إن التراث الإسـلامي والحضارة الإسلامية بائـنان للـزائـر لإسبانيا الحديثـة،هـذا الإرث الحضـاري بدأ بعد الفتـح الإسـلامي للبـلاد في سنة711 م والذي استمـر حتى تـمَّ إجـلاء المسلمين من طرف الملوك الكاثوليك سنة 1492م بسقـــوط آخـر أمـارة أو دولــة لهـم في غـرنـاطـة،وكانت إسـبــانيا أثنـاء تلك الحقبـة الزمنية تسـمـى الأنـدلـس.
وقد ترك المسلمون طابعاً فنياً ومعمـارياً غـنـيـاً على كامـل التـراب الإسباني،إلا أن أبـرز هذه الآثـار المعمـارية ما هو موجـود في إقليـم الأندلـس (الحـالي أي جنوب إسبانيا ـ قسم الترجمة ـ ،كما هو الحـال بالنسبـة إلى مسجـد قرطبـة الجامع وقـصـر الحمـراء والزخـارف الرائـعـة في غـرنـاطــة.
فـن الزخـرفة
رغـم استفـادة المسلمين فـي فـن الزخـرفة في بعض عناصره مـن حضارات الإغـريق والرومـان القديمة ،إلا أن المسلميـن طـوَّروا بـل وَبلْـورُوا نـمـطـاً فـنياً جديداً ، كما يـبـدو ذلك للعيـان في الزخرفـة والعمـارة.
وحقيقـةً فقد ذاع صيت الفـن الإسلامي أكثـر فيما يتعلـق بالزخـرفـة وفنـونها ،أكثـر من غيره من الفنون الأخرى كالتشكيلية مثلاً.
ومع كل ذلك ،فإن جميع الزخـارف الإبـداعـيـة الإسلامية كانت تشمـل كل مجالات الحيـاة وكل المـواد والأحجـام مع تـوظيـف كل التقنيـات المتوفـرة آنئـذٍ.وكانت هنالك أربعـة عناصــر رئيسية لهـذا الفــن هي:الخط العربي،الزخـارف النباتية،الأبعـاد الهندسيـة ثم الأشكـــال والأنـمـاط الجمالية.
هذه العناصـر تشكل في نهاية المطـاف زخـرفة غـزيرة فيَّـاضة،والتي تجعـل المـرء يشعــر بالخـوف أمام فضـاء فارغ أو ظـاهـــرة ما يسمـى بـِ "الخـوف الأجـوف .
فُـسَـيْـفِـسَـاء زخـرفية في مدينة غـرنـاطـة
علم الهندسـة مهمٌ ومهـمٌ جداً في الفن المعماري الإسلامي،إذ أن هذا الفــن سُـخِّـر لإثبات وحـدانيـة الله ـ سبحانـه وتعالى ـ.وقد استخدمت الدوائر المتقنــة المضبوطة كمعيار نموذجي مما يفسـح المجال في إبداع موضوعات فرعيـــة ذات صلة بالموضوع الأصلي.
أمـا في الرسم فقد طبِّـقت مبادئ الإعــادة التناظـــرية والتكثيـر أو التقسـيــم أو كليهـمـا معاً،حيث تـمَّ التعامل مع الرسـم كَـفـَـنٍ عقــلاني ذهـــني أكـثــر مما هــــو عاطفي انفعالي طبقاً لمبادئ الرياضيـات.وقد استخدمت في هـذا الفــن إطـارات ذات خطـوط مـتـشـعــبـــة ومتقاطعة فيما بينها البين ومكونة أشكالاً كالمُعيَّـن أو أشرطة ضـفـائـــريـــة، منعطفات ،رسوم تعرجية وشطرنجية وعقد وروابط مكونـة فيما بينها نجـوم.
جانب من فن العمـارة بمدينـة غـرنـاطة
يعتمد هذا الفن على تكرار عناصر بسيطة متشابكة أو معقدة للحصول على معايـيـر تستخـدم كنمـاذج زخـرفية.ثم يتـم إعـادة هـذا النمـوذج بالتنـاظـر حسب الـذوق أو الحـس الفـني،وتتم متـابعـة هذه النتيجـة بصفـة دينـاميكـيــة ومتنـاسـقـة،بحيث لا تطـغى التفاصيـل على الأصـل العام ولا تضــارب ولا اضطـراب بين الموضوعات وهو ما يسـمى بظاهــرة التـــوازن الحسـي.فالتـكـرار اللامتنــاهـي للمواضـيع ما هـو إلا عـبـارةً عـن استعارة سرمدية أزلـيـة تمـلأ
كـل ما حولنـا،بـل وصيغـة تعـبِّـر عـن قابـليـة هـذا الكـون للتغـيّـر وعدم الثبـات.
المصدر:الكاتبة إيلينا سارناغو نوتيبولو
وعموماً الدين الإسلامي الحنيف يحـرم تصويـر ذوات الأرواح كالإنسان والحيوان ،ولا سيما في دور العبـادة كالمساجد والجوامع ،إلا أننا نجد في القصور الأندلسية مناظـر ضخمة للصيد سواء أكانت من الفسيفسـاء أو لوحات تصويرية عملاقة:ففي الحمامات نرى مناظـراً ممتعـة لطـيفـة وأحياناً غير محتشمـة ،كما هو الحال في قصـر عمـرة أو مُـزينة بفسيفساء صيد أومطـاردة ولوحات رمزية كما هو محفوظ في قصر الـمَفْـيَــار
لم نتعـرف على الأصـل العربي للكلمة ـ قسم الترجمـةـ
فـن العـمـارة الأندلـسي
المساجد
إن نمط العمـارة ذي الطابع الإسلامي المحض هو الذي استخـدم في تشيـيد المسـاجـد ،حيث أن الأجور العربي والرخام والمرمـر والجـبـس الزخـرفـي هي المـواد المفضـلة لبناء بيوت الله.
وقد كان الأصل المتبع في بناء المساجد جميعها هو مشابهـتـها لمسجـد النبي مُحمَّـد رسـول الله صلى الله عليه وسلم ،والذي كـان عبـارة عـن جناحـيـن إحـداهما معـطـَّى والآخـر مفتـوح على الـهـواء الطلـق.هذا المخطط البسيط تم تطويره تدريجـياً إلى أن تحوَّل إلى مسجد جامـع بكل ما تعني هذه الكلمة من معنـى ،بُـغـيَة أدائـه المطلوب لجمـيـع الوظـائـف المنوطـة به من صلـوات وغيرها،خدمةً لعامة المسلمـين على الوجه الأكمـل.
وكل المساجد كانت مستقبلة للقِـبْـلـة أي باتجـاه بيـت الله الحـرام في مكة المكرمة ،وكان في جدرانها الأمامي يوجد محـراب ،من أيـن يَــؤُمُّ الإمام المصليـن .كما كانت تحتوي على منـارة أو صـومعـة ،من أين ينادي المـؤذن للصلاة خمـس مرات في اليـوم والليـلـة.وكانـت هذه المسـاجــد مـزودة بفنـاء أو صحـن،أين توجد عدة ينـابيع للوضوء أو مـواضـئ.ويسمى الجزء المغطى من المسجـد حَـرَمـاً،وهو عبارة عن قاعة كبيرة واسعة ذات أروقـة عمودية متجهـة نحـو القِـبْـلَـة.
هـذه الأروقــة تطـول للغايـة في بعـض الأحـيـان لتتحـول في نهايتها إلى دائـرية متصلـةً بصحـن المسجـد.ومن أبرز المسـاجـد الكـبـرى ذات الشهــرة في الأندلـس يأتي بلا جدال في المرتبة الأولى مسجـد قـرطـبـة الجـامــع،أما أصغـرهـا فهـو المسجـد الملكي المناصير لم نعثر على اسمه العربي ـ قسم الترجمة .
أقـواس مسجد قرطبة الجامع
مسجد قرطبة الحالي رائع ورائع جداً ،إذ يترك انطباعاً مؤثـراً لدى الزائـر .هذا المسجـد الجامـع يحتوي على حوالي 500 عمـود وقوس في منتهـى الروعة.بدأ تـشـييـده إبَّـان عهـد الخليـفة عبد الرحمـن الأول ثم عبد الرحمـن الثاني ثم عبد الحكيـم الثاني وأخيراً الخليفة المنصور في عام 987م.ويعـتـبر مَـعْـلـَـمـاً حضارياً راقياً لا مثيل له ويُـعَــبِّـرُ بحـق في ذات الوقت عما وصل إليه فـن العمارة من براعة خيالية في عهـد خلفاء الأندلس. فتلكم الغابة المنَـمَّـقـة من الأعمدة والأقواس الجبارة بين أركان المسجد الأربعة لـتُـعَـدُّ ـ بما لا يدع مجالاً للشك ـ من أفخـر وأروع بنيان رحـب شُـيِّـد على مَـر التاريــخ لأداء مناسـك العبادة.إلاَّ أن محـراب هذا المسجـد يميل بعض الشيء عن اتجـاه القِـبْـلَـة في مكة المكـرمـة.
المدارس الإسـلاميـة في الأندلـس
ومن ضمن المباني المعماريـة المميزة للعـالـم الإسـلامي عـن غيره تأتي المدارس الإسلامية التي تـؤدي وظيفة التعليم الشـرعي وغيره من العلـوم الأخـرى.وتبنى هذه المدارس عــادة حـول فنـاء فسيـح رحـب ،بحيث تـفـتـح أربـع قاعـات كبـيـرة أفـواهـها في ذلك الفنـاء،وتسمى كل قاعة إيـوان،وفوق هـذه الأخيرة توجد حجرات سكنية للطلاب. ولا زال جزء كبير باقي كما هو من مدرسة غرناطة،غير أن أكثـر ما يثير الدهشـة هي مدارس القضـاء في فـاس بالمغــرب الأقـصى،وخاصـة مدرسة أبي عنانية " ربما هناك تصحيف ـ قسم الترجمة ـ".
... تحصـيـن المـدن
ينبوع بلاط الرَّيـان،قصر الحمراء،غرنـاطـة
أما في مجال الفنون الحـربية فقد ازدهر فن تحصين المـدن ،عن طــــريق إحاطـتهـا بأسـوار مزودة بقــلاع دفاعية على طول مسـار هذه الأسـوار.يتقــــدم هذه الأسوار حصن لحمايتها ذو متـاريـس مسـنـنـة،أبـواب مداخـله عــادة ما تكــون في أحد زوايــاه.ومن ضمـن الأسوار ذات الأهميــة البالغـة التي تقع في نـيـبـلـة وأشبيلية.بالإضافـة إلى الأسـوار، هنالك نوع آخر من التحصينات الدفاعـيـة لا تقل أهمية عن سابقاتها، ألا وهي القصبات المحصنة.
وهذه القصبات تعتبر بمثابة ملاجئ في المدن الكبرى ذات الكثافة السكانية،كما هو الحال في مدن مـالـقـة والعامـريـة.
القصبة بمدينة مـالـقـة
الـبَـسْـتـَـنَــة و فَـنُّ الـرَّي
إن هناك جزء هام للغاية من الحضارة الإسلامية في الأندلس لم يكتشف بعد ولم يتطرق له الباحثون.وهذا لا يتجلي بوضـوح في مجال هنـدسـة الحدائق العامرة والبسـاتين الخلابة فقـط،بل وفي بناء النافــورات الزخرفية والينـابيع والعيـون المائية،أين تم استخدام أرقى تقنيـات وفن الفـلاحـة.وقد أبدع المسلمون في هذا المضمـار أيمـا إبـداع، وعلى وجه التحديد في فن الفلاحة والري وعلم النبات.
إن الماء هو أهم مـادة في الفن المعماري الإسلامي،فقيمته ليست مجرد رمزية فحسب ،بـل حتى أنه يعتبر شعيرة من شعائر الدين الإسلامي لعـل الكاتبة تريـد أن تشـيـر إلى الآية الكـريمـة:" وجعلنا من الماء كل شئ حي " ـ قسم الترجمة .
وقد استخدم أهل الأندلس الضوء وخصائصه الفنيـة في إجـراء تعديـلات في عنـاصـر الزخرفة وأيضاً في استحداث صيغ وأنماط جديدة في الزخرفة والتزيـين.وكلا الأمــران ـ أي التعديلات والاستحداث ـ أدى إلى بلورة وحركية فن الزخرفة بصفة عامة،وإلى زيـادة الاستعجاب والانبهار لدى الزائـر عند رؤيته للمعالم الآثار الأندلـسيــة.
لقد بنيت أحياء القصبة في مدينة مالقة والعامرية على تل مرتفع ،بحيث تشـرف هذه الأحياء على الحدائق والبساتين من أعلى،وعلى أن يكون مصدر المـاء في مركز الـرؤيـة،حيث السواقي والبـرك والعيون الجاريـة الينابيع الرقـراقـة والنافـورات المنهمـرة.هذه الأخيـرة تكسب الحي منظراً رائعـاً بديعياً،حيث الماء الصادر والوارد من وإلى خزاناتـه ومواضع السّـقـاية والـري.
وبعد إجـلاء المسلمين من الأندلس من مدينة مـالـقـة كتب واشنطن إيرفينغ واصفـاً الـمدينـة :" إن الحدائــق المعلقــة الخلابـة وبساتيـن البرتقـال والليمـون والرمَّـان وشجــر الأرز المتدلي والنخيل الشامخـات،كلـهـا تتعـانــق فيما بينها البين مرتكزةً على قواعـد من الحجارة والصخور ومحاطة بالأسوار المسننة والقلاع المتغطرسة لتجـبـر المرء على الاعتقـاد بـأنه في بحبوحـة رغـد العيش وأن اليسـر والتـرف والرفاهية قد ساد وسيطر على ما بداخل الموقع ".
إن معالجة التناسق بين الـمـاء والنبـات في قصـر الحمــراء وجنــة الريــف Generalife لـهي ابتكـار مستحدث من جميع النواحي لا مثيل له،فمنــاظــر الواجهــة تـُـرى وكأنهـا وراء جدران الأسـوار وهذا بالطبع خلاف الواقـع ـ قسم الترجمة مما يُكـوّن مشهـداً حسن الإيـقــاع والترابـط بين فـن العمــارة والطـبيـعـة.
فسمـاع خـريـر المـاء المتضافـر مع عبيـر الأزهـار والورود وشذي النخيـل والأشجار ينعشـك ويجذبك نحوه ،بل ويستدعيـك لزيارته.وجدير بالإشـارة إلى أن الالتحـام والتكامـل بين عناصر علم التناسـق والتداخل الحضري أكثر انفتاحاً من فن البستنــة التقليدية الإسلامية،فهو في ازدهــار مُـطــرد.
إن الإعـمـار على عدة مستويات ومدرجات وتقاليد " الحديقة ـ البستان " أو الـجُـنَـيـنَـة ذات المصـدر المائي في مركـزهـا لـمنتشـر على أوسـع نطـاق في كل الأندلـس بـرمتـه.
.
بهـو ثـري محـاط ببـسـاتـيـن ، مدينـة الـزهـراء
بيد أن مقر إقـامـة الخليفـة عبدالرحمن الثالث في مدينة الـزهـراء عبارة عن مَـعْـلَـم عمـراني فريــد من نـوعـه ، إذ هو بمثـابـة المبنى الوحيـد من بين القصـور الفـخـمـــة العديـدة والتي لا زالــت تشـهـد على عظـمـة حضـارة دولـة الأمـوييـن في قــرطـبــة.
وعلى غرار الفـن المعمـاري الشائع في العالـم الإسلامي فإن مهنـدسي مدينة الزهـراء استفـادوا من معالـم الأرض الطبوغرافية .فعند وضع الأسـس الأولى لتشييد هذه المدينة تم اخـتيار آخـر سلسلة جبلية متفرعـة عن الجبال السوداء Sierra Morena على بعد 5 كيلومترات من مدينة قرطـبة،بحيث أتخذ حزام حائطي مستطيل الشكل يسـوَّر المدينة من كل الجهات،وتم بناء المدينة في ثلاثة أحواض نباتية، والتي هي في ذات الوقت بمثابة شرفـات تنتهي بتداخـلها مع جدران الأسـوار ومُعـدة للتناسق الجمالي مع المنظر الجبلي ومتخذة من سفاح الجبال ركائز ودعائم تتكـئ عليها.وبعض الشـوارع ذات جسـور وأرصفـة مجصّصة في عمق الجبـال، أما المنحدرات والمنعطفـات فمزودة بسلالـم ومدرجات لتيسير الاتصال داخل المدينـة .
الحمـامـات
ومن ميزات العمارة الأنـدلسـية إبَّـان الحكم الإسـلامي لإسبانيا كثـرة وتـنـوع الحمـامـات المتخصـصة في نـظـافة البـدن والروح. وبعضهـا مشتـق من الينابيع الحارة الرومانية ومزودة بحجـرات عديـدة ذوات درجــات حــرارية مختـلفة: من البـاردة جداً حتى الشديدة الـحرارةً،مع الإشـارة إلى أن الغلاَّيـات كانت توجـد تحت سطـح الأرض.ويمكن ذكر بعض هذه الحمَّـامـات العجيبـة كالتي توجد بمدينتي خـائـن والروندا Jaen,Ronda .
القيصـريـات والفنادق
لا يمكننا هنا إلا أن نشيـر إلى الغـرف القيصرية أو القيصريات والتي هي عبارة عن غرف مقصورة مسدودة بإحكام منعاً لدخول الهواء،بداخلها سـوق غني،أيـن تـباع البضائـع والسلـع الغالـية، مثـل القيصرية المشيدة في مدينة غـرناطة.
كذلك يوجد ما يسمى بالفنـادق وهي بنايات مخصصة ـ على خـلاف سابقتها ـ لادخـار وتخزين الغلات والمحاصيل وأيضاً محـل إقـامـة التجـار الكـبـار.
وهناك ما يسمى بالفنـاء الفحمي أو النزل في غـرناطة وهو عبارة لون آخر من الفنادق الذي يستخـدم فقط كمأوى للتجار العرب،وهذا النوع هو الوحيد الذي احتفظ به في إسبانيا الحديثـة كما كان سابقاً من نظام الفندقــة العـربي.
ساحة النقاش