تحتفل مصر اليوم بذكري نصر السادس من أكتوبر 73، اليوم الذي أعاد إلي الجيش المصري كرامته ، ودمر علي الأقل أسطورة جيش الدفاع الإسرائيلي الذي كان يعتقد مؤسسوه انه مدعوم بقدرة الله ، أربع وثلاثون عاما علي اليوم الذي غير مفاهيم خاصة جدا في قلوب اليهود وأدي إلي ظهور ما يعرف بالمؤرخين الجدد في الدولة العبرية ، الذين يشككون في ما يعتقده اليهود من دعم الهي ، كان قد ترسخ في عقيدتهم بعد هزيمة 67 لدرجة أن الفتيات اليهوديات كن يضعن غطاء الرأس في هذه الفترة ، في حين أن أمهاتهن كن يخرجن سافرات ، هكذا يري اليهود أنفسهم قبل وبعد الحرب .






القاهرة – ربيع يحيي : تم تحديد اليوم 6/10/2007 كإجازة رسمية في جميع مؤسسات مصر الحكومية كالعادة في نفس اليوم من كل عام ، احتفالا بذكري السادس من أكتوبر 73 ، الذي يعتبر الشئ الأفضل في ذاكرة الشعب المصري ، خاصة أولئك الذين شاركوا أو عايشوا فترات الحرب والهزيمة ، ثم شعروا بنشوة نصر السادس من أكتوبر . وعلي الرغم من المزاعم الإسرائيلية أو حتى العربية المعارضة لسياسة الرئيس الراحل أنورالسادات حول طبيعة النصر ، غير أن هذه الحرب كان لها أثار جوهرية ، ليس فقط علي مصير الأراضي المصرية ، ولكنها شرخت عقيدة إسرائيلية كانت قد ترسخت في قلوب اليهود بعد هزيمة الجيوش العربية في 1967 ، كان من شأنها تحويل إسرائيل إلي كيان أكثر عداءا بدرجة لا يتخيلها أحد .


كما أنها ساهمت في وقف موجات هجرة رهيبة كان سيقوم بها يهود العالم إلي الدولة العبرية اعتقادا منهم أن ما يعتبرونه "الوعد الإلهي " قد بدأ في التحقق مع احتلال سيناء والجولان والقدس ، وأن اقتراب الخلاص اليهودي لاح في الأفق (طبقا لاعتقاد اليهود ) .


ما حدث في أكتوبر بالنسبة للإسرائيليين جعل اليهودي البسيط يسأل نفسه(أي وعد الهي؟ ، لقد تم خداعنا) ، ووصل الأمر لذروته بقيام المتدينين اليهود بإلصاق الهزيمة برئيسة حكومتهم جولدا مائير وقتها ، فهي امرأة , وهو ما يخالف الشريعة اليهودية ، لذلك هزموا!(طبقا لرأيهم) .


كل هذه الصراعات النفسية توغلت في الشارع الإسرائيلي في أعقاب الحرب ، وظهور ما يسمي بفترة " محاسبة النفس " علي غرار ما حدث بعد حرب لبنان الأخيرة .


لم يكن الرئيس الراحل أنور السادات بهذا الرجل الساذج ، فالرجل الذي وصل إلي سدة الحكم خلفا لزعيم تاريخي مثل جمال عبد الناصر ، كان يدرك تماما من يقف وراء إسرائيل ، وكان يدرك أن الأمر الواقع فرض بالفعل علي منطقة الشرق الأوسط ،لذا فقد قرر أن يبدأ الأمور من آخرها .


اختار السادات القرار الأصعب بالنسبة لرجل يتهمه الجميع بمن فيهم إسرائيل بالضعف وعدم القدرة علي القيام بمغامرة حربية ضد إسرائيل التي تحتل أراضي عربية منها سيناء ، حيث اختار السادات قرار "الحرب " . وكان قد درس كل احتمالاتها بما في ذلك إمكانية إلحاق هزيمة أخري بالجيش المصري تعيده إلي الوراء وتضيع كل ما تم من تطوير عسكري في زمن قياسي .




فلم تكن حرب أكتوبر مغامرة "ساداتية " بأي شكل من الأشكال كما يزعم البعض . توقفت فترة طويلة أمام مذكرات وزير الدفاع الإسرائيلي السابق موشية دايان الذي كان مولعا بالكتابة ،لم تكن هذه المذكرات متاحة لأحد ، وحين تم الإفراج عنها تم حجب كل ما يضر بصورة إسرائيل ومن بين ما تسرب مؤخرا عن حرب أكتوبر قول ديان "لم أكن أريد أن أكتب بأن الجيش الإسرائيلي لم يعد لدية من القدرة العسكرية ما يجبر الجيش المصري علي التقهقر وراء قناة السويس ، فبحوزة المصريين سلاحا متطورا و يعرفون كيفية استخدامه بدقة ضد قواتنا، لايوجد في العالم جيشا محصنا بكل هذه الصواريخ مثل الجيش المصري " .



وكتب موشية ديان , إن المصريين يعرفون كيف يستخدمون الصواريخ المضادة للدبابات وللطائرات ، ولم يشتروها هباءا .


إن كل دبابة أو آلية إسرائيلية تتقدم نحو المواقع المصرية تخرج من الخدمة العسكرية فورا .


ويضيف أن المصريين قد نجحوا في عبور القناة بأعداد كبيرة من الدبابات والمدرعات تفوق ما لدينا في سيناء, مدعومة بالمدافع بعيدة المدى وقواعد إطلاق الصواريخ وعناصر المشاة المسلحين بالصواريخ المضادة للدبابات . ويضيف ديان أن السلاح الجوى الإسرائيلي يواجه صعوبات ، وأن الخسائر فيه كانت من جراء حائط الصواريخ وسلاح الطيران المصري ، وأكد أن إسرائيل كادت أن تفقد قوتها الدفاعية إلي الأبد .


يذكر أن كلا الجيشين المصري والسوري قد حددا موعد الهجوم في الساعة الثانية بعد الظهر حيث انطلقت جميع طائرات السلاح الجوى المصري الذي كان يقوده وقتها الرئيس المصري الحالي حسني مبارك في وقت واحد لتقصف الأهداف المحددة لها داخل أراضى سيناء.

ثم انطلق أكثر من ألفي مدفع ميدان على الحصون الإسرائيلية على الضفة الشرقية للقناة ، التي ودمرت "خط بارليف". وعبر القناة 8000 جندي من الجيش المصر، ثم توالت موجات العبور الثانية والثالثة ليصل عدد القوات المصرية على الضفة الشرقية بحلول المساء إلى 60000 جندي، في الوقت الذي كان فيه سلاح المهندسين المصري يفتح ثغرات في الساتر الترابي باستخدام خراطيم مياة شديدة الدفع حصل عليها من الاتحاد السوفيتي السابق .


وفي أعقاب الحرب ، قامت اللجنة المسئولة بإعداد تقرير عن حرب 1973 بإعفاء الكادر السياسي الإسرائيلي من مهامة الحكومية , بسبب الخسائر في الأيام الأولى من مما أدي إلى استقالة كل من وزير الدفاع موشية دايان ورئيسة الحكومة جولدا مائير .


اختار الرئيس أنور السادات خيارا آخر يجبر إسرائيل علي إعادة سيناء إلي مصر ، فقد اختار "السلام" . وهو ما أدي إلي ابتعاد مصر عن الساحة العربية فترة كبيرة علي اعتبار أن السادات وضع يده في أيدي إسرائيل واعترف بها .


وجاء خطاب السادات في الكنيست الإسرائيلي بشكل غير مسبوق ليؤكد فية بعض أفكاره ومنها ما ورد في خطابه الذي قال فيه : جئت إليكم اليوم على قدمين ثابتتين ، لكي نبني حياة جديدة، لكي نقيم السلام .



وكلنا على هذه الأرض ،أرض الله ، كلنا مسلمين ومسيحيين ويهود نعبد الله ولا نشرك به أحداً.


وتعاليم الله ووصاياه، هي حب وصدق وطهارة وسلام . إذا كان الله قد كتب لي قدري أن أتولى المسؤولية عن شعب مصر ، وأن أشارك في مسؤولية المصير ، بالنسبة إلى الشعب العربي وشعب فلسطين ، فإن أول واجبات هذه المسؤولية ، أن استنفد كل السبل ، لكي أجنب شعبي المصري العربي ، وكل الشعب العربي ، ويلات حروب أخرى محطمة مدمرة لا يعلم مداها إلاّ الله .


وأوضح السادات سياستة العامة تجاه السلام مع إسرائيل حيث قال : لم أجيء إليكم لكي أعقد اتفاقا منفردا بين مصر وإسرائيل . ليس هذا واردا في سياسة مصر . فليست المشكلة هي مصر وإسرائيل . وأي سلام منفرد بين مصر وإسرائيل ، أو بين أية دولة من دول المواجهة وإسرائيل ، فإنه لن يقيم السلام الدائم ، العادل في المنطقة كلها. بل أكثر من ذلك ، فإنه حتى لو تحقق السلام بين دول المواجهة كلها وإسرائيل ، بغير حل عادل للمشكلة الفلسطينية ، فإن ذلك لن يحقق أبداً السلام الدائم العادل الذي يلح العالم كله اليوم عليه .


وأكد السادات لجميع المسؤلين الإسرائيليين وللشعب اليهودي القابع أمام شاشات التلفاز : لقد كان بيننا وبينكم جدار ضخم مرتفع ، حاولتم أن تبنوه على مدى ربع قرن من الزمان .


ولكنه تحطم في عام 1973. وإذا كنتم قد وجدتم المبرر القانوني والأخلاقي لإقامة وطن قومي على أرض لم تكن كلها ملكا لكم ، فأَولى بكم أن تتفهموا إصرار شعب فلسطين على إقامة دولته من جديد في وطنه . ثم قال جملته الشهيرة : أيتها الأم الثكلى ، وأيتها الزوجة المترملة ، وأيها الابن الذي فقد الأب والأخ ، املاؤا الأرض والفضاء بتراتيل السلام , واملاؤا الصدور والقلوب بآمال السلام , اجعلوه أنشودة حقيقية تعيش وتثمر .


لم يخفي الإسرائيليون انبهارهم بأنور السادات ، وكثيرا ما تحدثوا عن زوجته وعن تحذيرها له من السفر إلي إسرائيل خشية قتله علي يد متطرفين يهود ، عدة سنوات ويتم اغتيال السادات في نفس هذا اليوم من عام 1981 أثناء الاحتفال بذكري النصر علي أيدي متطرفين اسلاميين مصريين .


 

 

المصدر: جريدة الراى
  • Currently 224/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
74 تصويتات / 2309 مشاهدة
نشرت فى 6 أكتوبر 2009 بواسطة princess

ساحة النقاش

rn
<p>انا سلمى ايميلى&nbsp; osalma95 كلمونى&nbsp; هذا موضوع رائع</p>
مريم فى 15 أكتوبر 2009 شارك بالرد 0 ردود

عدد زيارات الموقع

1,747,016