لقد شهد العقد الأخير من القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين تقدما هائلا في مجال التكنولوجيا عامة وتكنولوجيا المعلومات والحاسبات والاتصالات خاصة، ومازال ينمو حتى يومنا هذا ، ويتسارع بخطى واسعة وسريعة أكثر من الأمس ، وافرز هذا العصر العديد من آليات تصنيع المعرفة والمزيد من الوسائل التكنولوجية الحديثة التي جعلت العالم ط قرية كونية صغيرة " يتفاعل أهلها في الشرق مع سكان الغرب وكأنهم جيران في بيت واحد ويسكنون في نفس الحي ، ولعبت تكنولوجيا الحاسبات ممثلة في الإنترنت دورا كبيرا في نقل الثورة المعلوماتية والتكنولوجية من الشمال إلى الجنوب مرورا بالشرق والغرب في نفس اللحظة ، وكل ذلك ألقى بثقله على كافة الأنظمة السياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية والاجتماعية والإعلامية والإعلانية لكل المجتمعات . ( 1:13 ). ويعرف عصرنا الراهن بعصر الثورة العلمية والمعلوماتية والتكنولوجية ، عصر المعلومات والانفجار المعرفي ، عصر التلاحم العضوي بين الحاسبات والعقل البشري ، فالحاسبات غزت كل مجالات النشاط الإنساني المعاصر في الاقتصاد والخدمات والاتصالات ، حتى السياسة التي تعتمد على قواعد المعلومات وبنوكها لمساعدة السياسيين في اتخاذ القرارات السليمة . لهذا اهتمت النظم التربوية في مجتمع المعلومات بإعداد الأفراد إعدادا يؤهلهم للاستخدام الجيد للحاسبات وتكنولوجيا المعلومات . ( 2:5 ).
فليس هناك في أننا نعيش عصر المعلومات ، كما أنه ليس هناك حاجة لبيان أهمية تكنولوجيا الحاسبات والاتصالات والمعلومات في هذا العصر ، وأصبحت المعلومات الآن سلعة تباع وتشترى ، كما توجد طرق سريعة انقل المعلومات من مكان لآخر ، ولعل الاهتمام الواضح بتوظيف شبكة المعلومات الدولية والمعروفة باسم ( الإنترنت ) في كافة مجالات الحياة – ومنها التعليم – يبين أهمية المعلومات كسلعة تباع وتشترى وتنتقل من مكان لآخر للإفادة منها .
وأن استشراف المتقبل ليس نوعا من التنجيم ولا هو نوع من الرجم بالغيب ولكنة يستند إلى دراسات علمية مبنية على فيض من المعلومات ونمذجة للأحداث وتوليد واستكمال البيانات والمعلومات مع تكنولوجيا فائقة في سرعة ودقة معالجة البيانات والمعلومات . ويتطلب ذلك أن تهتم المدرسة بتكوين مهارات عامة في التفكير والتخطيط والتكيف المعرفي والنفسي للتعامل مع المتغيرات ، وإتقان لغات العصر وتكنولوجيا الحصول علي المعلومات ومعالجتها وكفاءة استثمار الوقت وإدارة الإمكانات المتاحة.
وتتطلب تربية المستقبل تطويرا في مفهوم المهارات الأساسية مستهدفا خدمة الحاجات الأساسية للفرد ويكون محورها أن يكتسب المتعلم مهارات التعلم الذاتي وأن تكون لديه الدافعية للتعلم المستمر ، وسوف يزداد التأكيد على تحويل الاهتمام من التعليم إلي التعلم ، ومن تلقي المعلومات إلي معالجتها ومن والمعارف إلى تكامل المعرفة ، ومن قصر الاعتماد على الكلمة المكتوبة كمصدر للمعرفة إلى استخدام العديد من مصادر التعلم وأوعية المعرفة المكتوبة والمقروءة ، والمسموعة والمرئية ، والمحوسَبة التفاعلية القائمة بذاتها والشبكية. ويتطلب ذلك حوسَبة بيئات التعلم وتزويدها بالحاسبات وأقراص الليزر المدمجة ( CDROM ) ، وأجهزة الاتصالات بين الحاسبات ، وأنظمة لوحات البلاغات الإلكترونية التي تمكن المستخدم من قراءة رسائل في مواضيع مختلفة 0 مع تدريب الطلاب على استخدام البرمجيات التي تساعده على التدقيق والترجمة والبحث عن المعلومة وجدولة وتمثيل البيانات والنشر المكتبي . ( 3 : 5 ).
وفي إطار تطوير العملية التعليمية بالاعتماد على النظم الآلية يظهر دور التكنولوجيا الحديثة من أجهزة حاسبات وميكروفيلم ومعدات عرض ونظم اتصالات ونظم شبكات حديثة في خدمة النظام التعليمي بالوطن العربي لاستشراف المستقبل البالغ التطور والتعقيد في نفس الوقت . ومن هنا كان هناك اتفاق شبه عام بين رواد التربية في الوطن العربي بأهمية التفكير في مدارس المستقبل ، والتي سوف تكون مدارس إلكترونية ، كما هو موجود في الدول المتقدمة ، وستصبح الدراسة بها أكثر خيالية وأكثر فردية .
وقد قام مكتب التربية العربي لدول الخليج بدراسة علمية ( 4 ) حدد فيها المواصفات المطلوبة في مدرسة المستقبل ، وكذلك عقدت ندوة بدولة الكويت ( 5 ) لتحديد واقع المدرسة اليوم ومتطلبات المستقبل، وأيضا ورشة عمل بدول البحرين ( 6 ) وكان الهدف من هذه الورشة هو صياغة نموذج تطبيقي لمدرسة المستقبل بالمرحلة الثانوية .
وقامت أيضا المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بعقد ندوة بعنوان ( المعلم الأساسية للمؤسسة المدرسية في القرن الحادي والعشرين ، ومن ضمن الدراسات التي قدمت في هذه الندوة دراسة ( يحيي الصايدي وأخران ، 7: 1421هـ-2000 ) وهدفت هذه الدراسة إلي تحديد المعالم الأساسية لمدرسة المستقبل في الدول العربية .
وهذا يؤكد على ضرورة الاهتمام بمدارسنا في الوطن العربي وتحويلها إلى مدارس إلكترونية تستفيد من التكنولوجيا المتطورة في مجال الحاسبات الآلية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ، بحيث يستخدم المتعلم جميع تجهيزات تكنولوجيا المعلومات والوسائط المتعددة للحصول على المعلومات ، ومن بينها الأقراص المدمجة (CD ) واسطونات الفيديو الرقمية ( DVD ) ، وتكنولوجيا الواقع الافتراضي ( VR ) ، وتكنولوجيا المحاكاة ، والفيديو تحت الطلب ( VOD ) والتليفونات المرئية ، والاجتماعات على الإنترنت ، ومؤتمرات الفيديو ، وغيرها من أدوات الحصول على المعلومات ، والهدف يكون تعلم الطالب من خلال تلك المصادر المتنوعة في حين يقيم المعلم تعلم الطالب ، وبحثة الإبداعي عن المعلومات التعليمية وطرق توظيفها . ( 8 : 303 ).
مشكلة الدراسة : تأسيسا علي ما سبق تتحدد مشكلة الدراسة الحالية في :
"افتقار مدارسنا في الوطن العربي إلى المحاولات الجادة للاستفادة من تكنولوجيا الحاسبات وإدخالها بالمدارس ، رغم وجود بعض المحاولات الفردية للاستفادة من هذه التكنولوجيا في تطوير التعليم على مستوى الوطن العربي ، وللتصدي لهذه المشكلة تحاول الدراسة الحالية الإجابة عن التساؤلات الآتية :
1- ما الواقـع الحالــي للمـــدارس في الوطــن العــربـــــي ؟
2- ما التــصـور المقتــرح لـمدرســة المستقبـل في ضوء التكنولوجيا
ساحة النقاش