لم يفاجئنا خبر وفاة الطفل ذي التسعة أعوام الطالب بالمدرسة "المصرية للغات" بمرض "H1N1" المعروف شعبيًا باسم "إنفلونزا الخنازير"، وأقول إنه لم يفاجئنا؛ لأن الأغلبية قد حذرت مِن ذلك مع بدء الدراسة.
وقد صدر قرار تأجيل الدراسة فاستقبله الجميع في البداية بالتهليل، ثم اكتشفوا بعدها أنه قرار لامتصاص الرأي العام، فقرار التأجيل كان لأسبوع واحد فقط، وهو ما لا يمثل شيئاً بالنسبة لوباء يعد فصل الشتاء ذروته التي يخشاها الجميع..
كان تصريح وزارة التعليم بأن هذا التأجيل المحدود، الهدف منه الانتظار لرؤية الحالات التي ستظهر مع رجوع المعتمرين وكيفية السيطرة عليها، وابتلع الجميع التصريح وصمتوا على أمل أن يحدث تأجيل جديد وهو ما لم يحدث..
انتظمت الدراسة منذ 3 أكتوبر الماضي في المدارس والجامعات مع أخذ بعض الاحتياطات التي أعلن عنها: أن تكون مدة الدراسة في بعض المدارس في محافظات الدقهلية والجيزة وأسيوط لمدة 3 أيام في الأسبوع فقط، بينما قررت بعض المدارس الحفاظ على الأسبوع الدراسي مع عمل فترات مسائية، وتقليل كثافة الفصل لتصبح حوالي 30 أو 40 طالباً، تزويد المدارس بالمطهرات، تجهيز غرف العزل وتوفير عدد كاف من الأطباء في كل مدرسة، إلزام المدارس الخاصة بزيادة عدد الأتوبيسات، قرار بإلغاء الحضور لطلبة الانتساب بجامعة القاهرة، بث عدد من القنوات التعليمية من أجل متابعة أفضل للطلبة، وإلزام طلبة الابتدائي بارتداء الكمامة في بعض المحافظات.
كانت هذه هي أبرز الاحتياطات التي أعلن عنها قبل عودة المدارس، ولو دققت بها ستجد أن كثيراً منها يتسم بالتخبط الشديد، وبالفردية؛ فلا توجد خطة موحدة لتسير عليها كافة محافظات الجمهورية؛ فكل محافظة تعلن عن النظام الخاص بها الذي ستسير عليه، وكل جامعة تعلن عن طرق الحد من الإصابات التي تنتويها، دون خطة مركزية مفترضة في مثل هذه الحالة..
وما يدلل على هذا الارتباك عدة مواقف: فبعد أن تقرر إلغاء إجازة يوم السبت؛ كي يتمكنوا من تقسيم الأسبوع بين الطلبة إلى ثلاثة أيام وثلاثة أيام أخرى، فوجئوا برفض المدرسين ذلك؛ لأن ذلك معناه أن يعمل المدرس دونًا عن باقي الموظفين بالدولة 6 أيام بالأسبوع، وبالطبع سيكون اليوم الزائد بلا أي مقابل مادي، فلا ميزانية الحكومة قد وضعت في اعتبارها زيادة رواتب المعلمين عن هذا اليوم ولا المدارس الخاصة على استعداد لذلك، ولهذا تم التراجع على الفور عن إلغاء إجازة يوم السبت.
لم تكد تبدأ الدراسة حتى حدث نقص شديد في أعداد المدرسين وتواجدهم، فالمدرس الذي كان يُلقي الدرس للفصل المكدس بثمانين طالباً لمرة واحدة أصبح ملزماً بإلقاء ذات الدرس مرتين أو على الوزارة توفير مدرسين ليعملوا الفترة الثانية، لذلك أصبحت هناك العديد من المواد التي لا يوجد مدرسين لها حتى يومنا هذا في عدد كبير من المدارس.
أيضًا نريد أن نرى المسئول الذي سيقنع طفل صغير كثير الحركة واللعب على ارتداء كمامة على أنفة وفمه، ويبقيها بحجة أن هذا لمصلحتك أيها الصغير؟؟ لن يقتنع الطفل بهذا بأي حال، والواقع أنه في أول يوم للدراسة كان أغلب الأطفال بالكمامات وكان المدرسون حريصين على تعنيف من يحاول خلعها، ولكن بمجرد أن قارب اليوم على الانتهاء قلت قبضة الالتزام كالعادة وخلع التلاميذ الكمامات ولم يرتدوها ثانية.
ليس هذا فقط فخذ عندك ما يلي: لم تقُم المدارس الخاصة بزيادة أتوبيساتها ولم يفتش عليهم أحد، ولم تصل شحنات المنظفات والمطهرات لكافة المدارس، كما أن القنوات التعليمية أصابها بعض الارتباك وعدم التنظيم، وبعضها لم يرَ النور حتى اللحظة، وكثير من المدارس لا يتواجد بها أطباء بشكل كافٍ وتكتفي المدرسة بوجود الحكيمة.
ببساطة لم يحدث أي تأمين حقيقي من أي نوع وهو ما كان يتوقعه الجميع عدا القائمين على هذه الترتيبات..
فقط أصبحت إنفلونزا الخنازير وسيلة جديدة لوضع أعباء جديدة على كاهل أولياء الأمور، فكل مدرسة خاصة زادت من مصروفاتها بضع مئات وفي بعض المدارس المتميزة بعض الآلاف من أجل احتياطات إنفلونزا الخنازير.
وبسبب نقص المدرسين وارتباك العملية التعليمية عامة مع هذه التقسيمات والجداول والمواعيد التي لم تُقنن، أصبح الطالب الذي كنا نقول إنه لا يحصل حتى 25% من الدراسة بالمدارس لا يُحصّل شيئاً تقريبًا، وهو ما أجبر أولياء الأمور على الاستعانة بالدروس الخصوصية بشكل أكبر من السابق، فهناك بعض المراحل التعليمية التي كان يخفف بعض أولياء الأمور ضغط الدروس بها لعدم أهميتها ويكتفون بالمدرسة على اعتبار أن الطالب لا يحتاج بها مجموع، ولكن بعدما أصبح التحصيل غير متواجد تقريبًا في المدارس اضطر الأهالي للاستعانة بالدروس الخصوصية، فعلى الطالب على الأقل أن ينجح.
ولم تكد الدراسة تعود حتى بدأ المرضى في التساقط، فأصبحت الأخبار لا تخلو من إصابة عدد من الطلاب يصل أحياناً بالعشرات بالمرض، وما تكاد تظهر حالة في مدرسة حتى يتبعها ثانية فيغلق الفصل (على اعتبار القانون الخاص بغلق أي فصل تظهر به حالتين وغلق المدرسة لو ظهر بها أكثر من ذلك)، ولذا فأي حالة تظهر في مدرسة غالبًا ما تؤدي إلى غلق المدرسة بأكملها في النهاية، فنحن نتكلم عن أطفال وشباب في سن الحركة والنشاط وممارسة كافة النشاطات التي يمكن عن طريقها نقل العدوى، وذلك في ظل تكدس لا يمكن إنكاره، فأقل رقم وعدت الوزارة بأن يكون في الفصول كان 30 طالباً وهو رقم ضخم للغاية عندما تفكر به وفي حجم فصول مدارسنا الصغيرة قليلة التهوية من الأساس..
لم يعد يمكنك العد الآن فبعد شهر واحد من عودة الدراسة أصبح عدد المدارس المغلقة وعدد الفصول التي توقفت بها الدراسة وعدد المدن الجامعية التي أغلقت بها طوابق خارجة عن الحصر، وازداد الارتباك فهناك طلاب في مدارس استمروا في دراستهم وطلاب آخرون توقفت دراستهم بل داخل المدرسة الواحدة هناك من توقف عن الدراسة وهناك من أكمل، على أي أساس سيحسب تحصيل هؤلاء وتقييمهم في الامتحانات؟!! وكيف يمكن الخروج بنتيجة عادلة تساوي بين كافة الطلاب؟!
والسؤال الذي أثار الجميع ما المُلح في عودة الدراسة إلى هذه الدرجة؟؟ فبعض الشائعات التي انتشرت وتصر أن الهدف كان جمع المصاريف، فعدم دفع ملايين الطلبة لمصروفاتهم سيشكل عبئاً ونقصاً في خزانة الدولة، والبعض يقول إنه مجرد تشبث للظهور بمظهر الدول العلمية الراقية أي أن الأمر مجرد مظاهر، ثم ظهرت شائعة أخرى تؤكد أن الدراسة سيتم إيقافها مع بداية شهر نوفمبر وعندما بدأ الشهر دون إيقاف الدراسة تحوّلت الشائعة لتقول إن الطلبة لن يعودوا للمدارس بعد إجازة عيد الأضحى..
والحقيقة أن الحقيقة تائهة في كل هذا، فلم يعد أحد يعرف لِمَ عادت المدارس ولن يعرف أحد لماذا توقفت لو توقفت؟!! فلا يمكن التحجج بالتعليم وأهمية العملية التعليمة في بلدنا عندما لا نجد مثلاً أيًا من الجامعات المصرية في قائمة أهم 500 جامعة في العالم لذا لم تستطِع هذه الحُجة أن تقنع أحداً ببساطة..
وقد انقسم الأهالي، بين من غلب عليه خوفه على أبنائه فمنعهم من المدارس، وبذلك فقد تأخروا عن أقرانهم في مراحل الدراسية، ومن قرر الاتكال على الله والمخاطرة وإرسال أبنائه ومن قرر إمساك العصا من المنتصف فدفع المصاريف وجهز كل شيء، ولكنه لم يرسل أبناءه انتظارًا منه ليرى ما ستسفر عنه الأمور، ومع كل حالة جديدة تظهر بين الطلاب ينضم الكثير من القائمتين الثانية والثالثة إلى الأولى.
وبعد الوفاة الخامسة على مستوى مصر والأولى على مستوى طلبة المدارس، ازداد رعب الأهالي، ورغم كل التبريرات عن العلاج الخاطئ الذي تلقاه الطفل، فإن ذلك لم يستطِع أن يهدئ من قلق الجميع، فالشتاء على الأبواب وانتشار العدوى في المدارس سيعني انتشارها في المطلق فهؤلاء الطلبة لا يعيشون بمعزل عن الآخرين بل هم داخل أسر تدخل في كل جزئية من حياتنا.
والسؤال الآن هل أخطأت الوزارة عندما لم تؤجل الدراسة بشكل حقيقي، وكانت ستوفر على الأهالي كل هذه المعاناة وقتها، أم لم تخطئ وهناك من لا يزال يرى أن العملية التعليمية منتظمة وتسير بشكل صحيح هذا العام؟!! وإذا كان حتى غير المتخصصين قد لاحظوا هذا التخبط والارتباك فمتى سيتم الاعتراف بالخطأ وتصحيحه؟!!
هل سيكون هذا الآن أم بعد فوات الأوان؟؟
نشرت فى 5 نوفمبر 2009
بواسطة printingpapers
احمد هانى السيد عبد العزيز قدور
حاصل على بكالريوس تجارة جامعة الزقازيق اهتماماتى بالتكنولوجيا والكمبيوتر احب الموسيقى الهادئة »
أقسام الموقع
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
675,783
ساحة النقاش