* د. عبد الباسط الجمل
لقد نشأت عن علم الوراثة تكنولوجيا وراثية متقدمة وخطيرة ,وبدأ الكثير يتسائل عن مصير الانسان مع تقدم هذه التكنواوجيا , خاصة ان التكنولوجيا اخذت طريقها بالفعل نحو الانسان , وبدأت الامور تتعقد .
هل هذا حلال أم حرام وما الدليل ؟
الجنين في الحالة العادية ينتج من أندماج المادة النووية الذكرية وهي أحادية المجموعة الصبغية والمادة النووية الانثوية وهي أحادية المجموعة الصبغية اينتج الزيجمت ثنائي المجموعة الصبغية ,والذي ييتابع تمايزه نحو الاكتمال الجنيني ليعطي الجنين .
اذن الزيجوت مادة وراثية ثنائية , وبالتالي أهم شئ هو الحصول على مادتي الاندماج النووي ( الحيوان النووي - البويضة ) ثم تجري لها عملية الاندماج , ويوضع الزيجوت في وسط شبيه بالرحم - اي ملائم للتكوين الجنيني - في مراحل نموه الاولى , وهذا ما يحدث في تكنولوجيا الاخصاب خارج الرحم .
هناك ايضاً العديد من العمليات الوراثية الاخرى التقنوية , زراعة الأجنة ,بنوك الامشاج ... الخ , وسنتعرض لبعض منها في المباحث التالية .
المبحث الاول : الاخصاب خارج الرحم :
الاخصاب عادة يحدث في أعلى قناة فالوب حيث الاندماج النووي بين المادتين الذكرية والانثوية , وهذا يستلزم شرطين :
اولاً : وصول الحيوان المنوي الى أعلى قناة فالوب , فلو عجز الحيوان المنوي عن الوصول لضعف طاقته او تأثير الوسط عليه , لا يحدث الاخصاب .
ثانياً : وصول البويضة بعد قذفها من المبيض الى مكان الاخصاب أعلى قناة فالوب .
ان أختل أحد الشرطين السابقين لا يحدث الاخصاب , ففي بعض الحالات يكون هناك انسداد في قناة فالوب يمنع وصول البويضة الى مكان الاخصاب , او يكون هناك انسداد في الوعاء الناقل للرجل يمنع قذف الحيوانات المنوية , او وجود أنسداد في أعلى قناة فالوب يمنع وصول الحيوان المنوي للبويضة , او ان الحيوان المنوي ضعيف وطاقته لا تسمح له بالوصول الى مكان الاخصاب , او ان الوسط املحيط بالحيوان المنوي مؤثر ولا يمكن أزالة هذا التأثير , ومن ثم تهلك الحيوانات المنوية لكل هذه الاسباب السابقة لجأ العلماء الى الاخصاب خارج الرحم .
وفيه تؤخذ البويضة بتقنية عالية جداً ونحصل على الحيوان المنوي بنفس الطريقة , ويحدث الاندماج بينهما في أنبوبة اختبار معدة خصيصاً لهذا الاندماج ( ولذا تعرف هذه العملية مجازاً ب ( أطفال الانابيب ) ومهيأة بحيث تكون وسط مناسب للنمو الجنيني في مراحله الاولى , ثم يعاد زرعه مرة ثانية في رحم الام لينمو عادياً )
وقد أفتى المجمع الفقهي بمكة المكرمة " يجوز تلقيح الزوجة اصطناعياً وداخلياً فيما بينها وبين زوجها حتى يتم الحمل ولا يلجأ لهذا الا عند الضرورة " .
كما ان هناك فتوى صادرة عن مؤتمر " الانجاب في ضوء الاسلام " .
حول موضوع اطفال الانابيب والام البديلة جاء فيها :
: انه جائز شرعاً قيام الزوجية ,وروعيت الضمانات الدقيقة الكافية لمنع اختلاط الانساب , ( وان كان هناك تحفظ على ذلك سداً للذرائع ) واتفق على ان ذلك يكون حراماً اذا كان في الامر طرف ثالث سواء أكان حيواناً منوياً أم بويضة أم جنيناً أم رحماً " .
وتعددت الندوات والمؤتمرات التي ناقشت كون تكنولوجيا الاخصاب خارج الرحم حلال أم حرام , وسبب ذلك حدوث تلاعب بالأمشاج , ما يهدد البشرية بأختلاط أنسابها , وعلى سبيل المثال بويضة امرأة زوجها عقيم تخصب بحيوان منوي لرجل أخر , رجل زوجته عقيمة يقوم بالأخصاب خارج الرحم بين حيوانه المنوي وبويضة امرأة اخرى , كما ان بعض فاتنات الجمال واللاتي يخشين على أنفسهم ضياع الجمال من متاعب الحمل ومصاعبه , تلجأن لاجراء الاخصاب خارج الرحم , وبعد وصول الجنين لمرحلة معينة في الوسط الخارجي لا يعدا زرعه في رحمها , بل في رحم امرأة مستأجرة لهذا الامر , وبالتالي يكون لهذا الطفل بعد ولادته أمان :
أم امدته بمادته الوراثية , وأم امدته بشحمه ولحمه ( المرأة المستأجرة ) وعلى حد تعبير د. سعيد محمد الحفار في كتابه البيولوجيا ومصير الانسان وتحت عنوان البيولوجيا والطب الوراثي " وهذا معناه تحطيم قدس الامومة " .
ومع تقدم هذه التكنولوجيا وغيرها من أنواع التكنولوجيا البيولوجية والوراثية , بدأت التساؤلات العديدة عن مصير الانسان , وعن القيم الاخلاقية , واي ضمير سيقوم بتوظيف هذه التكنولوجيا فيما أحل الله ؟
لقد بدأت اسئلة كثيرة تفرض نفسها :
هل الانسان متعدد الانساب قادم على الطريق ؟
مفهوم الوالدية والأمومة مع تكنولوجيا الانجاب ؟
المشكلات الشرعية ( على سبيل المثال ) :
الطفل الذي نتج عن أخصاب خارجي بين بويضة امرأة وحياون منوي لرجل , ثم زرع على رحم امرأة مستأجرة , وبعد ولادته اخذته زوجة الرجل ليكون لهما ابناً -
لمن يقول ياأماه ؟
لمن أمدته بمادته الوراثية ؟
أم لمن أمدته بشحمه ولحمه ؟
أم لمن ربته وحضنته بعد الولادة ؟
هل يحق له ان يتزوج التي ربته ( لانها ليست اما حقيقة له ) , وان لم تكن هي سيتزوجها هل يحق له ان يتزوج ابنتها مع العلم بأنه ما اكثر المشاكل الاجتماعية الناجمة عن ذلك , لان جميع الوسط الاجتماعي يعلم بأن هذا الشاب هو أبن هذه الامرأة , وهو في الحقيقة ليس ابنها , وايضا كيف يستطيع تحديد اخواته الحقيقيين من التي امدته بمادته الوراثية , والتي أمدته بشحمه ولحمه , وهو لا يعرف الا انه أبن هذه المرأة و .... و .... الخ .
لكن القول بأن هذه اللتكنولوجيا تخفف الام الحرمان من الابناء , وهم زينة الحياة الدنيا كما يقول الله تبارك وتعالى في القرأن الكريم : ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا ) تخفف الالام ولا شئ فيه بشرط ان لا يجعل النظام الاجتماعي والاخلاقي يختل , وبالتالي يختل ميزان الحياة .
وخلاصة ما سبق : ان تكنولوجيا الاخصاب خارج الرحم حلال بشرط الا تتجاوز الزوجين ومع تعذر الانجاب في الحالة العادية , وخلاف ذلك فهو حرام .
المبحث الثاني : التنويه
كلمة تنوية أتت من كلمة نواة , والنواة ( نواة الخلية الجسمية ) ثنائية العدد الصبغي (2ن) والاندماج معناه اتحاد نواة أحادية المجموعة الصبغية ذكرية مع نواة أحادية المجموعة الصبغية أنثوية , وذلك لاعطاء نواة ثنائية العدد الصبغي .
اذن لو تم الحصول على نواة خلية جسمية (2ن) وزرعت بين ثنايا الرحم ( بتقنيات عالية ودقيقة جدا)
ما المانع ان تنمو الى جنين كامل ؟
لكن جنس الجنين هنا سيتحدد بجنس المنقول منه نواة الخلية الجسمية , لو كانت من ذكر سيكون الجنين ذكر , ولو كانت من أنثى سيكون الجنين أنثى .
اما عن كون حلال ام حرام فلابد من مناقشتها علميا ثم يكون الحك هل هي حلال ام حرام ؟
التنويه كما قلنا سابقا نزع نواة خلية جسمية ثنائية العدد الصبغي وزرعها الى الرحم لتنمو الى جنين .
اذن من الممكن ان تنجب امرأة دون ان يجامعها رجل , بنزع نواة خلية جسمية من جسمها بتقنية خاصة بين ثنايا رحمها لتنمو الى جنين كامل ( أنثى) ومن الممكن نزع نواة خلية جسمية لرجل وزرعها في رحم اصطناعي لتنمو الى جنين ( ذكر ) .
وبالتالي ستحدث عن هذه التكنولوجيا مشاكل عديدة كالتي تنتج عن تكنولوجيا الاخصاب خارج الرحم .
رجل تؤخذ نواة خليته الجسمية وتزرع في رحم امرأة مستأجرة امرأة تريد ابناً من رجل بذاته فتأخذ نواة خلية جسمية منه ( بمعالجة جراحية دقيقة جدا ) وتزرعها ( بتقنية خاصة ) بين ثنايا رحمها لتنجب ابنا عبارة صورة طبق الاصل ( في جميع الصفات الوراثية ) من هذا الرجل صاحب نواة الخلية الجسمية , ومعنى ذلك نا هناك عمليات خلط وعبث بالأنساب , المسألة ستكون عبث بلا حدود , اما لو كان زوجان عقيمان او أحدهما عقيم ولا يمكن علاجهما او علاج العقيم منهما مطلقاً , فيجوز في هذه الحالة لهما استخدام هذه التقنية الوراثية ( التنوية ) .
ولا يجوز ذلك الا للضرورة القصوى ( مع التحفظ الشديد ) وعلة تشديد التحريم في هذه التقنية انها ستؤدي لشيوع الفاحشة , فاذا سئلت المرأة الغير متزوجة مثلا عن سبب حملها ستقول بالتنوية , وما أدرى المشرع هل حملت بالتنوية أم بغير التنوية ؟
وكيف تكون التنوية حلال ولا يتوافر فيها شرط السكينة الذي شرع من اجله الزواج ؟؟
وهو ما عبر الله عنه في القرأن الكريم حيث يقول تبارك وتعالى : ( ومن أياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة أن في ذلك لأيات لقوم يتفكرون ) .
المبحث الثالث : بنوك الأمشاج
بنوك الأمشاج هي أماكن لحفظ الأمشاج فترة زمنية لحين استخدامها والامشاج المحفوظة كانت بداية امشاج حيوانية - لسلالات لها صفات مرغوب فيها - يخشى أنقراضها او للاكثار منها وقت الحاجة .
في هذه التقنية تحفظ الامشاج في نيتروجين سائل مبرد ولمدة عشرين عاماً ( قد تزيد مع تقدم التكنولوجيا) وهذا الامر , ( حفظ الامشاج الحيوانية ) حلال بل ومستحب ويندب اليه الشارع لانه يوفر الخير للبشرية ,والتي أسست لتلقي امشاج الراغبين في أستمرار انجابهم حتى بعد وفاتهم , عن طريق حفظ امشاج هؤلاء والقيام باجراء عملية الاخصاب ثم اكمال النمو , اما بطريقة الاخصاب خارج الرحم ( هنا يزرع الجنين على رحم امرأة غير امه ( لأنها توفيت ) او بأي تقنية اخرى ) .
أي ضمير سيقوم بتنفيذ هذا ؟
من يضمن عدم الخلط في الأمشاج ؟
أليس من الممكن ان يذهب رجل ويحفظ امشاجه هو وامرأة غير زوجته لانهما يريدان ابنا بعد وفاتهما مع عدم علم الزوجة , ومن ثم فهذا الابن سفاح ,رغم ان صاحبي الامشاج قد توفيا ناهيك عن الاغراءات المادية التي ستدفع لمسئول بنك مشيجي للحصول على ابن بعينه من خلال الامشاج المحفوظة .
المسألة اصبحت تجارة ومبالغ طائلة تدفع وخلط وعبث في الامشاج وانتشار للفاحشة والفساد في المجتمع , فحياة الانسان تنتهي بموته , وهذا شئ حرام بالنسبة لمن ؟ للزوجين اما لغير الزوجين فلا شك في تحريمه لانه من قبيل الزنا .
المبحث الرابع : زراعة الأجنة
زراعة الأجنة تكنولوجيا جنينية اخرى يقسم فيها الجنين في مراحل نموه المبكرة بتقنية خاصة ويعاد زراعة هذه الاجزاء مرة اخرى بين ثنايا الرحم لينمو كل جزء الى جنين كامل - ومن ثم سيكونون توائم متماثلة - مستقل عن غيره من بقية الاجزاء وهي تكنولوجيا مفيدة جدا بتطبيقها على الحيوانات , لأننا سنحصل على أجنة اكثر ومن ثم نسل اكثر , بالاضافة الى ان التقنية تجري على أجنة لحيوانات قوية وصفاتها مرغوبة .
لكن مجال تطبيق هذه التكنولوجيا بالنسبة للأجنة البشرية فيه نظر :
اذا أجريت هذه التقنية على أجنة الزوجة دون تجاوز ذلك ( مع التحفظ الشديد والضرورة القصوى ) فهذا جائز , واما ان حدث خلط في عمليات زرع هذه الاجنة فذلك حرام .
انتطبيق ابحاث الهندسة الوراثية على الانسان بهدف تغيير الطبيعة البشرية مخالف للدين ويجب استخدام هذه العلوم في تخفيف الام البشر والقضاء على الامراض , ان الاسلام ليس ضد العقل وفائدة الانسان , لكن استخدام الهندسة الوراثية وتجاربها على الانسان لاحداث خلل في توزيع الذكور والاناث فيه خطورة كبيرة على البشرية .
المبحث الخامس : عمليات التحويل الجنسي
لندرس الدور الخطير الذي يمكن ان تلعبه الهندسة الوراثية في عمليات التحول الجنسي ( تحويل الذكر الى أنثى والأنثى الى ذكر ) وذلك عن طريق تحليل الهرمونات ومن ثم معرفة تتابع الأحماض الأمينية للهرمون وبالتالي تخليقه , ثم يحقن به الشخص الذي يشعر بميل جنسي له ( ليكن هذا الهرمون على سبيل المثال هرمون أنوثة ) وهناك ذكر يشعر بميل نحو الانثى , فيحقن بهذاالهرمون الانثوي المخلق صناعياً , ثم يعامل جراحياً لتغيير الاعضاء التناسلية اي أزالة الجهاز التناسلي الذكري وزراعة جهاز تناسلي أنثوي بتقنية جراحية عالية جداً .
هذا من الناحية العلمية والتقنوية , لكن الامر ليس مطلقاً بمعنى ان الانسان كله ملك لله خالقه , فلا يجوز لهذا الانسان التغيير او التبديل او الحذف او الاضافة في ذلك الجسد الا بشرط ان يكون هذا العمل انقاذا لحياة انسان , وهذا على وجه العموم .
لكن مسألة التحويل الجنسي , تمثل اعتراض على اختيار الله فيما خلق , فالله أختار لك اي خلقك أنثى , فكونك تحاول انتغير من أنوثتك الى الذكورة معناه اعتراض على خلقة الله .
وكذلك بالنسبة للذكر فاله خلقك ذكر ,فكونك تحاول ان تغير من ذكورتك الى انوثة اعتراض على حكم الله .
كما ان عملية الخق لم تحدث عشوائياً , بل بنظام دقيق وبالتالي فأباحية عمليات التحويل الجنسي ستؤدي الى فوضى لا تلتزم بهذا النظام الدقيق .
فالله جل وعلا خلق الذكر وأوجد له في الحياة مهام وكلفه بها , وخلق الانثى وأوجد لها مهام وكلفها بها , وهذا التكليق يرتبط بطاقة كل كل منهما , ودائما الالتزام بالنظام فيه الراحة والاستقرار , اما الخروج عن النظام ففيه الفوضى والانحلال ,وهذا لا ينطبق على الكون فقط من حولك , بل عليك انت ايها الانسان ايضاً , انت في نفسك ملكوت مقنن ومنظم والمقنن والمقنن له هو الله .
وهذا الملكوت ( ملكوت الجسد ) امانة عندك لا يجوز لك التصرف فيها الا لأنقاذ حياة انسان وبدون مقابل مثل عمليات نقل الاعضاء , اما اللعب سواء في الهرمونات الجنسية او غيرها باستخدام تكنولوجيا الجينات او غير ذلك , فهو تبديل لنعمة الله .
واما استخدام عمليات التحويل الجنسي في الحيوانات لأكثار جنس معين ( الذكر او الانثى ) فلا شئ فيه لانه يخدم البشرية

  • Currently 120/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
40 تصويتات / 977 مشاهدة
نشرت فى 6 فبراير 2006 بواسطة nsma

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

233,949