وإذا شئنا أن نحيط علماً بحجم العملية التحريفية الظالمة التي ألمّت بالقيم الإنسانية الرفيعة التي حملها الدستور الإسلامي الرباني ، فلابد لنا أن نعرض جانباً من مواد الدستور الإلهي المذكور ، ونستلهم روحه الإنسانية البناءة ثم نرى بعد ذلك إلى أي مدى استطاع الإنقلاب الرجعي المعادي للنهوض الإنساني الذي قاده الأمويون أن يحقق أهدافه في تحريف الدستور الإسلامي ، وفي الافتئات على كرامة الناس ، وحقوقهم ، وحرّياتهم التي أرست الحركة النبوية الخاتمة قواعدها ، في ضمير التاريخ :
1 ـ إنّ الهدف الأساس لإرسال الرسل ، وإنزال الكتب وإقامة مؤسسة الدولة الإسلامية هو من أجل إشاعة الخير ، وإقامة الحق والمعروف ، وتنفيذ أعلى مبادئ العدالة بين الناس : (لقد أرسلنا
رسلنا بالبيِّنات ، وأنزلنا معهم الكتاب ، والميزان ليقوم الناس بالقسط ) ، (الذين إن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ).
2 ـ إن مبدأ الشورى في إدارة أمور الدولة ، وتسيير دفة البلاد من أرسخ المبادئ التي يعتمدها المسلمون في حياتهم السياسية والإجتماعية في عصر وجود المعصوم عليه الصلاة والسلام ، وفي أيام غيبته .. (وأمرهم شورى بينهم ) ، (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت ، فتوكّل على الله ) .
3 ـ لا يتصدى للمسؤوليات العامة في الأمّة إلاّ مَن كان أهلاً لها ، من حيث التقوى والعلم ، والكفاءة ، واختيار الناس له ، ورضاهم به ..
4 ـ يعزل المسؤولين عن مناصبهم إذا خالفوا الدستور، وبارتكاب الفاحشة وتجاوز الأحكام الإلهية في إدارة شؤون الناس .
5 ـ حق المعارضة السياسية مصون لأية جماعة في المجتمع المسلم ، ولذا بعث الإمام علي بن أبي طالب (ع) إلى الخوارج : «كونوا حيث شئتم ، وبيننا ، وبينكم أن لا تسفكوا دماً حراماً ، ولا تقطعوا سبيلاً ، ولا تظلموا أحداً» ، قال عبدالله بن شداد : فوالله ما قاتلهم حتى قطعوا السبيل ، وسفكوا الدم الحرام .
وهكذا فإن أية جماعة أو أفراد لهم الحق أن يعلنوا أفكارهم وقناعاتهم السياسية الخاصة ، ويدعوا إليها في المجتمع ، من خلال الصحف والخطابة ، وعقد الاجتماعات ، وأمثال ذلك ، ولا ضير عليهم في ذلك ، ولكن ليس لهذه الجماعة أو تلك أن تحمل الناس على تبني أفكارها بالإرهاب ، والقوة فذلك ما تؤاخذهم عليه الحكومة الشرعية . .
6 ـ يحافظ الدستور الإسلامي على حق الناس في الأمن بمختلف حقوله ، والحرية ، والكرامة ، والتنقل ، والسفر ، والتعليم ، والعيش الكريم وما إلى ذلك من شؤون ، وكل ذلك مشخص في نصوص القرآن الكريم ، وأحاديث رسول الله (ص) وشعار الإسلام : (أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) .
7 ـ لا فضل في الإسلام لعربي على أعجمي ، ولا لقبيلة على قبيلة ولا لقوم على قوم .. كلهم لآدم وآدم من تراب ، فلا عنصرية متعالية ، ولا طائفية مقيتة ...
8 ـ لا يفرق الدستور الإسلامي في الحقوق المدنية بين مسلم وغير مسلم مهما كان دينه ، وقد ورد عن أميرالمؤمنين علي (ع) قوله : «إنما قبلوا عقد الذمة ـ يعني أصحاب الأديان الأخرى ـ لتكون أموالهم كأموالنا ، ودماؤهم كدمائنا» ، حتى ورد في بعض النصوص إن المسلم إذا أتلف خمراً لمن يقتنيه من غير المسلمين ، أو قتل له خنزيراً كان عليه غرمه رغم ان الإسلام يحرم كليهما على المسلمين ! !
9 ـ على الدولة المسلمة أن تشيع الأخوّة ، والإتحاد بين الناس ، وتسد كل منافذ الخلاف ، والفرقة ، وتمزق الصفوف ، قال تعالى : (إنّما المؤمنون إخوة ) .
وورد في نهج البلاغة عن الإمام علي (ع) قوله : «الناس صنفان أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق .. » .
10 ـ تكفل الدولة الحاجات الضرورية للناس كالمأكل والملبس والمسكن والعلاج والتعليم لكل مَن كان عاجزاً عن ذلك بسبب تقدم السن أو المرض والبطالة ، أو الغلاء دون تمييز بين الناس وإن خالفوا الدولة في الدين والمذهب أو الرأي السياسي.
11 ـ يتمتع رئيس الدولة ، وكافة قادة البلاد بنفس الحقوق التي يتمتع بها المواطنون عامة وفق الدستور ، والقوانين المعمول بها في البلاد ، وليس من حق الحاكم أن يحتكر مالاً ، أو يتمتع بحقوق إضافية ، هو أو أحد من عائلته أو عشيرته أو حزبه أو قبيلته أو قومه . .
هذه بعض مواد الدستور الإسلامي ، الذي حملها كتاب الله العزيز وسنة المعصوم عليه الصلاة والسلام ، عرضناها لعلاقتها بطبيعة بحثنا هذا ..

  • Currently 90/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
30 تصويتات / 681 مشاهدة
نشرت فى 3 فبراير 2006 بواسطة nsma

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

233,977