غالباً ما تنجرّ المحادثات إلى التعبير عن المواقف تجاه القضايا المختلفة وهذا أمر طبيعي، ولكن الأمر الذي ينبغي تجنبه دائماً هو أن نعبّر عن رأينا بصيغة التقييم والحكم... فإن هذا من شأنه أن يثير حفيظة الطرف الآخر ويجرح مشاعره وربما يحسسه بانتهاك الكرامة الأمر الذي يدفعه باتجاه رد فعل معاكس وربما عنيف يحول دون مواصلة الحوار.. وذات مرة أطلق أحد المحاورين حكماً تقييمياً تجاه مستمعه إذ قال له:
- إنك جديد في تجاربك ولم تنضج بعد وهذا أمر ينقصك فينبغي عليك أن تتعلم أولاً ثم تأتي للحوار معي!!.
- إنك لا تفهم هذه الأمور والأفضل أن لا تتحدث فيها!!.
- حقاً إنك لا يمكن الاعتماد عليك.
- إنك واطي المستوى وغير مسؤول..
وواضح أن مثل هذه الطريقة في المحادثات تحفّز عند المستمع مكامن الغضب وتوقظ عنده الشعور بلزوم رد الفعل الدفاعي - وهو رد فعل قد يكون طبيعياً بما أننا بشر حيثما نشعر بانتهاك كرامتنا.
صحيح أحياناً نصادف محاورين لهم من المرونة وسعة الصدر والمهارة ما يعينهم على تجاوز هكذا حالات إلاّ أنّ الأعم الأغلب لا يملكون هذه السماحة والصبر فيثورون ضدّنا وبالتالي سيكون إمكان التفاهم فضلاً عن التعاون والتنسيق في خبر كان...
وليس هذا فقط بل سينعكس الأمر على الموضوع الأصلي للمحادثات وربما يتحول مجرى الحديث إلى صراع شخصي وينحرف الكلام حتى يصبح موضوع الاجتماع ثانوياً وهذا بالتأكيد ليس الهدف الذي دخلنا من أجله للاجتماع...
من هنا يتضح أن النقد والتقييم للآخرين ليس دائماً صحيحاً بل وفي الكثير من الأحيان يضر ولا يفيد لأنه يقلب الود إلى توتر والتفاهم إلى عراك وربما يجدّد جروحاً جئنا من أجل تضميدها..
لذا يقترح أن نستبدل التقييم بتغذية معلوماتية تتضمن شرح آراءنا ومشاعرنا وطموحاتنا وتوقعاتنا إزاء سلوك الطرف الآخر فمثلاً يمكن التعبير هكذا:
- لاشك أن مجال عملك يحتاج إلى المزيد من الخبرة وطول النفس وأرجو الله أن يساعدك على التوفيق فيه..
- بالرغم من النجاحات الكثيرة التي حققتها في عملك إلاّ أن هناك العديد من المجالات بحاجة إلى مواصلة وتجارب جديدة..
- من الطبيعي أنّك ملتفت إلى أننا كبشر نخطئ ونحتاج إلى التعلم دائماً حتى نتمكن أن نحقق طموحاتنا وأهدافنا.
وأنت تلاحظ أن هذا التعبير في نفس الوقت الذي يتضمن نقل الرأي بصورة مباشرة وإيجابية يدفع الطرف الآخر إلى المزيد من المنطقية ويحثّه باتجاه المزيد من المعلومات والتجارب بلا تجريح ولا خدش... وفي نفس الوقت قد يستبطن بعض الإشارات إلى جهات النقض.