كل يوم بقلم

إن معطيات العصر الجديد وتحدياته لا تسمح باستمرار عشوائية الاختيار والتسكين الوظيفي للمعلمين وإنما الأمر يتطلب مواصفات محددة أهمها عمق المعرفة وسعة الصدر وعشق المهنة لأن هناك فارقا كبيرا بين الأداء الوظيفي الروتيني وبين الأداء المهني عن حب واقتناع‏.‏
لعلي أكون أكثر تحديدا وأقول ـ علي سبيل المثال ـ إن المدرس الذي يضيق صدره بأسئلة التلاميذ لا يمكن أن يكون له مكان في هذا العصر لأن مثل هذا السلوك يقتل في هذه الزهور البريئة المتفتحة للعلم والمعرفة نزعة طبيعية كان من
الممكن تنميتها وتوجيهها نحو مزيد من القدرة علي الملاحظة والرصد والاستطلاع المثمر والطرق بقوة وفي سن مبكرة علي أبواب الكشف والبحث والتنقيب‏..‏ وكذلك الحال بالنسبة للمدرس الذي يفتقر إلي العقلية النافذة فيسلم بكل ما يسمعه أو يقرأه دون أن يحاول التيقن من صحته‏,‏ ومن ثم يعجز بالطبع عن أن ينمي في تلاميذه منهج التفكير العلمي والذاتي السليم‏.‏
إن استراتيجيات التعليم في الدول الحديثة لم تعد تسمح للمدرس بأن يقدم لتلاميذه الأفكار والمعلومات التي كان من الممكن أن يصلوا إليها بأنفسهم حتي لا يتعود التلاميذ علي الكسل والتواني أو التخاذل عن التفكير‏,‏ وينتظرون من المدرس‏-‏ دائما‏-‏ أن يفكر لهم وأن يقدم الحلول الجاهزة لأي مسألة مستعصية علي الحل‏!‏
ومن هنا فلست أظن أن تحديات العصر تسمح لنا ببقاء ذلك النظام التعليمي الذي يحدد للمدرس منهجا بعينه يتحتم عليه تدريسه علي مدي العام وإجراء الاختبارات الشهرية والدورية عن طريق طرح أسئلة نمطية لا تدعو إلي التفكير فالمدرس الذي يلقي علي التلاميذ أسئلة لا تتطلب الإجابة عنها سوي سرد لما
هو في الكتب والمذكرات يقتل في داخل التلاميذ منهج التفكير الذاتي‏.‏
ثم إنني لست بحاجة إلي القول أن الاستثمار في التعليم ينبغي أن يسبق في الكم والكيف سائر الاستثمارات الأخري لأنه علي ضوء حجم التحديات التي تواجهنا من أجل تعويض ما فاتنا يتوجب علينا سرعة وصحة الإدراك بأنه في غيبة من نظام تعليمي عصري ومتطور تظل أهدافنا ومقاصدنا الرامية لبناء الدولة الحديثة مجرد سراب‏.‏
وغدا نواصل الحديث
خير الكلام‏:‏
‏**‏ لن تتعلم شيئا وأنت تتكلم‏...‏ تتعلم فقط عندما تسمع بإنصات وتركيز‏!‏