وأكد شكره لأمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي، أكمل الدين إحسان أوغلو ولمركز أرسيكا -(مركز البحوث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية) التابع للمنظمة- الذي رافق جميع مراحل تنفيذ هذا المشروع المتميز، كما شكر الأزهر الشريف على إجازته للطبع وإذنه بالتداول.
وقد منح ولي العهد القطري خلال الحفل وشاح الاستحقاق للخطاط السوري عبيدة محمد البنكي، الذي قام بكتابة مصحف قطر؛ تقديرا للجهد الذي بذله في كتابة المصحف، كما تسلم هدية تذكارية من وزير الأوقاف القطرية عبارة عن لوحة كتبها الخطاط البنكي من أشعار أبي القاسم الشابي.
وحضر الحفل رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري، حمد بن جاسم آل ثاني، ومن الخارج رئيس جمهورية جزر القمر، عبد الله سامبي، وأمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي، أكمل الدين إحسان أوغلو، وأمين عام جامعة الدول العربية، عمرو موسى، بجانب عدد كبير من العلماء والشخصيات الإسلامية والعربية على رأسهم رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور يوسف القرضاوي، ووزير الأوقاف العماني عبد الله السالمي، ومفتى لبنان الشيخ محمد رشيد قباني، بجانب عدد من رؤساء البعثات الدبلوماسية لدى دولة قطر.
وفي كلمته أكد الدكتور أوغلو، أن مصحف قطر مر بمرحلة فريدة في كتابته؛ حيث إنها المرة الأولى التي يكتب فيها مصحف عن طريق إجراء مسابقة بين أمهر الخطاطين على مستوى العالم.
واستعاد أوغلو قصة المصحف حينما كان يرأس مركز أرسيكا، ووقتها أبدى أمير قطر رغبته في أن يكون للبلاد مصحف باسمها، ولما كانت الرغبة بأن يكون المصحف جديدا، وليس نسخة من المصاحف التاريخية الشهيرة بدأ العمل المنهجي الدءوب بمشاركة عدد كبير من أساتذة الخط والفنون الإسلامية بالإضافة إلى علماء القراءات ورسم المصاحف.
وتابع أوغلو سرد ذكرياته قائلا: "إن لجنتين تشكلتا للإشراف على إعداد المصحف الجديد، وبدأت دعوة أفضل خطاطي العالم الإسلامي إلى كتابة نماذج من المصحف، وشرعنا في عمليات اختيار أفضل الخطوط جمالا وأدقها من ناحية رسم المصحف العثماني".
واعتبر أوغلو مصحف قطر "تجليا إلهيا مستجدا في حكمة قوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، وذلك بعد مرور أربعة عشر قرنا على نزول الوحي الإلهي على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم".
ومن جهته أكد العلامة القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن إخراج مصحف قطر بهذه الصورة الفنية الرائعة يعكس مدى الاهتمام بكتاب الله، وأضاف: "هذا ما يليق بالقرآن، أن يكون المصحف جميلا، ويقرأ باللحن الجميل"، مستشهدا بما ورد في السنة من الحث على تزيين الأصوات بالقرآن.
وأشار د.القرضاوي إلى أن المسلمين على مر التاريخ تنافسوا في كتابة القرآن الكريم، مؤكدا أن الخلفاء والأمراء كانوا يحرصون على كتابته، واعتبر المصحف الجديد "إنجازا عظيما لدولة قطر وأميرها".
واستغرقت رحلة مصحف قطر منذ بزوغ فكرته حتى تجسيده في الواقع نحو 20 عاما، تضمنت مراحل كتابته وزخرفته وطباعته باسم "مصحف قطر"؛ ليكون عملا فنيا متميزا ومشروعا وطنيا كبيرا في خدمة التراث الإسلامي.
وتعود الفكرة بالأساس للدكتور خليفة بن جاسم الكواري مستشار وزير الأوقاف والشئون الإسلامية وأول مشرف على مشروع مصحف قطر.
وقد بدأت فكرة كتابة ونسخ مصحف قطر في أغسطس 1991، حينما كان الكواري يقوم بمهام مدير الشئون الإسلامية، ورفع مذكرة إلى وكيل المحاكم الشرعية اقترح فيها كتابة مصحف باسم قطر، ولم تجد الفكرة مجالا للتنفيذ في ذلك الوقت.
وبعد نحو 8 سنوات تم إحياء الفكرة مجددا خلال زيارة قام بها محمد أوزجاي أحد الخطاطين لوزير الأوقاف والشئون الإسلامية أحمد بن عبد الله المري، وفي حوارهما أعيد إحياء الفكرة، وانطلقت من جديد من خلال وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية عام 1999.
وتبنى أمير قطر المشروع في مايو من عام 2000، ثم عُرضت الفكرة على مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية في إستانبول "أرسيكا" التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
وبعد اجتماعات ومداولات تم الاتفاق على عقد مسابقة دولية للخط العربي، كانت الأولى من نوعها، شارك فيها 122 خطاطا، وجرت بإشراف مركز "أرسيكا"، وانتهت تصفياتها بفوز الخطاط السوري عبيدة محمد صالح البنكي.
وأقيمت مسابقة مشابهة خاصة بزخارف المصحف، وتم اختيار أفضل ثلاثة من المزخرفين، كلفوا بتصاميم عدةٍ لأُطر الصفحات، وعلامات الأجزاء والأحزاب والأرباع والسجدات والوقفات وغيرها.
وتشكلت الزخارف الداخلية لمصحف قطر من جمال الطبيعة الخلابة بأبعادها وأشكالها، ومن عطاء القيم الإسلامية بصفائها وفطريتها، ومن الحضارة الإسلامية بإنسانيتها وعالميتها.
وبعد أن انتهى الخطاط من مهمته الجليلة والشاقة، بدأت مرحلة جديدة؛ حيث شكلت فرقٌ من الحفاظ والعلماء المتخصصين، مهيأة لمراجعة وتدقيق هذا العمل العظيم، وصدرت الموافقة من مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف في القاهرة بإذن الطباعة بتاريخ 3-3-2008.
وبعد رحلة طويلة من الكتابة والتدقيق والطباعة والمراجعة والتصويب، جاء مصحف قطر ليروي في كل صفحة من صفحاته قصة العناية والرعاية من الله تعالى لكلامه المجيد، ليكون آخر مصحف يُكتب في العالم الإسلامي حتى الآن، والأول في تاريخ العالم الإسلامي الذي يُطرح للكتابة في مسابقة عالمية.
ساحة النقاش