فنرى تسابق محطات الإعلام ببث التقارير وإجراء الحوارات العلمية حول أسرار "النانو", فمن هذا الباب أردت أن أختار موقعكم المتميز ليتمكن ناطق الضاد من التعرف بشكل عام على هذا الموضوع وعليه قمت بكتابة المقال بلغة بسيطة بعيدة عن التعقيدات العلمية.
المعلومات المدونة في المقال هي نتاج سنوات من البحث العلمي في هذا المجال تخللت مقالات علمية في مجلّات عالمية, براءات اختراع, محاضرات في محافل دولية ومشاريع في شركات متعددة تعتمد تكنولوجيا النانو.
***
تسللت مجموعه خاصة مؤلفة من وحدات رصد ، واتصالات ومعالجة مجهزة بتكنولوجيا فائقة إلى إحدى محطات المترو المكتظة للقبض على مجرم فار. تقوم هذه المجموعة بالانتشار السري والسريع وتتحقق في ثوان من المجرم وفق مطابقة مؤكدة للمادة الوراثية ، وتباشر ببث مادة مخدرة في جسمه في حين يتم الاتصال بمركز المراقبة من خلال وحدة الرصد المنتشرة في كل مكان.
أفراد هذه المجموعة عبارة عن جزيئات ومواد صغيرة جدا لا ترى بالعين المجردة ولا بالكاشفات المجهريه أو الاستشعارية. هذا السيناريو المفترض كان من نسج الخيال حتى السنوات القليلة الماضية إلا انه أصبح أقرب إلى الواقع في أيامنا هذه بفضل تكنولوجيا النانو.
"النانو" هي وحده قياس للأبعاد التي تقارب أحجام ذرات المادة وجزئياتها ، حيث يشكل النانومتر الواحد جزءا من الألف مليون للمتر الواحد أو ما يعادل جزءا من الألف لسمك الشعرة الواحدة.
لقد شهدت السنوات العشر الأخيره تطورا متسارعا لمركبات نانومترية صغيرة الحجم يتم هندستها وبناؤها لبنة تلو الأخرى من جزيئات المواد وذراتها ؛ لتكون ذات مواصفات نوعية مختلفة عما عهدناه من صفات المواد, التي من شأنها إحداث ثوره صناعية جديدة تغير المعايير، وتقلب الأسس المتعارف عليها في شتى المجالات رأسا على عقب.
في عالم تكنولوجيا النانو ستكون الأدوية أكثر ذكاء بحيث تحقن جسيمات غير مرئية في الجسم لتشخص المرض, تقوم بمعالجته وتتخلص من فضلاته. ستكون المواد أكثر متانة وأقل وزنا بحيث يتغير مبنى الطائرات, والسيارات, والجسور والمباني. ستكون الأسلحة أصغر حجما وأكثر فتكا وفي متناول الجميع ؛ ستكون الحواسيب أصغر حجما, و أكثر سعة وأسرع معالجة. سنلبس ثيابا لا تبتل بالمطر. ستنتهك حرياتنا الشخصية وسنراقب من حيث لا ندري... وإلى أبعد الحدود التي نستطيع التفكير فيها ، إن هذه الاختراعات المدهشة التي كانت تلائم الأفلام الخيالية أمست ممكنة وقيد البحث العلمي بفضل هذه التكنولوجيا.
إذا, هذه هي الثورة القادمة, ثورة الصغير, ثورة النانو التي تتنبأ الأبحاث الإستراتيجية بطاقتها الكامنة وبقدراتها الواعدة في البناء والتطوير وفي الهدم والتدمير على حد سواء.
تأتي تكنولوجيا النانو بعد قفزة نوعية من التطور التكنولوجي قي شتى المجالات التي تنبأ العلماء بأن تكون أقصى ما يمكن الوصول إليه ؛ فيأتي النانو ليفتح آفاقا جديدة برؤية مختلفة أكثر شمولية. فالمواد النانومترية تعمل بوظيفية عالية يمكن تطويعها لمختلف الأهداف . هذه التكنولوجيا تدمج الصفات الفيزيائية,والبيولوجية والكيميائية للمواد ليكون توظيفها ممكننا في جسم الإنسان كما في محرك الطائرة.
هناك مجموعة من المواد مرشحة للاستخدام على هيئة لبنات أساسية لهذه التكنولوجيا. فعلى سبيل المثال ، هناك الرقائق الكربونية اسطوانية الشكل ونانومترية الأبعاد التي اكتشفت في تسعينيات القرن السابق. هذه الأسطوانات تملك صفات كهربائية مميزة ؛ فهي موصلة بجودة عالية أحيانا وعازلة أحيانا أخرى ؛ بحيث يمكن بواسطتها استبدال أسلاك التوصيل العادية في الدارات الكهربائية بهدف تذليل عقبات تقليدية ككثافة التوصيلات ، أو توفير الطاقة في هذه الأسلاك. و يمكن التحكم بالصفات البصرية لهذه الاسطوانات من خلال تعديلات طفيفة تدخل على مبناها لتستخدم على هيئة مجسات ضوئية في الكاميرات ، أو في الأقمار الصناعية, بالإضافة إلى الصفات الميكانيكية من حيث المتانة وخفة الوزن التي تتمتع بها هذه الأسطوانات. هذا الصفات تجعل الأسطوانات الكربونية مرشحا أساسيا في هندسة المواد، فيتغير مبنى الطائرة ليكون أقل وزنا, وأقل استهلاكا للطاقة وأعلى سرعة. يمكن بناء هذه الأسطوانات في أشكال مركبة ، لتكوّن شبكات مترابطة مع مواد نانو مترية أخرى كالكرّيات النانومترية. يحدث هذا الربط من خلال مواد بيولوجية وكيميائية ذات قدرة وظيفية عالية لاستغلالها في صناعه الأدوية والأبحاث الطبية.
تلقى الأبحاث العلمية في تكنولوجيا النانو رواجا واسعا في المجلات العلمية الواسعة الانتشار نظرا لأهميتها وتأثيرها في حياتنا اليومية. وفي ذات الوقت, يصنف هذا الموضوع على أنه موضوع استراتيجي صناعيا وعسكريا في العديد من الدول ، فترصد الميزانيات وتقام مراكز الأبحاث ويجند الباحثون للاستثمار المبكر في طاقات النانو الكامنة. يتوقع خبراء الاقتصاد في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها إيرادات إنتاجية من تكنولوجيا النانو تقدر بتريليون دولار في السنوات العشر القادمة ، الأمر الذي سيوفر ثمانمائة ألف فرصة عمل في هذا المجال.
بيد أن الهاجس الأمني يشكل أولوية من حيث الاهتمامات الإستراتيجية. فالجانب السيء لتكنولوجيا النانو قد يستغل لتصنيع أسلحة نانومترية غير تقليدية, صغيرة الحجم, و ذكية تستطيع التعرف إلى ضحاياها من خلال المادة الوراثية, فتكون بذلك "سلاحا إثنيا" فتاكا. إن سهولة تصنيع مثل هذه المواد التي لا تحتاج إلى المنشآت الضخمة ، كما هو الحال في الأسلحة غير التقليدية المعروفة, يجعل هذا الهاجس أعظم إذا ما وقعت في أيد لم يرد لها ذلك!
إن المستقبل لتكنولوجيا النانو ، وإن على من يطمح إلى مستقبل أفضل, أن يسهم في هذه الثورة. يتمثل الأمر في زيادة الوعي الأكاديمي للموضوع في الجامعات ، وكذلك في بناء ما يطلق عليه "مراكز النانو" لإدارة الأبحاث العلمية وتطبيقاتها التكنولوجية. من الجدير ذكره أن هذه الأمور لا تحتاج إلى كثير من البني التحتية الباهظة الثمن بقدر ما تحتاج إلى الخبرات وتوجيهها في الأطر المناسبة.
(البعينة)
عالم النانو
تشهد هذه التكنولوجيا زخماً إعلاميا واسعاً في الآونة الأخيرة, ففضلاً عن إثارتها العلمية,تدخل هذه التقنية حياتنا اليومية من أوسع أبوابها.<!-- Video IFRAME --><!-- End Video IFRAME -->
نشرت فى 11 نوفمبر 2009
بواسطة papersproducts
شركة إيفا لايف
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
476,007
ساحة النقاش