نقول وبالله التوفيق : أكرّر عبارة وردت في محاضرة لي سابقة حول هذا الموضوع في العام الماضي وهي: إنه ليس هناك وصفةٌ معينةُ كالوصفة الطبية . يتناولها المعلم فترسم شخصيته، أو تمكنهُ من أداء حصته وإدارة فصله على الوجه المرضي … فالأمر في هذا الشأن يخضع للتجارب المستمرة والممارسات المتكررة التي ترقى بالعملية التربوية فتؤتي ثمارها طيبةً يانعة … وتعطي فوائدها شيقةً نافعة. لكأنما خبراء التربية ورجال التعليم في الماضي والحاضر أشاروا إلى أمور معينة للمعلم بعد توفيق الله على تكوين شخصية ظريفة ومهابة ، وجانبٍ عزيز مرهوب : كأن يكون حازماً في مواضيع ، وليتنا في مواضيع أخرى .. فإذا به ( شخصية محبوبة مرهوبة .. وإذا بحصته : على الصورة المطلوبة ) وعلى الأخص في المرحلة الابتدائية .. وهأنذا أسوق لكم بعض الأمور التي تعين على ذلك من خلال تجربة واسعة وخبرة طويلة في هذا الميدان:
فبناء شخصية المعلم الناجح تحتاج إلى:
أولاً: أن يحض المعلم نفسه أولاً وقبل كل شيء بالإلمام بعلوم الإسلام وتعاليمهُ، والتحلي بذلك عقيدة وعادة ومسلكاً وتطبيقاً. لأن المعلم هو المعين الذي ينهل منهُ طلابهُ، والقدوة الفعلية لهم، لذا يجب ألا يروا منهُ سوى الحرص على إتباع كتاب الله، وتطبيق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: أن يكون المعلم قدوةً لطلابهِ في مظهره الخارجي من حيث عنايتهُ بملبسهِ وهندامه ، وظرفه ونظافته . وفق ما سار مع الشريعة الغراء ووافق الأصالة العربية الخلاقة .. بعيداً عن التقليد المقيت . لأصحاب المبادئ الساقطة والتفرنج البغيض.
ثالثاً: أن يكون المعلم واسع الاطلاع، عميق الثقافة، متجدد الفكر،متابعاً لمستجدات ميدان التعليم والتعلم خاصةً، ومختلف المعارف عامةً. ليفيد طلابهُ من ناحية، وليحدد ثقافتهُ ويبتعد عن الجمود من الناحية الأخرى.
رابعاً: أن يتسم بسعة الصدر ورحابته .. وطول البال وهدوئه وأن يتحلى بالصبر والحلم والأناة لأنه يتعامل مع نفسٍ بشريةٍ .. لا مع آلة جامدةٍ وخاصةً في المرحلة الابتدائية، إذ إنه يتعامل مع براعم صغار تربوا على الابتسامة والحنان والرقة الموصوف بها المعلمات .. فيجب أن يكون تعاملهُ على نفس النهج مستمرا،ً فالعابس بطبعهِ لابد أن يصطنع الابتسامة .. والغليظ بفطرتهٍ لا بد أن يفتعل الرقة والحنان. فإذا بحبهِ يطبع في النفوس .. وإذا بتقديرهِ يحفر في القلوب والصدور.
خامساً: والتوجيه الأبوي، والإخلاص والحب، والحنان والاحترام والثناء والتقدير .. كل ذلك من مقومات شخصية المعلم في نفوس تلاميذه. فإذا ما اتصف بجلِّ ما أسلفنا استطاع أن يبني لنفسهِ مكانةً في نفوس تلاميذهِ، تمكنهُ من أن ينجح في نفوس فصله، فيسير بالعملية التربوية والتعليمية إلى النتائج المرجوة إن شاء الله.
هذه بعض الأسس التي يبني بها المعلم شخصيتهُ.
أما كيف يدير فصلهُ إدارةً ناجحةً فإليكم أيها الأوفياء أمور تعين على ذلك، من خلاصة تجارب المربين، واستخلاص الممارسين.
أولاً: حيث إن التعاون أمرٌ لازم بين أعضاء الهيئة التعليمية ..فإن من المستحسن جداً للمعلم عند انتهاء حصتهِ التي أعطاها أن يهتم ببقاء طلابه في الفصل على الهيئة الجميلة التي كانوا عليها مهيئاً ذلك لزميله في الحصة التالية حيث إن نهاية حصته بداية لما بعدها. سامحاً للمضطر منهم بالخروج فإذا فعل جميع المعلمين ذلك دخل الجميع على حصصهم التالية والطلاب هادئون ومنضبطون.
ثانياً: أن يتوجه المعلم بعدما سبق إلى حصته مبكراً فيرى الطلاب منه مؤشراً على الجدية والحرص منذ بداية الحصة. مقللاً بذلك من فرص قيام بعض الطلاب والمحبين للفوضى بافتعال مشكلات أو شغب .. تحتاج لعلاجها وقتاً من الحصة.
ثالثاً: سرعة تعرف المدرس بفطنته وحصافته وأسئلته على مستويات تلاميذه الدراسية .. وسلوكياتهم .. دون الاعتماد على آراء من سبقوه في تدريسهم أمرٌ يغرس في نفوس التلاميذ ومن أول لقاء ذكاء وجدية هذا المدرس فيخشون جانبه .. وينتظمون معه بغالبيتهم. وما أجمل أن يلجأ المعلم إلى دفتر متابعة يسجل فيه بعض الملاحظات على المحسنين مدحاً وثناءً وعلى المسيئين لوماً وعتاباً ونصحاً وإرشاداً. ليشعر الطلاب بحزمهِ وجديتهِ.
رابعاً: اعتماد أسلوب الثواب والعقاب في إطار حزم تربوي غير منفر بعيداً كل البعد عن العقاب البدني أو اللفظ الغير لائق .. عمل يوجد النظام .. مع ملاحظة عدم احتقار المسيء أو الاستعلاء عليه أو الاستهزاء به أو السخرية منه .. حتى لا يتسبب ذلك في كراهية المدرس وبغضه، .فلا تطلق لها العنان في العقاب خشية حدوث ما لا يحمد عقباه.
خامساً: وعطاء المدرس .. وتمكنه من مادته، وإخلاصه لرسالته .. كل ذلك له الفضل الأكبر في القدرة على إدارة تلك الحصة .. لأن الطالب أياً كان مسلكهُ لا يمكن أن يفعل ما يسيء وهو يرى انسياب العملية التربوية من خلال شرحٍ ومناقشةٍ واستغلال الوقت لما فيه الفائدة له ولزملائه.
سادساً: وإشراك الطلاب جميعاً في الدرس، وتوزيع الأسئلة عليهم، دون التركيز على البعض فقط .. كل ذلك من حوافز انضباط التلاميذ .. لشعور كل منهم بأنه أخذ حقهُ، يدخل في ذلك تشجيع العاجزين على التعبير عن أفكارهم، والإدلاء بآرائهم .. ويحسن بالمعلم عدم الاستئثار بالشرح والإلقاء .. ففي ذلك إيقاظ لفاعليتهم وإبراز لعطائهم ولهذا قدرة في هدأة نفوسهم وشدة انضباطهم.
سابعاً: وحسن تصرف المدرس في المواقف الحرجة، يعطيه ثقة طلابه وحسن تحضير المدرس لدرسه ذهنياً ونفسياً يجنب المدرس الحرج ويمكنه من السيطرة على حصته وتلاميذه ونجاحه.
ثامناً: وحرص المعلم على التعاون مع الهيئة الإدارية في المدرسة، وإطلاعها على ملاحظاته السلوكية والدراسية للطلاب كلما تطلب الأمر ذلك _ ووضع الخطط والحلول للمشكلات العارضة _ والتعاون الوثيق في تخطيها مع أولياء الأمور، مما تجدر الإشارة إليه أيضاً ومن مقومات المدرس الناجح.
نشرت فى 22 مايو 2010
بواسطة osmanschool
عطيه عبد المجيد
نسعى إلى اللتنمية المهنية المستدامة للمعلم المصري والعربي »
ابحث عن موضوع يهمك
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
1,018,881
ساحة النقاش