الاتجاهات نحو الأطفال المعاقين عبر التاريخ :
إعداد :ـ الأستاذة عواطف علي الشتيوي،مركز تأهيل وإعادة تأهيل المعاقين /جنزور
لم يكن الأطفال المعاقون بأوفر حظا من الأطفال العاديين في أوجه الرعاية والعناية والاهتمام بل بالعكس فأن النظرة للأطفال المعاقين منذ أقدم العصور اتسمت بطابع غير أنساني واختلفت هذه النظرة من عصر لآخر تبعا لمجموعة من المعايير والمتغيرات ، وإن الاهتمامات الحديثة بالإعاقة والمعاقين ، وضرورة تقديم الرعاية اللازمة لهذه الفئة بشكل تكاثفي من جميع أفراد المجتمع ومؤسساته ، كذلك أهمية دمجها في المجتمع ليس وليد المصادفة البحتة أو بدافع الإنسانية فقط ،بقدر ماكان إعادة لتصحيح مجموعة من الأخطاء ارتكبتها المجتمعات الإنسانية عبر التاريخ والتي كان ضحيتها دائماً وأبداً المعاقين، حيث إن تلك النظرة السلبية عرقلت مسيرة النمو الطبيعية للمجتمع ردحا من الزمن ،ويشير العديد من الباحثين إلى أن أغلب المصادر التاريخية تشير إلى معاناة المعاقين في جميع العصور الماضية من النظرة المتدنية نحوهم، وذلك من جراء القواعد والقوانين الظالمة التي جعلت منهم هدفا للتعبير عن الدوافع والنزعات العدوانية في المجتمع نتيجة للخوف والجهل من جهة ، ونقصان المعلومات من جهة أخرى ،فهذا رمضان القذافي يذكر إنه كانت مواجهة الإنسان للكثير من الأمور منذ القدم تعلل عن طريق بعض الإسقاطات والتبريرات غير العلمية عن الطبيعة والزمن ،فكان يُنظر إلى المعاقين على أساس أنهم فئة شاذة ، وذلك وفقا لقاعدة (البقاء للأصلح) حيث كانوا يتركون للموت تحت وطأة الظروف المناخية القاسية بسبب عدم قدرتهم على حماية أنفسهم ، ويضيف قائلا إذا ماعدنا إلى الوقت الذي عرف فيه الإنسان القديم التنقل والترحال في جماعات بحثا عن الطعام ،نجد أن معظم المعاقين بحكم إعاقتهم كانوا غير قادرين على المساهمة في نشاطات جمع الثمار وعمليات الصيد والرعي أو الدفاع عن أنفسهم أو أفراد مجموعتهم ،وبالتالي لم يسلموا من الأذى النفسي والمادي من أقاربهم ومعارفهم وأعدائهم ،وحتى بعد أن ظهرت بعض الاتجاهات المنادية باعتبار المعاقين فئةً تحتاج إلى العلاج، وكان ذلك في العصور التاريخية الأولى ،فقد كان التشخيص يعتمد على تعريفات ترد في شكل أوصاف منفرة تتعلق بتقمص الجن لبعض الأجساد أوحلول لعنة الآلهة على من وقع عليهم الغضب والتي أدت إلى نكبة المعاقين ،أكثر مما عملت على توفير العناية لهم ، وهذه الأفكار التشاؤمية ساعدت في إلقاء الضرر على المعاقين ، وجاءت حجة التخلص منهم تحت ستار فك السحر ومحاربة السحرة، وطرد الأرواح الشريرة (القذافي ،15،1988 ) وكذلك يوضح مدحت أبو النصر نظرة بعض الحضارات الإنسانية المتمثلة في عصور الفراعنة والحضارة الإغريقية القديمة وما ظهر بين الحضارتين من حضارات أخرى في الهند والصين حيث يقول: بدأت أول مظاهر رعاية المعاقين عند القدماء المصريين حيث أكدوا على أهمية العناية بالفرد وأسرته في حالات المرض والعجز كأسلوب يدعم المجتمع ،وعُرف علم الأعشاب لعلاج المرضى وأصحاب العاهات ،وكان الكهنة يصلون لشفاء هولاء العجزة ،كما أدت الفلسفة الأخلاقية التي ظهرت في كل من الهند والصين متمثلة في قانون( مانو) وفي الصين في تعاليم (كونفشيوس)إلى اعتناق مفاهيم الفضيلة والأخلاق والسلام كطرق تؤدي إلى المعرفة ومن تم الرحمة بالضعفاء والعناية بالمرضى والمعاقين كأحد مظاهر تلك الفضيلة( أبو النصر 151:152،2004)ولكن رغم أهمية الحضارة الإغريقية القديمة وما قدمته للمعرفة الإنسانية ،من معارف وعلوم إلا إن الطابع العقلي والطبقي والمثالي الذي ساد فلسفاتهم لم يقدم عطاءا يذكر لرعاية ذوي العاهات والعناية بالعجزة ،"فنظرة أثينا إلى الإعاقة كانت نظرة ازدراء واحتقار ، ويشير يحي أفنيخر إلى آراء بعض فلاسفة الحضارة الإغريقية في المعاقين والإعاقة فقد كان سقراط يرى "بأن قيمة كل شئ تقدر بصلاحيته لأداء وظيفته على الشكل الأكمل" ويرى أفلاطون "بأن المعاقين ضرر بالدولة ووجودهم يعيق قيام الدولة بوظيفتها والسماح لهم بالتناسل يؤدي إلى إضعاف الدولة "، كان يخص المعاقين عقليا ، كما رفع أفلاطون شعار " العقل السليم في الجسم السليم" ، وكان يريد لجمهوريته أن تقوم على أرستقراطية العقل وصحة الجسم ،ولذلك فقد دعا إلى نفيهم خارج الدولة وعدم السماح لهم بدخولها حيث لا يبقى في الدولة سوى الأذكياء والقادرين على الإنتاج أو الدفاع أو الحكم ,أما في(إسبرطة) فلم يكن يصلح بين أبنائها الضعيف أو المريض أو ذو العاهة والقانون ينص على التخلص من الأطفال المعاقين عن طريق تعريضهم للبرد القارص أو إلقائهم في نهر ((أورتاس)) حتى يموتوا غرقا ،أما في الحضارة الرومانية فلم يكن المعاق بأحسن حالا فقد كان الأب يُعرض عن الابن المصاب بالتشوه أو العجز فيلقي به في الطريق ليصبح من الرقيق أو المهرجين ،(أفنيخر ،5:1999) ،ويعود أبو النصر ويوضح لنا موقف البلاد العربية قبل الأديان السماوية عندما كانت تسود الوثنية حيث عَبِدَت النجوم والكواكب والشمس والنار، وسادت نزعات التقاتل والصراع الطبقي على الزعامة والسقاية والتجارة في عصور الجاهلية حيث كانت من حولهم بيئة جدباء فقيرة خالية من موارد الحياة لتسود فلسفة القوة ونبذ الضعيف استجابة لمتطلبات الصراع القبلي ،ويُذكر أن عرب الجاهلية عرفوا التفاخر بين القبائل بخلوها من أصحاب العاهات والعناصر الضعيفة تجسيدا لمنطق القوة الذي ساد مناخ هذه الحقبة، إلا أنه في الركن الجنوبي من الجزيرة ظهرت حضارة سبأ في اليمن السعيد ،و التي كانت على علم واسع بالهندسة والري وبناء السدود وقدمت هذه الحضارة بعض أشكال الرعاية للمعاقين والعناية بهم ، بينما سادت الهند صراعات البراهمة والبوذية والنظام الطبقي المغلق والدعوة للاستسلام للعجز بدعوى التسليم بالألم والعجز كتعبير عن الأخلاق الفاضلة ومن تم عرفت الهند باحتفالات تعذيب الجسد من الآثام "(سابق ،153)وجاءت الديانات السماوية بما تحمله من تعاليم المحبة والسلام ونادت بالاهتمام برعاية المعاقين عن طريق مساعدتهم ماديا دون جهد في مساعدتهم على استرداد مكانتهم في المجتمع مثل الديانة المسيحية ، وعن المجتمع الإسلامي يبين القذافي تميزه عن غيره من المجتمعات بالكثير من المبادئ السامية ، حيث نادى بعدم التفرقة بين البشر والمساواة بينهم كما أكد على وجوب النظر إلى الإنسان على أساس عمله وليس بجنسه أوعرقه أو كيفية تركيبه الجسمي ، عند الله ،ويذكرأن القرآن الكريم أشار إلى هذا المعنى في أكثر من موضع،فقد وجاء في سورة عبس عتاب للرسول صلى الله عليه وسلم عند إعراضه عن الأعمى عمرو بن أم مكتوم وانشغاله بهداية صناديد قريش حيث قال الله في كتابه العزيز :((عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَن جَاءهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى )) ( عبس من 1-9 )،كذلك أكد الإسلام على مسئولية الإنسان على سلوكه وتصرفه دون تفرقة بين معاق أو غير معاق إلا في الحدود التي تفرضها الإعاقة نفسها ،((لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً)) (الفتح 17 ) ، ويضيف أن الإسلام لم يكف عن كف الأذى المادي عن المسلم دون تفرقة بين معاق وسوي وإنما شمل طلب كف الأذى المعنوي المتمثل في النظرة والكلمة والإشارة وغيرها من وسائل التحقيروالأستهزاء والتصغير بقوله تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) ( الحجرات11 ) ، وجاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (بحسب كل أمري أن يحقر أخاه المسلم ) رواه مسلم "(القدافي ،17:18،1988) ، ويكمل رشاد موسى اهتمام وحرص السلف الصالح في عهد الخلفاء الراشدين على إتباع نهج الرسول فقاموا برعاية الفقراء والمحتاجين والمعاقين ،ويقول إن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعتبر أول من سن شريعة اجتماعية لحماية المستضعفين ،حيث أنشأ ديوانا للأطفال المستضعفين ،وكان يقوم بتمويله من بيت المال ،ويشير أيضا إلى اهتمام الخلفاء الراشدين بالمتسولين والأرامل والأيتام والمكفوفين بالإضافة إلى مرضى الجذام ، كما يذكر أن ذلك النشاط الاجتماعي أمتد في عهد الخلافتين الأموية والعباسية ،ففي عهد الأمُويين بُدئ في إقامة مستشفيات خاصة للبلهاء والمجانين منذ القرن الأول الهجري ،وكان هؤلاء يعاملون داخل المستشفى أحسن معاملة فقد جاء في صك وقف أحد المستشفيات في حلب كما يقول "إن كل مجنون يحظى بخادمين يخدمانه ينزعان عنه ثيابه كل صباح ويحممانه بالماء البارد ثم يلبسانه ثيابا نظيفة ويحملانه على أداء الصلاة ويسمعانه القرآن يقرؤه قارئ حسنُ الصوت ثم يفسحانه في الهواء الطلق "،وسار على الدرب الخليفة الوليد بن عبد الملك حيث بنى أول مستشفى لمعالجة المجذومين وكان أول مستشفى من نوعه في العالم ،هذا بينما في فرنسا أمر الملك فيليب بحرق جميع المجذومين ،كما بلغ اهتمام عمر بن عبد العزيز بهذا المجال أنه حث على عمل إحصاء للمعوقين وخصص مرافقا لكل كفيف وخادمٍ ولكل مقعد لايقوى على القيام وقوفا ،ولم تشغل الخلافة وتبعاتها الثقيلة الخلفاء المسلمين عن العناية بالضعفاء وقضاء حاجات أهل البلاء وذوي العاهات (موسى ،209:210،2001 )إذاً فقد حظي المعاقون في ظل الإسلام بأرقى المعاملة وأسماها وجاء امتثال المسلمين لأمر الله مجسدا لمثالية هذا الدين وعظمته ، أما في بدايات القرنين السادس والسابع ساد الاتجاه السلبي في معاملة المعاقين وبقى ذلك في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ،حيث كان المعاقون على سبيل المثال في الولايات المتحدة يعزلون في بيوت أومراكز غير صحية دون رعاية خلال القرن الثامن عشر ، لكن في بداية القرن التاسع عشر بدأت تظهر أول البوادر للاهتمام بالمعاقين فأنشئت المؤسسات الخاصة لرعاية المعاقين ،حيث بدأت بالصم ثم المكفوفين ثم المتخلفين عقليا ثم الإعاقات الأخرى مثل الإعاقة الحركية ،وقد بدأ الاهتمام بتربية المعاقين في القرن التاسع عشر في فرنسا ثم أمتد ذلك إلى عدد من الدول الأوروبية ومن تم إلى الولايات المتحدة الأمريكية فقد ظهرت فكرة الحماية والإيواء في الملاجئ وذلك لحمايتهم وحماية المجتمع منهم حيث يصعب عليهم التكيف معه ، تم تطورت تلك الخدمات وأصبحت تأخذ شكل تعليم الأطفال المعاقين المهارات اليومية في مدارس ومراكز خاصة بهم ،وعلى ذلك تعود جذور التربية الخاصة إلى نهايات القرن التاسع عشر حيث يعتبر (إيتارد ) وهو طبيب فرنسي من أوائل المهتمين والمؤرخين لبدايات التربية الخاصة في فرنسا وأول من قام بتشخيص وتربية الصم كا يشير حسن المنسي وايمان المنسي، وقد كان لقيام حركات الإصلاح كالثورة الفرنسية والثورة الأمريكية وحركة الإصلاح الاجتماعي وكذلك الحربين العالميتين الأولى والثانية وما نتج عنهما من أعداد كبيرة من المعاقين ونقص في الأيدي العاملة الدور الكبير في إنشاء المؤسسات الخاصة لتأهيل ورعاية المعاقين وفي النظر إلى هذه الفئة بإيجابية أكثر وأنهم فئة يمكن أن تكون منتجة بدلاً من أن تكون عالة على المجتمع إلا أن المناهج التي تقدم لهم كانت هزيلة وبمدرسين أقل كفاءة ،وصدرت بعض القرارات مثل القرار( 94\42 )لسنة 1975 في أمريكا بشأن توفير التعليم المناسب لجميع المعاقين في بيئة غير مقيدة ونادت بفكرة الدمج "(المنسي ،المنسي ، 73:75:2005)أما في عالمنا العربي فقدتم الاهتمام بالرعاية الاجتماعية على شكل عمليات تطوعية من أصحاب البر والإحسان لتقديم الدعم المادي والمعنوي للمحتاجين ،أمافي قطاع المعاقين فلازالت الخدمات غير كافية ولا تغطي النسبة المئوية المقررة حيث تؤكد الإحصاءات العالمية أن واحداً من عشرة أشخاص في العالم يعاني من إعاقة جسدية أو نفسية وهذه النسبة عالية جدا وتنسحب على عالمنا العربي الذي يقع في نطاق الدول النامية ،(أفنيخر ،7:1999)،وحديثاً حيث التطور التكنولوجي في العلوم التطبيقية والإنسانية وتطور الأبحاث والدراسات المتعددة ،وتطور وسائل الاتصال بحيث أصبح العالم قرية صغيرة ،إضافة إلى نمو الشعور العالمي بأهمية وقدرة هذه الفئة من أبناء المجتمع ،كما أن لاهتمامات بعض الهيئات مثل هيئة الأمم المتحدة أثره الواضح على الدول والهيئات والجمعيات الحكومية والأهلية التي تطالب بحقوق الإنسان إلى غير ذلك من الحقوق ففي ميثاق الأمم المتحدة عن حقوق الطفل جاء في المادة (27) "أن الطفل المعاق عقليا وجسديا يجب أن يتمتع بحياة كاملة كريمة ضمن الشروط التي تؤمن الكرامة وتقوي الاعتماد على النفس وتسهل مشاركة الطفل الفعالة في المجتمع" ،فالنظرة الحديثة للإعاقة والمعاقين بنيت على أساس علمي هو أن الفرد المعاق كغيره من الأفراد يتمتع ببعض القدرات والإمكانيات والخصائص إذا تمت تنميتها بالشكل الصحيح أصبح الفرد المعاق قادرا كغيره من الأفراد العاديين على القيام بالأعمال التي تتلاءم مع هذه الإمكانيات والقدرات ،كما تشير هذه النظرة إلى اشتراك الخصائص الوراثية والبيئية و الاجتماعية والصحية والثقافية في حدوث الإعاقة" ( افنيخر ، 2002 : 18 – 19 )هذا كان في سائر أنواع الإعاقات أما فيما يتعلق بالنظرة للأطفال المعاقين حركيا ،كان شأنها شأن الإعاقات الأخرى في عدم حصولها على الاهتمام والرعاية اللازمين في العصور الغابرة من التاريخ القديم ،ويوضح الخطيب هذه النظرة فيقول في المجتمعات القديمة لم يكن الأطفال المعاقون جسميا وحركيا مقبولين اجتماعيا ،فقد كانت هذه المجتمعات تعتبرهم عبئا ثقيلا عليها ولهذا كانت تتخلص منهم بأشكال متنوعة ،ويذكر أنهم تلقوا أنواعا مختلفة من إساءة المعاملة والرفض ، ولقد عرف الإنسان الإعاقة الحركية منذ أقدم العصور فشلل الأطفال مثلا عرفه الإنسان منذ أكثر من خمسة الآف سنة إلاأن أول وصف عيادي واضح ظهر له عام (1789) ، وأول حملة واسعة النطاق للتطعيم بلقاح السالك نفذت عام (1954) وبعد أن كان شلل الأطفال أكثر أسباب الإعاقات الحركية شيوعا في عقد الأربعينات من القرن الماضي ،فقد تم القضاء عليه تقريبا في أغلب دول العالم في عام( 1966) وعُرف الشلل الدماغي من قبل المصريين وفي الحقب المسيحية الأولى ، وأنه قدتم تمييزه عن شلل الأطفال وقد ظهرت بعض الكتابات الطبية عن الشلل الدماغي عام (1497 الخطيب ،37:1998 )،ويشيرالخطيب إلى جهود بعض العلماء فيذكر بعضهم أمثال وليم لتل وهو جراح عظام بريطاني(1880-1894 )والذي يعد أول من قدم وصفا عياديا للشلل الدماغي ،سماه عندئذ بالشلل الطفولي التشنجي ،وبناء على ذلك كان الشلل الدماغي يعرف باسم مرض لتل ،وفي النصف الأخير من القرن التاسع عشر أزداد الاهتمام بالشلل الدماغي وتمثل هذا في دراسات ومحاضرات مهمة حول أسباب الشلل الدماغي قام بها كل من وليم جاورز في بريطانيا ووليم أوسلر في الولايات المتحدة الأمريكية ،وتجدر الإشارة إلى أن الاهتمام بعلاج الشلل الدماغي في أواخر القرن التاسع عشر كان منصبا على الجراحة وتحسين مستوى الضبط الحركي ،وفي عام (1897) وصف عالم النفس الشهير( سيجموند فرويد) والذي عمل طبيباً للأعصاب عدة سنوات في كتاب له بعنوان الشلل الدماغي الطفولي أنواع الشلل الدماغي المختلفة وقد تُرجم كتابه هذا إلى اللغة الإنجليزية عام (1968)، وفي الأربعينيات كان (لايريك دنهوف) أبلغ الأثر في تطوير البرامج العلاجية للمشلولين دماغيا ومنذ ذلك الوقت أزداد الاهتمام بتربية الأطفال المشلولين دماغيا وتأهيلهم ، وفي الربع الأخير من القرن العشرين طور (ربنسون كروترز) بعض الأساليب لمعالجة الشلل الدماغي ،وأسس (ويتروب فليس) أول مؤسسة خاصة لتأهيل الأشخاص الذين يعانون من الشلل الدماغي ،ومع بدايات القرن العشرين أصبح هناك شعور عام في الأوساط الطبية بعدم كفاية وفاعلية أساليب العلاج الطبية التقليدية ولذلك انبثقت البرامج التدريبية والتربوية نتيجة القناعة بأن الجراحة والرعاية الجسمية لايكفيان ،وقد تطورت البرامج التربوية والتأهيلية لخدمة الأفراد المعاقين حركيا والذين يمكثون لفترات طويلة في المستشفيات بسبب إصابتهم بأمراض مثل شلل الأطفال وسل العظام وغيرها من الأمراض والإعاقات ،وبعد ذلك أصبح هناك أحساس تدعم وأزداد تدريجيا بحاجة ذوي الإعاقات الحركية الشديدة إلى البرامج التربوية الخاصة ، وهكذا كان الأشخاص ذوي الإعاقات الحركية والجسمية الشديدة يمكثون في المستشفيات أوالبيوت ،وقد تغيرت الصورة تدريجيا مع بداية القرن العشرين حيث بدأت بعض الدول بإنشاء صفوف خاصة بالمعاقين حركيا في المدارس العامة ومع إدراك المجتمعات الإنسانية وتفهمها للحاجات التربوية الخاصة للأطفال المعاقين حركيا وجسميا ،انبثق الاهتمام بإعداد وتأهيل المعلمين للعمل مع هذه الفئة من الأطفال وكانت نماذج التعليم متنوعة وتشمل التعليم في المنزل أوفي المستشفى أوفي الصفوف وأنشأت بعض الدول مدارس خاصة للأطفال ذوي الإعاقات الحركية وكانت هذه المدارس مكيفة بشكل خاص من حيث المداخل والأبواب والحمامات وما إلى ذلك لتسمح لطلاب بالتحرك والتنقل دون حواجز ،ومازالت الصفوف الخاصة والمدارس الخاصة بالمعاقين حركيا موجودة في كل دول العالم إلا إن التوجه الحديث يتمثل في دمج هولاء الطلاب في المدارس العادية الحكومية (الخطيب ،38،1998) ،ويـــــــــــــــــــذكر غسان ابوفخر انه تم إنشاء أول مــعهد للمعـــــــــــاقين حــــركيا في عام (1899)في لندن وفي عام (1904) تم إنشاء أول صف خاص في الهواء الطــــلق في بــرلين)أبوفخر ،11:1992 (ومن بين الاتجاهات الخاطئة النظر إلى الإعاقة على أنها حالة مرضية ملازمة للفرد المعاق ونابعة منه ترتبت على ذلك عدة تسميات ملازمة لهذه الفئة مثل (عاجزون أوذوو عاهات أومشوهون ..) وأصبح التصنيف سائدا ومتعددا وبحسب النظرة الاجتماعية، وترى الباحثة إن هذه التصنيفات أدت إلى فكرة تكريس العزلة لكل هذه الفئات وترتب على ذلك إقامة بعض المراكز والمؤسسات والتي لاتكفي الحاجة لإيواء ورعاية العدد القليل منها ، فقد ذكر مدحت أبو النصر تطور تسميات المعاقين على مر العصور ،فقد كان يطلق عليهم اسم الأعمى والأعرج والكسيح والأطرش والأخرس والمجنون ، ومنذ حوالي منتصف القرن العشرين أطلقوا عليهم المقعدين تم تغيرت التسمية إلى ذوي العاهات على أساس أن كلمة الإقعاد توحي باقتصار تلك الطائفة على مبتوري الأطراف أو المصابين بالشلل أما مصطلح العاهة فهي أكثر شمولاً بمدلول العيوب أو الإصابات المستديمة ،ثم ظهر مصطلح العاجزين وتعني في اللغة الإنجليزية تكبيل اليدين ،تم تطورت النظرة إليهم على أساس أن العجز نسبي وليس مطلقا وجزئياً وليس كلياً بمعنى أن الشخص المعاق قد فقد قدرة أوعضوا أو حاسة أووظيفة ولم يفقد باقي القــــدرات والأعضاء والحـــواس والوظـائف "( أبو النصر .8،2004) و في بعض الدول العربية مثل مصر كانت تستعمل كلمة الشواذ وكانت وزارة التعليم بها إدارة أسمها ( إدارة تعليم الشواذ ) وكانت المدارس التي تتبعها يطلق عليها أسم مدارس الشواذ وهي مدارس المكفوفين والصم والبكم والمقعدون ) وبعض الشواذ الذين يعانون من صفات شاذة في المجتمع وهؤلاء يعانون من صعوبة في التكيف ويحتاجون إلى التأهيل ، ويحتاج هؤلاء الأفراد النادرين إلى مدارس خاصة ومعاهد تدريب باعتبارهم في ذلك المجتمع معاقين ،ولم تتغير هذه التسمية إلا في الستينات من القرن الماضي. ( شرف ،11،1982) ويشير مدحت أبو النصرإلى تم ظهور اصطلاح المعوقين والذي يعني في اللغة الإنجليزية عدم القدرة ،إلا إن المصطلح تغير إلى المعاقين وليس المعوقين وذلك يكون مصطلح المعوقين يعني في اللغة تعويق الآخرين وشغلهم ، وأيضا قد يشير المصطلح ضمنيا إلى أن الشخص نفسه هو المسئول عن إعاقته مع أن هناك كثيرا من الإعاقات ترجع إلى عوامل وراثية أوعوامل بيئية لاذنب فيها للشخص المعاق ،يقول الله تعالى في كتابه الكريم :( قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً ) ( الأحزاب :18)،والمعوقون في الآية هنا المثبطون للهمم والصارفون عن الرسول صلى الله عليه وسلم والقتال معه في موقعة الخندق عندما جاء الأحزاب المشركون لمحاربة الرسول صلى عليه وسلم والمسلمين وهم في المدينة المنورة ،أما مصطلح المعاقين فلا يشير إلى تعويق الآخرين ويعني ضمنيا أنهم ليسوا المسئولين عن إعاقتهم بل قد ترجع إعاقتهم كما تمت الإشارة سابقا إلى عوامل وراثية أو بيئية مثل الحوادث والإصابات والأمراض المعدية وغير المعدية ،أيضا المشكلة ليست في الشخص المعاق أكثر مماهي في المجتمع نفسه ،فالمجتمع هو الذي قصر في وقايتهم من الإعاقة وهو الذي عجز عن الكشف المبكر عن إعاقتهم وهو الذي عجز عن استيعابهم والاستفادة منهم رغم مالديهم من قدرات ومواهب ومميزات ،ثم ظهر مصطلح الفئات الخاصة أوذوي الاحتياجات الخاصة لتشير إلى هؤلاء المعاقين وحقهم في معاملة ورعاية خاصة دون الإشارة إلى كلمة الإعاقة في التسمية ، والفئات الخاصة مصطلح يطلق عادة على كل مجموعة من أفراد المجتمع بغض النظر عن أي فروق فردية بسبب الجنس أوالسن وغير ذلك ، بحيث يتميز أفراد المجموعة بخصائص أوتسميات معينة تعمل إما على إعاقة نموهم الحسي أو الجسمي أوالنفسي أو الاجتماعي أوالعقلي وتوافقهم مع البيئة التي يعيشون فيها وإما أن تعمل هذه الخصائص إلى إمكانيات متميزة يمكن الاستفادة منها وتوجيهها بحيث تفيدهم في هذا النمو بكل جوانبه ، وكما هو ملاحظ من هذا التعريف أن مصطلح الفئات الخاصة أوذوي الاحتياجات الخاصة أفضل وأعم من مصطلح المعاقين ، حيث أضاف الإعاقة الاجتماعية الفئات مثل (المجرمين الكبار والمسجونين والأحداث المشردين والجانحين والمدمنين ) مع الإعاقات الأخرى ، أيضا أشار إلى أصحاب القدرات الخاصة مثل المتفوقين دراسيا والمبدعين والمبتكرين على أساس أنهم بالفعل فئة تحتاج إلى معاملة خاصة ، وبعد ذلك ظهرت تسميات أخرى أقل انتشارا من التسميات الأخرى مثل المتحدي أومتحدي الإعاقة لتشير إلى إرادة التحدي لدى المعاقين في تحدي إعاقتهم وفي تحدي الظروف المجتمعية الصعبة التي لاتقدرهذه الفئة وفي تحدي المشكلات الاجتماعية والنفسية والصحية التي يواجهونها "(أبوالنصر ،9:2004 ) ،وتتفق الباحثة مع كاتب كتب مقالاً في أحد المواقع في شبكة المعلومات الدولية وهوموقع أطفال الخليج ذوي الاحتياجات الخاصة ليس المهم الجدل حول إطلاق التسمية حيث يقول "لاشك أن تسمية ذوي الحاجات لائقة وأكرم لـ"المعاق " كما كانت نفس الكلمة المعاق قبل خمسين عاما أفضل وقعا من مشلول أو أعمى أو معتوه وغيرها من التسميات حيث إن التعبير الجديد لوصف المعاق بذي حاجة خاصة وبالتالي ربط إعاقته بالأجهزة والتسهيلات والاحتياجات التي تعوض قصور وظائف أجزاء من جسمه لايمكن تعميمه على كافة المجتمعات التي لاتزال تفسر الإعاقة أيا كان نوعها على أنها ضرب من العقاب الإلهي على خطايا اوذنوب اقترفها الأجداد ويحمل وزرها الأحفاد ويقول نعم لــ "ذوي الحاجات الخاصة"بشرط أن تتوفر في شواطئنا منحدرات يستخدمها المعاق حركيا للنزول إلى البحر دون أن ينزل عن الكرسي ويطلب من الناس ان يحملوه إلى البحر، وبشرط أن يقف الشخص نفسه في محطة انتظار حافلات النقل العام للصعود إلى الحافلة بواسطة مصعد ركب في الباب الخلفي للحافلة ، ويقول إذا كانت كل المسميات سالفة الذكر جاءت من الغرب ولا ضير في ذلك وصل إلى مستوى لم يعد معه إصابة الشخص المعاق والمصاب بقصور وظيفي في عضو من جسمه تحول بينه وبين ممارسة حياته بكافة ألوانها ، ولم تعد للحواجز والمعوقات إي أثر في حياته اليومية ، فإننا في العالم الثالث لازلنا " معوقين " مادامت سلسلة الشروط التي أشرت إلى بعضها سابقا قائمة ، وإن تغيير المسميات لن يحل المشكلة إنما سيعفي المجتمع من المسؤولية واعتقد أن التخلي عن تعريف المصاب بقصور عضوي بـــ"المعوق " هي شهادة اعتراف إن مجتمعاتنا حققت الشروط واستوفت كافة الالتزامات وأكملت تكييف بيئاتها والمرافق العامة ووفرت الخدمات المساندة والأجهزة التعويضية وعدلت العوائق الهندسية ولم يعد ثمة وجود لعائق يقف دون تكافؤ الفرص والمساواة الكاملة ،أي أننا انتقلنا من مرحلة تذليل المعوقات وتوفير الحاجات إلى مرحلة تطوير كفاءات المعوقين ورفع مهاراتهم وإتاحة الفرصة إمامهم لكي يمارسوا إنسانيتهم دون عوائق مادية ولا حواجز اجتماعية ونفسية وعلى قدم المساواة مع المواطنين الآخرين ، بيد أن وضعنا في الواقع لايعكس ذلك .فإذا كان الغرب قد قطع مراحل عظيمة تجاه مساواة المعاقين بغير المعاقين وأزالت مجتمعاته معظم مظاهر التمييز السلبي والايجابي ، سواء في العمل أو في المرافق العامة اوالبيئات الاجتماعية الأخرى ، فإن مجتمعاتنا لازالت بحاجة إلى تغيير نظرة إفرادها تجاه المعوقين ووضع القوانين ونظرة تأخذ بعين الاعتبار الحاجات الخاصة للمعاقين في كافة المرافق ، ليس هذا احجافا اوتنكرا للجهود المتمثلة في كثير من البرامج والنيات الحسنة التي تعمل على تذليل الصعاب أمام المعوقين وتوفير السبل لهم لكي يعيشوا كغيرهم لا أكثر ولا اقل)شبكة المعلومات الدولية (www.gufkids.com، وتؤيد الباحثة القول السابق وتضيف إليه ضرورة أن تكون الخدمات التي تقدم لهذه الشريحة على مستوى المساواة والعدل لاعلى مستوى الشفقة ، فإننا ضمنا عندما ننظر لذوي الحاجات كذوي حقوق بل وذوي واجبات وكحاملي إعاقة وليس معوقين ،فحينها لن نتجادل في إطلاق المسمى لأننا لن نرى معاقين أو ذوي حاجات بيننا.
المصادروالمراجع :ـ
1.أبو النصر مدحت محمد ..تأهيل ورعاية متحدي الإعاقة .علاقة المعاق بالأسرة من منظور الوقاية والعلاج .إيتراك للنشر والتوزيع : القاهرة .2004.
َ2.أبو فاخر غسان عبد الحي .التربية الخاصة للأطفال المعوقين .مطبعة الاتحاد .دمشق .1992.
3.القذافي محمد رمضان .1988.سيكولوجية الإعاقة .الدار العربية للكتاب . الجماهيرية.
4.الخطيب جمال ..الإعاقة الحركية والشلل الدماغي .دليل المعلمين والآباء .دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع :الأردن .1998 .
5.الخطيب جمال .مقدمة في الإعاقات الجسمية والصحية .دار الشروق :الأردن .1998
6.افنيخر يحي .الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة .مطبعة دار العلم .دمشق .1999.
7.افنيخر يحي .التأهيل المهني لذوي الاحتياجات الخاصة .دار العلم .دمشق .2002.
8.إسماعيل شرف .تأهيل المعوقين .المكتب الجامعي الحديث . الإسكندرية .1982.
9.موسى فاروق عبد الفتاح .النمو النفسي في الطفولة والمراهقة .الطبعة الثانية .مكتبة النهضة المصرية : القاهرة .2004.
ساحة النقاش