* ماجد صالح السامرائي
تحاول هذه القراءة للفكر النهضوي العربي، في ما كان له من مشروع تحديثي، أن تقدم نفسها في بعدين، ومن خلال مرحلتين تحققتا لهذا الفكر... وطموحها هو في أن تحلّل، وتنقد، بعض الأفكار التي داخلت أُطروحات جيلين من النهضويين العرب. وتأخذ هذه القراءة نفسها بمثل هذا التّوجه انطلاقاً من/ وتأسيساً على إدراكها لوجوه الصراع، في الحاضر كما بالأمس القريب، التي عاشها الفكر العربي النهضوي في ما كان له من أُطروحات أساسية... ويتمثل هذا الصراع في تحديين رئيسين يبرزان اليوم على نحو كبير الخطورة على الأُمة ومشروعها النهضوي:‏
ـ فنحن نواجه اليوم تحدي العولمة، بما هي رؤية للعالم يطرحها الغرب وهو يفكر لنفسه، وتعتمدها الولايات المتحدة الأمريكية أساساً لأمركة العالم.‏
ـ والتحدي الاستعماري ـ الغربي، متمثلاً بعودة الاستعمار إلى الوطن العربي بصورته الكولونيالية (الاحتلالية) القائمة على: نهب الثروات، وتعطيل حركة التنمية والتقدّم، وشلّ المشروع النهضوي العربي في أساسياته...‏
الأمر الذي يضع الفكر العربي المعاصر أمام أزمة فعلية، تمثل مشكلة راهنة على أكثر من طرف وجانب:‏
ـ فهنالك أزمة/ مشكلة العلاقة بالعالم الحديث، بما يتبنى هذا العالم من قيم كولونيالية يحرّك بها توجهاته ومؤسساته...‏
ـ وهناك أزمة/ مشكلة العلاقة بتراث الأُمة وتاريخها، وبالتالي هويّتها الثقافية والحضارية في مواجهة التفكير /التوجّه العولمي/ الكولونيالي الجديد.‏
ـ ومن جانب ثالث هناك الأسئلة الأساسية التي يطرحها الفكر العربي الحديث بشأن المستقبل، والتي تثير أزمة فعلية في العلاقة مع "الآخر ـ الغربي" في ما يتحدّد به خطابه تجاه ما يدعوه "بقية العالم".‏
ـ وهناك أيضاً هذا التمزّق في الخطاب العربي الراهن بين: اتجاه تغريبي عولمي، يتمثّل في ما نجد فيه تفتيتاً لكيانية الثقافات والحضارات، وإعادة صياغتها وفاقاً لمتطلبات المشروع العولمي الجديد... واتجاه سلفي يناهض هذه الحركة من خلال التمسك بالماضي والانطواء عليه... واتجاه فكري ـ تنويري يأخذ بأساسيات الوجود القومي ـ التاريخي للأُمة في محاولة لتجديد الوعي بكل من الثقافة العربية والتاريخ العربي، وإعادة بناء هذا الوعي على أساس يحكمه تطلّع إنسان هذه الأُمة إلى دور حضاري وإنساني جديد في العالم المعاصر، وتأخذ فيه الثقافة دوراً أساسياً على صعيد المستقبل.‏
وإذا كانت هذه القراءة ستتبنى منظوراً فلسفياً من خلال ما تتقصاه في المشروع النهضوي/ العربي، فإنّها، من جانب آخر، ستبني نتائجها على كون الفلسفة قائمة في كل خطاب. فبمجرّد أن يكون هذا الخطاب خطاباً تغييرياً، فإن الأساس الفلسفي له هو ما تقوم عليه توجهاته الرامية إلى بناء فكر جديد لواقع جديد....‏
ومع أن من بين مفكرينا من نجده يذهب في تعيين حدود التنوير فيرى فيه عملية فكرية ثقافية، فإنه، في الوقت ذاته، لا ينفي عنه البعد الفلسفي وما له من دور رئيس فيه.‏
* التأسيس على كيانية واضحة‏
ستدور هذه القراءة في ما تتبنى من أفكار على ثلاثة محاور:‏
ـ وسترصد في المحور الأول حالة الاستجابة الفكرية العربية لحركة (أو لفكرة) الحداثة كما ترشحت من الفكر الغربي الحديث...‏
ـ وفي المحور الثاني تحاول تقصي التكوينات المتحققة فعلياً لهذه الاستجابة في الفكر العربي الحديث...‏
ـ بينما سيتم التركيز في المحور الثالث على الاتجاه الليبرالي (التحرري) في الثقافة العربية الحديثة، وفي الفكر العربي الحديث، في ما كان له من تعبير عن نزوعات الاتصال بالفكر الغربي، في محاولة لنقل "التجربة" وتبييئها في المجتمع العربي، واعتبار الواقع العربي، المتشكّل ذاتياً من خلال تراثيته التاريخية، واقعاً متخلفاً يحكمه تأخر واضح، وأكيد، عن مسارات العصر بحضارته الحديثة. وقد رأى هذا "التيار" أن الأخذ بأسباب التقدم، في مثل هذا الواقع، يجب أن يرتكز إلى "الآخر ـ الأوروبي"، ويستمد مقوماته الأساسية منه ـ لأنَّ حضارة هذا "الآخر" وثقافته تتضمنان جميع عناصر التقدّم.‏
فإذا ما تساءلنا عن البعد الفلسفي الذي شكّل إطاراً لهذا كله، فذلك انطلاقاً من فكرة مؤداها أن أي تيار فكري لا يمكن له أن يحقق علاقة تفاعلية مع الواقع، أو يؤسس لـ رؤية مستقبلية لهذا الواقع ما لم يكن قائماً على فلسفة ـ بمعنى كون "الفلسفة هي الفكر العقلي في أرقى مراتبه وأعمق إدراكاته وأوسع تصوراته، أي الفكر الأقدر على معالجة أسئلة الحرية والهوية والحقيقة والدولة والتاريخ..." (ناصيف نصار: التفكير والهجرة ـ دار النهار ـ بيروت ـ 1997 ـ ص326). ذلك أن ما يُؤسَّس على بُعد فلسفي يكون تأسيسه متيناً بنياناً... بل أن هذا البنيان المتين ـ كما في نظر بعض مفكرينا ـ لا يمكن أن يقوم، في الفكر، إلا إذا تأسس على ما يدعوه بـ "الاستقلال الفلسفي". والفكر النهضوي العربي، بمشروعه الثقافي ـ الحضاري، كان على وعي بهذا، وهو يحاول نقض التخلّف فكراً وواقعاً للخروج من حالة التردّي والحبوط. وقد ظهرت معالم هذا الموقف في أساسيات الرؤية النهضوية وهي تنطلق من/ وتبني حضورها على حقيقة أساسية، هي: الإيمان بإمكان تحقيق النهضة... وقد تقدّمت الإمكانات الذاتية الإمكانات الواقعية في هذا السبيل. فقد رأى المفكرون النهضويون الأوائل أنه إذا كان التخلّف والتأخر والانحطاط تمثّل أزمة أخذت شكل ظاهرة تاريخية مركّبة، فإن عملية تجاوز هذا كلّه إنَّما يتحقق من خلال وعي الأزمة وإدراك أبعادها الواقعية، وليس من خلال القفز عليها. لذلك نجد هذا الوعي قد عبّر عن نفسه في تلك الأسئلة التي أثارها الفكر النهضوي العربي في حقبته التأسيسية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، معبّراً فيها/ ومن خلالها عن "الحل" انطلاقاً من المعطيات التي وجدها كامنة في واقعه ذاته. فقد أحلّوا فكرة الإمكان الممكن نقيضاً، وضداً، لحالة العجز المطلق ـ الذي كان أن تحكّم بحياة الناس وفكرهم على امتداد ما اصطلحنا عليه تسمية "عصر الانحطاط" الذي ستكون نهايته بفعل فكر هؤلاء النهضويين الأوائل، وفي ما سيحدثونه، بتأثير الحركة الفاعلة لهذا الفكر، من تطوّر في البناء الثقافي للمجتمع العربي الحديث.‏
* أسئلة النهضة‏
حين ركّز المشروع النهضوي العربي، في ما تمّ تشكيله بداية، على الثقافة فلأنه كان يدرك أن الثقافة عنصر حيوي في بناء ذات الأُمة، تمهيداً لإعادة تشكيل واقعها على أُسس تاريخية جديدة... فقد كانت هناك حالة فراغ ثقافي، كما كان هناك فراغ حضاري تسببت فيهما تلك الحقبة الطويلة للانحطاط. ومن الإحساس بهذين الفراغين، والإدراك لخطورتهما، كان السعي قد انصبّ على إيجاد بديل ثقافي في ما للأُمة من واقع ـ يتمثل فيه وجودها التاريخي... فمضت العملية في اتجاهين متوازيين:‏
ـ فأولاً: كانت هناك عودة حية إلى تراث الأُمة، الأدبي والفكري، وإعادة كشف عمّاله من جوهر حضاري، بكل ما يتضمنه هذا التراث من نزوعات تاريخية، وبوصفه بعداً حياً، يمكن أن يكون فاعلاً في عملية بناء واقع جديد على أُسس تاريخية ذات جذور حية.‏
ـ وثانياً: كان هناك التوجه نحو معرفة "الآخر ـ الغربي ـ بوصفه ثقافة وحضارة تمثل البعد الفعلي/ المتحقق للتقدّم.‏
ومن هنا سنجد المفكرين النهضويين الأوائل وهم يصوغون تصوراتهم الواضحة لهذين البعدين من أبعاد العلاقة بالعصر، كما أرادوها وتمثلوها، ينظرون إلى هذين العاملين نظرة تأكيد لأهميتهما في ما اختطوا من مشروع جديد:‏
ـ فإذا كان التراث، كما دعوه وأقبلوا عليه، يمثل حالة حيّة، فإن بعث هذا التراث، وتجديده، يمثل، في حدّ ذاته، حالة تكامل للذات العربية، بما هو إبداع تاريخي لهذه الذات...‏
ـ وأما العلاقة بالآخر ـ الغربي، ثقافياً وحضارياً، فإن النظر إليها قد تمّ من قبل النهضويين الأوائل بوصفها "تجربة" لها واقعها وآفاقها... فحاولوا قراءة هذه التجربة وتمثّل ما هو إيجابي من معطياتها التي قادت، أساساً، إلى إحداث التغير والتحول في حياة تلك المجتمعات الغربية وفي بناها الأساسية.‏
وقد انعكس هذا الموقف بكليّته في فكرهم الذي كانت له تجلياته الواضحة في هذا السبيل، فإذا نحن أمام ذات نهضوية كما أرادت التماهي مع تاريخها/ تراثها، فإنها كانت مدركة لأهمية التماهي مع العصر، بما يتفتّح عنه من روح جديدة/ مجدّدة.‏
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن تلك المرحلة النهضوية، بما سادها من فكر، كادت تخلو من التناقضات داخل فكرها. أما تناقضها... وأما صراعها فكان، أساساً، من عنصرين/ عاملين وجد هؤلاء النهضويون فيهما مناهضة لروح النهضة، وهما:‏
ـ الاستبداد الذي تمثل بواقع السلطة الحاكمة وأساليب سياستها...‏
ـ والتخلّف الذي عكس حالة هذه السلطة على الواقع وأُسلوبها في إدارته...‏
ومن هنا جاء مفهومهم للتقدّم مرتبطاً بمفهوم الحرية، ومرهوناً باستقلالية الذات الإنسانية، في سياق ما رأوا وجوب أن يتحقق من تحول وتطوّر تاريخيين في حياة المجتمع، وبذلك كان المشروع النهضوي العربي، في مرحلة البداية هذه، قد انتظم مساراً في خطين متوازيين ومتلازمين باتجاه تحقيق النهضة:‏
ـ فهناك الدعوة لتحرير الواقع من خلال تحرير الذات الإنسانية من رواسب التخلّف والقبول بالسلطة الاستبدادية المطلقة...‏
ـ وهناك حركة التنوير القائمة على فكرة الحرية، بشمولها الفكر والواقع، للإسهام في صياغة وتحقيق واقع جديد للأُمة وإنسانها.‏
وبهذا كان مدخل هذا الجيل إلى حياة النهضة ولتحقيق الواقع النهضوي مدخلاً يأخذ بالإقرار بما للإنسان من حقوق إنسانية ووطنية... وفي الوقت ذاته: بما يترتب عليه من مسؤولية تجاه الأُمة، وجوداً تاريخياً وواقعاً مجتمعياً، إذ أخذت هذه المسؤولية طابع الحقيقة في الفكر النهضوي نفسه، وانتدب هذا الفكر نفسه للتأكيد عليها. وقد وجد هذا الجيل أن الأمة، بالروح الحيّة لتراثها وبفاعلية تاريخها في حياتها الحاضرة، يمكن أن تستأنف دورها الفاعل في التاريخ من جديد، وفي عصر جديد تصنعه لنفسها، إن لم يكن للإنسانية جمعاء. وقد جاء مشروع هذا الجيل مشروعاً قومياً، بمعنى: إنه لم ينطلق من انتماءات ضيّقة (قطرية، أو إثنية أقوامية، وما شاكل) من غير أن يغفل قضية الصراع التي إذا كانت قد بدأت مع السلطة المستبدة، والممثلة لواقع التخلّف... فإنها ستتواصل في حياة الجيل التالي لتصبح صراعاً مع الاستعمار الغربي بصيغته الإمبريالية ـ الكولونيالية، ومع التخلّف أيضاً ـ والذي سيربطه هذا الجيل بالاستعمار وقواه المساعدة (من أنظمة وسلطات عربية تابعة لهذا الاستعمار...).‏
فإذا كان لنا، في سياق نظرتنا هذه إلى المشروع النهضوي العربي، أن نعدّ أسئلة النهضويين الأوائل أسئلة تأسيسية لواقع نهضوي جديد... فإن أسئلة الجيل النهضوي الثاني ـ على وجه التخصيص في حقبة ما بين الحربين العالميتين ـ ستكون أسئلة الفكر الباحث عن مسارات جديدة لحياة جديدة أراد هذا الجيل أن يكون للعقل دوره في بنائها... فكان البحث عن وسائل التحديث، وسبل تحقيق المعاصرة من الغايات المثلى لهذا الجيل ـ وهنا يشكل بدايات الموقف النقدي، فكرياً وسياسياً، وسيستند هذا الموقف إلى ما للفكر الإنساني من تاريخ... بل سيجد، في عديد الحالات، أن هذا الفكر الإنساني هو المصدر الأساس، إن لم يكن أهم مصادره.‏
* التمثّل بالغرب‏
كان هذا الجيل النهضوي الثاني أن قدم قراءات مغايرة لقراءة الجيل الأول ـ سواء في ما حمل من مشروع تنويري، أم في قراءة فكر الآخر ـ الغربي التي أصدر فيها عن معرفة أوسع وأكثر عمقاً. أما الموقف من التراث العربي ـ الذي كان أساسياً في بناء فكر الجيل الأول ـ فإن الموقف منه، هو الآخر، قد اختلف وتباين: فمنهم من قرأه بفكر نقدي عصري مستند إلى أساسيات منهجية غربية (طه حسين)، ومنهم من صفح عنه متجهاً صوب اليونان في القديم وأوروبا في الحديث (أحمد لطفي السيد). ومنهم من ازدراه دون أن يقربه (سلامة موسى)... فتكونت من ذلك حالة معقدة تداخلت فيها المعرفة الغربية الحديثة بتياراتها الفكرية والفلسفية، تواصلاً مع أصولها اليونانية... إلى أفكار التنوير، ومحاولات محاكاة أفكار النهضة الأوروبية...‏
ومع أن هذا الجيل ـ الذي جمع أسماء أُخرى إلى جانب من ذكرنا ـ كان أن قدم، على بداياته، مشروع قراءات يمكن وصفها بالتجديد والسعي إلى أن يحقق به تاريخه الخاص... إلا أن انجذابه إلى ما هو فكري وثقافي جديد قاده إلى تبني تيارات غربية الأصل والروح والجوهر. ولعلَّ من أبرز ما ظهر في تلك الحقبة كان التيار الليبرالي الذي سيحاول "أصحابه" أن يجعلوا منه مدخلاً لثقافة جديدة يدعمها فكر جديد (هو الفكر الليبرالي)(1)... الذي سيقوم على فلسفة خاصة به في النظر إلى الواقع العربي، ومن ثمَّ إلى المشروع النهضوي العربي، في محاولة لتشكيل حركة تقدم يمكن أن تتفاعل بأفكارها مع هذا الواقع تفاعلاً يأخذ بأساسيات المشروع النهضوي الغربي في هذا المجال ـ على الرغم من كونه يمثل نموذجاً ثقافياً وحضارياً يتجاوز، أو يقفز على الأزمة الحضارية الفعلية للمجتمع العربي، النابعة أساساً من العلاقة غير المتكافئة مع هذا "الآخر"... ممَّا جعل منها علاقة توتر وصراع، وليست علاقة قائمة على أساس الشراكة الإنسانية والحوار الحضاري.‏
لقد تمثّل الليبراليون العرب النهضة الأوروبية ـ التي كانت قد تشكلت وابتدأت قبل ذلك بنحو خمسة قرون من الزمن ـ وقد رأوا أن الواقع العربي الجديد يمكن أن يأخذ بما لها من نموذج حضاري متكوّن، فيسيرون على هدي سيره... ورأوا أيضاً ـ من غير أن تقوم رؤيتهم هذه على موقف نقدي ـ أن ما ينبغي أن يتمّ بالنسبة لمجتمعاتهم يمكن أن يجري في المسار نفسه الذي اتخذه الغرب الأوروبي لنهضته... فهي ـ بحسب نظرة هذا التيار ـ نموذج كامل التكوين علينا الأخذ به واتباع سننه الفكرية والحضارية.‏
إلا أن هذا الاتباع الذي دعوا إليه ـ على أساس القبول المطلق، وخارج أي موقف نقدي ـ سيجعل الكثير من أفكار هذا الجيل تُحمل على محمل التبعية، الفكرية والثقافية، للآخر ـ الغربي... وسيتمّ هذا في مرحلة لا يمكن أن تُعدّ "مرحلة مثالية" بالنسبة للحضارة الغربية، وإنما كانت مرحلة نفي للطابع الإنساني عن هذه الحضارة وقد تحركت بوجودها العسكري ـ الاستعمار نحو "الآخر ـ غير الأوروبي" بوصفها قوة حضارة متفوّقة عبّرت عن نفسها باستعمار الآخر... الأمر الذي وضع التطوّر الحضاري العربي المأمول، والمشروع النهضوي العربي أمام أزمة فعلية... إذ لم تكن المسألة ـ كما طرحها الفكر الليبرالي العربي ـ مسألة تعامل ثقافي وحضاري مع النهضة الأوربية ما أنتجت ـ وإنما أضحت، من خلال ارتداداتها السلبية على الواقع العربي مصدراً لأزمة فعلية في هذا الواقع الذي كان يتطلع إلى مجافاة التخلّف والانتصار على التأخر فإذا به يقع في قبضة استعمار أعاق هذا كله لصالح استمرار هيمنته. ومن هنا كان ارتباط النموذج الليبرالي بالوجود الاستعماري، في تلك المرحلة، ارتباطاً يشار إليه من باب التأكيد لحصوله.‏
هنا سيجد الفكر العربي، في توجهه القومي، نفسه، مرة أُخرى، في مواجهة مشكلة جديدة ستفاقم في مشكلاته القديمة، وأخصّ هذه المشكلات: التطور الحضاري العربي وفاقاً لنموذج مستقل. فقد كان الواقع، في حقبة ما بين الحربين، يطرح مشكلته بوصفها مشكلة تستدعي المعالجة بطريقة تاريخية وعلى أساس الوجود القومي للأُمة، وذلك من خلال تجاوز المشكلات المعيقة للنمو والتقدم الحضاري للمجتمع العربي. ولم يجد هذا الواقع في ما قدّمه الفكر الليبرالي من "نموذج بديل" حلاً لأزمته هذه، خصوصاً حين قدم هذا الفكر القضية على أساس كون التطور والتقدم هما حصيلة الحضارة الغربية ونهضتها الحديثة وأن كل رغبة، أو توجه، في تحقيقهما خارج "النموذج ـ الأصل" لا يمكن أن يحقق رجاء هذا الواقع في النهضة... فرهن، بذلك، فاعلية هذه الذات بالتقليد لا الإبداع.‏
وعلى هذا، سنجد البحث في الفكر الليبرالي والتيار الذي مثله في الثقافة العربية ـ في حقبة ما بين الحربين العالميتين ـ يثير إشكالات فعلية من خلال تعيين وتحديد المفهومات التي تبناها، أو انطلق منها بانياً أُطروحاته الأساسية عليها في ما أراد أن يُحلّ من مفهومات جديدة في الفكر العربي الحديث يجعلها على علاقة تلازم مع المجتمع العربي في حركيته الجديدة تحقيقاً لما دعا إليه رادة هذا الفكر من صيرورة ثقافية وحضارية مواكبة للعصر الأوروبي في ما يعيش ويعمل...‏
إلا أن أهم إشكالية ستبرز في هذا السياق هي قضية الصراع الفكري الذي سينطبع بطابع إيديولوجي يتحدّد به الطابع الفكري القومي العربي في ما يحمل من توجهات يتقاطع فيها مع الفكر الغربي الذي ستستثمره المؤسسة الاستعمارية لصالح مشروعها الكولونيالي ـ وهو ما سيجعل الفكر الليبرالي طرفاً في هذا الصراع في ما تبنى/ وتقدم به فكر تحديثي قائم على مقابسة نظيره الغربي مقابسة قبول وامتثال... آخذاً بالبعدين الثقافي والحضاري... مهملاً، أو صارفاً النظر عن بعده السياسي ـ وخصوصاً ما ينطوي عليه هذا البعد السياسي من حركية استعمارية. وسيكون هذا الموقف للتيار الليبرالي عاملاً فعالاً في ظهور إشكالية جديدة في الفكر العربي الحديث هي: إشكالية الأصالة والمعاصرة، والتي ستقع بين تيارين يختلفان نظرة، ويفترقان توجهاً... وهما:‏
ـ التيار القومي العربي الذي ينظر إلى الأصالة كونها إبداعاً مستمراً معبِّراً عن روح الأُمة ومجسداً لعبقريتها التاريخية ـ بما يفتح الأبواب لتفكير جديد وفكر جديد سينعكس، بدوره، على فهم هذا التيار للتراث وقراءته له قراءة جديدة...‏
ـ والتيار السلفي الذي سيتمسك بالأصالة كونها الاتباع لسنن السلف.‏
* لحظة الصراع الفعلي‏
إذا كان هذا التيار الليبرالي في الفكر العربي الحديث قد حرص، في جانب من عمله، على توطين الفكر الغربي في الثقافة العربية، فإن مفهوم هذه الثقافة، من جانب آخر، سيكون مفهوماً شاملاً. ولعل هذا هو ما يدعونا إلى متابعة المضامين الفكرية ـ من باب دراسة تاريخ الأفكار ـ لهذا التيار، خصوصاً وأن هذه "المضامين" كان لها دورها في ما اصطلحنا عليه معركة النهضة الحديثة، من طرف... كما كان لها، من طرف آخر، دور أي دور، في الصراع الفكري الذي دار، ونما في هذه المرحلة من حياة الفكر العربي الحديث، وبما أوجد من تيارات فكرية متعددة الاتجاهات والتوجهات تعدّد أُطروحاتها التي تقدمت بها إلى هذا الواقع الذي صار يتخلّق من خلال مفهومات: المعاصرة، والتحديث، والحداثة... إذ أضحت هذه المفهومات، بما انتظمت فيه من تيارات فكرية وأُخرى سياسية، منطلقاً لمعركة ثقافية ذات بُعد حضاري، عدّها بعض الباحثين العرب "معركة حيّة وذاتية للثقافة العربية"(2). (أبو يعرب المرزوقي: آفاق فلسفية عربية معاصرة ـ دار الفكر ـ دمشق: 2001 ـ ص18).‏
ولعل أهم ما جاء به هذا التيار الليبرالي هو أنه جعل من نفسه أساساً لحركة تاريخية بمعنى: تشكله في مجتمع ينتسب إلى أمة، وأن هذه الأمة وإن كانت تمثل وجوداً تاريخياً، حضارياً وثقافياً وإنسانياً... فإن التوجه من داخلها، مع الإقرار بكيانيتها هذه ينبغي أن يتمثل/ ويمثل مشروعاً جديداً يجترح لحظته، الثقافية والحضارية، في هذا الواقع، وذلك من خلال ما يأخذ به مشروعه هذا من تصوّر، أو يتخذ من أساليب التوجه والعمل لتحقيق ذلك(3).‏
غير أن الافتراق الجوهري بين هذا الاتجاه الليبرالي، والاتجاه النهضوي ـ التحديثي، وامتداده متمثلاً في التيار القومي العربي في الفكر العربي الحديث، سيكون بفعل نظر كل من التيارين إلى واقع الأمة، تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً... إذ سيرى هذا التيار الأخير أن للأمة وجوداً منوطاً بدور تاريخي... فإذا كان هذا "الدور" قد تراجع أو انقطع بفعل العامل الاستعماري... فإنه ينبغي أن يستأنف من جديد، وذلك من خلال تجديد روح الأمة وبعث رسالتها. في حين أخذ الاتجاه الليبرالي نفسه بالنظر إلى حاضر الإنسانية ومحاولة مقابستها أفكار نهضتها الجديدة. إذ وجد في هذا الاتجاه/ التوجّه مقومات فعلية لدور تاريخي جديد للأمة التي لا يمكن لنهضتها أن تتحقق بعيداً عن "روح العصر"، أو بمعزل عن "حضارة العصر" التي هي الحضارة الغربية الحديثة.‏
هذا من جانب. ومن جانب آخر، فإن نظرة التيار النهضوي الأول، بفكره الإصلاحي، ومن ثمَّ التيار القومي، بفكره التغييري الجذري، إلى وجود الأمة من خلال الربط بين تاريخية وجودها ـ حضورها الثقافي والحضاري الإنساني، وفاعلية فكرها الحاضر، هو ما جعل شروط نهضتها واضحة محددة وذلك من خلال النظر إلى الأمة في لحظة وجودها في الحاضر، ومن خلال التطلع إلى المستقبل ـ الذي يتمّ التأسيس له، بحسب منظور هذا التيار، من خلال معطيين:‏
ـ معطى النقد الجذري لإشكاليات الواقع العربي، سواء منها تلك التي تتصل بحاضره، أم تلك المتحدّرة إليه من ماضيه... نقداً يدعو إلى التخلّص من أسباب التأخر الحضاري.‏
ـ والمعطى الآخر هو معطى الوعي بالشرط الحضاري الجديد، في ما تتشكل منه السمات الرئيسة لهذا الواقع الجديد من خلال شرطه الحضاري ـ التاريخي.‏
ومع أن الفكرين ـ التوجهين، القومي والليبرالي، كانا يتحققان، ويتعينان، مفهوماً ورؤية، في لحظة تاريخية واحدة، فإن الصراع بينهما كان مصدراً من مصادر إغناء أُطروحاتهما، وعاملاً من عوامل تطورهما(4).‏
وسيفجر هذا الموقف (بما له من رؤية، وفي ما يتخذ من توجه) أبعاداً جديدة للصراع الفكري والثقافي، أخصّها، بالنسبة لمبحثنا هذا، هو الصراع بين الثقافة العربية قومية المحتوى والتوجه وبين الثقافة العربية في أبعادها التغريبية، كما انعكست لدى التيار الليبرالي... وهو صراع بين نظامين من المفهومات، ومسارين من التوجّه المستقبلي للأمة وإنسانها. وسيصبح، أخيراً، صراعاً بين ثقافة الهوية القومية، بكل ما لها من خصوصيات تاريخية وحضارية، وثقافة العولمة ـ وهما وجها الصراع الجديد بين الأمة في ما تطمح فيه من مشروع تاريخي إنساني النزعة قومي النزوع... ومطلقية غربية ـ استعمارية التوجه والغايات والأهداف ـ وهو ما يتجلى اليوم في واقع الصراع الراهن بين: الأمة في ما تريد لنفسها أن تكون بذاتها... وإرادة الآخر ـ الاستعمار الذي يريد وجودها مرهوناً بتبعيتها له.‏
* القفز على أسئلة النهضة‏
إلا أن هذا "الوعي الليبرالي" ـ وخصوصاً ما يتصل منه بالنهضة والمشروع النهضوي ـ لم يتحقق لهذا "التيار" من خلال الحقل الفكري العربي، ولا تحدّد، إلا تحديداً شكلياً، بسؤال الواقع العربي... وإنما كان أن تمَّ له من خلال النظر إلى التجربة النهضوية الأوروبية التي سيعتمدها معظم أصحاب هذا التيار أساساً لتكوينهم الذاتي، بما ترشح إليهم منها من معطيات ثقافية وفكرية. ومن خلال التركيز على لحظة محددة في تلك التجربة النهضوية الأوروبية، وجدوا فيها نقطة بداية لثقافة جديدة لمجتمع أرادوا له أن يتميز بثقافته، أكثر ممَّا يتميز باستقلاله السياسي والفكري والاقتصادي، فنقلوا إلى مجتمعهم "ثوابت" تلك اللحظة التي سيجد فيها التيار الفكري الآخر ـ القومي حالة قفز لا على مشكلات الواقع الراهن وحدها، وإنما، أيضاً، على أسئلة ذلك الجيل النهضوي الأول ـ والتي كانت أسئلة واقعية ـ تاريخية انبثقت عن عقل كان قد فكر بمشكلات واقعه تفكيراً سديداً، وعمل، ما وسعه العمل، على استخلاص أجوبته عنها من خلال دراسة الواقع دراسة قامت على التفكير بأهمية وضرورة إعادة بناء الذات الإنسانية للمجتمع، والواقع أيضاً، معتمداً في ذلك "الثوابت القومية" التي تشكل المرجعية الأساسية لوجود الأمة تاريخياً وثقافياً وحضارياً. وهي، فضلاً عن هذا، قد مثلت، بالنسبة للتيار القومي، لحظة مواجهة بين الأمة، إنساناً وتاريخاً وحضارة... و"الآخر ـ المستعمر" سواء كان هذا المستعمر قد جاء في صورة الاستعمار بشكله الرثّ الذي هيمن على مقدرات الأمة معطلاً فاعليتها التاريخية (متمثلاً بالأتراك العثمانيين)، أو بصورته الكولونيالية المنهجية، متمثلة بالغرب الأوروبي...‏
فإذا ما أردنا التخصيص والتحديد بنموذج لهذا التيار الليبرالي، سنجد في طه حسين علماً من أبرز أعلامه، وأوضحهم تمثيلاً لتوجهاته... فقد ذهب الرجل إلى النهايات القصوى في ما تقدّم به هذا التيار إلى الواقع من أفكار، وفي ما أراد أن يسود هذا الواقع من تفكير وتوجهات. وسنجده يعمل على الخروج بثقافة عصره فيضعها في سياق تاريخي مغاير للسياق النهضوي، كما تحدّد في مرحلته الأولى. ولعل الأساس في توجهات طه حسين هذه أنه لم يحصر الصراع في حقل النظرية والفكر النظري، وإنما كان أن تبنى النظرية ثمَّ نقل الصراع، وفاقاً لمفهوماتها، إلى الواقع الاجتماعي ـ الثقافي في بُعديه: الأدبي والتاريخي ـ وهنا سنجده من أكثر أبناء جيله جرأة في تقدير ما أصبح، بالنسبة له، حقائق يقينية... إذ عمد منذ كتاب "في الشعر الجاهلي" (1926) أن يعطي الأولوية والأهمية للعقل في تقدير قضايا الفكر والتاريخ. ومن خلال ذلك كان له أن يشك، ويحاكم عقلياً، ثمَّ يقرّر... جاعلاً العقل، لا الإيمان المطلق، سبيلاً لبلوغ الحقيقة.‏
فإذا ما جئنا إلى كتابه الآخر، الذي يتمثل فيه "مشروعه الثقافي" بأبعاده كافة ـ وأعني به: "مستقبل الثقافة في مصر"(1938)، سنجده يدعو فيه إلى الأخذ بالنتائج الثابتة للحضارة الغربية وثقافتها، داعياً إلى مصانعة الغربيين في ما فعلوا. وهو في دعوته هذه كان قد أخذ الحضارة الأوروبية وتمثّل فكرها وأفكارها في بعدين: الرؤية المباشرة (إن لم نقل الأخذ عنها والتقليد لها)... والاستيعاب لمعطياتها والانطلاق منها في ما يريد التأسيس له من ثقافة مستقبلية...‏
بل سنجده في هذا الكتاب بالذات يذهب في ما هو أبعد... ذلك أنه حدد جغرافية مشروعه الثقافي بالجغرافية الغربية من خلال القول بمتوسطية مصر. وقد قدمَّ "برهانه التاريخي" على صلة مصر بمحيطها المتوسطي (الأوروبي أساساً)، ليجد، في ضوء ذلك، أنها ثقافة وتكويناً ثقافياً أقرب إلى أوروبا منها إلى العرب والثقافة العربية. وبذلك كان قد حسم الأمر فأخرج "مشروعه الثقافي" من محيطه القومي العربي، وأراد لثقافة مصر المستقبل ـ وكمشروع نهضوي لها ـ أن تلتحق بفضاء آخر يتم لها بعزلها عن فضائها العربي. وعلى هذا فإنه أراد لمعنى المستقبل أن يتحقق لثقافة مصر من خلال انجذابها إلى الإيقاع التاريخي للحضارة الغربية المعاصرة، داعياً إياها إلى الاتصال بلحظتها النابضة بالحياة والحيوية. فقد كان طه حسين يتطلع إلى تحرير العقل وإعادة بنائه على أساس تاريخي آخر محتكم إلى ما وجد فيه شروطاً موضوعية تاريخية هي شروط الحضارة الحديثة الأوروبية، جاعلاً لمصر، بعد أن تكتمل لها شروط مستقبلها الثقافي على هذا النحو، أن تصبح "جسراً" أو "صلة وصل" بين أوروبا والوطن العربي ـ بما أوكل إليها من مهمة الإشعاع "على جيرانها من العرب" ـ على ما جاءت به عبارته.‏
بكلمات أخرى نقول: لقد أخذ طه حسين نفسه وفكره، ووجَّه مسارات تفكيره وفاقاً لمبدأ التعاصر، وبالزمانية الثقافية التي جعلها أساساً للزمانية الحضارية والتاريخية، ليجد أن التطور الاجتماعي والثقافي والحضاري هو، حصراً، عند "الآخر ـ الأوروبي" فدعا إلى الاتباع، وإن من خلال الإبداع.‏
ومع أن طه حسين كان يرى في الثقافة قوةً فاعلة بمقدورها أن تتفاعل مع حياة المجتمع فترتقي به، واقعاً وعقلاً وفكراً... إلا أنه ابتعد بهذه الثقافة عن شرط وجودها التاريخي... وجعلها في فضاء مفتوح على الآخر ـ الغربي، لا بقصد الحوار والتفاعل، وإنما بغاية الأخذ والاتباع.‏
وأما علاقته بالماضي العربي، تاريخاً وتراثاً، فقد أقامها على أساس كون كلاً منهما ـ التاريخ والتراث ـ يمثّل "حدثاً زمانياً"... ولذلك فإن هذا "الحدث" يخضع للتأويل من جانب... ويتحدّد بـ"معنى"، من جانب آخر ـ وهو ما يتعيّن عنده في صور من القراءة الجديدة لهذا كله. وكان الأساس لقراءته هذه هو الوعي بالحاضر وعياً أقام على أساسه تصوره للزمان التاريخي، وهو تصور نسجه على نول ذلك اللقاء/ الصدمة بالثقافة الأوروبية في ما عرف لها من شروط حضارية جديدة، أضحت بها عنده وحدها الحضارة التي تمدّ الفكر المعاصر، ومنه الفكر العربي، بما يقدم حلولاً لمشكلاته الثقافية والحضارية... معبّراً عن يقينه بأن كل تطلع إلى المعاصرة والتحديث ينبغي أن يعتمد، أساساً، على تلك الحضارة وفكرها، وعلى اتباع ما جاءت به من تطور. فقد وجد في هذا التوجه ما يكسر به "وثوقية العقل" الذي خضع، في مساراته التاريخية، لمسلمات بلغت عنده درجات اليقين، واستوت عليها مدارك هذا العقل الذي أراد له أن يعتمد "الشك" أساساً ومنطلقاً في ما يقدم من قراءة جديدة.‏
إلا أن المفارقة الفكرية ـ الموقفية التي انتهى إليها لها طه حسين تدعو إلى مزيد من التأمل: فقد تبنى العقلانية، واعتمدها أساساً في دراسات وقراءات له نستطيع أن نعدها جذرية، سواء ما كان منها للتراث والتاريخ العربيين، أو في ما اقترح صياغته من توجه أدبي حديث... فقد كان رائده، في هذا وذاك، تحرير العقل من القبليات. إلا أنه في ما كان يحيل إليه من فكر غربي، أو يعيده إلى الحضارة الغربية، كان يأخذ فيه هذه الحضارة، بفكرها وثقافتها، بمنطق التسليم بما تقول... فقد مثلت له حالة اكتمال العقل والعقلانية...‏
ولعله، بفعل هذا الموقف، كان يعيد تشكيل سؤال التاريخ ـ بهدف بناء وعي ثقافي وحضاري جديد. فكان سؤال التاريخ عنده سؤال انحراف عن حقائق التاريخ ومساره الفعلي.‏
* تغاير الأسئلة وانحراف الجواب‏
إذا كان هذا التيار الليبرالي العربي قد أخذ عن الليبرالية الغربية نزعتها التحررية، فإنه سيعبّر عن هذه النزعة، ثقافياً، من خلال ما أثار من تساؤلات بشأن ثقافته (تراثه) وبشأن الواقع الجديد الذي كان أن دعا إلى بنائه. وقد كان مفهوم الحرية الفردية، والاستقلال الذاتي للفرد من أكثر المفهومات التي شاعت في فكر هذا الجيل... فضلاً عمّا أشاعه من استنارة فكرية لمواجهة الاتجاهات التقليدية والسلفية في المجتمع.‏
وعلى هذا الأساس، وبمثل هذا التوجّه كان يجري إعداد الذات الجديدة لمسألتين/ موقفين:‏
ـ المفارقة للتيارات السائدة في الواقع المجتمعي العربي، وخصوصاً تلك التي كان يجد فيها نقيضاً للعقلانية الفكرية...‏
ـ وتحقيق التواصل مع الفكر الحديث، متمثلاً بالفكر الأوروبي ـ بحثاً في إمكانات نقل تجربته، ورؤاه، إلى واقع المجتمع العربي.‏
وبهذا كان الفكر الليبرالي قد وضعنا أمام عملية تكوين جديد للذاتية الإنسانية في مجتمعنا: فهذا التيار، الثقافي والفكري، لم يتجه إلى اكتشاف تراثه العربي، بما لنا فيه من إبداع ذاتي ـ كما فعل الجيل النهضوي الأول الذي حقق التواصل مع جذوره الضاربة في أعماق تاريخية تراثه ونظمه الفكرية، بروح متطلعة إلى تحقيق عصريتها... وإنما ذهب مذهباً آخر، مغايراً كل المغايرة في بعض الحالات والمواقف، بحثاً منه عن انتماء آخر، ومرجعية أخرى تربطه أكثر بما كان يتطلع إليه من حياة جديدة يسودها تفكير جديد، ومغاير لما هو سائد. فكان بذلك أن استجاب للمشروع الثقافي والحضاري الأوروبي استجابة وجد فيها التطور المنشود لمجتمعه، بحسب تقديره. فقد كان مفكرو هذا التيار طموحين في تحقيق التفاعل مع الفكر الأوروبي والثقافة الأوروبية ـ بما لها من سمات حضارية جديدة ـ وفي الوقت نفسه كانوا يطالبون مجتمعهم بأن يتفاعل مع "أفكارهم" ويتخذ "توجهاتهم" ـ التي كانت، في أساسياتها، نقلاً عن "الآخر ـ الأوروبي" في ما تعرفوا إليه ممَّا حقق من نهضة وتقدّم.‏
مع هذا التيار، بتوجهه هذا، كان التساؤل عن السبيل الأمثل لتحقيق مشروع نهضوي عربي قد دخل مرحلة جديدة تأطرت ـ بحكم ودواعي المرحلة وطبيعة التوجه فيها ـ بنظرية سياسية وثقافية واجتماعية مغايرة لسابقتها ـ وفي هذا/ ومن خلاله تحدّد المستوى القيمي للعلاقة بالغرب. فقد أرادت هذه "النخبة" لمشروعها الثقافي والحضاري من القيم ما تتحدّد به علاقتها بكل من الغرب ـ بوصفه مرجعاً فكرياً وثقافياً لها ـ وبالواقع الذي تعيش فيه وتعمل... فكان اختيارها هو: القبول بالغرب، وتبني قيمه الفكرية والثقافية والسياسية. فقد نظرت هذه "النخبة" إلى الغرب من خلال حداثته، وأيقنت أن الحداثة غربية أو لا تكون، وأن طريق التواصل مع منجزات هذه الحداثة هو نفسه طريق التواصل مع الغرب ـ إلا أنها أخطأت الطريق حين قبلت لهذا التواصل أن يصبح تبعية...‏
هذا كلّه كان يجري ويتم في مرحلة من التاريخ كان الوطن العربي فيها قد بدأ واقعاً جديداً من حياته السياسية والثقافية والاقتصادية، وكانت القوى الوطنية والقومية فيه تعمل على "تعديل" اتجاه التاريخ ودفعه نحو سيرورات تكون لصالح اختياراته المستقبلية التي تحدّدت، على نحو ما، في:‏
1 ـ تحقيق واقع متحرر، قائم على الاستقلال الوطني، ومتوجه إلى بناء ذاته على أساس الرؤية القومية لواقع الأمة...‏
2 ـ بناء ثقافة عربية جديدة تأخذ نفسها بموجهات موروثها، الثقافي والحضاري القديم، وفي الوقت نفسه تعبّر عن تطلعات الذات العربية المعاصرة.‏
3 ـ توجيه عناصر اقتصادها لتنمية واقعها تنمية وطنية ـ قومية مستقلة.‏
* خلاصة ونتائج‏
1 ـ إذا قلنا، تاريخياً، إن الفكر النهضوي العربي قد نشأ وتكوّن في واقع عربي له خصوصيته، كما كانت له إشكالاته السياسية ومشكلاته الثقافية والحضارية، فإننا يمكن أن نقول أيضاً: إن عوامل عديدة كانت قد حركت الفكر العربي باتجاه هذا الواقع. ليتبنى أطروحاته الأساسية، وفي الخصوص منها ما كان يمثل محاولة/ دعوة خروج بهذا الواقع من كل ما كان يعيق حركة تقدّمه وتطوره، ورفض لعوامل التخلف فيه.‏
2 ـ وإذا كان هذا الفكر النهضوي قد عمد، بداية، إلى إنشاء نظام من الأفكار قادر على تحرير الإنسان عقلاً، وتهيئته لاستقبال مفهومات الحرية والتقدم، مع تأكيد على الهوية التاريخية والخصوصية الحضارية... فإنه كان حريصاً، من خلال هذا كله، على إرساء دعائم تفكير مستقل دعت الإنسان العربي إلى إقامة نهضته الجديدة عليه. ولقد ركّز المفكرون النهضويون الأوائل، في هذا، على الثقافة وما هو ثقافي لما قدروا للثقافة من دور إيجابي يمكن أن تلعبه في مستوى الفرد والمجتمع، على السواء، فضلاً عن فاعليتها في عملية التغيير الاجتماعي.‏
3 ـ كما ركزت الكتابات النهضوية الأولى على ما يشكل مفهوماً جمعياً للهوية، فخصّت بالاهتمام الثقافة والفكر في إطاريهما العربي ـ الإسلامي، لا لتربط هذه الهوية، مكونات وخصائص، بالدين، وإنما لتجعل منها عامل تحريك للمجتمع باتجاه مقاومة الغزو الغربي، وثقافته الكولونيالية ـ بوصفها نقيضاً للثقافة العربية روحاً وجوهراً، ووسيلة استعمار للعقل تمهّد لاستعمار الأمة واقعاً.‏
4 ـ ونظر مفكروا هذا الجيل إلى التحديث، وأطلقوا دعوات التغيير الاجتماعي من خلال تعميق صلة الإنسان بتراثه وتاريخه الحضاري، وذلك لكي يجعل هذا الإنسان من "ذاته"، في أبعادها التكوينية هذه، أساساً ومنطلقاً له في عملية إعادة بناء واقع الأمة. فإن تلك العودة جاءت لتأكيد مسألتين: الهوية القومية، والمرتكز الحضاري والثقافي للشخصية العربية، لكي تستمد منها ثقتها بالحاضر الذي تعيش فيه وتعمل على تطويره، وبالمستقبل التي تتطلع إليه ـ ولم تكن عودة تراجع عن الحاضر أو انكفاء على الماضي.‏
5 ـ وإذا كان الجيل النهضوي الأول قد تعامل مع الصدمة الحضارية التي أحدثها لقاؤه الغرب، وتعرفه إلى جوانب من حياته وثقافته وحضارته، في ما طرحت عليه تلك الحضارة من أسئلة، أو قدمت من تصورات... فإن الجيل النهضوي الثاني ـ الذي سيبدأ مسيرته مع أوائل القرن العشرين ـ سيتلقى هذه الصدمة الحضارية ـ وقد تعرّف إليها على نحو أعمق ـ دفعة واحدة، ليحسّ بتفوّقها عليه. وقد ولد هذا عنده إحساساً بتخلّف ثقافته وقصور وضعه الحضاري، الأمر الذي سيدفعه إلى محاولة التماهي معها من خلال "استعارة" العديد من مفهوماتها وأساليبها الفكرية والمنهجية، ليكون بها/ ومن خلالها في ما كان يرمي إليه من وضع جديد.‏
6 ـ من جانب آخر، كانت هناك اختلافات وتباينات في التكوين الثقافي والفكري، وفي المنظور الاجتماعي والحضاري لدى كل من الجيلين عن بعضهما البعض:‏
ـ فقد كانت البنية الاجتماعية للمجتمع الذي عاش فيه الجيل النهضوي الأول بنية بسيطة التكوين والتركيب، تعاني من انسحاب التخلف عليها قروناً عديدة... وكذلك كانت "مرجعياتها" الثقافية، وتوجهاتها. وأما احتكاكه بالآخر ـ الغربي فقد ظل، هو الآخر ـ محدداً بحدود ضيقة، ويسيرة الشأن...‏
ـ أما بالنسبة للجيل النهضوي الثاني، فقد أصبحت البنية الثقافية والاجتماعية على عصره أعقد تكويناً... إذ تناسج البعد السياسي فيها مع البعد الفكري، والاجتماعي مع الثقافي، فشكل ذلك عنواناً لمرحلة جديدة أصبحت "معرفة الآخر" احتكاكاً مباشراً: إما عن طريق البحوث العلمية، أو من خلال الاطلاع الثقافي الذي ستيسره المعرفة باللغات الأخرى... كما كان من خلال الاحتكاك بهذا الآخر ـ مستعمراً محتلاً.‏
7 ـ ولقد تكرّس في وعي الجيلين أن التطور والتجديد وبلوغ التحديث لا يمكن أن تتم وتتحقق من غير تفاعل مع العصر بمعطياته الحضارية الجديدة. إلا أن الخلاف/ التفارق سينشأ انطلاقاً من قضية الهوية التي وضعت الذات الثقافية العربية النهضوية كل قوّتها فيها. في حين سيمضي التيار الآخر ـ الذي أخذ نفسه بالفكر الليبرالي ورأى اكتمال مشروعه بتمثل أطروحات هذا الفكر ـ إلى القول بالتجانس والدعوة إلى المجانسة مع تيارات الفكر الغربي والثقافة الغربية، متخطياً الحدود القومية للثقافات... الأمر الذي جعل عديد الأطروحات (الليبرالية منطلقاً وجوهراً) لهذا الجيل تنطوي على ميول واضحة، ومؤكدة، نحو الغرب: ثقافة، ورؤية حضارية، ونزوعات فكرية ـ سياسية، بهدف إحداث تغيير جذري في بنية الواقع، كما في نمط العلاقات السائدة فيه.‏
8 ـ ولعل دعوة التجديد والتحديث التي أطلقها مفكر من طراز طه حسين كان أساسها القبول بالقيم الغربية قبولاً مطلقاً. وقد قاده هذا "القبول المطلق" إلى أن يرسم آفاق الانتماء الجغرافي ـ التاريخي لمصر بما يحقق التوافق مع هذا الغرب، أو لا ينعزل عن دائرته... فإذا به يذهب إلى أن البعد الثقافي والحضاري لمصر هو بُعد متوسطي، قافزاً بذلك على النسق القيمي العربي لها، ومتجاوزاً له... وباحثاً، في الوقت ذاته، عن مشترك ثقافي متوسطي يوثق ارتباطه بالآخر ـ الغربي.‏
9 ـ إن أهم، وأخص، ما يمكن أن نأخذه على هذا التيار الليبرالي في الثقافة العربية الحديثة مسألتان:‏
ـ الأولى منهما: أنه استبدل "معرفة الذات" وتأكيد خصوصيتها العربية، تاريخياً وحضارياً وثقافياً، بمحاولة "معرفة الآخر"، وذلك من خلال ما قدمه هذا "الآخر" عن نفسه... وليس من خلال قراءته قراءة نقدية.‏
ـ والثانية: إنه جاء بهذه "المعرفة" ليعتمدها أساساً ومنطلقاً في صياغة "أسئلته" التي حاول فيها مواجهة واقعه/ عصره الحديث.‏
وبذلك كان أن غَيَّبَ من أفق أسئلته هذه ذلك البعد المعرفي ـ التاريخي العربي، بما له من معنى وتشكل خاص ـ أي أن الإنسان العربي، في ما هو ذات حضارية وهوية قومية وثقافة تاريخية، كان غائباً عن أفق تلك الأسئلة.‏
10 ـ وعلى هذا نستطيع القول: إن هذا الجيل كان أن تمثّل أزمة عصره الفكرية والثقافية "تمثلاً معرفياً" في إطار ما انفتح له/ أو انفتح عليه من معرفة عصرية مصدرها الغرب، لا أحد سواه.‏
11 ـ إلا أن هذا "التيار" الذي ما تزال امتداداته تقول بأننا لا يمكن أن نعرف "ذاتنا" معرفة حقة... كان هذا "التيار" قد وجد، ومنذ أوائل القرن العشرين، من يقلب معادلته بالعودة إلى أطروحات الجيل النهضوي الأول، فيقول بعدم إمكان معرفة "الآخر" معرفة حقة إلا من خلال معرفة "الذات" معرفة حقة. وإذا كانت "استعادة الأصول" بالنسبة لذلك الجيل النهضوي الأول قد اعتمدت أساساً في وضع جواب عن أسئلة النهضة... فإن ذلك هو ما فتح أفقاً رحباً للفكر القومي العربي أفاد منه في صياغة أطروحاته الفكرية والثقافية... التي ستتوجه إلى واقع الأمة، في الوقت الذي كان فيه هذا الواقع "مرجعها الفعلي". في حين عمد الليبراليون العرب إلى صياغة سؤال المطابقة مع "الآخر ـ الغربي"، ولم تعنهم الهوية القومية في كثير أو قليل... وكانت الرغبة في التماهي مع ثقافة الغرب قد بلغت ببعضهم حدّ التبعية والاستتباع لهذا الغرب.‏
12 ـ وإذا كان التوجّه الحضاري الجديد هو الذي طبع أطروحات الجيلين النهضويين، الأول والثاني، مع اختلاف في المرجعيات وتباين في المنطلقات... فإن أطروحات الجيل الثالث ستنطبع بما هو فكري ـ سياسي بدرجة أساس، حيث أصبح: التحرر من الاستعمار، وبناء الواقع الوطني على أساس قومي، ضمن تأكيد لمفهوم الوحدة القومية، وبالتالي: تأكيد حضور الشخصية العربية حضوراً تاريخياً... هي الموضوعات ذات الأهمية، والأولوية، في فكر هذا الجيل. كما سيرتبط مفهوم النهضة، في فكره وتفكيره، بالمشروع القومي في أبعاده هذه.‏
*هوامش وتعليقات‏
(1) إذا أردنا تعريف "الليبرالية"، هنا، بالعودة إلى بعض المراجع الأساسية، سنجد تبايناً واختلافاً واضحين بين مرجع وآخر من حيث التعريف:‏ـ ففي حين يعرفها "قاموس أوكسفورد" من خلال "الإنسان الليبرالي" فيصفه‏ بأنه "متفتح الذهن، غير متعصب، منحاز للإصلاحات الديمقراطية"... نجد مراجع أخرى تذهب إلى أن الليبرالية "لون من الفلسفة السياسية ظهر في ظل الرأسمالية"، معيدة إياها إلى مذهب "لوك" والتنويريين الفرنسيين. كما نجد من يحدد: إن الليبرالية تمثل البرنامج الإيديولوجي للبرجوازية الفتية التي كانت تناضل ضدّ بقايا الإقطاع، وتلعب دوراً تقدمياً نسبياً... وكانت تدعو إلى حماية الملكية الخاصة، والمنافسة الحرة، وترسيخ مبادئ الديمقراطية البرجوازية، وإشاعة الحياة الدستورية".‏
ولعل أقرب هذه التعريفات إلى موضوعنا التعريف الذي وضعه مراد وهبة في "المعجم الفلسفي"، والذي يذهب فيه إلى أنها "نظرية سياسية ترقى إلى مستوى الإيديولوجيا، إذ تزعم أن الحرية أساس التقدم، فتعارض السلطة المطلقة، سواء أكانت دنيوية أو دينية".‏
(2) سيكون التيار القومي العربي، بفكره المرتكز إلى وعي الأمة بهويتها الإنسانية، التاريخية الحضارية بما لها من بعد ثقافي، أبرز التيارات التي واجهت الفكر الليبرالي في الواقع العربي، وقد وضع أساساً بديلاً أقام عليه شروط النهضة. إذ انطلق هذا التيار من النظر إلى منزلة الأمة في التاريخ، ومن التأكيد لشروط وعيها بدورها التاريخي، مع تأكيد واضح على أهمية "الدور الجديد" الذي رآه لها، بالنسبة لنفسها وللإنسانية. وإذا كان هذا التيار قد ركز على وعي الأمة بهويتها، وضرورة بناء هذا الوعي من خلال رؤية تاريخية واضحة، فذلك ليواجه، رافضاً، جميع الاتجاهات التغريبية، أو ما يقود إلى فرض التبعية للغرب... معتبراً إياها تيارات غريبة على روح الأمة ومضمون رسالتها الخالدة.‏
(3) سنكون هنا مع الرأي الذي يذهب إلى أن كل فلسفة هي لغتها، كما إن كل فكر هو لغته... لنقول: إن "الهوية" تتحدّد باللغة وثقافتها ـ بوصفهما الحضور التاريخي الشاخص للأمة. وعلى هذا يمكن الكلام على "ليبرالية عربية" و"حداثة عربية" تماماً كما نتكلم على "فلسفة عربية" ـ وإن كان سيبرز هنا مدى الوعي التاريخي بوجود الأمة شرطاً لهذه "الهوية العربية".‏
(4) تجدر الإشارة، هنا، إلى تطور كلا التوجهين واقعاً من خلال أطروحاتهما الأساسية. ففي حين تطور الاتجاه القومي العربي بفعل مساره التجديدي، آخذاً بالمذهب الاشتراكي أرضية لبناء واقع يقوم بكليته المتكاملة من خلال وحدة الأمة... سنجد الاتجاه الليبرالي يتطور فكراً من خلال التنظير للدولة الوطنية ـ القطرية... وسيبلغ في هذا مستوى القبول بالعولمة، سبيلاً لتقدم المجتمع، ولتعميق ارتباطه بالحضارة الإنسانية ـ على حدّ رؤية بعض منظريه.‏

  • Currently 75/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
25 تصويتات / 740 مشاهدة
نشرت فى 12 فبراير 2006 بواسطة nsma

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

233,983