تعودنا منذ مئات السنين على أن تترادف الهواية مع اللهو وتضييع الوقت، وفي عرف الكثير من الآباء "المتساهلين" يمكن للصغير أن يمارس هوايته فقط إذا أنهى فروضه المدرسية وذاكر الدروس واستعد للاختبار وعندها أيضا سيقول الأب وتوافق الأم :"اذهب ونم ابرك لك من تضييع وقتك في هواية فارغة!" ..
والهوايات بدءاً من لعب الكرة والرسم وفك وتركيب الأجهزة القديمة أو تطيير طائرة ورقية أو مصنوعة أو تصفح الانترنت أو لعب البلاي ستايشن أو جمع الطوابع أو تشكيل الصلصال أو أي نوع من الهوايات لا تلقى عندنا الاهتمام الذي تستحقه ولا نعتبرها أبدا وسيلة من وسائل تنمية مشاريع عقول مستقبلية جبارة كما في الغرب، وعبثا نحاول إقناع الآباء بأن ممارسة الصغير لهوايته بحرية ودعم وتشجيع من شأنه أن يحرك فيه كوامن الإبداع ويجعل منه شخصا مهما حين يكبر، وعبثا نناقش أهمية أن يخطئ الصغير لكي يتعلم من خطئه وأن يجد في حياته تحديات منذ الصغر تتدرج صعوبة كلما كبر قليلا حتى ينشط عقله ويستمر في العمل ولا يتوقف حين يصبح طالبا نظيفا يذهب إلى المدرسة ويجلس على مقعده كقطعة منه ولا يغادره إلا حين يخبره الجرس أن الحصص انتهت !
وفي السير الذاتية التي يتقدم بها طالبو العمل عندنا لا نجد فقرة للهوايات ولا نتوقع أن يتحدث طالب الوظيفة خلال مقابلته الشخصية انه يحب لعب الكرة أو يعشق الطبخ في أوقات الفراغ ولن يطلب منه صاحب الشركة أن يعدد له الأشياء التي تحقق له متعة خاصة حين يعملها لأن أرباب العمل عندنا لا يهمهم ما الذي يبهج موظفيهم وإنما بالطبع يهمهم جدا ما الذي يجعلهم أكثر إنتاجا وأكثر اهتماما وعصا الخصم من الراتب على الرقاب وجزرة المكافأة أمام العيون وهذه هي الوسائل التي لا تبلى للترغيب والترهيب، أما أن تخصص المؤسسات أركانا للهوايات أو تستفيد من مهارات موظفيها الخاصة في ساعات لهو بريء مفيد أثناء العطل وفي أوقات متفرقة أثناء العمل كما يحدث بالخارج فان هذا من رابع المستحيلات.
ولسبب ما فقد ترادفت الهواية في أذهاننا ونحن نكبر بالعيب وشغل العيال.. واستجاب الكثير من الكبار لشعور الإحساس بالذنب إذا ما ألحت عليهم هواياتهم خاصة إذا كانت من النوع المبهج !
وكأننا ينبغي أن نقول للبهجة "موتي فينا فقد كبرنا"، بينما الأجدر أن تكبر فينا كلما كبرنا حتى نتقن بحق فن الحياة، ونتذوق بحق متعة النجاح.
فالهوايات المغبونة عندنا كانت هي السبب الحقيقي وراء كل اختراع عظيم والمصدر الكبير لكل علم جديد والبداية الرائعة لكل تطور شهده التاريخ.
سحر الرملاوي