دائماً ما تدعم الحقائق الإستنتاجات الواقعية)

كتب ماليفاري من لندن الى الدكتور بريدنستين هذه الكلمات المعبرة ((نحن في تنظيم من الإخوان من كل أنحاء المعمورة)) رغائبنا ومصالحنا مشتركة، تهدف الى تحرير الإنسانية، ونرغب في قهر كل صنوف الإستبداد، بيد أن هناك شيئاً بالكاد يشعر به مع أنه يثقل كاهلنا، من أين أتى أين هو؟ لا أحد يعرف أو على الأقل لا أحد يخبر.
تلك هي المقاربة الموضوعية التي سأحلق من خلالها عالياً في فضاء وفنار الموضوعة قيد البحث والدراسة، لا شك ان مفردة التضحية والإيثار ونكران الذات تختلف من حيث المضمون والجوهر والدلالة عن مفردة التنازل والعناد والإصرار، ففي عالم السياسة عالم المصالح والفنون هناك قاموس للتعامل والتحاور يختلف كلياً لا جزئياً عن قاموس التعاملات والحوارات على مستوى العلاقات الفردية والمجتمعية العادية، هذا القاموس يكاد يخلو من الإشارة الى مفردة العناد لإعتبار ان السياسي الذي يعتمد المكابرة والعناد والشخصنة كإسلوب وسلوك له لم يعرف ولن يذوق في حياته طعم النجاح والفوز.
أن التضحية كما هو معلوم تختلف عن التنازل بالمضمون والمحتوى والأبعاد، وفي الدين الإسلامي كما في الديانات الآخرى هناك نماذج وأمثلة كثيرة، أما في ميدان



الحياة العامة والخاصة في تاريخ الشعوب والأمم والحضارات والقيادات السياسية والعسكرية فهناك الكثير الكثير.
أن القول بمبدأ الشراكة والمشاركة في العمل السياسي أو غير السياسي سيما إذا كانت تتعلق بمجموعة أو طيف يلتقي في مقتربات ومشتركات كثيرة ومتنوعة ومتعددة، طيف تعلم مبادئ التضحية والإيثار منذ نعومة أظافره، لاشك يفترض على مكونات ذلك الطيف وقواه السياسية والوطنية والدينية والعمل وفق مبدأ الإيثار والتضحية ونكران الذات لأجل تحقيق المصلحة والمصالح والنفع العام الذي تعاهدت مكونات ذلك الطيف على ضمانه للبيئة الإجتماعية التي تقف وراءه والإبتعاد قدر الإمكان عن عامل الشخصنة والنرجسية التي غالباً ما تقود صاحبها الى الوقوع في الزلل وسلوك الدروب غير الصحيحة الدروب المليئة بالاشواك والأخطار المحدقة والتضحيات الجسام التي ربما تفضي بالنهاية الى هلاك ليس صاحبها وحسب وإنما شركاءه وأبناء جلدته.
إن الديمقراطية كلمة مطاطية تحتمل الكثير من التفسيرات وهي متجددة من حيث المبادئ التي تحويها في كل عصر وزمان، ومن يقول أنه ديمقراطي عليه أن يتذكر مدى وحجم التضحيات التي قدمها بناة ومؤسسي الديمقراطية إبتداءً من المسلمين الأوائل ورجوعاً الى أفلاطون وأرسطو وهلم جرا.
وعليه أن يثبت للناس كما لنفسه أنه يصارع لغياة خدمة الديمقراطية لا خدمة ذاته والديكتاتورية.
إن الثقة بالنفس شيء جيد لكن الثقة المطلقة الى حد الإيمان بالقدرة التي ترقى الى مستوى عبقرية حقيقة شيء غير جيد وغير نافع مالم تاتي صفة العبقرية من حكم أهل الخبرة والعقلاء والحكماء والإختبار في ميدان الفعل والعمل على أرض الواقع، إذ لا يمكن للفرد أو القائد أن يصف نفسه بالشجاع والعبقري إن لم يبرهن عبر أساليبه وسلوكياته وقراراته الشجاعة والحاسمة في القضايا المصيرية والحساسة بأنه أهل للصفة والجدير بتحمل المسؤولية من دون كلل أو ملل أو خطأ أو حتى زلة في القول أو الفعل.
إن التاريخ يحدثنا عن شخصيات برزت في ميدان من ميادين العلوم الإنسانية وغير الإنسانية وأخرى إشتهرت بعبقريتها في ميدان السياسة أو الإقتصاد أو الثقافة الى الدرجة التي صنفت ووصمت بذلك التصنيف نظراً لما قدمته من إنجازات وإبتكارات للبشرية وحققت رقي في ميدان العلم أو القضية التي تصدت لها وهذا ما يمكن سحبه على الشخصية التي تطرح نفسها كقائد في ميدان السياسة أو سوح الوغى.
إن القيادة كما هي الفروسية سيان لايفترقان، فالفارس كيما يكون فارساً عليه أن يتعلم أولاً كيفية ركوب ةإمتطاء الجواد ثم في مرحلة تالية كيفية الجلوس على ظهر الجواد عبر السرج المثبت فوق ظهر الجواد ثم في مرحلة ثالثة كيفية السيطرة والإنضباط وعدم الشعور بالرهبة والخوف من الحركة وتحرك وجري الجواد هكذا دواليك الى ان يتمكن الفارس من القيادة الناجحة لجواده سواءً في ميدان الحرب أو ميدان السباق والهدف واحد في كلا الميدانين ألا هو الفوز وإقتناء الجائزة الكبرى المتجسدة في الحصول على لقب ((الفارس)) أو ((القائد)).
إذاً حتى يصبح المرء فارساً أو قائداً فإن عليه أن يمر بمحطات إختبار عديدة، كما أن عليه أن يواجه الصعاب والتحديات بروح عالية وصبر ونفس طويل بالإضافة الى حاجته الى التدريب والفحص والمشورة والإحتفاظ بالقدرة على إتخاذ القرار في اللحظة والتوقيت المناسب ولا ننسى بالطبع ضرورة تملكه الستراتيجية التي تبيح له وتمكنه من إنجاز هدفه ليس الآني وإنما البعيد الأمد.
إن أهم صفة من صفات القائد السياسي الناجح في أدبيات السياسة وقواميسها كما في نواميسها التحلي أو الجمع بين خصلتين هما ((دهاء الثعلب وقوة الأسد)) وبمعنى أدق عنصري الدهاءوالقوة، والسياسي كما هو القائد الذي لا يستطيع المزج أو الخلط بين العنصرين أعلاه فإنه يصبح سياسي أو قائد غير متكامل لسبب بسيط وهو أن إقتناء خصلة الدهاء لا تكفي إن لم تردف بصفة القوة والشجاعة، فما فائدة أن يكون السياسي أو القائد داهية في أفكاره وغير شجاع في ردة فعله وما فائدة أن يكون قوياً وشجاعاً إن لم يكن داهية في أفكاره ومناورته. ولنا في التاريخ تجارب وأمثلة كثيرة سقط فيها قادة وزعماء وساسة أما بسبب ضعفهم في مستوى القيادة أو بسبب من إفتقارهم الى خصلة الدهاء.
والخلاصة التي اخرج بها مما تقدم أن الحاجة الى القوة تكملها ضرورة التحلي بخصلة الدهاء وبالعكس. ومن يتابع المشهد السياسي العراقي اليوم يستطيع أن يدرك أهمية موضوع المقال الذي اطرقه هنا ويستطيع أن يتلمس أيضاً العلة التي تعاني منها القيادة السياسية في العراق الجديد، وهنا أود القول أن أزمة القيادة السياسية ((الكارزمية)) أو ما يمكن أن أسميه بـ((الفراغ القيادي)) يعود بالدرحة الأولى الى ضعف أن لم نقل إنعدام دور الحلقات الوسطية في المؤسسات والفاعليات الحزبية التي يتحتم أن تضم ما يمكن أن اسميها ((بالقيادات الجاذبة)) التي تكون حلقة الوصل بين القمة والقاعدة ولا مناص من القول أن القيادات الجاذبة التي أقصدها هي تلك التي تنحدر من الوسط الثقافي الوطني المستقل أو المتحزب.
والمعلوم ان أزمة القيادة تلك لا تنحص عند العراق وحسب وإنما تمتد الى البلدان العربية التي تعاني من تلك المشكلة الأزلية والسبب يكمنو يعود بالدرجة الأولى الى الإنقسام وحالة التهميش التي تتعرض لها بعض مكونات المجتمع العربي بسبب رفض مكونات أخرى تدعي الحق الأزلي أو التاريخي في السلطة والسلطانالى الحد الذي دفعها الى تأسيس نظم ملكية أو جمهورية وراثية مقصورة على لون طائفي وعرقي معين.
بالإضافة الى أن اغلب القادة والزعماء والرؤساء ينطلقون ويطرحون أنفسهم بالتعكز أما على الدين أو الفكر القومي الذي يصير صاحبه سلطان ما بعده سلطان وليس في الأمة قرين له، إذ هو من جانب يمثل الدين والإسلام ظاهرياً ومن جانب آخر يمثل القومية العربية ؟؟؟؟ الخاص ناهيك عن صفة العبقرية والشجاعة والدهاء التي يضيفها على نفسه أو من خلال بعض القلميين والمؤسسات
الإعلامية.
من هنا تبرز الإشكالية بشقيها المحلي والإقليمي، ولا شك أن للشق الإقليمي وبالذات العربي إنعكاس وتأثير على الشق المحلي (العراقي)، إذ وكما تدلل ذلك الوقائع التاريخية أن المحيط العربي والإقليمي للعراق كان في كل الزمان والعصور السبب في الحؤول دون نمو((القيادة الكارزمية)) في الوسط السياسي العراقي وليس أدل على ذلك من مساهمة ذلك المحيط في تصفية وإغتيال الزعامات السياسية والوطنية والدينية العراقية التي أظهرت في حقب تاريخية متعاقبة لا سيما تلك التي تظهر من مكون ووسط الأغلبية وتنادي بتأسيس الدولة الديمقراطية، وأعتقد أن الخطوة الجبارة التي يمكن ان تقبر تلك التدخلات هي التركيز على بناء دولة الديمقراطية التي تاخذ من التعددية والفدرالية مبادئ جوهرية، فالفدرالية هي المفتاح الصحيح الذي يفتح الباب أمام الأغلبية لإنتشال بيئتها ووسطها من واقع المأساة والمعاناة والتدخلات التي تريد أن تجعل من ذلك الوسط وتلك البيئة دائماً في وضع الخادم أو العبد والآخر هو السيد والسلطان.
وهكذا فإن على الإئتلافيون الإلتفات الى والنظر الى تلك النقطة المفصلية والحساسة التي تحتاج الى دراسات معمقة وتضحيات كبيرة وتنازلات واقعية لغاية عدم تكرار الأخطاء السياسية التي وقع فيها اسلافهم من الساسة والوطنيين الذين دفعوا حياتهم ثمناً لبطولات عدها الآخرون فارغة ولم تشفع لهم في دفع الضريبة المطلوبة للخطوة بـ((صفة أو هوية العربي)) من الدرجة الأولى وإنما ضل تبعياً ومتهم بالولاء الى الفارسية.
إن إسطوانة التبعية والولاء لغير العراق ستبقى تدور وسيظل صاحب الإسطوانة يكرر مضمونها الى ما لا نهاية وستظل تلاحق كل سياسي وقائد مهما قدم من التنازلات والتضحيات في سبيل الآخر الذي لم ولن يتخلى عن النظر الى إمتلاك السلطة والسلطان في العراق من منظور تاريخي وحق يمكن أن يسميه بـ الالهي كما كان ملوك أوربا يفعلون ذلك.
وسوف يظل يصف نفسه ((بالعراقي الأصيل)) أو ((الوطني الغيور)) وسيظل ينسب الى نفسه البطولات وسوف يظل يعتبر نفسه ((القائد الفذ)) الذي لا يمكن للعراق أن يقاد من دونه، وسوف يظل يتهم الاخر بالعمالة والخيانة وعدم الولاء الى يوم يبعثون.
بقي أن أعلق على افشكالية التي وضعت على قائمة افئتلاف وكياناتها السياسية نفسها فيها، إذ وكما هو معلوم إن السياسة ((فن الممكن)) ولو كان هناك عمل بهذا المبدأ لكان بالإمكان إحتواء إشكالية مرشح الإئتلاف لرئاسة الوزارة الدستورية كيف! عبر آلية التوافق لا الإنتخاب أولاً ومن خلال طرح مرشحين من القائمة ثانياً معروفين بتقارب الأصوات المؤيدة لهما والتي أثبتتها عملية الإنتخابات التي حصلت داخل وفيما بين أقطاب الإئتلاف الموحد،. ومن هذا المنبر الإعلامي الحر الجريء أدعو الإئتلاف الموحد بزعامته السياسية والدينية الى مراجعة خياراته وآلياته الديمقراطية والدفع بمرشحيه الى البرلمان كخطوة ثانية تعقب بالطبع البحث والبت في الخيارات والبدائل الخاصة بالتعامل مع مرشحي كتلة التحالف الكردستاني وكتلة التوافق الخطوة الأولى. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. وللأمانة أقول إن حالة الحساسية والتنافس الحاد والعناد الشديد من قبل بعض تيارات وقوى وشخصيات الإئتلاف الموحد هي التي ورطتهم في مغامرة ومقامرة لا أستبعد ابداً ان تنتهي بمأاة تطال نتائجها وسطهم الإجتماعي الذي سأم المعاناة والحرمان والظلمات فهل يعتبرون!!
وأخيراً على كل سياسي يرمي ويتطلع الى القيادة السياسية الكارزمية والتصدي للمسؤولية في الوزارة الدستورية أن يأخذ بالحسبان النقاط التالية:
1- إن معرفة العدو على حقيقته هي الخطوة الأولى في طريق الإنتصار عليه.
2- إن التهويل بقدرة العدو أمر يؤثر في معنويات الشعب، وهو هدف كل حرب نفسية يقوم بها العدو.
3- إن التهوين من قدرة العدو أمر لايقل خطورة عن التهويل له.
4- عدم معرفة العدو على حقيقته جريمة لا ؟؟؟؟؟؟ نتيجتها المفاجأة بعدو لم نعد له الإعداد الكافي وهذا ما حصل في النجف عام 2003 وسامراء 2006.
5- أن يدرك إن الفئة الأهم في كل امة هي التي تقبل التحدي فتستعد لعدوها لتواجهه بعناد وعتاد أقوى مما عنده.
6- أن يدرك ويعمل بـالمبدأ التالي ((إن العقل لا الجسم يجب أن يكون هدف الهجوم)).
  • Currently 135/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
45 تصويتات / 493 مشاهدة
نشرت فى 4 مايو 2006 بواسطة nsma

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

234,241