إذا كنت تنوى اختصارها فى مطبعة، أو كوبرى فأنت مخطئ، وإن كنت ممن يرونها على صفحات الجرائد فى صورة مطار يحاصره الشد والجذب بين الحكومة والسكان، فقد جانبك الصواب، فهى فى الأصل «نبابة» التى أصبحت الآن «إمبابة»، والتى تعنى باللغة الأمهرية «شجرة الدوم المصرية» حسب بعض المصادر التاريخية، وأيا كان الاسم ومعناه، فمن الظلم النظر لهذه البقعة الواقعة شمال محافظة الجيزة من هذه الزوايا القاصرة التى لا تتناسب مع كونها مكانا قديما قدم البلد وأهله.

يبدأ تاريخ إمبابة منذ أن كانت مرسى لتجار الجمال القادمين لمصر من السودان، مرورا بوقت كانت فيه موقعاً لإحدى المعارك التى سميت باسمها ودارت رحاها بين قوات الحملة الفرنسية والمماليك، وحتى العصر الحديث الذى شهدت فى أحد أيامه معركة من نوع آخر وقفت فيها الشرطة وجها لوجه ضد تطرف الجماعات الإرهابية التى قام أحد رؤوسها «الشيخ جابر» عام ١٩٩٢، بعزل إمبابة عن مصر وإعلانها جمهورية إسلامية فى فترة شهدت استفحالا لهذه الجماعات.

بمجرد دخولك إمبابة عن طريق النفق، أو كوبرى إمبابة المعدنى الشهير يستقبلك جزء من التاريخ ممثلاً فى المطابع الأميرية التى أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قرارا بإنشائها فى أغسطس ١٩٥٦، لتنتقل فى نفس العام من بولاق حيث مقرها القديم من أيام محمد على باشا، إلى إمبابة على مساحة قدرها ٣٥ ألف متر مربع تقريبا، ويلحق بها أحد مظاهر الاشتراكية فى صورة «مدينة العمال» التى كانت فى فترة الخمسينيات والستينيات مسكنا لأصحاب «الياقات الزرقاء» من المهندسين، والعمال الذين كانوا أبطال الحقبة الناصرية، وتمر الأيام على إمبابة وتتحول من مشروع مدينة مخططة إلى أحد أكبر التجمعات العشوائية.

«كله فى إمبابة موجود».. هكذا بدأت صفية مبروك، سمسار عقارات، شرح الخريطة العقارية لإمبابة بقولها: «توجد فى إمبابة الكثير من المناطق المتميزة ومنها منطقة القومية، حيث يزداد الطلب عليها بسبب ما يبنى بها من أبراج بشكل متزايد وبأسعار مناسبة، ويمكن الحصول هناك على شقة جاهزة بنظام الإيجار القديم بمقدم ٥٠ ألف جنيه و٤٥٠ جنيهاً شهرياً، وهناك الشقق غير المشطبة أيضا، التى يتراوح مقدمها بين ٣٠ و٣٥ ألف جنيه، وبنفس قيمة الإيجار، أما أسعار التمليك فتتراوح بين١٨٠ و٢٠٠ ألف جنيه للشقق التى تتراوح مساحاتها بين ١٢٠ و١٤٠ متراً، وهذه الأسعار جعلت أغلب سكانها من حديثى الزواج».

وأضافت صفية أنه على الناحية الأخرى هناك أيضا الشقق التى يستأجرها الطلبة، أو متوسطو الدخل، ومنها بعض الشقق صغيرة المساحة فى مساكن البلدية التى تتراوح أسعار تملكها بين ٤٥ و٧٠ ألف جنيه، موضحة أن أسعارها تعتبر مرتفعة نسبياً بسبب ارتفاع أسعار بقية مناطق إمبابة.

أما الوجهات الرئيسية لمن يريد السكن فى إمبابة فتوجد فى منطقتين، الأولى هى مدينة التحرير لهدوئها، ووجود الكثير من الطبقات المتعلمة فيها، كالأطباء والمهندسين، مما أدى إلى أن يطلق الناس عليها «زمالك إمبابة»، ولذلك تتراوح أسعار الشقق فيها بين ١٠٠ و١٣٥ ألف جنيه، للمساحات بين ٨٥ و٩٠ متراً، وتتساوى معها فى الأسعار مدينة الطلبة التى تتميز بنفس الهدوء، تليهما فى القائمة مدينة العمال، بسبب شوارعها الواسعة،

بالإضافة إلى وجود شقق للإيجار على العكس من مدينة التحرير التى نادرا ما توجد بها وحدات للإيجار، لكن أغلب سكان مدينة العمال يؤجرون منازلهم، وهذا ما يدفع العديد من طالبى السكن إلى الاتجاه إليها، فى ظل اتجاه أغلب سكانها للابتعاد إلى مناطق أخرى، ويرجع ارتفاع الأسعار فى هذه المنطقة إلى وجود الشارع الذى توجد به المطبعة، وموقف السيارات، والسوق، مما جعله حيويا جدا لدرجة أنه معروف بين أهل إمبابة باسم «الشارع التجارى».

ويرى سكان مدينة العمال أن هناك أسبابا أخرى غير الأسباب المادية، تدفع الناس إلى السكن فيها، فيقول على عطية، أحد سكان المدينة منذ ما يقرب من ٦٠ عاما: «المدينة كانت مخصصة للعمال، والمباني فيها رخيصة الثمن حيث كان تملك شقة فيها يتطلب ٤٠٠ جنيه فقط، ويتم دفعها على أقساط، وهو ما حدث مع والدى الذى كان من العاملين فى الورش الأميرية بالترسانة، وقد تسلم الوحدة السكنية الخاصة به من الراحل حسين الشافعى، أحد رجال الثورة، ونائب الرئيس جمال عبدالناصر، وقد كانت المنطقة هادئة جدا وتقتصر على عائلات العمال والمهندسين،

لكن بعد أزمة السكن اتجه أغلبية السكان إلى حل الأزمة وزيادة دخلهم من خلال بناء أدوار إضافية، مما أدى إلى ازدحامها، ليقوم البعض الآخر بتركها بسبب الزحام، وبعد أن سادت فيها البلطجة، لكن رغم ذلك تعد مدينة العمال أفضل كثيرا من أماكن أخرى عشوائية فى إمبابة تحكمها البلطجة، مثل بشتيل، والبصراوى، والمنيرة».

لماذا أصبحت عشوائية؟ يجيب عن السؤال الدكتور عباس زهران، الأستاذ المساعد فى كلية التخطيط العمرانى- جامعة القاهرة، قائلا: «غياب التخطيط عن أى منطقة هو مسؤولية مشتركة بين المواطنين الذين لا يجدون مساكن بأسعار مناسبة أو يرغبون فى زيادة دخلهم فيقومون بالبناء بشكل عشوائى، والحكومة التى تتركهم دون ضوابط أو عقوبات».

وأضاف زهران: «فى حالة إمبابة نجد أننا نتحدث عن مكان كان مقسما إلى أحواض زراعية تحولت إلى أراضى بناء دون تخطيط، أو طابع معمارى، لدرجة وجود شوارع بها لا يزيد عرضها على مترين، والسبب يعود إلى فترة الستينيات حينما انحازت الحكومة للفقراء.

ورأى زهران أن الحل يكمن فى أمرين، أولهما الاهتمام الحكومى بالمستثمر الصغير- صاحب العمارة- بإصدار قانون يزيل من نفسه ما سماه «عقدة الإيجار القديم»، حتى لا يلجأ إلى نظام التمليك الذى لا تقدر عليه الأغلبية فنعود إلى نفس الدائرة المفرغة، والثانى هو أن تتولى الحكومة تخطيط أراض للبسطاء ليبنوا عليها وفق ضوابط محددة، بدلا من اللجوء إلى العشوائيات.

المصدر: جريدة المصري اليوم بتاريخ 22/8/2010
osmanschool

أفضل صديق

  • Currently 107/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
36 تصويتات / 3200 مشاهدة

ساحة النقاش

عطيه عبد المجيد

osmanschool
نسعى إلى اللتنمية المهنية المستدامة للمعلم المصري والعربي »

ابحث عن موضوع يهمك

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,018,855