في نمو شخصيته ، وأعظم دعائم السلوك ، حيث يوفر قاعدة وجدانية تضمن المن والطمئنان النفسي والتزان النفعالي ، وتفاؤل وحب للحياة ، وعدم النظرة إليها نظرة تشاؤمية ، وتأكيد الهوية ؛ لما يوفره الحساس الديني من الحساس بالسعادة والرضا والقناعة واليمان بالقضاء والقدر ، ويخفف من وطأة الكوارث والزمات التي تعترض طريق الفرد ، فيشعر الفرد بالطمئنان وعدم الخوف أو التشاؤم من المستقبل ، من خلل إطار علقة النسان بخالقه ، التي تعد موجها ً لسلوكه في شتى منـاحي الحياة ، وفي كل مرحلة عمرية من حياة النسان )سعيد إبراهيم
الحياة ، وتهون أمور الدنيا ، وتصبح هذه المظاهر أمرا ً ثانويا ً وبعيدا ً عن المألوف ) إبراهيم محمد عطا ، 8891 ، 621 – 721 ( . ويؤدي الشعور الديني إلى الحساس بالسعادة والرضا والقناعة واليمان بالقضاء والقدر خيره وشره ، الذي يعين الفرد على مواجهة الضغوط ، ويمنح الثقة والقوة لمواجهة التحديات والزمات التي تعترضه في مجرى حياته ، فيكون الملذ وقت الشدة ، الذي يشعره بالمان وعدم الخوف والتشاؤم ، لليقين بأن الله - - Υيتدخل في الحداث المهمة من أجل الفضل دائما ً ، الذي يتحقق للفرد من خلل : الدعاء ، والصلة ، والشكر مما يوفر له أسمى صور الـدعم والطمأنينة )سعيده محمد
ونجد في كلم الحق تبارك وتعالى أفضل توجيه وأصوب إرشاد ، وذلك لنه عندما يخاطب النفس النسانية ، فإنما يخاطبها مخاطبة العليم بأسرارها الخبير بما يفسدها ويزكيها ، المطلع على مواطن القوة والضعف َ فيها ، مصداقا ً لقول الله تعالى : " أل ي َعل َم من خل َق وهو الل ّطيف ِ ُ ْ ُ َ ْ َ َ َ ُ َ ال ْخبير " ) الملك ، 41( ، وفي سنة النبي - - ρإيضاح للمنهج َ ِ ُ الرشادي المتكامل في القرآن الكريم ، وتفصيل لما جاء مجمل ً فيه ، كما أنه ما تركه لنا سلفنا الصالح من تراث له قيمته ، لم يخرج عن نطاق المصدرين الساسيين لديننا الحنيف ، الكتاب والسنة ، وكان على ضوئهما
فالدين عنصر أساسي في حياة النسان حيث تشمل التربية السليمة التربية الدينية ، كما يتضمن النمو السوي النمو الديني ، وتشمل الصحة النفسية السعادة في الدنيا والخرة ، ولذلك فالتربية الدينية المبكرة تعد وسيلة وقائية لصحة النسان النفسية فهي تساعده على تكوين نظام ثابت من القيم والمعايير الخلقية حيث تصبح ركيزة أساسية تقوم عليها أساليب تكيف النسان ، وبقدر ما يفيد سلوكه وتفكيره من هذا النظام بقدر ما يكون أقدر على التكيف النفسي ) حامد عبد السلم زهران ، 5991، 773( ، ) مصطفى فهمي ، 6791 ، 71( ؛ لنه الملذ من المشكلت النفعالية والصدمات النفسية بما يحمله من أفكار وقيم قد تكون علجا ً لكثير من المشكلت التي يقع فيها الفرد ، والتي قد تؤثر في نفسيته تأثيرا ً كبيرا ً ، فكثير من الناس يكون التخفيف للكثير من آلمهم النفسية يكمن في تذكرهم المفاهيم الدينية مما يجعلهم يجدون في ذلك راحة نفسية وطمأنينة روحية ، ويخفف الدين القلق النفسي وله صلة كبيرة بالنمو العام عند المراهقين )رشاد على عبد العزيز موسى ،
وبجانب ذلك نجد اختلفات كثيرة بين المدارس المختلفة للعلج والرشاد النفسي في نظرتهما إلى طبيعة الدوافع المحركة للسلوك ، وإلى طبيعة التهديدات المثيرة للقلق ، والمثيرة لنشوء أعراض المراض النفسية ، تجعل من الصعب الوصول إلى اتفاق عام بين هذه المدارس المختلفة حول نظرية متكاملة في الشخصية وتوافقها ، فكل مدرسة من هذه المدارس تنظر إلى النسان من زاوية معينة ومحددة ) محمد عبد
فكل نظرية إرشادية ، وحتى الرشاد النفسي التكاملي أهمل أهم مؤثر في النفس الذي يسبب الوحدة والتكامل للنسان ، أل وهو " الروح " ، وعلقة الفرد بربة ) ناهد عبد العال الخراشي ، 9991 ، 85 ( ، )
ولقد بدأت تظهر منذ بداية الستينات حتى الن المقدمات التي قام بها علماء النفس التي تنادي بأهمية الفادة من التعاليم والقيم الـدينية في الرشاد النفسي والصحة النفسية ، وترى أن اليمان الحقيقي بالله قوة هائلة تمد النسان المتدين بطاقة روحية تعينه على تحمل مشاق الحياة وتجنبه القلـق الناتج عـن الهتمام بالحياة المادية )محمـود إبراهيم
تمثلت تلك التجاهات في كتابات : عبد الوهاب حموده )2691( القرآن وعلم النفس ، ومحمد ماهر عمر )3891( ملمح علم نفس إسلمي ، وحسن محمد الشرقاوي )4891( نحو علم نفس إسلمي ، وسيد عبد الحميد مرسي )5891( سلسة دراسات نفسية إسلمية " ٍ الشخصية السوية" ، ومحمد عثمان نجاتي )7891( القرآن وعلم النفس ، والحديث النبوي وعلم النفس )0002( ، ومحمد عبد الفتاح مهدي ) 0991( نحو علم نفس إسلمي " العلج النفسي في ضوء السلم " ، وسيكولوجية الدين والتدين )2002( ، ورشاد على عبد العزيز موسى ) 3991( علم النفس الديني ، أساليب العلج النفسي في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية )1002( ، الرشاد النفسي في حياتنا اليومية في ضوء الوحي اللهي والهدي النبوي )1002( ، العلج الديني )1002( ، محمد يوسف خليل )4991( ، تلوة القرآن الكريم وأثرها على اطمئنان النفس ، ومحمد عوده ، كمال مرسي )4991 ( الصحة النفسية في ضوء علم النفس والسلم ، وعبد العلى الجسماني )6991( علم النفس القرآني والتهذيب الوجداني ، ومصطفى محمود )8991( علم نفس قرآني جديد ، وعبد الرحمن محمد العيسوي )1002( سيكولوجية السلم والنسان المعاصر ، ومحمد محروس الشناوي )1002( بحوث في التوجيه السلمي للرشاد والعلج النفسي ، ومحمد رمضان محمد )6002( ، العجاز العلمي للقرآن الكريم في علم النفس والتحليل النفسي. وأشارت العديد من الدراسات إلى أهمية استخدام المفاهيم الدينية في الرشاد والعلج النفسي وتحقيق الصحة النفسية ، ومنها : دراسة سيد صبحي 0891 ، وحامد عبد السلم زهران 5891 ، ومصطفى الشرقاوي 5891 ، وإسعاد عبد العظيم البنا 0991 ، و 0991 , ، Starkو , Park et al 0991 ، وزينب محمود شقير 1991، و 3991 ، Sung mook & Christelleو 4991 , ، Azhar et alوعبد الرقيب البحيري وأخرون 4991 ، و Azhar , etal 5991 , ، و محمد عبد التواب معوض 6991 ، ومحمود إبراهيم عبد العزيز فرج 8991 ، وعبد الباسط خضر 0002 ، و 2002 , ، Berryو محمد محروس الشناوي 1002، ومحمد عمار 1002، و 1002 ،Qulsoom Inayat و 2002 , ، Salleh Mobd , et alوناصر بن إبراهيم المحارب 3002، وإيمان حسني محمد العيوطي 4002 ، وهناء يحي أبو شهبه 4002 ، وهناء أبو شهبه 6002. يحتل التدين مكانة بارزة بين حاجات الفراد ، بوصفه دافعا ً فطريا ً لدى الفرد للتوحيد وعبادة الله ، وطلب العون منه سبحانه ، وقد أعتبره Allportحاجة نفسية موروثة ، فمعظم الناس عبر تاريخ البشرية يمارسون شكل ً ما من أشكال التدين ، يمثل لهم محددا ً لهويتهم )محمود
العراف ، 271( ، وقول الله تعالى : " فأ َقم وجهك للدين حنيفا ً َ ِ ْ َ ْ َ َ ِ ّ ِ َ ِ َ َ فطْرةَ الل ّه ال ّتي فطَر الناس عل َي ْها ل ت َب ْديل ل ِخل ْق الل ّه ذَل ِك ِ ِ ّ ِ ِ َ َ َ َ َ ِ َ َ ِ الدين ال ْقي ّم ول َك ِن أ َك ْث َر الناس ل ي َعل َ ْ مون " ) الروم ، 03 ( ، وفي ّ ُ َ ّ ّ ُ َ َ ُ َ ِ السنة النبوية ، نجد قول النبي - " : -ρما من مولود إل يولد على الفطرة " )رواه مسلم ، وأحمد (. ولذا يشير محمد عودة ، وكمال مرسي )4991، 401 -501( إلى أن الحاجة للتدين استعداد فطري عند النسان ، وهي حاجة ملحة نامية ، يتعلم الفرد كيف يشبعها من خلل عمليات التنشئة الجتماعية في البيت والمدرسة ، وأن التدين الحقيقي الجوهري أفضل من التدين الظاهري في إشباع الحاجة إلى التدين ، وينادي علماء علم النفس والطب النفسي والصحة النفسية بضرورة تنمية الحاجة إلى الدين وإشباعها للوقاية من الضطرابات النفسية . وتعتمد الصحة النفسية أساسا ً على اللتزام بفطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها ، وهي عقيدة التوحيد ، وعبادة الله تعالى ، واتباع المنهج الذي وضعه للنسان في الحياة ، والذي بينته لنا السنة النبوية ، وما دام قلب النسان على الفطرة السليمة المكملة بالشريعة المنزلة ، يكون النسان سويا ً متمتعا ً بالصحة النفسية ، ولكن إذا ما تأثر النسان بمؤثرات غير ملئمة من البيئة يكون من شأنها تحول القلب عن فطرته السليمة المستقيمة ، وأصيب النسان ، أي بالمرض النفسي ) محمد عثمان لقد كان إشباع دافع التدين على مر العصور سبيل ً لتخفيف التوتر الذي لدى الفرد ، خاصة عندما تتهدد حياته أو تغلق أبواب الحلول لمشكلته ، فيدعوا ربه ، وتتجه فطرته إلى مالكها بأي سبيل من السبل ، ّ ُ لقول المولى - " : - Υقل من ي ُن َجيكم من ظُل ُمات ال ْب َر وال ْب َحر َ ِ ّ ُ ْ َ ّ َ ْ ِ َ ت َدْعون َه ت َضرعا ً وخفي َة ل ّئ ِن أنجانا من هـذه ل َن َ ُ َ َ ِ ْ َ ِ ِ كون َن من ُ َ ُ ْ ً ّ ِ َ ْ ُ َ ّ ّ الشاك ِرين " ) النعام ، 36( ) حمدي الفرماوي، 1002، 921( . ِ َ ويشير فيصل محمد خير الزراد )2002، 532( إلى أن معظم علماء النفس المحدثين يرون أن الرشاد النفسي الديني يعمل على إصلح السلوك لما له من تأثير قوي في النفس وفي السلوك، فالقرآن الكريم حافل باليات الكريمة التي تعتبر منهجا ً للهداية والشفاء والستقامة َ بالسلوك ، لقول الله تعالى : " ن َحن ن َقص عل َي ْك ن َب َأ َهم بال ْحق إ ِن ّهم ْ ُ ُ ّ َ ُ ُ ْ ِ َ ّ فت ْي َة آمنوا ب ِرب ّهم وزدْناهم هدى " )الكهف ، 31( ، " ون ُن َزل من ِ ٌ َ ُ َ ِ ْ َ ِ َ ُ ْ ُ ً َ ّ ُ ِ َ ّ ال ْقرآن ما هو شفاء ورحمة ل ّل ْمؤمنين ول َ ي َزيدُ الظال ِمين إ َل ّ ُ ْ ِ َ ُ َ ِ َ ُ ْ َ َ ْ َ ٌ ِ َ ِ ِ َ َ ِ خسارا ً " )السراء ،28( ، " يا أ َي ّها الناس قدْ جاءت ْكم موعظَ ُ ُ َ ّ ْ ِ ة من ّ َ َ َ َ َ ٌ ّ رب ّك ُم وشفاء ل ّما في الصدور وهدى ورحمة ل ّل ْ ْ َ ِ َ َ َ ْ َ ٌ مؤمنين " ) َ ِ ّ ُ ِ َ ُ ً ُ ْ ِ ِ َ ّ يونس، 75 ( ، " وإ ِذا مرضت فهو ي َشفينِ" )الشعراء، 08(. ْ ِ َ َ َ ِ ْ ُ َ ُ َ وتشير إيمان حسني محمد العيوطي )4002 ، 01 -11( إلى أن أهمية الرشاد النفسي الديني كإرشاد ديني تظهر في أنه يتناول معطيات دينية ذات أساس سماوي وليس وصفي ، تمس الجوانب الروحية والخلقية في النسان مما يجعل له طبيعة خاصة ، أدت إلى ظهور اهتمام واضح به في كثير من الدول ، وخاصة العربية ، بحيث ألزمت خريجي
معاهدها وكلياتها الدينية بالهتمام بمراكز الخدمة الجتماعية والعلج النفسي . وتبرز الحاجة إلى الرشاد النفسي الديني لكون المجتمعات تشهد حالة من تزايد الوعي بالهوية الثقافية ، من خلل البحث عن معالم قومية لعلم النفس بصفة عامة ، والرشاد النفسي بصفة خاصة ، استنادا ً لما أشارت إليه العديد من الدراسات والبحاث إلى عدم ملءمة أساليب الرشاد الخرى للمجتمعات السلمية . ولذلك فإن نقل الرشاد كما هو معروف من المجتمعات الغربية إلى المجتمعات السلمية، ليس مناسبا ً ، لنه ليس النموذج المثل للتطبيق في هذه المجتمعات ، لعتبارات كثيرة من أهمها ما يلي : أ- يعد نقل الرشاد من مجتمع إلى مجتمعات أخرى تختلف عنها في عقيدتها ومناهج الحياة فيها من الخطاء المنهجية ما ينبغي إعادة النظر فيها ، لن الرشاد ل يمارس في معزل عن قيم وعادات وفلسفة الحياة والمجتمع الذي يطبق فيه. ب- بالرغم من نمو الرشاد في المجتمع الغربي في العقدين الماضيين ، إل أن الضطرابات النفسية أخذت في التزايد ، مما يدل على عدم قدرته على تحقيق أهدافه في تلك المجتمعات )كمال إبراهيم مرسي ،
ج- وجود فروق جوهرية بين الثقافة الغربية التي نشأ فيها النموذج الرشادي والثقافة العربية السلمية التي ينتقل إليها ، وتتلخص هذه الفروق في : فلسفة الحياة ونظامها ، طبيعة النسان وأهدافه وغاياته في الحياة ، والخذ بالسباب والتوكل على الله )كمال إبراهيم
د- اختلف قيم المجتمع العربي السلمي عن قيم المجتمع الغربي في العقيدة ، ومنهج الحياة الذي ترتب على اختلف ثقافتهما ، المر الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى اختلف طبيعة الرشاد والحاجة إليه وأهدافه في مجتمعنا العربي عن المجتمع الغربي )راشد القصبي ، 5991 ،
هـ- الرشاد والعلج النفسي الفعال هو الذي يرتبط بثقافة المجتمعات ويتفق مع معتقداتها وقيمها، ويساند نظرة النسان فيها إلى الحياة ، وعلى المرشد أو المعالج النفسي أن يكون واعيا ً بخصوصيات ثقافة المسترشد حتى يرشده ويعالجه في إطارها ) باترسون ، 0991( . و- إن الكثير من علماء النفس في البيئة السلمية أدركوا أهمية التأصيل السلمي للرشاد النفسي فأخذوا ينقبون في القرآن الكريم والسنة الشريفة واجتهادات علماء المسلمين ، مما يسهم في بناء علم نفس إرشادي مرتبط بالثقافة السلمية )كمال إبراهيم مرسي ، 9991 ،
نشرت فى 15 مارس 2013
بواسطة psyedu67
الخدمة النفسية والارشاد النفسى الروحى الدينى
الخدمة النفسية والارشاد الروحى الدينى »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
106,537
ساحة النقاش