يعد ميناء الإسكندرية من أهم وأقدم المواني الواقعة على البحر الأبيض المتوسط فقد كان الإسكندر الأكبر يستهدف من وراء تأسيس مدينة الإسكندرية تأسيس ميناء جديد يحتل مكانة في عالم التجارة بعد أن حطم ميناء صور وهو في طريقة إلي مصر كما أن علاقة مصر بعالم بحر إيجة في ازدياد مطرد منذ عدة قرون سابقة على قدوم الإسكندر لذلك كان على الإسكندر أن ينمي هذه العلاقة ولم يكن هناك طريقة أفضل لتحقيق هذه الغاية من إنشاء ميناء جديد كبير يطل على بحر إيجة ويكون جدير بأهمية مصر وثرائها المادي .

وقد كشف بعض الباحثين في قاع البحر عند مكان جزيرة فاروس – عن بقايا أرصفة ومنشآت بحرية ضخمة فثارت تبعاً لذلك مشكلة هامة إذ يعتقد البعض أن هذه البقايا كانت جزءاً ميناء الإسكندرية في العصر اليوناني ، بينما يعتقد البعض الأخر أنها أطلال ميناء أقدم من ذلك عهداً يرجع إلي أيام فرعون مصر رمسيس الثاني ، الذي شيد في هذا المكان ميناء يحمي مصر من غارات سكان البحار وهناك فريق ثالث من الباحثين يذهب إلي أن هذه البقايا تمت إلي ميناء أنشأه أهل جزيرة كريت في خلال القرن الثاني قبل الميلاد حيث امتدت سيادتهم البحرية حتى الشاطيء المصري وكان وجود جزيرة فاروس تجاه البقعة التي اختيرت لبناء المدينة على الشاطيء ، كفيلاً بخلق ميناءين آمنين بمجرد مد جسر من الشاطيء إلي هذه الجزيرة حيث كان يسمي الجسر " هيتا ستاديون " أي السبعة ستاديون ، وذلك لأن طوله سبعة ستاديون ( حوالي 1300 متراً ) وكان الميناءين أحدهما إلي الشرق وهو الميناء الكبير ( الميناء الشرقي حالياً ) والأخر في الغرب منه وهو ( الميناء الغربي المستعمل حالياً ) وقد جعل في الجسر ممران قرب طرفية يصلان بين الميناءين وقد خصص للملوك البطالمة ميناء خاص أطلق عليه أسم ميناء الملوك وكان يقع على الشاطيء الجنوبي للميناء الكبير تجاه جزيرة أنتيرودوس التي كانت تقع داخل هذا الميناء الكبير وإلي الجنوب الشرقي منه . ومن رأس لوفياس كان يمتد لسان يحمي الميناء الكبير من التيارات المائية والرياح الشمالية ، وكان هذا اللسان يقع تجاه الصخرة التي شيدت فوقها المنارة إلي الشرق من جزيرة فاروس .

ميناء الإسكندرية في العصر البطلمي :

            كانت الإسكندرية في العصر البطلمي هي عاصمة مصر ولذلك أصبح ميناء الإسكندرية هو الميناء المصري الأول في المياه العميقة ، فميناء بلوزيوم (الفارما) على ما يذكر لنا  المؤرخ والجغرافي سترابون ، فكانت تقع على فرع النيل الشرقي على بعد عشرين ستاداً من ساحل البحر بينما كانت الميناء النهرية نقراطيس تقع على الفرع الغربي بعيداً جداً عن البحر وموغلة في داخل الدلتا ، أما كانوب ( أبو قير الحالية ) التي كانت تعتبر المنفذ البحري لميناء نقراطيس فنحن لا ندري إذا كانت قد قامت فيها استعدادات أو معدات بحرية هامة ، ولكنها كانت لا تزيد عن مكان محمي عند مصب النهر فلقد فاق ميناء الإسكندرية هذه الموانيء بشوط كبير ويثبت التاريخ الاقتصادي لمصر في عصر البطالمة هذه الحقيقة بشكل ملموس .

وقد ساعد على الارتقاء بميناء الإسكندرية إلي هذا المركز الأول موقعها المتوسط بين هذه الطرق ، كما ساعد على ذلك عاملين هامين هما اللذان ساعدا دون شك في احتفاظ ميناء الإسكندرية بالمركز الذي وصلت إليه ، أول هذين العاملين هو منارة الإسكندرية التي أقيمت على جزيرة تتاخم جزيرة فاروس من الجانب الشرقي وكان طولها أكثر من 135 متراً لتصبح المنارة بعد ذلك نقطة اهتداء للملاحين الذين يحملون تجارة البحر المتوسط من شواطئه المختلفة أما العامل الأخر فهو ترعة شيديا التي كانت تتفرع من النيل لتصل بعد نحو 27 كيلو متراً إلي ميناء الإسكندرية عبر خليج بحيرة مريوط الذي كان يمتد داخل المدينة والذي أقيمت عليه ميناء فرعية تخدم الميناء الأساسية فقد هيأت هذه الترعة إلي جانب ميناء بحيرة مريوط ، سبيل الاتصال المباشر بين الإسكندرية وطرق القوافل الموصلة إلي أعماق القارة الأفريقية .

ولنلق الآن نظرة سريعة على حركة الواردات والصادرات لنقدر على أساس صحيح قيمة الدور الذي كان منوطاً بميناء الإسكندرية والذي جعل منها الميناء الأول وأحد المرافق الاقتصادية الأساسية في عهد البطالمة . لقد كانت الأخشاب من أهم الواردات ، فأخشاب الأشجار المحلية لا تصلح صلاحية كاملة لأعمال المعمار وبناء السفن وقد كانت مصر في حاجة متزايدة إلي قدر كبير من الأخشاب في هذه المرحلة التي اتجهت فيها سياسياً وحربياً نحو البحر المتوسط ومن ثم كان لابد لها من أسطول يحمي سواحلها وهكذا كان البطالمة في حاجة إلي استيراد كميات كبيرة من الأخشاب الجيدة مثل خشب الأرز الذي كان يأتي من شمال البلقان وأنواع أخرى من خشب الزينة كانت تأتي من الأقاليم المدارية في الجنوب وحقيقة أن بلوزيوم كانت الميناء التي يأتي عن طريقها خشب الأرز من سورية ، ولكن بقية الأخشاب كانت تأتي من مناطق بحر إيجة أو من أفريقية عن طريق الإسكندرية .

كذلك كان القطران يمثل جانباً هاماً من واردات مصر في ذلك الوقف فهي مادة لا يمكن الاستغناء عنها في صناعة السفن التي كانت تقوم عليها قوة البطالمة البحرية ، كما كان اقتناؤها أمراً حيوياً بالنسبة لصانعي الفخار في دهان الأوعية التي كان البطالمة يصدرون فيها الزيت ، والقطران كان يأتي من غابات مقدونيا ومن هضاب آسيا الصغرى . كذلك كانت مصر مفتقرة إلي المعادن على الرغم من وجود مناجم الذهب في النوبة والنحاس في شبة جزيرة سيناء ولكن حصيلة هذه المناجم لم تكن تكفي لتغطية حاجة البطالمة من هذا المعدن النفيس وكانت المناطق التي يستوردونه منها أساساً هي أسبانيا والهند وكذلك الفضة كانت تأتي من المناطق المطلة على الشواطيء الشمالية للبحر المتوسط وبالنسبة للحديد الذي لم يكن يعدن في مصر وإنما يأتي من جزر بحر إيجة ومن منطقتي أرمينية والهلسبونت عند مدخل البحر الأسود .. والنحاس الذي كانت تستخرج منه كميات ضئيلة من منطقة الفيوم بينما الجزء الأساسي منه يأتي من قبرص . وكذلك كانت تستورد الرخام الذي تفتقر إليه من الجزر اليونانية إلي غير ذلك من الواردات . وإذا كان دور ميناء الإسكندرية تظهر لنا أهميته الاقتصادية والتجارية إلا أن أهمية هذا الدور تزداد إذا نظرنا إلي تسهيله عملية إنماء الروابط الودية بين ملوك هذه الفترة وبعض جزر البحر المتوسط التي كانت لها أهمية خاصة كمحطة على الطرق التجارية البحرية مثال جزيرتي رودس وديلوس .

ميناء الإسكندرية في العصر الروماني :

كان موقع الإسكندرية فريداً من الطريق بين الشرق والغرب فهي تشرف على البحر الأبيض المتوسط من ناحية وتصلها بالبحر الأحمر سلسلة متقنه من القنوات بين فروع دلتا النيل من ناحية أخري بحيث كانت السفن تسير من البحر الأحمر إلي الإسكندرية مباشرة .

ولقد استطاع السكندريون استخدام أساطيلهم البحرية في البحريين الأبيض والأحمر على خير وجه ففي البحر الأبيض كان لهم أول أسطول تجاري وكانت الإسكندرية مركز اتصال بجميع مواني هذا البحر ، أما في البحر الأحمر فقد احتكرت الإسكندرية التجارة الشرقية التي وصلت إلي الهند احتكاراً تاماً خاصة بعد ما اكتشف فئة من تجار الإسكندرية الرياح الموسمية التي تهب على المحيط الهندي وتمكنوا من استخدامها للسير مباشرة عبر المحيط الهندي بدلاً من التزام الساحل على طول الشواطيء الجنوبية لشبه الجزيرة العربية ثم شواطيء الهند وقد استطاعوا بذلك أن يصلوا إلي سيلان والساحل الشرقي للهند ونتيجة للصناعة الهائلة التي قامت في الإسكندرية في هذا الوقت فقد أصبحت الإسكندرية بفضل ذلك وبفضل مينائها أكبر سوق تجاري في العالم يلتقي فيه التجار من كل أمم الأرض يعقدون صفقاتهم ويتبادلون بضائعهم .

ميناء الإسكندرية بعد الفتح العربي :

وظل لميناء الإسكندرية أهميته العظيمة في العصر البيزنطي وحتى بداية الفتح العربي حيث أصبحت الفسطاط هي عاصمة مصر وغادر الإسكندرية عدد كبير من الجالية الرومانية بأموالهم وسفنهم مما أدي إلي كساد التجارة بها .

ولقد عظم شأن ميناء الإسكندرية في العصر الفاطمي فكانت الثغر التجاري الأول في مصر الذي تفد إليه السفن التجارية في هذا العصر وكان الفاطميون يفرضون مكوساً أو ضرائب على التجارة الواردة إلي الإسكندرية والصادرة منها مما أدي إلي انتعاش الإسكندرية اقتصادياً .

أما في العصر الأيوبي فقد أصبحت الإسكندرية هي العاصمة الفعلية لمصر وكانت بسبب أهمية مينائها في ذلك الوقت سوقاً هاماً للتجارة العالمية .

أما في العصر الملوكي فقد حظي ميناء الإسكندرية بأهمية كبيرة خاصة بعد أن فقدت مدينة دمياط أهميتها الحربية والاقتصادية بتهديم أسوارها وبردم فم بحرها والقضاء عليها كثغر تدخله السفن التجارية ، فبذلك أصبح ميناء الإسكندرية أهم ثغور مصر وأعظم مركز تجاري في العالم الإسلامي .

ميناء الإسكندرية في العصور الحديثة :

خلال العصور الوسطي ظهر مينائي رشيد ودمياط كميناءين منافسين للإسكندرية في مركزها التجاري وفي اجتذاب أكبر عدد من السفن خاصة تلك التي تتردد على مواني الشام وقبيل الفتح العثماني أصيبت البلاد بضربة قاضية نتيجة تحول التجارة العالمية إلي طريق رأس الرجاء الصالح ففقدت مصر مورداً مالياً من أهم مواردها ومنذ ذلك الوقت بدأ مركز الإسكندرية التجاري في التضاؤل وعدد سكانها في الانخفاض وترتب على ذلك إهمال الميناء وعم الاهتمام به .

وإذا وصفنا الإسكندرية في العصر العثماني فكانت تطل على ميناءين.. الشرقي وهو المخصص لرسو السفن الأجنبية رغم عدم صلاحيته لهذا الغرض كالميناء الغربي .. وعلى الميناء الشرقي يقع مبني الجمرك ومنازل قناصل الدول الأجنبية وفي نهايته تقف قلعة قايتباي شامخة.

أما الميناء الغربي فرغم صلاحيته لرسو السفن وأعمال الملاحة فكان مهملاً لا نشاط فيه وزاد سوء حالة ميناء الإسكندرية بعد الحملة الفرنسية .

ميناء الإسكندرية في النصف الأول القرن التاسع عشر :

بعد أن دخلت مدينة الإسكندرية في حوزة محمد علي أثر انسحاب حمله فريزر أدرك والي مصر أهمية هذه المدينة بالنسبة لمصر فقام بعمل عدد من الإصلاحات والتطورات بها ومنها حفر ترعة المحمودية التي ساعدت على ازدهار حركة التجارة بالإسكندرية .

حيث تدفقت المحاصيل المصرية على ميناء الإسكندرية عن طريق تلك الترعة وامتلأ ميناؤها الغربي بالسفن الأوروبية لنقل تلك المحاصيل ولتفريغ ما تحمله من آلات وعتاد .

ولقد أدي نشاط الحركة التجارية في ميناء الإسكندرية إلي زيادة العناية والاهتمام بإصلاح الميناء وتعميقه كي تستطيع السفن كبيرة الحجم من الرسو على أرصفة بعد أن كانت تقف داخل الميناء بعيداً عن الشاطيء وتفرغ ما بها من تجارة في مراكب صغيرة تقوم بنقلها إلي الأرصفة ، وكان تعميق الميناء الغربي وإعداده ضروري لمواجهه النشاط المتزايد في حركة التجارة وما أصبح للإسكندرية من مركز حربي ممتاز كقاعدة للأسطول المصري في البحر الأبيض المتوسط . ولهذا لم تدخر مصر وسعاً في شراء الكراكات من دول أوروبا للعمل على تعميق الميناء هذا إلي جانب بناء أرصفة أخري جديدة خصصت لأنواع معينة من السلع. كما أن سماح مصر للسفن الأوروبية بالرسو في الميناء الغربي الذي يعتبر من هذه الناحية أصلح من الميناء الشرقي قد شجع على زيادة التبادل التجاري بين الإسكندرية والمواني الأوروبية ، زاد على ذلك إنشاء فنار الإسكندرية بشبه جزيرة رأس التين وظلت هكذا الإسكندرية ومينائها محتفظين بمركزهم الأول كميناء مصر الأول وحتى بداية القرن العشرين .

ميناء الإسكندرية وثورة يوليو :

إن الثورة التي قامت لإنهاء الاحتلال والقضاء على الإقطاع وسيطرة رأس المال لم تكن لتتواني في منح المدن ما تستحقه من عناية ولما كانت الإسكندرية أكبر مواني الجمهورية وأهمها هذا فضلاً عن كونها من أهم مواني البحر المتوسط وثاني مدن القطر فقد أولتها وزارة الشئون البلدية والقروية من العناية ما هي جديرة به فشكلت هيئة لأعداد تخطيط عام للمدينة لضمان تنفيذ السياسة البعيدة المدى التي رسمت لتنفيذ المشروعات العمرانية بما يتفق مع مركز ميناء الإسكندرية وما ينتظرها من نمو وتطور في الخمسين سنة القادمة .

ولقد أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية قرار 3293 لسنة 1966 بتحديد اختصاصات الهيئة العامة لميناء الإسكندرية . وتم إنشاء الهيئة العامة لميناء الإسكندرية بموجب القانون رقم 6 لسنة 1967 .

وازداد ازدهار ميناء الإسكندرية وعمل وتطورات له وإصلاحات للتالف منه حتى عام 1986 ، حيث صدر القرار رقم 494 لسنة 1986 بإنشاء ميناء الدخيلة حيث إن الهيئة العامة لميناء الإسكندرية تختص دون غيرها بإدارته.

 وميناء الدخيلة امتداد طبيعي لميناء الإسكندرية وقد بدأ إنشائه منذ عام 1980 عن طريق جهاز المشروعات وبدأ تشغيله مرحلياً منذ عام 1986 حيث بدأ تشغيل مرسي المعادن حتى بدا تشغيله نهائياً.

 

  • Currently 150/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
50 تصويتات / 1874 مشاهدة
نشرت فى 25 مايو 2006 بواسطة ozation

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

130,648