ما بين ممكن ؟ وربما و يا ليت , وبين حواجز ودهاليز لولبية بطول حوالي 500 متر , ومكوث وتلكؤ من سلطات الاحتلال استغرق حوالى الساعة والنصف , ذلفنا المعبر عند حاجز الطيبة غربي مدينة طولكرم , لنجد انفسنا مرة واحدة داخل الخط الاخضر وفلسطين المحتلة عام 1948م بكاملها مفتوحة امامنا .
قلت لسائق سيارة الاجرة ــ الميكروباص ــ وهو من مدينة الطيبة القريبة من المعبر , واحدى اكبر مدن المثلث اسمه ابو العبد : اسمع يا اخي هذه الرحلة هي رحلة العمر ومن يدري متى يتجدد عهد اللقاء بهذه البلاد التي نعشق , لذلك نريد منك ان تتجول بنا في مدن الشمال المحتل . قال : هذه الجولة تحتاج لأكثر من يوم , لكن سأذهب بكم الى ثلاث من اشهر مدن الشمال , وان عدتم فسأصحبكم الى بقية المدن . قلت : اتفقنا . شريطة ان نصلي الجمعة في جامع احمد باشا الجزار في مدينة عكا . قال توكلنا على الله , ستكون محطتنا الاولي عروس الشمال الفلسطيني مدينة حيفا , حيث سنمر على اشهر معالمها , ساريكم ميناءها الشهير وحديقة البهائيين او حدائق حيفا المعلقة , ثم اعرج بكم على الحي العربي فيها . بعد ذلك نتجه نحو عكا لنصلي الجمعة في مسجد الجزار , ونجلس فترة على الشط ونتسلق سور عكا الشهير , ثم نغادر الى بحيرة طبريا ارض معركة حطين الشهيرة , نمر في طريقنا على العديد من القرى العربية الخالصة , وسأعود بكم من طريق اخري ليتسنى لكم مشاهدة الكثير من البلدات العربية في منطقة المثلث كعارة وام الفحم وكفر قرع وغيرها .
انطلقت بنا السيارة في شارع صغير بمسرب واحد على اطراف مدينة الطيبة الى مفرق بيت ليد حيث مررنا بمدينة قلنسوة التي لا تبعد كثيرا عن مدينة الطيبة , وهي مدينة عربية خالصة . اتجهت السيارة غربا نحو مدينة ( ناتانيا ) وهي مستعمرة زراعية صناعية على البحر اقيمت على انقاض قرية عربية اسمها ام خالد , الطريق الى المدينة واسع بعدة مسارب على جانبيه خمائل من شتى الالوان لشتى انواع الازهار مرتبة بطريقة فريدة تأخذ بالألباب , قال ابو العبد : سنصل بعد قليل الى الخط الساحلي ( حيفا ــ يافا ــ القدس ) , وهو الخط الرئيس الذي يربط شمال فلسطين بجنوبها على الساحل مباشرة , حيث لن يغيب البحر المتوسط عن اعينكم الا ليظهر ثانية طوال الرحلة حتى عكا . 
وصلنا المفرق على ابواب مدينة ناتانيا فمالت بنا السيارة شمالا باتجاه عروس الشمال , قلت : كم تستغرق المسافة الى مدينة حيفا ؟ قال : هي حوالي 80كم نقطعها عادة في ساعة حسب تياسير المولى . ثم قال : بعد قليل سنمر على مرفأ للصيادين قرب مصب وادي الخضيرة الشهير , نستريح قليلا واعمل لكم احلى غلاية قهوة , لتتذوقوا القهوة بالنكهة الفلسطينية الاصيلة . قلت : الله عليكم يا اهالي الخط الاخضر , لم تغيركم سبعون سنة من الاحتلال , وما زلتم محافظين على الاصل والاصالة . 
فعلا وصلنا شاطئا يظهر عليه انه شعبي يستخدمه الصيادون حيث استمتعنا بمنظر البحر ساعة الصباح ومنظر الصيادين , والتقطنا الكثير من الصور التذكارية , واستمتعنا بأطيب فنجان قهوة عربية اصيلة على النار , وانطلقنا بعدها مرة اخري صوب الشمال , قال ابو العبد : سنمر بعد قليل على بلدة كيسارية, وهي بلدة مختلطة بين العرب واليهود تتميز بمزارع الاسماك على جانبي الطريق , تحيط بها المستعمرات من كل الجهات , بعد ذلك مررنا ايضا على بلدة كبيرة قال : هذه بلدة جسر الزرقاء , وهي ايضا عربية خالصة . ثم على تل على يمين الشارع بلدة الفريديس العربية ايضا العربية الخالصة , والتي استولى المستوطنون على سهلها الساحلي الخصيب , وابقوا لهم التلال . قلت : صدقت والله يا ابا العبد , لو اردنا التوقف عند كل بلدة عربية نمر بها لاستغرقنا اياما طويلة , فكل بلدة تحتاج الى يوم كامل للتجول في احيائها , وتقبيل عيون من صمدوا فيها وحافظوا على طابعها العربي الفلسطيني الاصيل . 
على مشارف مدينة حيفا وعلى اليمين مفرق الكرمل , الجبل الممتد والذي من فوقه تشرف على مدينة حيفا ومينائها والساحل الفلسطيني بأكمله حتى مشارف القدس , وهو جبل ممتد يضم الحديقة الوطنية ومحمية طبيعية (اسدوت ناحور) , على حوافه مجموعة من القرى والمستعمرات الصهيونية دالية الكرمل وعسفيا وعين حوض وعتليت , و قرى منطقة الروحة المهجرة . وعلى سفوحه من جهة المدينة جامعة حيفا , وحدائقها المعلقة .
بقلوب تكاد تقفز من الصدور حطت بنا السيارة في قلب مدينة حيفا ,المدينة التي انتظرت رؤيتها بفارغ الصبر , مدينة وديعة هادئة بأحيائها العربية واليهودية , رابضة مرابطة على شاطئ المتوسط خلف مينائها العريق , قال ابو العبد : سأعرج بكم على الميناء , ميناء يضج بالحركة والسفن بين تحميل وتنزيل , فهو الميناء الرئيس على ساحل المتوسط , اليه تاوي السفن التجارية المحملة بالبضائع , ومنه تنطلق الصادرات الى دول العالم , اخذنا بالتقاط الصور , لكنني سرحت بفكري وبلعت ريقي وخرجت من جوفي زفرة دون قصد , انا اقف الان قبالة الميناء الذي شهد انطلاق شرارة اضراب عام 1936, ضد سلطات الاحتلال البريطاني بعدما اكتشف العمال صناديق الاسلحة والذخائر بإس من سلطة الانتداب البريطاني لتسليح للعصابات الصهيونية وتسهيل هجرة اليهود الى فلسطين , في الوقت الذي كانت تحكم بالإعدام على كل عربي تجد في بيته رصاصة ولو كانت فارغة . 
انطلقنا بعد ذلك الى حديقة البهائيين , قبالة الميناء تبعد عنه حوالي 500 متر , وهي اجمل ما وقعت عليه عيني من الحدائق , الحدائق البهائية في حيفا والتي تسمى بحدائق حيفا المعلقة هي حدائق تقع حول ضريح الباب ( في الديانة البهائية ) على جبل الكرمل . تعتبر هذه الحدائق رمزاً من رموز حيفا المعاصرة , وأحد أهم الأماكن السياحية في الأراضي المحتلة . بناها الإيراني ( فريبرز صهبا ) . بدأ العمل بها عام 1987. وافتتحت للعامة في حزيران عام 2001 . تأخذ الحدائق مساحة كيلومتر طولياً على سفح جبل الكرمل اما عرضها فقليل وتغطي 200,000 متر مربع من الجبل , في نهايتها مسجد ومقام للباب , يقال انها تضم قبور بعض افراد اسرة الباب بهاء الله : آسيه خانم زوجة بهاء الله الأولى , بهية خانم ابنة بهاء الله , ميرزا مهدي أصغر ولد لبهاء الله من زوجته الأولى . تحوي الحدائق لمسات فارسية كالتي توجد في شيراز في إيران وفي كشمير . دخلنا الحديقة وتجولنا في انحائها ابهرنا جمالها ونظافتها واشجارها وتنسيق ازهارها ونوافيرها وشلالاتها , ودرجها الممتد من اسفل الحديقة الى اعلاها بمسربين يفصل بينهما شلال من الماء , في استراحات على راس كل عدد من الدرجات , والتي يقال ان تعدادها 1500 درجة . 
خرجنا بعد ذلك الى الحي العربي القديم وشاهدنا البيوت العربية , قال السائق : هذا وادي النسناس وهذه السرايا القديمة والسوق العربي والمدارس , لكن ما اوجد في الصدر غصة ان اليهود يحيطون به من كل جانب , اضافة الى ما علمنا ان الحكومة تضع قيودا على البناء للعرب فيها , تهيئة لإخراجهم منها كما تفعل باهلنا في مدينة القدس .
كانت الساعة حوالي العاشرة قلت للسائق بشيء من الاسى دعنا ننطلق فما بقي على الصلاة سوى ساعة ونصف , قال : الوقت معنا , فالطريق لا يستغرق اكثر من نصف ساعة . ركبنا السيارة وانطلقنا باتجاه مدينة عكا والتي سأتحدث عنها في الجز الثاني لرحلتنا العتيدة رحلة العمر ان كان في العمر بقية , طبتم وطابت اوقاتكم