قد نعجب إذا لاحظنا أن جامعة القاهرة أكبر وأقدم جامعات مصر والتي تحمل اسم "القاهرة" لا تقع في محافظة القاهرة بل في محافظة الجيزة، ولكن لا داعي للعجب فهناك قصة وراء هذا التناقض الذي قد يتبادر إلى الأذهان، ولمعرفة أسبابه يجب أن نعود بالزمن لأكثر من قرن من الزمان.
تعود فكرة إنشاء جامعة مصرية إلى طلاب البعثات المصرية الذين أرسلوا إلى أوروبا في عصر محمد على، ومن خلفه من الأمراء، حيث شاهدوا هناك الجامعات العريقة التي تضم بين جنباتها أقساما وكليات لتعليم الفنون والعلوم والآداب المختلفة، فبدأ التفكير في إنشاء جامعة مصرية تواكب النهضة الحديثة للبلاد، وتسير على خطى الجامعات الأوروبية.

وقد بدأ الحديث عن تنفيذ تلك الجامعة على أرض الواقع من جانب بعض الأفراد ومنهم "أحمد باشا المنشاوي" الذي أعلن عن نيته لإنشاء جامعة مصرية على نفقته الخاصة ناحية "باسوس" و"أبى الغيط" بمحافظة القليوبية، وبدأ فعليا في بحث نفقات ومستلزمات إنشاء مثل تلك الجامعة، ولكنه توفي قبل أن تخرج فكرته إلى النور.

 ولم تكن فكرة إنشاء جامعة بالفكرة السهلة حيث كانت تحتاج في ذلك الوقت إلى تضافر الجهود والإمكانيات المادية من العديد من الأشخاص لإمكانية إنشاء مثل تلك الجامعة، ولذلك فقد بدأ كبار رجال الفكر في المجتمع المهتمين بإنشاء الجامعة في ترتيب أفكارهم من أجل تنفيذ أملهم في تكوين جامعة مصرية، وبالفعل تم عقد اجتماع تأسيسي في منزل سعد زغلول عام 1906، حيث تم اختيار اللجنة التحضيرية وتألفت من سعد زغلول وكيلا للرئيس

العام، وقاسم أمين سكرتيرا للجنة، كما استقر الأمر على إسناد رئاسة الجامعة إلى الأمير أحمد فؤاد " الملك فؤاد فيما بعد" وتمت تسمية الجامعة "بالجامعة المصرية"، وبدأت الدعوة للاكتتاب العام للمساهمة في إنشاء الجامعة.
وتم الافتتاح الفعلي للجامعة في 21 ديسمبر عام 1908، في المبنى المخصص حاليا للجامعة الأمريكية بالقاهرة، ولكن لم يكن هذا المقر الذي افتتحت به الجامعة ملكا لها، حيث كان يتم تأجيره في العام الواحد بمبلغ يصل إلى 400 جنيه، وهو مبلغ كبير بحسابات ذلك الزمن، وكانت الجامعة في حاجة إليه، بالإضافة إلى أن صاحب هذا المبنى وكان شخص أجنبي يدعى "نستور جناكليس" كان يريد إنهاء مدة إيجارها عقب أربع سنوات من افتتاحها؛ فانتقلت الجامعة إلى سراي محمد صدقي بميدان الأزهار بشارع الفلكي، ليكون مقراً مؤقتا لها،  ومن هنا بدأ البحث عن حل لمشكلة مقر الجامعة.

في ذلك الوقت علمت الأميرة فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل بمشكلات التمويل والبحث عن مقر دائم للجامعة، وذلك عن طريق طبيبها "محمد علوي باشا" الذي كان عضوا بمجلس الجامعة، وبما عرف عنها من كثرة مساهماتها في أعمال الخير، فقد أوقفت مساحة ستة أفدنة من أراضيها الزراعية بالدقهلية على الجامعة حتى تجري ريعها عليها لتضمن بذلك للجامعة مصدرا للتمويل، كما قررت منح الجامعة قصرها الخاص بالجيزة ليكون هو والأراضي المحيطة به مقراً دائماً لها.
وهنا بدأت التصميمات توضع لما سيكون عليه الشكل النهائي لمقر الجامعة،

حيث تم الاستقرار في نهاية الأمر على تصميم على الطراز الحديث، وتقرر بناء القسم الأول من التصميم وتبلغ مساحته نحو أربعة آلاف مترا، ويشتمل على مركز الإدارة العامة، ومجال تدريس العلوم الأدبية والقانونية، وغيرها من العلوم التي لا تحتاج إلى تدريبات عملية.
وقد كانت مدة الدراسة بالجامعة ثمانية أشهر من نوفمبر إلى يونيو، بواقع إعطاء 40 درس في كل مادة علمية يتم تدريسها، مع تحديد رسم دخول لقاعة الدراسة لكل طالب محدد بأربعين قرشا في السنة.

وقد احتفل بوضع حجر الأساس لها في 31 مارس عام 1914، وكتبت عليه العبارة التالية:
"الجامعة المصرية، الأميرة فاطمة بنت إسماعيل، سنة 1332 هجرية"
.وأثناء الاحتفال، الذي تحملت الأميرة فاطمة تكلفته، أعلنت أن سائر تكاليف البناء سوف تتحملها كاملة أيضا، وقد قدرت آنذاك بـ26 ألف جنيه مصري، ولذلك تبرعت ببعض مجوهراتها لتوفير السيولة المادية للجامع عن طريق عرض تلك الحلي والجواهر للبيع عن طريق إدارة الجامعة، التي قررت بيعها خارج القطر المصري، وكانت تشتمل على:
عقد يشتمل على قطع من الزمرد ويحيط بكل قطعة منه أحجار من الماس البرلنت، وسوار من الماس البرلنت، يشتمل على جزء دائري، يتوسطه حجر ماسي، وزنه 20 قيراطا، حوله 10 قطع كبيرة، مستديرة الشكل.
كذلك كان من ضمن المجوهرات التي عرضت للبيع ريشة من الماس البرلنت على شكل قلب يخترقه سهم، مركب عليها أحجار ماسية مختلفة الحجم، وعقد يشتمل على سلسلة ذهبية، تتدلى منها ثلاثة أحجار من الماس البرلنت، وزن الكبير منها 20 قيراطا، والصغيران يقترب وزن كل منهما من 12 قيراطا، وأخيرا خاتم مركب عليه فص هرمي من الماس يميل لونه إلى الزرقة، وقد بيعت تلك المجوهرات بمبلغ يصل إلى 70 ألف جنيه مصري.
وبعد خروج الجامعة من أزمتها المالية وبناء المقر الدائم لها في منطقة أملاك الأميرة فاطمة بالجيزة، نجحت الجامعة في جذب أعداد كبيرة من طلاب العلم من المصريين والأجانب، وكانت لا تزال جامعة أهلية غير معترف بها حكوميا، فبدأت أنظار المسئولين بالحكومة الاتجاه إليها منذ عام 1917، حيث تكونت لجنة للنظر في تحويلها إلى جامعة رسمية فتم الاتفاق على أن تكون كلية الآداب هي نواة الجامعة على أن يتم ضم مدرستا الطب والحقوق للجامعة وكان ذلك في عام 1923، ثم توالى انضمام الكليات والمعاهد الأخرى للجامعة.
وفي عام 1940 صدر قرار بتحويل اسم الجامعة من الجمعة المصرية إلى "جامعة فؤاد الأول"، وعقب قيام الثورة وبالتحديد في 28 سبتمبر عام 1953 تم استبدال اسم جامعة فؤاد الأول إلى "جامعة القاهرة".

المصادر:
•    موقع عشرينات
•    ويكيبيديا العربية
•    موقع مئوية جامعة القاهرة
•    موقع جامعة القاهرة/
•    جريدة الشرق الأوسط العدد 10730 .

  • Currently 437/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
145 تصويتات / 1692 مشاهدة
نشرت فى 3 يونيو 2009 بواسطة orangeno

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

32,097