د. نوال السعداوي

هل توجد علاقة بين التمرّد والإبداع؟
الإجابة نعم، لأن الإنسان (المرأة أو الرجل) يعشق الحرية والعدل بالطبيعة، فإذا وجد الإنسان نفسه محاصراً بالقوانين والنظم والقيم الظالمة فلابد له أن يثور ويتمرّد، هنا يكون التمرّد متسقاً مع الطبيعة الإنسانية أو مع الإبداع الإنساني.

الإبداع صفة طبيعية يولد بها الإنسان ذكراً وأنثى، لكن النظم والقوانين والقيم الظالمة التي تفرّق بين الناس على أساس الدين والجنس أو الطبقة، قد لعبت دورها في خنق الإبداع الإنساني عند النساء والرجال، خاصة النساء.

ولماذا خاصة النساء؟
لأن النظم والقيم والقوانين السائدة تجعل المرأة اقل من الرجل في كل شيء حتى العلم والدين والتاريخ تنظر الى المرأة باعتبارها أقل من الرجل عقلاً وشرفاً وقيمة وخلقاً.

تسود هذه القيم والقوانين الظالمة جميع بلاد العالم، لأن نظم العالم يحكمها ما نسميه اليوم "النظام الرأسمالي الأبوي " أو النظام الطبقي الأبوي، وهو نظام يجعل قيمة المال والسلاح فوق قيمة الإنسان، وقيمة الرجل فوق قيمة المرأة داخل الأسرة الصغيرة أو في الدولة والمجتمع الكبير. أنتج هذا النظام على مدى القرون أنواعاً من الرجال والنساء يؤمنون بالمال والسلاح كقيمة عليا، وكذلك أيضاً يؤمنون بتفوّق الجنس الذكوري على جنس النساء.

وأصبح تقسيم البشر بيولوجيا إلى نساء ورجال لا يخدم التقدّم، والمفروض أن نقسّم البشر حسب عقولهم وكيف يفكرون، وهل يشاركون في عمليات الظلم والقمع والحرب وإعلان شأن المال والسلاح على الإنسان؟ أم أنهم يحاربون الظلم والقمع، ويرفعون الإنسان فوق القوة المسلّحة والأموال؟

نحن إذن في حاجة إلى طريقة أخرى لتقسيم البشر، ليس على أساس الجنس أو الجنسية أو العرق أو الدين أو الطبقة أو المهنة وغيرها، بل على أساس موقف الرجل أو المرأة من العدالة والحرية والأمانة والصدق والحب والتعاون الإنساني. ومن هنا نحن في حاجة إلى مفهوم آخر للتضامن والاتحاد، ليس على أساس الجنس أو الجنسية أو الدين أو الطبقة أو غيرها ، بل على أساس الهدف الواحد الإنساني الذي يعارض الحروب المسلحة ضد الشعوب الآمنة، والاستغلال ونهب الموارد بالقوة أو بالخداع السياسي.

وهذا هو ما يحدث اليوم، إنه الفكر الإبداعي الجديد المتمرّد على الفكر القديم الذي كان يعلي من البيولوجيا وعلاقات الدم والقبيلة على العلاقات الإنسانية القائمة على العدل والحرية والمساواة بين الناس. وهذا هو فكر تضامن المرأة العربية، التي تعقد مؤتمرها الدولي السابع في القاهرة من 21-23 مايو 2005 تحت عنوان "الإبداع والتمرد والنساء"، أصبح مفهوم التضامن أكثر إنسانية ورقياً، يشمل الرجال ذوي العقول المتفتحة الرافضين لفكرة سمو جنس الرجال لمجرّد أنهم ذكور، ويشمل أيضاً نساء غير عربيات من جنسيات أخرى، ومن أديان أخرى من ذوات العقل المتفتح الرافضات فكرة سمو العرب لمجرّد أنهم عرب.

علينا أن نتمرّد على الأفكار القديمة، ومنها المثل الذي يقول: "أنا وأخويا على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب "، فهذا المثل يرفع شأن علاقات الدم والبيولوجيا على العلاقات الإنسانية القائمة، على العدالة والحرية واحترام حقوق الشعوب الآمنة. مثلاً: لا شيء يجمعني بكونداليزا رايس أو أية امرأة عربية تتضامن معها أو مع جورج بوش أو شارون، وأنا أتضامن مع رجال في مصر أو في أي بلدان أخرى عربية أو غير عربية يحاربون منطق كونداليزا اليزا وبوش وشارون وأمثالهم.

  • Currently 120/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
40 تصويتات / 482 مشاهدة
نشرت فى 29 ديسمبر 2005 بواسطة nsma

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

233,963