محمد عبد ربي
لقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن ظاهرة العنف ضد النساء، إذ أصبح الكثير من الكتب والمجلات يطفح بوصف مسهب لمظاهر هذا العنف وتجلياته على مختلف ميادين الحياة المجتمعية، كما ذهب العديد من الباحثين والدارسين إلى البحث عن تفسيرات علمية لهذه الظاهرة، وإذا كان يبدو جليا أن هذه الدراسات بينت أن النظام الاجتماعي والثقافي والوضع الاقتصادي والمستوى المعيشي كلها عوامل تفسر هذه الظاهرة، فإن الملاحظ هو أن هذه الدراسات والأبحاث لم تضع موضع السؤال علاقة العنف بتشكيل الهوية الرجولية، مما يجعل العنف ضد النساء يبدو كظاهرة عرضية وكمسألة طارئة في الزمان والمكان، كما يتجلى بكل وضوح في خطاب وسائل الإعلام.
يظهر أن هناك علاقة معينة بين العنف وتشكل الهوية الرجولية، حيث أن هذه الأخيرة تتأسس على الهيمنة على النساء بوجه خاص وعلى تحكم الرجال في وسائل الإنتاج المادي واحتكارهم لوسائل العنف الفيزيقي والرمزي، مما يدعونا إلى طرح التساؤل التالي: هل يعد العنف ضد المرأة مكونا أساسيا من مكونات تشكيل الهوية الرجولية؟ وإذا كان الأمر على هذا النحو، فبماذا يمكن تفسير هذه العلاقة؟ وهل تسعفنا المقاربات المعتمدة في تفسير الهيمنة الرجولية على إيجاد تفسير علمي للظاهرة موضوع الدراسة؟
** المقاربات المعتمدة في تفسير الهيمنة الرجولية
كما سبق أن أشرنا في مقدمة هذا المقال، فإن علاقة العنف بتشكيل الهوية الرجولية لم تحض بما فيه الكفاية من الدراسة والبحث، ذلك أن الاهتمام قد انصب أساسا على دراسة الهيمنة الرجولية بوجه عام، حيث اتجه العديد من الباحثين، بالاعتماد على بعض المرجعيات الفكرية والمنطلقات النظرية، إلى البحث عن تفسير لهذه الهيمنة دون الوقوف عند مكوناتها الأساسية، وبانطلاقنا من مسلمة كون العنف بصفة عامة والعنف ضد المرأة بصفة خاصة يعد بعدا أساسيا للهيمنة الرجولية، فإنه يكون من المشروع اعتماد المقاربات المستعملة في دراسة الهيمنة الرجولية لتحليل ظاهرة العنف ضد المرأة لدى الرجال والتعرف على علاقة العنف بتشكيل الهوية الرجولية. فما هو مضمون هذه المقاربات؟
** المقاربة الأبوية البيولوجية
تستند هذه المقاربة على السوسيو بيولوجيا التي تنطلق من كون العدوانية الذكورية الموروثة هي التي تمنح الأسس البيولوجية لهيمنة الذكور على الإناث، وللتراتبية والتنافسية بين الرجال وأيضا للحرب،على أساس ذلك، فإن ستيفن كولدبيرك (Steven Goldberg)، عالم الاجتماع الأمريكي، حاول أن يوضح أن الجانب الهرموني هو السبب في هيمنة الرجل، فالهرمونات الذكرية "التستاسترون" (Testasterone) هي المسؤولة في نظره عن نزعة الهيمنة والعنف لدى الرجل، وهذه النزعة هي الدافعة للرجل كي ينجح في أي ميدان وجد فيه، ويستدل على ذلك، بكون الرجال الفاقدين لهذه الهرمونات الذكرية، يعيشون سلوكات شبيهة بسلوكات المرأة، يرى الباحث أن هذا المعطى الغريزي للهيمنة عند الرجل هو المسؤول عن تفوق الرجل في ميادين متعددة، سواء العلمية أو الاجتماعية أو السياسية الخ، إلى جانب ذلك، فإنه يضيف وجود عامل آخر يزيد من رغبة الرجل في الهيمنة، وهو الجانب البيولوجي الفيزيائي لبنية الذكر الجسدية المتسمة بالقوة.
** المقاربة الأبوية الثقافية
من منطلق اجتماعي ثقافي، فإن المقاربة الأبوية تذهب إلى أن العنف ضد المرأة يرجع بالأساس إلى النظام الأبوي الذي يقوم على هيمنة الذكر الممثل في صورة الأب، رب الأسرة، الواسع النفوذ والسلطة من جهة، وعلى إخضاع المرأة الممثلة في صورة الأم وعلى إجبار الطفل على الطاعة واستدماج قيم البالغين والرهبة الموجودة في السلطة الأبوية، وبذلك يكون الصبي هويته كرجل بالاستناد إلى صورة أبيه النفسية التي يراها منعكسة في سلوك الذكور البالغين المحيطين به، كما ذهب إلى ذلك هشام شرابي. وهذا هو ما يجعل الفرد الذكر، في نظره، ينمو في مجتمعنا قضيبيا، ينزع في شخصيته إلى حب البروز والسيطرة ويحتقر المرأة، ويميل إلى إذلال من هم أضعف منه، وتتجسد هذه الشخصية القضيبية المصنوعة من طرف المجتمع، في أشكال ونسب مختلفة من العدوانية والشراسة وتتميز باعتزازها بذاتها، ويجد صاحبها لذته في إبراز أناه والدفاع عن سمعته وفرض نفسه على الآخرين.

  • Currently 115/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
39 تصويتات / 581 مشاهدة
نشرت فى 3 فبراير 2006 بواسطة nsma

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

233,972